رواية حب فوق الغصون الفصل الثامن عشر 18 والفصل التاسع عشر 19 بقلم سارة نيلغصون18/19 معلش إن اتأخرنا عليك بس بصراحة أنا سيبت غصون براحتها على ما تفكر كويس. قال عُدي بتوتر وقلب مُرتجف:- – لا مفيش مشكلة طبعًا يا عمي دا حقها، وأنا مستعد أستنى. ابتسم والد غصون وقال ليُريح قلبه اللحوح:- – تشرفنا إن شاء الله في الوقت إللي تحبه يا عُدي وتيجي علشان تتعرفوا على بعض أكتر. اتسع بؤبؤ عينه ولم يُصدق ما سمع، تدحرجت دمعة من عينه ثم انحنى مُسرعًا يسجد شكرًا لله.. اتسعت إبتسامة والد غصون وأدرك أن الله حقًا قد رزق ابنته بالرجل الأمثل والصالح المُحب، هذا العوض الذي كان مُتيقن أنه سيأتي في الوقت المناسب تمامًا وما خيب الله ظن الموقنين به أبدًا.. عندما رأت نبيلة ولدها بتلك الحالة بكت فرحًا وابتسمت في آنٍ واحد، فأخيرًا ستراه سعيدًا مرتاح البال بعد رحلة شقاء قاسية جعلته يعتزل العالم. – بجد يا عمي يعني كدا خلاص .. يعني هي كدا غصون وافقت .. طب أجي إمتى!’ – أيه يا عمّ الملهوف براحة شوية دا إنتَ حالتك صعبة والله يا عُدي. شعر بالحرج فهو لم يستطيع كبح سعادته ولهفته، حاول الهدوء فتنفس بعمق وقال بنبرة ينبض منها الفرح:- – بصراحة أنا مش هكذب عليك يا عمي بس أنا كنت هتجنن من التفكير والإنتظار، أنا كنت خايف جدًا، كنت خايف من خسارتها بس كنت واثق بالله لأن أنا دعيت من كل قلبي وبحُسن ظن، أنا مش مكسوف وأنا بقولك الكلام ده بس أنا بحب الصراحة وأحب أكون صريح.. ارتاح قلب والد غصون أكثر وحمد الله بداخله على نِعمه ورزقه الواسع، ابتسم ورد عليه:- – وأنا حبيتك يا عُدي ودخلت قلبي ويشهد ربنا إن بعتبرك زي إبني، بس عايزك تجمد شوية ومتبقاش طري كدا يا باشمهندس.. عَلَت ضحكة عُدي واضعًا يده على رأسه بحرج وهتف:- – حاضر يا عمي عبد القادر هسمع كلامك وأتقل.. وأكمل يتسائل:- – طب أجي إمتى بقاا! – اللاه مش قولت إجمد يا ولد .. دا أنا لسه مخلصتش كلامي.. – دا سؤال بريء يا حاج عبدو. – آآآه منك مفيش فايدة فيك والله .. ماشي يا سيدي أيه رأيك في الجمعة.. – لسه الجمعة!! .. لا دي بعيدة، النهاردة الأتنين وأنا مستني بقالي ١٠ أيام يعني كتير عليا يا عمي، أيه رأيك في الأربع أجي أنا والحاجة معنديش حاجة، دا لو حضرتك مش عندك حاجة يعني.. – أنا مش هقول لغصون على الكلام ده .. هبقى صاحب جدع ليك وهحفظ سرك وإللي بينا، دي غصون لو عرفت مش هقولك بقى .. يمكن كانت العشر أيام طالت لشهر.. – عمي عبد القادر إنت فرحان فيا ولا أيه، راعي حالتي شوية، الجمعة هتبقى بعيد خلينا الأربع.. ضحك والد غصون وقد شعر بقُرب عُدي حقيقةً من القلب، وأردف بقلة حيلة:- – يبقى الأربع يا عُدي .. هقولك أيه أمري لله. – الله يبارك فيك يا عمي مش هنسالك الجمايل دي يا حاج. – ماشي يا بكاش، مع السلامة يا عُدي.. – مع ألف سلامة يا عمّ عبدو… كانت نبيلة تقف تشاهد المشهد بإبتسامة وبعض الدموع وفور أن انتهى عُدي ركض نحوها صارخًا بسعادة نحو عناقها وحضنها الدافيء ثم فجأة حملها لأعلى وهو يقول بسعادة:- – بركة دعاكي يا بيلا .. بركة دعاكي يا أمي، الحمد لله الحمد لله ربنا وضع