رواية فراشة في جزيرة الذهب الفصل الرابع 4 بقلم سوما العربي
مساء الخير بعتذر لحضراتكم عن التأخير بس انا مريضة شوية بزيادة، الفصل ده أتكتب بتعب وربنا وحده العالم ضغط على نفسي إزاي عشان أكتبه... عشان كده أتمنى أشوف تفاعلكم عليه وكمان شيروا الرواية لأصحابكم إلي بتحب روايات السفر عبر الزمن وشكراً
★★★★★
الكل وقف بصمت، وكأن أجسادهم إستحالت تماثيل من الشمع أو ربما الحجر.
وحدها فوزية من كانت تهتز مرتعشة، تحرك أنظارها عليهم بجنون، وبدأت تردد بريبة:
-على باب الطيارة؟ وراجع تاني اليونان؟
تحركت بين باب السيارة التي تجلس فيها أبنتها بفستان زفافها الأبيض وبين زيدان والحاج راشد تردد بإتهام:
-يعني مش في البلد أصلاً! ومفهمني إنه عند الحلاق؟!
تحركت عنهم خطوات وبدأت تهزي بجنون :
-لأ وأنا أسأل هو فين عشان تجهيزات الشقة...اصله مشغول في حاجات تانية ..طب فين عشان يجيب الستاير مع البت تقولي أصله راح يشتري النجف ...طب فين النجف هجبه أنا ياماما أصل عصفور راح يشتري لي حاجات..طب فرش الشقة ياعالم.. أصله بيجيب بدلة الفرح ... ولما جه الفرح فين العريس ياهوو..راح للحلاق.. أصله أتأخر والطريق واقف ..كنتوا بتضحكوا عليا.. ضحكتوا عليا كلكوا.
حاول زيدان تهدئتها من تلك الحالة التي تلبستها مردداً:
-أهدي يا حاجة فوزيه..كل إلي حصل ده غصب عننا والله.. كنا عايزين الدنيا تمشي.
تراخى شداد للخلف يفكر بتلك المصيبة فيما هتفت فوزية :
-تمشوا الدنيا...تمشوها فين ولا إزاي؟ هو في حد يقبل بكده..عريس ومتحدد فرحه يسافر..ده إلي شغله برا ومسافر بيرجع قبلها بشهر مش العكس.. مين يرضا بكده.
تحول إتجاه أنظارها على الفور ناحية ابنتها واقتربت منها تردد :
-وأنتي... أنتي كنتي عارفة؟ كنتي عارفة ومدارية ليه؟ كده تستغفلي أمك.
أخذت حورية تهز رأسها بقلة حيلة ودموعها منهمرة لا تتوقف:
-ماكنتش أعرف أنه هيعمل كده..ماكنتش أعرف.
تقدمت فوزية منها تهجم عليها بغل:
-ماكنتيش تعرفي ايييه..ده واطي..باعك وفضحك..
صرخت حورية بفزع وهي تجد أمها على وشك صفعها وأنكمشت على نفسها لكن تقدم زيدان سريعاً و أخد حورية بين أحضانه، ضمها له بقوة يحميها بينما يردد:
-صلي على النبي يا ست فوزية مش كده..دي بنتك بردو....هي ذنبها إيه؟
بتلك اللحظة خرجت فرودس من الداخل ترى حورية التي من المفترض أنها عروس محمود بأحضان زيدان يضمها له فقالت :
-يا خبر إسود و مقندل! إيه إلي بيحصل هنا ده يا راشد؟ و إزاي زيدان يكلبش في مرات أخوه كده .
رفع راشد أنظاره يرى الموقف، فوزية تتقدم تحاول الحصول على حورية لتحاسبها على ما حدث، لكن زيدان يأخذها بأحضانه يخبئها عنها ويحاول تهدئة غضبها.
نظر راشد لزوجته بأعين لامعة ثم تقدم يقول:
-بس أنت وهي خلاص خلصنا.
-خلصنا؟! أه ماهو احنا خلصنا فعلاً..اتفضحنا وإلي كان كان .. و أنا هضربك ليه يا حورية..مانا غلطانة زيك.. أنا إلي وافقت على واحد عواطلي عايش عالة على أخوه ودماغة سارحه منه ... أنا إلي الحق عليا.. الحق عليا إني طواعتك...كان لازم اكسر لك ضلع عشان تتعدلي...لكن بعد أييييه بعد أيييييه ما اتفضحنا وإلي كان كان.
-مافيش فضيحه ولا حاجه إن شاء الله.
-طبعاً مانت ولا على قلبك شر...هو راجل ..لكن أنا بنتي إلي لبست الفستان وصلت القاعة من غير عريسها والمعازيم جم و المأذون..أودي وشي فين من النااااس..يا مرارك يا فوزية يا مراااارك.
خرجت والدة رنا تسأل بقلق:
-جرى إيه يا جماعه.. إيه يا حاج راشد ؟ إيه يا فوزية الناس جوا بدأت تزهق وهتمشي.. فين كتب الكتاب ؟
تحدثت فوزية بعويل:
-كتب الكتاب؟ تعالي أندبي على حظ أختك أندبي..مافيش ياختي...مافيش... أختك وبنتها أتفضحوا.
تقدمت فردوس تسأل بجهل تام وخوف:
-هو أنا في حد هيفهمني في ايه ولا لأ ؟
بادرت فوزية بعويل:
-اقولك أنا ياختي ولا تخلي في نفسك حاجة...ماهو أصل الخبر مش هيبات ... إبنك سافر ياختي...أنا وبنتي اتفضحنا وإلي فضحنا إلي يتخفي إسمه وسيرته إبنك.
شقت فرودس بصدمة وهمت لتسأل كيف ومتى؟
لكن..........هتف الحاج راشد بصوت حاسم:
-بس خلاااص خلصنا..
إلتف ينظر على زيدان يراه وهو يساعد حورية كي تجلس في السيارة من جديد ويناولها الماء وهتف من جديد:
-زيدان.
إلتف له على الفور:
-نعم يا حاج.
-كلم المأذون قوله يدخل على القاعة يالا.
جعد زيدان مابين حاجبيه وأستكملت فوزية عويلها:
-أنتو عايزين تقلبوها جرسة بقاااا.
وسألت فرودس:
-ازاي بس يا....
على صوت راشد :
-بس أنتي وهي وإلي عنده كلمة يبلعها في بطنه... الحته كلها جوا عايزين تفرجوهم علينا .
ترك زيدان حورية وتقدم من والده يسأل:
-أيوة بس إزاي يا حاج؟ معاك مثلاً توكيل من محمود؟
نظر الجميع لراشد الذي قال:
-لأ.
بهت وجههم من جديد فأردف مكملاً:
-زيدان هو العريس.
-أيه؟؟
بينما صدحت زغرودة فرودس على الفور رغماً عنها فهتف زيدان:
-أستني ياما.
لكن راشد لم يبالي له وإلتف لفرودس يردد بينما يلملم عباءته ثم أمرها:
-سيبك منه...زغرطي يا وليه.
فصدح صوت فرودس تزغرد بأقصى طبقة صوت و وقد أحمر وجهها من فرط الفرحة والصدمة معاً.
نظر لها راشد بابتسامة جانبية يحاول مداراتها و تحرك يأخذ زيدان وفوزية بأحد الأركان يتهامسون.
فقال زيدان بهمس:
-كلام إيه ده يابا...دي تعتبر مرات أخويا..عيب ماتصغرناش.
-لو ماعملتش كده هنبقى صغرنا بحق وحقيقي... اخوك غدر بالبت ده كان بيفرش ورايح جاي..فضيحة حورية مش هتيجي حاجة جنب فضيحتنا واحنا راس مالنا وسر صنعتنا في تجارتنا..والبت دي ذنيها إيه ؟ أخلص يا زيدان ماتفرجش المخاليق علينا.
نظر زيدان لفوزية كأنه ينتظر رفضها لكنها لم تفعل وظلت صامته وكأنها قد اعطتت إيجاز بصمتها هذا.
فتحدث راشد يقول:
-يالا يا زيدان....عروستك مستنية.
نظر زيدان على وحورية و ردد متعجباً:
-عروستي؟!! حورية؟!!
وقف لثوانِ متيبساً ينظر عليها فقط وهي تجلس بالسيارة المغلقة عليها لا تعلم بما جرى وتغير.