القبول بقلب غصوني الحبيبة.. ماذا تريد بعد؟!.. تراه سعيد ولم تراه بهذه السعادة من قبل..! هذا ما كانت تدعو به وتتضرع لخالقها من أجله، هذا هو حصادها وما لها بتلك الحياة وكل ما يهمها رؤيته مقر العين مسرور… – قولتلك يا عُدي هتبقى حلالك علشان ربك رحيم أووي بعباده، أنا دعيتلك كتير وكنت عارفة إن مش هيرد إيدي خايبة أبدًا.. قبل رأسها ثم خرج للشرفة وهو ينظر للسماء الصافية وهتف بدموع رقراقة:- – اتحرمت من أبويا من وأنا طفل واتأزمت حالتنا أنا وأمي وكنا راضين يارب ودي في حد ذاتها كانت نعمة كبيرة لأنك كنت معانا بكل خطوة، رزقتني بأم علمتني وعرفتني الطريق لك، وبعدين رزقتني الرضا وبقيت أنظر لكل حاجة في حياتي بعين الإعتبار، مكانش عندي أب بس كان عندي رب حنان رزاق علمني كل حاجة .. وكنت حاسس بالرضا مع إن مكانش في إيدي أي حاجة.. كل ده مش شطارة مني دي كلها نِعم، كون إني معاك يارب في طريقك دي أعظم نعمة تستحق الحمد.. مكانش ليا علاقة نسائية ولا بأي شكل من الأشكال إلا أمي وتفاجأت ببنت كل يوم بتزور أحلامي لمدة خمس سنين، اتعلقت بيها وهنا تيقنت إن دا كله مش إعتباطًا ومش من نسج أحلامي .. أكيد مش هتعلقني كدا علشان أتعذب.. وتكمل الحكاية وإللي كانت بالنسبة ليا معجزة وأشوف البنت على أرض الواقع .. ويكمل رضاك عليا وتمهد ليا الطريق علشان تكون ليا في الحلال… رزقتني عِلم، ووظيفة، ومكانة، ورزق واسع واتردت لنا المظالم.. أخفض رأسه وسقطت دموعه ثم رفعها للسماء مرةً أخرى وقال:- – مش عارف أقول أيه، بس إنتَ رحيم وحنين ورؤوف ورزاق وأنا بحبك يارب .. أنا بحبك أووي ومش عارف أشكرك إزاي على كل النِعم دي .. إنت جبرت قلبي يارب.. ٠•✦||ــــــــــــــــــ بقلم/سارة نيل ــــــــــــــــــ||✦•٠ بنفس التوقيت بالشُرفة وقفت غصون برِداء الصلاة الأبيض والمزركش بغصون وورود صغيرة زاهية.. تنفست بعُمق وهي تشتم الزهور المزروعة بشُرفتها رفعت رأسها للسماء وقالت بمنتهى الرضا:- – على فكرا أنا بحبك أووي .. وعارفة إنك بتحبني يارب.. علشان أنا بحس الحب ده.. أنا عارفة إن صلاة الإستخارة مش معناها إشارة أو رؤيا، بتكون بالتيسير أو التعسير بس أنا عاهدت إن بنتظر إجابة واضحة تريح قلبي وإنت مش بتخذلني أبدًا .. وبعتلي إجابة إمبارح … أنا فرحانة أووي أنا بحسك جمبي ومعايا عالطول متحرمنيش الإحساس ده يارب، خليني جمبك عالطول مش عايزة أتحرم من الإحساس ده. صمتت وهي تتذكر الرؤيا التي بعثها الله لها كإجابة ومحو لكل القلق والشكوك التي بداخلها.. عندما التفت لها فلم يكن عُدي بالهيئة التي عرفته بها.. بل كان يرتدي الإحرام ووجهه ينبعث منه نورٌ ورضا جميل ويبتسم لها ببشاشة ماددً يده لها وهو يقول:- _ إستنيتك كتير أوي يا غصون. لتستيقظ على صوت أذآن الفجر يعلو بالأرجاء فعلمت أنها رؤيا صالحة.. تساقط الدمع من عينيها وقالت وهي تعاود النظر للسماء التي تعشق تأملها:- – إنت راضيتني .. أنا سمعت كلام كتير أووي يجرح حتى من ناس من لحمي ودمي، قالولي إللي إنتِ عيزاه ده مش موجود أصلًا في الدنيا ومستحيل هو إنتِ مش شايفة مجتمعنا .. بس أنا أخدت الكلام ده كأنه