ولم يحركه سوى أصوات الكل من حولة تحفظه لأن يتقدم ويتمم الزيجة بما فيهم والدة حورية خالتها.
فوجد قدمه تسوقه بالفعل و ولج معهم للداخل يعقد قرانه على...... حورية... أيعقل ؟!
__________________________
في جزيرة الذهب
تقدم بها وهو يحملها بين ذراعيه، فاقدة للوعي، شاحبة، تعتبر جثة هامدة، يتدلى ذراعيها في الهواء مرتخية تماماً.
والكل يقف على الصفين يفسح للملك طريقه، يرونه وهو يحمل تلك البيضاء ومن بينهم السيدة أنچا التي تقدمت من أحد الحراس تسأل:
-ماذا يجري؟
-الفتاة البيضاء التي كانت بالسجن سيدتي؟
-مابها؟
-ماتت.
تهلل وجه أنچا وسألت:
-حقاً
أهتز صوت الحارس ورد:
-أعتقد ذلك سيدتي، فهي قد أضربطت عن الطعام منذ أيام متواصلة.
سعدت أنچا وشعرت وكأن أحدهم أزاح صخره من فوق صدرها....فأشارت للخادم أن ينصرف و وقفت مكانها تأخذ أخيراً أنفاس واسعه بإرتياح شديد.
تغمض عينيها بإستمتاع رهيب كأنها تسمع سيمفونية لبيتهوڤن وهي تستمع لصوت الملك يصرخ في الخدم بكمَد:
-إستدعوا الطبيب....في الحااال.
همهمت بانسجام و نظرت للسماء تردد:
-الشمس اليوم كانت شديدة...همممم...ربما تحتاج إنچا لحمام بارد وبعض التدليك.
ثم تحركت تجاه غرفتها وهي هانئة البال.
في غرفة الملك.
جلس لجوارها بعدما مددها على فراشه الملكي، والتقاط كفها بين يديه يحاول تدليكه، يزداد جنونه وهو يستشعر برودة أطرافها وتراخيها.
فهز رأسه بجزع عليها و وجد نفسه يردد بلا وعي منه:
-لا تروحي...لا تروحي.
نظر لشحوب لونها وبياض شفتيها وهزى بجنون:
-لم أكن أعلم إنك هكذا...لم أكن أعلم أنك قد تفعليها... مجنونه.. بالتأكيد... بالتأكيد..لما؟ لما!
لحظتها دلف الطبيب ينحني بحضرة الملك مردداً:
-أمر مولاي.
وقف راموس عن الفراش سريعاً وقال:
-أفحصها... تبدو على مشارف الموت...هيا أسرع.
أقترب الطبيب خطوات حتى أصبح مقابلها ينظر عليها بإستغراب نوعاً ما، مستغرب لونها وسطهم.
لكنه أنتبه منتفضاً على صوت مولاه:
-تأكد أن تظل على قيد الحياة.
قالها الملك بتحذير.. كان يطلب منه أن يفعل كل مابوسعه لكن طريقته خطيرة كأنه يساومه على حياته مقابل حياتها.
فهز الطبيب رأسه بقلق ثم بدأ يباشر عمله و راموس يتابعه بقلق وجزع.
_____________________________
في أحد قاعات الأفراح
أهالي الحي مجتمعين مع أقارب العروس(حورية)و أقارب العريس الذي كان محمود وبقدرة قادر أصبح زيدان شقيقه الأكبر.
الكل ينظر حوله مستعجب، يتهامسون بينهم و فوزية تنظر لهم بتوتر لكنها وكما أخبرت شقيقتها (قضا أخف من قضا)
وجلس زيدان مهموم...لا يعرف ماذا يفعل، ينكس رأسه أرضاً، ينتظر بحزن شديد ردة فعل حورية.
جعد مابين حاجبيها حين مال أبيه على أذنه يقول:
-يالا يا أبني عشان تدخل بعروستك..الزفة على الباب.
تردد كثيراً وكأنه لا يلمك الجرئة لأن يفعل، نظر للجمع المتواجد من أهالي الحي المستغربين كيف تم عقد القران بزيدان عوضاً عن أخيه ولما تم قبل زفة العروسين وليس بعدها كما هي العادة.