إختبار .. إختبار إنت بتشوفني هثبت ولا هتراجع وأقول فعلًا أنا عايشة في عالم الأوهام.. بس أنا بفضلك كنت من وسط وجعي وبكائي أقول لنفسي إثبت أُحد والكلام ده كان بيزدني إصرار وكنت أرد عليهم أقولهم بكرا ربنا هو إللي هيرد عليكم لما إللي بتقولوا مستحيل يتحقق.. كلام جارح .. إنتِ خلاص بقيتي خمسة وعشرين سنة .. إنتِ أصحابك كلهم اتخطبوا واتجوزوا .. إنتِ اتخرجتي وإنتِ متخطبتيش لسة.. خلي بنتك يا هدى تخلغ الخيمة إللي هي بتلبسها دي .. عمر ما حد هيبصلها أبدًا.. كنت دايمًا عارفة إللي في إيدك مش بيتوزع بقوانينهم.. كنت متيقنة إن في خير كبير أووي مستنيني.. كنت ومازلت مؤمنة إللي إنت كاتبه أفضل وأرحم من إللي أنا عيزاه.. نظرات الناس كانت وحشة أووي، مبدأهم غريب أوي، ومع العلم أنا مكانش أقصى أمنياتي زوج ولا الزواج كان عندي طموح أكبر ومازال بس دي سُنة الحياة فدعيت إن مُرادي يكون مُرادك يا الله.. النهاردة إنت راضتني ورديت على كل كلمة اتقالت، رب المستحيل هو أنت يا الله .. وكل يوم بتنعم عليا.. قُربك هو النعيم الحقيقي يارب.. يارب متسبنيش أبدًا وارزقني الذرية الصالحة .. نفسي أجيب ولاد وبنات كتير وتساعدني وتعيني أربيهم على مباديء الإسلام، نفسي أنشأ جيل يبقوا قادة زي خالد ابن الوليد… أنا نفسي أعمل حاجة كبيرة أوي للإسلام، نفسي ذريتي الرسول يتباهى بيهم يوم القيامة… والله بكل إخلاص يارب.. تنهدت بطاقة وقالت:- – أنا بحبك أووي يارب.. دخلت غرفتها وابدلت ملابسها وهي تذكر اسم الله، ارتدت فستان من اللون الفستقي متناثر على مُحيطة لألىء بنفس اللون وخمار رقيق من اللون الكشميري قامت بلفه بطريقة مُميزة ساترة.. – يا غصون .. إنتِ يا بت .. مش عارفة البنت دي بتغطس فين كدا.. – أنا هنا أهو يا هدهد .. بتنمي عليا كالعادة.. – ماشي يا ستي حقك عروسة بقى.. تخضب وجه غصون وحاولت أن تغير مجرى الحديث لكن سبقتها والدتها وهي تُجهز بعض الأشياء:- – عُدي جاي بعد بكرا هو والدته يا عروسة.. – بعد بكرا!! .. بدري أووي يا ماما مش بابا قال هيخليها الجمعة. – أحممم .. سي عُدي مستعجل أوي وقال لأبوكي مش هيقدر يستحمل للجمعة الواد حالته صعبة والله.. بس بصراحة أبوكِ مقليش أنا سمعته وهو بيتكلم، دا كلام بيني وبينك يا ست غصون أوعي تفتني عليا.. شعرت غصون بالحرج وبدأت تجهز وجبتان من الطعام، ثم هتفت بمرح:- – تنفعي في المخابرات والله يا هدهد .. بس بجد بعد بكرا بدري أوي.. – بدري من عمرك يا روحي .. خير البر عاجله يا عروسة.. – ماما بالله تبطلي تقولي الكلمة دي… – عروسة! – أيوا.. – اللاه ما هي حقيقي .. خلاص وست البنات بنتي حبيبتي كبرت وبقت أحلى عروسة .. وأنا هبقى أم العروسة.. – ماما..!! – يا عيون ماما.. – يووه بقا.. – اسكتي يا عدوة الفرحة سبيني أفرح يا بت متعرفيش أنا حبيت عُدي قد أيه في الله كدا مع العلم من إني ولا قعدت معاه ولا اتعاملت معاه بس فعلًا المحبة دي بتبقى رزق.. – أحممم طب أنا هنزل بقى وهرجع عالطول بإذن الله. – خدي بالك من نفسك، بردوة مصممة تنزلي بالوجبتين للولاد دول.. – متقلقيش يا ماما .. ليه الفكرة إللي واخدينها