لكنهم صمتوا... فبلأساس كل شيء بهذا الزفاف مخالف، وما بات الكل متأكد منه هو إن هنالك قصه بالقصة.
سحب زيدان نفس عميق يستعد، لا مجال للتراجع.
تقدم للخارج يرفع رأسه بوقار يحاول لأن يبدو ثابتاً.
لكن كل محتولاته ذهبت سدى وهو يرى حورية مع خالتها داخل السيارة تمسح دموعها...تطلع له من خلف النافذة بدموع رافضة الواقع ومايحدث...منكمشة على نفسها وخالتها تحاول تهدئتها وإقناعها...ثواني و تفاجأ بها تمسح دموعها وتأخذ نفس عميق ثم فتحت باب سيارتها.
فتشجع وأقترب منها يساعدها كي تفعل، وقد قابلت كل مساعداته بتعاون وتقبل ..ربما لأنهم أمام الناس وكاميرات الفيديو تسجل....لكنه تقبل... كان راضي.
نظر لها وجدها تنظر له هي الأخرى وذهل.... إنها تبتسم له بإمتنان..كانت تشكره بلا حديث.
رفرف بأهدابه مستغرباً يحاول أن يدرك، لكن زاد عليه الأمر بصوت صديقه الخلوق.. الخلوق جداً وقد تقدم من الخلف يهلل:
-أيه ده.... زيدان عريس!
صفق بكلتا كفيه معاً وأكمل:
-الصلى على الصلى.
عريس؟! جعد زيدان مابين حاجبيه وهو يستوعب الفكرة فقط... هل هو عريس؟! واليوم عرسه؟!!
لم تتوانى له الفرصة فقد قفز عليه صالح يقبله بحماس مردداً من بين قبلاته:
-مبروك.. مبروك يا صاحبي.. مبروك مبروك مبروك.
نفضه زيدان عنه يردد:
-بس يخرب عقلك بهدلتني.
فردد صالح بجنون:
-حقك عليا...حقك عليا... أعذرني يا صاحبي أصلي أتمخولت... فجأة كده بتتجوز... يانهار أبيض يا جدعان...ده انا هدغدغ الدنيا ....رقصني ياولااا.
ثم بدأ صالح في وصلة رقص لم تنتهي... كان يرقص بحماس شديد لدرجة أن زيدان ردد وقد صعب عليه حاله:
-هو أنا كان مقطوع فيا الأمل للدرجة دي.
و رغماً عن حورية ضحكت...على حديث زيدان وعلى رقص صالح كذلك.
ولم يكتف صالح برقصه المجنون بل عزم على فك تشنج العروس خصيصاً...لم يكن صالح أبله أو من عالم آخر، بل كانت لديه خلفية بما حدث وكيف تغير القدر....الذي يعد تغير لذيذ...إعجازي بالنسبة له، ولم يترك حورية إلا بعدما تقدمت في الزفة تتمايل نوعاً ما مع وسط خالتها وأقاربها......
بينما وقفت فرودس تهلل وتصفق من الفرحة وراشد يتابعها بحاجب مرفوع فقالت بنزق:
-جرى إيه يا راجل مالك باصصلي كده.
-لا بس انا ملاحظ إن خشونة الركبة راحت ومابقتش بتنقح عليكي زي ما صدعتينا كل يوم.
-لا والنبي... عدوك..دي قايمة عليا طول النهار
-أمال إيه إلي أنا شايفة ده؟ ده أنتي ولا المهرة إلي بترمح.
-من الفرحة يا راشد من الفرحة..باين ابواب السما كانت مفتوحة ولا إيه؟ الدعوة أستجابت بالظبط.
-دعوة إيه وفرحة إيه...سبيني في الهم إلي أنا فيه.
وقفت فرودس تردد :
-عندك حق... هسيبك أنا في همك وأروح ارقص مع أبني.. خليك قاعد.
أتسعت عينا راشد وهو يجدها تحركت وغادرت بالفعل يردد:
-شوف الولية...راحة ترقص.. ولما إلي برا يرجع هنعمل ايه؟
نظر عليها وجدها ترقص مع زيدان الذي قد تفكك تيبس جسده قليلا في محاولة منه للتماسك أمام الحضور.
وهنا سأل راشد نفسه:
-طب هقول إيه للناس إلي عارفه إن حورية بقالها سنتين مخطوبة لمحمود...وكروت الفرح إلي مكتوب فيها إسم محمود...يا فضيحتك السودة يا راشد.
رفع رأسه ليرى عزيزه وأخيراً أبتسم بفرحه وقد تناغم مع الجو وقد جذبت فرودس يد العروس وبدأ ثلاثتهم يتمايلون سويا.
فوقف راشد ينظر على الحضور ثم ينظر على إبنه ثم ردد بعزم:
-ملعون أبو الناس وكلامهم.
ثم تحرك ناحية إبنه وتدخل في الرقص مع إبنه وزوجته وفردوس وما أن رأه زيدان حتى تهلل وجهه ففتح له راشد أحضانه يضمه له بفرحة غامرة .... أول فرحته يتزوج اليوم...تلك هي الحقيقة الوحيدة التي سيعترف ويفكر فيها اليوم وليتأجل أي تفكير لما بعد أو يذهب حتى للحجيم... أنه اليوم الذي عاش طوال حياته يتمناه ويحلم به.
حتى زيدان حاول أن يعيش اللحظة بعدما أنتقل شعور والده إليه .
_________________________
تمددت أنچا على معدتها عارية تخفي معالم جزعها النصفي بشرشف أبيض تغمض عينيها وتهمهم بتلذذ أثر التدليك الذي تصنعه لها تلك الفتاة.
لكنها إجبرت على فتح عينيها مع صوت خدمتها التي دلفت تردد بجزع:
-سيدتي.. سيدتي..مصيبة سيدتي.
نظرت لها أنچا بنفور وسألت:
-ماذا حدث؟
-الفتاة البيضاء سيدتي.
-مابها.. ألم نخلص منها.
هزت الخادمة رأسها وقالت بأسف:
-لا سيدتي.. يبدو أنها مازالت حيه.
أنتفضت أنچا من مكانها بصدمة وغضب تلف الشرشف حولها ثم تحركت صارخة في خدمتها.
-تعال ساعديني لأتجهز في الحال.
تحركت للداخل تفكر كيف ستتصرف حيال ما أستجد
_______________________
في غرفة الملك
كان يقف من بعيد يتطلع بتوتر تحكم في مواراته لكن سمة شئ داخله كان يرتجف وكم كان بارعاً في إخفاء تلك الرجفة ... نظرة البرود في عيناه لا تتزحزح.
لكنه....رفرف بأهدابه بإستشراق ما أن وجدها تستجيب للسائل المسقي لها من معلقة الطبيب.
وبدأ يقترب من الفراش يسأل:
-هل إستجابت؟
رفع الطبيب رأسه يتنهد براحة ثم قال:
-نعم مولاي..لكن...
تقدم الملك وقد بانت عليه اللهفة هذه المرة حين سأل:
-لكن ماذا؟
-يجب أن تظل تحت الملاحظة مولاي...أقترح أن تذهب لغرفتي.
-ماذااا
صدح بها صوت الملك وقد كان صوته جهوري غاضب، مما جعل الطبيب ينظر له بإستغراب فأي حالة مستعصية بالجزيرة تظل بغرفة الطبيب وطاقمه.
فتحدث على الفور:
-ما الخطب مولاي..هذا فقط كي نراعيها أنا وطاقم التمريض مثل البقية ممن يمرضون بالجزيرة.
نظر الملك على رنا ثم رفع هامته وردد :
-لاا...ستتلقى علاجها هنا.
-هنا؟ بغرفة جلالتك؟!
نظر له الملك وردد ساخراً:
-هذا إن سمحت لي ياحضرة الطبيب.
فأستدرك الطبيب حاله على الفور وقال:
-العفو منك ..العفو منك مولاي لم أقصد.
رمقه الملك بإذدراء ثم ولاه ظهره واتجه ناحية الشرفة ينظر في الفراغ ...
ثم ردد ببرود:
-يمكنك أن تنصرف الأن.
فالتفت الطبيب مغادراً على الفور و ما أن تأكد من مغادرته حتى إستدار وذهب ناحية رنا يقف بجوارها يفكر بأن يتلمس يدها.
لم يتردد كثيراً فقد مد أنامله يتحسسها وكأنه يختبر شئ ما داخله.