على الأطفال ومتقولوش أطفال شوارع .. الكلمة دي أنا مش بحبها.. وردة ورحيم أنا حبيتهم أوي شكلهم بريء جدًا يا ماما ميستحقوش كدا.. – أيوا يا بنتي بس الدنيا بقى يحصل فيها حاجات غريبة وأنا خايفة يكون حد مسلطهم ولا حاجة.. – لا يا ماما .. صدقيني عيونهم كانت بتقول وجع كبير أووي قدرت أقرأه وأنا واثقة إن طالما أنا ناوية خير ربنا مش هيضيعني وهيكون معايا.. – نعم المولى ونعم النصير يا بنتي .. يلا أنا مستبشرة خير إللي يخلوا بنتي غصون تقوم وتتشملل كدا وتعمل أكل إنما أيه فراخ ولحمة ومكرونة بشاميل ولا أجدع عزومة متفائلة خير والله من وراهم .. وكمان ما شاء الله شوفتي رؤيا جميلة.. – بقى كدا .. ليه متفتكريش مني أي حاجة حلوة .. أنا مش عارفة ليه نكران الجميل ده يا نااس .. دا أنا سُكرة ورقيقة مثل غصون البان.. – حصل يا أوختي حصل.! .. أبوكِ فرحان أوي وقالي خلي غصون تعمل االازم للولاد دول. – ربنا يبارك فيك يا بابا .. عبدو حبيب قلبي.. – اممم طب يلا انجري من قدامي ومتغبيش علشان عندنا شغل كتيررر. – يا الله دا إللي كنت خايفة منه… ٠•✦||ــــــــــــــــــ بقلم/سارة نيل ــــــــــــــــــ||✦•٠ وقفت غصون بالقرب من إشارة المرور تبحث عنهم، انفرجت أساريرها حينما رأتهم يجلسون على إحدى الدِكاك.. هرعت إليهم وهي تبتسم في سعادة. – يا أهلًا بالحلوين.. حينما رأتها الطفلة ابتسمت وهبطت نحو غصون محتضنها:- – غصون .. كنت خايفة متجيش .. الفطاير كانت حلوة أوي. أحاطتها غصون بذراعها بحب وقال بحنان:- – يا روحي وإزاي مجيش لأجمل والورود. نظرت لرحيم المبتهج وهتفت:- – رحيم عامل أيه. – الحمد لله بخير يا غصون. جلست وسطهم ثم عملت على إخراج الطعام وهي تقول:- – عيزاكم تسموا الله كدا وتقولولي رأيكم .. أنا إللي طابخة على فكرا ومش عايزة هدهد أمي تشمت فيا.. أنا جايبة أكلي هناكل سوا.. ابتهج الأطفال الجائعين وبدأوا يأكلون سويًا وغصون معهم غير مدركة أن تلك مرتهم الأولى التي يتناولون فيها مثل هذا الطعام..! – شكرًا يا غصون، دي أول مرة أكل الحاجات دي بعد ما ماما وبابا ماتوا.. شعرت غصون بالألم لأجلهم وقالت:- – الله يرحمهم .. ربنا أرحم من أي حد.. أكملت غصون متسائلة:- – طب قولولي إنتوا عايشين مع مين طيب؟! – مع عمي .. بعد ما ماما وبابا ماتوا أخدنا نعيش معاه.. قالت وردة بحزن وتذمر:- – بس هو مش بيحبنا ولا طنط مراته وولاده كمان.. بيفضلوا يضربوني أنا ورحيم وكمان مش بيدخلونا البيت وبنام تحت السلم .. ولا بيرضوا يأكلونا وبيقولونا نطلع نشتغل ونأكل نفسنا.. صُدمت غصون من كم هذا الجبروت ونظرت للبؤس المرتسم على ملامح الأطفال.. تسائلت غصون:- – طب هما مش بيخافوا يحصلكم حاجة لما تخرجوا كدا في الشارع وتغيبوا عن البيت.. قال رحيم بحزن مزق قلب غصون:- – هما نفسهم منرجعش البيت تاني أصلًا .. في يوم معرفناش نرجع البيت واتأخرنا حتى مسألوش عننا .. وعمو قالنا أنا ووردة ياريتكم ما رجعتوا ربنا ياخدكم ويريحنا منكم… ادمعت عيون غصون وبالكاد تماسكت ثم وبقوة قررت أنها لن تصمت، الله قد بعثها لهم وجعل هؤلاء الأطفال بطريقها ليس عبثًا وقفت وقالت:- – طب يلا بينا.. – هنروح فين يا غصون .. إنتِ خطافة أطفال! ابتسمت غصون على لُطف وردة وتسائلت:- – إنتِ عندك كام سنة يا وردة؟ – تسعة يا غصون.. – وإنت يا رحيم؟ – 12 يا غصون .. بس ليه..! – طب يلا هنروح بيتنا.. – ليه.. – بس متخافوش .. يعني أنا شكلي شرير !! وبعدين في خطافة أطفال بتستأذن إنها تخطف.. يلا يا ولاد وأنا هقولكم.. ٠•✦||ــــــــــــــــــ بقلم/سارة نيل ــــــــــــــــــ||✦•٠ – أنا .. أنا فين وشي .. أنا بقيت مشوة .. إزاي هعيش كدا.. لا لا .. رجعولي شكلي تاني .. رجعولي وشي.. – إهدي يا بنتي .. استعيني بالله واصبري.. نظرت صبا للممرضة ووجها مليء بالضمادات الطبيبة وكذلك أجزاء من ذراعيها وصدرها، شعرت أن الدنيا تدور وجاء بمسمعها تلك الكلمات التي كانت تسمعها لغصون.. وليس هذا فقط بل كانت تتنمر على خِلقة الجميع، تستهزأ بالكثير.. كل المواقف التي قامت بها تمثلت أمامها.. – أنا أستاهل .. دا عقابي على إللي عملته.. كل الناس دلوقتي هيتريقوا عليا وهيقرفوا مني .. محدش هيقبلني خالص.. تعرفي أنا قاسية أووي .. أنا وحشة .. أنا وحشة أووي.. أنا في مرة قولت لبنت كانت مصابة بالسرطان وبتتعالج بالكيماوي .. كان شعرها وقع وحواجبها وشكلها بهتان.. تعرفي قولتلها أيه!! قولتها .. شكلك مُقرف أووي.. تعرفي أنا إللي طلعت مقرفة لأبعد درجة ممكنة.. أكملت بتألم ودموع أغرقت جروحها:- – أنا عايزة أتأسف من الناس دي كلهم.. غصون وإللي زيها… ———————– في مشفى للأمراض النفسية والعقلية.. كانت تجلس أسيل في وسط المرضى وقد نجحت في إقناع الشرطة أنها غير سليمة عقليًا.. – الطريق بقى قصير خلاص .. هقدر أهرب من هنا بكل بساطة وأخلص عليكِ يا غصون.. يتبع… غصون 19 تعالوا ادخلوا واستنوني هنا ثواني. – حاضر يا غصون. ولجت إلى الغرفة ودخلت خلفها والدتها.. – مين دول يا غصون، في أيه يا بنتي.! نظرت لوالديها ثم بدأت تحكي كل ما تعرفه عن رحيم ووردة وقالت:- – وردة ورحيم ملهمش حد في الدنيا وحتى عمهم ميتقالش عليه عمّ لأنه نفسه يتخلص منهم بأي طريقة، فهما ملهمش أمان معاه.. شكلهم أطفال متربية كويس يا بابا ومش ذنبهم حاجة، أنا مأخدتش قرار ألا ما أكلم حضرتك الأول. دي فرصة ناخد الأجر ونمتثل حديث الرسول صلّ الله عليه وسلم .. “أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما.” أنا شوفتها فرصة حسنات نغتنمها.. رحيم يا بابا عنده ١٢ سنة يقدر يشتغل معاك في ورشة الخشب ويبقى ليه الأوضة إللي جمب الشقة يقعد فيها وهي متجهزة من كل حاجة.. أما وردة تقعد معانا هنا ونربيها وأعلمها كل حاجة، نخليهم يكملوا تعليم ونرعاهم وكمان هما يسلوكم.. صمتت وقالت بحماس وتمني:- – حتى لو اتجوزت هبقى بردوة المسؤولة عنهم. وإنت يا بابا تقدر تسأل عن أهلهم الله يرحمهم، أنا سألت عنهم وكانت والدتهم إنسانة صالحة جدًا ووالدهم سيرته طيبة، وسمعت من الجيران إن حياة رحيم ووردة مع عمهم وولادة سيئة لأبعد الحدود وهو مستعد يرميهم في الشارع في أي لحظة.. فكر والد غصون مليًا بينما قالت والدتها مستنكرة:- – إزاي يا غصون ندخل ولاد منعرفش عنهم حاجة بيتنا، إللي بتقوليه