وما أن فعل حتى أغمض عيناه يهمهم متلذذاً وجلس لجوارها يسرح بأنامله على خصلات شعرها يسأل بصوت خفيض:
-من أنتي؟ وما أسمك؟ ومن أين ظهرتي لي؟ من أين ؟ أاااااه.
أهه عاليه صدحت منه وهو ينطق باخر كلماته وينظر إليها .
نظر لهيئتها المذرية وملابسها المتسخة من السجن ثم نادى أحد الحراس الذي أتى في الحال.
-أمر مولاي.
-أمر السيدة أنكي بتجهيز حمام دافئ مريح ل...
صمت ينظر إليها يتذكر أنه لا يعرف إسمها حتى الآن وقد قرر تسميتها فأكمل.
-ميرورا.
-ماذا؟
قالها الحارس بإرتباك ما أن أستمع للأسم فخرج الملك عن هدوءه وصرخ فيه:
-ماذا؟ ماذا؟ أكلما تحدثت إلي أحدكم اليوم سألتموني ماذا؟ نفذ الأمر وأذهب حالاً من أمامي.
أنتفض الحارس ورد منتفضاً:
-أمر مولاي.
ثم ذهب لأنكي التي حضرت في الحال تستأذن في الدخول.
سمح له الملك فدلفت تنحني له بينما تردد:
-أمرني الحارس بتحضير حمام ممتاز للسيدة ميرورا؟
نظر الملك مبتسماً لرنا ثم قال:
-نعم...
نظرت أنكي للفتاة البيضاء لتدرك أنها المعنية بالحديث وهنا أدركت مكانة تلك الفتاة وزاد الأمر حين قال الملك:
-هي لن تتمكن من الذهاب معكم لمسافة طويلة، لذا يمكنك إستخدام حمامي.
-ماذا.
أسبل الملك جفناه وقال بنفاذ صبر فأسرعت أنكي مصححة:
-معذرة مولاي...حسناً سأنفذ الأمر ...حسنا.
تحركت تنادي الفتيات ودخلن بهدوء ونجحن في حمل رنا لكن توقفت أنكي على نداء الملك تقول:
-أمر مولاي.
أبتسم الملك بمكر و تسلية ثم قال:
-حينما تستفق أثر الحمام أخبريها بما سأقوله لكي الأن بالضبط .
أتسعت عينا انكي بصدمة مما تسمعه ثم غادر راموس لعمله وهو يضحك بتسلية.
___________________________
بالقاهرة
أنتهى العرس وذهب كل لمنزله.
كذلك دلف الحاج راشد لشقته في الطابق الأول تاركين زيدان يصعد للطابق الثاني مع من اصبحت عروسه...حورية...من يصدق!
فتح الباب و ترك لها المجال زوقياً فدلفت بفستان زفافها وهو بعدها يغلق الباب.
وما أن فعل حتى أنتفضت...الفزع يملؤها...من يصدق حقاً لقد أغلق للتو باب واحد عليها هي وزيدان.
الفكرة وحدها تحتاج مجهود للإستيعاب.
بينما زيدان خلفها يغمض عيناه بأسى ما أن لاحظ انتفاض جسدها يسأل نفسه بتيه( ودي هتصرف معاها إزاي؟ أستغفر الله العظيم يارب.. ربنا يسامحك يا محمود)
تنهد بتعب ثم تقدم يردد:
-حورية أنا عايز أقولك.
قاطعته بصوت منخفض تقول هي:
-ماتقولش حاجة... أنا إلي عايزه أقولك كتر خيرك ..لولاك كان زمان سيرتي على كل لسان.
كان هو من قاطعها هذه المرة يردد برفض:
-قطع لسان أي حد يجيب في سيرتك.
اهتزت أثر صوته...رد فعل طبيعي ومتوقع لكنه لاحظ ونادها بحزن:
-حورية...
رفعت عيناها فيه فسأل بشك:
إنتي بتخافي مني؟
لم تجد مفر فجاوبت بالحقيقة حيث هزت رأسها أيجاباً.
وقتها نكس زيدان رأسه بإستسلام و أمل مقطوع وصله ثم قال بصوت منهزم:
-أتفضلي يا حورية على أوضتك.. وانا هنام في الأوضة التانية .