دا صعب يتقبل، إحنا ممكن يا بنتي نتكفل بمصاريفهم وهما في أي مكان ولا في دار للأيتام. ابتسمت غصون وقالت بحزن:- – المسألة مش مسألة فلوس ولا مصاريف يا أمي، النفسية والإحتواء والدفء إللي هيتحرموا منهم.. هيكونوا أيه بعد كدا .. أيه النموذج إللي هيبقوا عليه! كفالة اليتيم مش مقصودة بيها الفلوس والأكل والشرب يا أمي، إدخال السرور على قلوبهم وإحتوائهم مش بالفلوس أبدًا، إنك تخلقي لهم جو أسري وتعويضهم إللي اتحرموا منه ومش تحسسيهم أبدًا بالنقص دا المطلوب. وطالما إحنا نقدر على كدا مفيش مشكلة، وبردوة القرار لكم. إنتِ ممكن تبصي في عيونهم وتمسحي على راسهم هتحسي بكلمة يُتم فعلًا.. جربي كدا واطلعي بصيلهم هتلاقي قلبك بيتحرك لهم تلقائي. بعد إذنكم. وجاءت لتخرج فقال والدها:- – استني يا غصون أنا جاي معاكِ. وخرج بصحبتها وجاءت والدتها خلفهم.. وقف والد غصون أمام وردة ورحيم المُنكسين لرؤسهم وحقًا كما قالت غصون يرتسم على وجوههم اليُتم. – اسمك أيه يا حبيبي. تسائل والد غصون لرحيم. رفع الفتى رأسه وقال بتهذيب:- – رحيم يا عمو. – عندك كام سنة يا رحيم.؟ – اتناشر سنة وأنا كنت في المدرسة بس عمو قالي معدتش أروح. شعر والد غصون بالألم والغضب لأجل تلك الأطفال فحقًا يُحركون القلب تجاههم فورًا. انكمشت وردة بأخيها حينما نقل والد غصون أنظاره تجاهها فقال برفق:- – وإنتِ يا مسكرة اسمك أيه. – اسمي وردة يا عمو وعندي تسع سنين ونفسي أروح المدرسة تاني علشان بحبها بس مرات عمو بتضربني وبتقولي مفيش شحاتين بيتعلموا. كانت والدة غصون تشاهد الموقف وحينما تأملت الطفلة وسمعت تلك الكلمات آلمها قلبها وذرفت الدموع.. اتجهت نحوهم ثم جلست على الأريكة وبرفق أشارت لوردة وقالت:- – طب ما تيجي أخد بوسة صغيرة من خدود الورد دي يا أحلى وردة. ترددت الطفلة بعض الشيء لكن حينما اطمئنت لملامح هدى المُحبة اقتربت لتجذبها هدى بأحضانها وعندما استشعرت وردة الحنو منها انغمست بأحضانها أكثر وهي تشعر أن لديها شيء مشترك مع والدتها الراحلة.. جذبت هدى رحيم هو الأخر وقالت وهي تمسد على ظهورهم:- – من النهاردة خلاص بقى دا بيتكم .. وهتروحوا المدرسة وهعملكم كل الأكل إللي بتحبوه ومحدش هيقدر يضربكم. رفعت وردة رأسها لغصون وقالت:- – يعني دول مامتك وبباكي يا غصون وإحنا كدا هنفضل معاكِ ومحدش هيضربنا .. ومش هبقى جعانة تاني.. محت غصون دمعها وأماءت برأسها مبتسمة لتركض نحوها وردة محتضنها بقوة طفلة مردفة:- – أنا بحبك أووي يا غصون .. إنتِ الملاك إللي ماما قالت عليه، هي قالتلي لما كانت تعبانة إنها بعد ما تروح عند ربنا.. ربنا هيبعتلنا ملاك ياخد باله مننا ونبقى معاه.. إنتِ حلوة أوي يا غصون وأنا بحبك. احتضنتها غصون بقوة وقالت وهي تمسد على رأسها:- – وأنا بحبك أووي يا وردتي ومن النهاردة هتبقي صاحبتي وأختي وبنوتي الحلوة ومش هسيبك أبدًا وهنعمل مع بعض حاجات حلوة أوووي.. – هيااااه .. أفرح يا رحيم مش هنروح عند عمو تاني ولا حد هيضربنا.. هنفضل مع غصون وباباها ومامتها.. أنا فرحانة أوي يا رحيم. – وأنا كمان يا وردة .. أنا بحبك أوي يا غصون وبحب عمو وطنط أوي.. شكرًا جدًا لكم وبوعدكم أنا ووردة هنكون محترمين ومش هنعمل حاجة مش كويسة.. قالت هدى بحنان:- – إنت تعمل وتلعب وتهيص وكمان هنتفسح سواا ونعمل إللي نفسنا فيه.. وظلوا يمرحون ويبتسمون وبدأ العمّ عبد القادر يعتني برحيم وبكل ما يخصه، وأخذت غصون وردة بسعادة للغرفة وبدأت بتعليمها أشياءً كثيرة وتحضير الطعام التي تتوق لتذوقه.. ثم اصطحبتها لشراء الملابس وكل ما تحتاجه.. لتُحممها وتُلبسها ملابس جديدة وتُمشط شعرها وتجعله في جديلة رقيقة.. – واووو هدوم جميلة أووي يا غصون وناعمة، وشعري بقى جميل أوي .. رحيم هو إللي كان بيسرحه وكان مش بيعمله حلو.. – لما نلاقي حاجة حلوة وتعجبنا ونبقى مبسوطين، نقول ما شاء الله .. ونحمد ربنا على النِعم دي علشان يدينا أكتر .. نقول الحمد لله.. – الحمد لله يا غصون، أنا بحب ربنا علشان بعتك لنا أنا ورحيم .. الحمد لله يارب أنا بحبك أووي، خلينا عالطول مع غصون وخليها هي وبابا عبدو وماما هدهد يحبونا دايمآ.. ابتسمت غصون وقبلتها من وجنتها بقوة ثم أردفت:- – أيه الوردة الجميلة دي يا ولاد .. ريحتها حلوة وعايزة تتقطف.. – شريرة عايزة تقطفي الورد .. – أنا شريرة .. طب أما نشوف مين هيحكي الحكاية الليلة. جاءت بجانبها مسرعة والتصقت بها هاتفة برجاء:- – خلاص يا غصني .. إنتِ طيبوبة وأحلى غصن في الوجود. – بكاشة … هممم يا ترى ورانا أيه.. قالت وردة تعد على أصابعها:- – هنحفظ سورة التكوير بعدين أسمع باقي قصة سيدنا محمد صلّ الله عليه وسلم بعد ما السيدة حليمة السعدية أخدته، وبعدين نسمع حلقة من شامة في البراري وبعدين نقول أذكار النوم وننام والحمد لله. – الناس إللي بقت حافظة النظام من يوم واحد .. أشطر كتكوت يا أخوتي.. – غصون .. غصون .. قوليلي مين عُدي إللي هيجي بكرا مع مامته .. ماما هدهد مش بتبطل تتكلم عنه.. – ماما هدهد زهقتني بسيرته.. نظرت لها وردة بنصف عين وقالت بشك:- – بقى زهقتك … بس أنا بشوفك بتفرحي يا غصغص.. – بنت .. والله صحيح معدتش في عيال.. عجب العُجاب. – دا عريس غصون .. إنتٍ هتتجوزي عُدي صح.. – بنت..! – خلاص خلاص سكت يا عُدي قصدي غصون يوووه.. ٠•✦||ــــــــــــــــــ بقلم/سارة نيل ــــــــــــــــــ||✦•٠ وقفت الممرضة رجاء بجسدها الضخم أمامها متخصرة وترفع إحدى حاجبيها مع نظرة تبصق شررًا.. انحنت نحوها وأمسكتها من ذراعها بقوة وهتفت بجفاء:- – أيه مفكرة إن لعبتك دي هتفوت عليا يا بت .. كان غيرك أشطر يا حيلتها .. لعلمك من أول ما دخلتي هنا وعيني وقعت عليكِ عرفت إن ده ملعوب منك وإنك بتمثلي علشان تهربي من التخشيبة يا مجرمة.. ضغطت رجاء على ذراعها بقسوة أكثر:- – بس جيتي لقدرك .. هخليكِ تقولي ياريتني كنت اترممت في التخشيبة ولا جيت هنا .. هربتي من المُر للي أمرّ منه.. أنا رجاء على سن ورُمح وهعلمك الأدب يا مسجونة.. انسي إنك تهربي ولا تطلعي من هنا إلا على القبر، دا في أحلامك دخول الحمام مش زي خروجه بما إنك دخلتي هنا بمزاجك وعايزة تإذي خلق الله.. دخلتي وإنتِ عاملة نفسك مجنونة وأنا هخليكِ مجنونة بحق وحقيقي. كانت أسيل مع كل كلمة تنكمش أكثر وقلبها يرتجف خوفًا من نظرات تلك الممرضة التي يرتسم على وجهها معالم الشر فأدركت أنها قد وقعت بين مخالب من لا يرحم، وأن الله يُمهل ولا يُهمل وقد حان وقت الحساب.. لتُعيد ترتيب حسابات جديدة وينهدم بناء أحلامها المؤذية فوق رأسها… ٠•✦||ــــــــــــــــــ بقلم/سارة نيل ــــــــــــــــــ||✦•٠ دخل الغرفة بصمت ثم بدأ بروتين إعتيادي يتفحصها ويكتب أدوية ويمحو أخرى دون أن ينبث ببنت شفة تحت نظرات مِسك الصامتة ووالدتها الحزينة.. إنتهى عُبيدة، فابتسم للخالة فادية وتسائل:- – بعد إذنك يا أمي ممكن أقول كلمتين. – طبعًا يا ابني اتفضل.. نظر باتجاة مِسك وقال بهدوء:- – أووعي تفتكري إن أنا تنازلت، أنا هفضل منتظرك العمر كله، بس عايز أقولك على حاجة إنتِ فاهمة غلط وظلمتيني يا مِسك ومحتاجة تعيدي حساباتك تاني… فكري في كلامي وإلجأي لرب العزة سبحانة وتعالى واستخريه وخدي الإجابة منه.. وإياكِ والتسرُع يا مِسك.. ثم اتجه نحو الباب مبتسمًا وقال:- – السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ٠•✦||ــــــــــــــــــ بقلم/سارة نيل ــــــــــــــــــ||✦•٠ يوم الأربعاء…. _ هاا يا بيلا أيه رأيك هاخد ورد وشوكولاته وأيه كمان .. تورته ولا جاتوه .. ويا ترى هي بتحب لون أيه في الورد!! ظل يتحرك ذهابًا وإيابًا ثم وقف أمام المرآة وتسائل بحيرة:- – أيه رأيك البليزر السمني ولا الرصاصي، وكدا شعري حلو ولا أيه.!! حركت رأسها دون فائدة قائلة بمرح:- – كفاية بقى يا عريس .. والله إنت حلو في كل حالتك يا عُدي.. وقف أمامها وقبل يديها ثم قال:- – بقولك يا بيلا بصي يا ستي إحنا نتفق إن نكتب الكتاب عالطول تبقى خطوبة مع كتب كتاب يعني .. وأقصى حاجة للفرح خمس شهور.. الله يباركلك يا بيلا الجميلة أقفي مع إبنك.. – بس الناس مش هتوافق يا ابني إنتَ ناسي إن بردوة غصون من حقها تتعرف عليك وتتطمن من ناحيتك مينفعش كدا.. – بعد الجواز يا ستي نعمل فترة خطوبة..والله أنا طيب يا بيلا. – عقلي يا نااس .. والله أنا أشك إن الناس دي هتطردك النهاردة ويقولولك اتكل على الله من هنا يا ابني أيه الاستعجال ده كله.. – وتعاونوا على البر والتقوى يا أمي. – طب أيه دخل ده في دي طيب يا سي عُدي.. – مش عارف ليه مش حاسين بيا .. الراحمون يرحمهم الرحمن يا مؤمنين.. – أوعى تفضحني بعمايلك دي قدام الناس يا عم النحنوح. – الله يسامحك يا أمي .. يلا الصبر جميل.. ثم وقف مرة أخرى أمام المرآة يُعدل من هيئة خصلاته وقال بحسم:- – هلبس السمني أحسن .. أخليني في الفواتح.. أما بالنسبة للورد لازم أختار ورد يناسب غصوني.. اممم عرفت باقة الورود هتبقى أيه، هجمع فيها كل إللي عايز أقوله وصفات غصوني.. باقة من الأقحوان تدل على براءتها ونقاءها وعفتها وطهارتها وإخلاصي لها العمر كله إن شاء الرحمن.. وعلى الحواف ورد القرنفل الأحمر بتعبر عن حُبي العميق اللامُنتهي بإذن الله. ابتسم بسعادة وقال بنبرة تقطر فرحًا:- – جايلك يا أرق الغصون وحياتك معايا هتبقى من نوع تاني بوعدك بكدا قدام ربنا. يتبع… الفصل العشرون من هنا |
رواية حب فوق الغصون الفصل الثامن عشر 18 والفصل التاسع عشر 19 بقلم سارة نيل
تعليقات