نظرت له ثم قالت:
-مش هينفع
-ليه؟
مررت عيناها على طوله وعرضه ثم قالت مجدداً:
-مش هينفع
هز رأسه يبتسم بخفة ثم قال:
-لا ماتشليش هم... أتفضلي أنتي على أوضة النوم الكبيرة نامي اليوم كان طويل وبكره بقى نشوف هنعمل ايه؟
لم تجادله بالفعل هي متعبه جدا وتحركت تنفذ مقترحه .
صباح يوم جديد
أستيقظ زيدان يتقلب بألم على سرير الأطفال الصغير بدى علي كعملاق ينام على فراش عقلة الأصبع.
خرج من الغرفة يتأوه بألم...يبدو أن حورية كانت محقة .
وما أن فتح باب غرفته حتى وجدها تطوي سجادة الصلاة مرتديه إسدال مع حجاب،نظرت له بتوتر لا تعلم ماذا تقول أو تتصرف.
وهو كذلك مثلها أو أكثر...لكنها حاولت أن تكسر ذلك الحرج فقالت:
-ثواني وهحضرلك الفطار.
رد بغشم:
-لا ما تتعبيش نفسك.. أنا متعود أفطر مع الحاج والحاجة.
-نعم؟
سألت مصدومة حزينه...ظنته قد يحاول تقريبها منه وأنه هو من سيبادر بإذابة الجليد فقد أصبحا زوج زوجه شاءا ذلك أم لا كما أخبرتها خالتها لكنه لم يفعل .
و ذهب بالفعل تجاه الباب فتحه وغادر وتركها خلفة تدرك ما يحدث.... ببساطة زيدان يخبرها أن لا سبيل للوصل ...هي غير مقبولة يطلب منها التحفظ في كل معاملاتهم فقد كان مجبر مثلها..
تفكيرها كان خاطئ حين أستمعت لنصيحة خالتها.
فذهبت لغرفتها تبدا ملابسها بصمت تام وقد علمت حدودها.
بينما هو أغلق الباب خلفه وهبط الدرج حتى وصل لعند أمه...لم يرد إحراجها...فضل ترك مسافة لها كي تعتاد عليه إما أن تتفضل وتتقبله أو....
صمت يتنهد بحزن... أو تقبله بهدوء دون أن جرح له ولكرامته فقد شبع.
دق على باب شقة والدته التي فتحت وما أن رأته حتى سألت بهلع:
-يالهوي... زيدان..في حاجه يابني.
-في إيه يا أمي....جاي أفطر معاكي زي كل يوم
همهمت فردوس تردد:
-أاااه...لا ماعندناش..شطبنا
-شطبتواو...كلام إيه ده ؟
-زي ما سمعت ياحبيبي... كفاية عليا كده .. أنت خلاص بقا عندك بيت و ست..روح تفطرك . كفاية عليا كده .. يالا يا واد...يخيبك..بقا حد يسيب عروسه زي القمر كده يوم صباحيتها ...روح روح.
ثم أغلقت الباب بوجهه كي لا تدع له أي مجال للحديث أو التفاوض.
و وقف راشد مشدوه....يشعر بالحرج وهو سيعود لحورية كالأرنب الذي حظرته والدته من الثعلب وهو ذهب معانداً ثم عاد باكياً.
فتح باب الشقه وما أن فعل حتى اتسعت حدقتي عيناه مما رأى.....
★★★★
إقتباس من رواية جوري وثلاث نجوم
وقف و هو على شفا خطوة واحدة من الجنون يود جذب خصلات شعره من شدة الغيظ لكن هيبته تمنعه و صرخ في الطبيب مردداً:
_ بابا مين حضرتك أنا مش ابوها و لا أعرفها أنا بس خبطها بالعربية و هي إلي غلطانه كمان على فكرة، لكن شهامة مني هتكفل بعلاجها غير كده مش مسؤليتي .
نظر الطبيب للفتاة الرقيقة و التي تتشبث بثياب ذلك الضابط فرد عليه بغضب :
_ بس هي بتقول إنك باباها .
جن جنون رضوان و هدر عالياً و هو يزيح يدها عن بذلته العسكرية :
_ بابا مين دي شكلها أنسة مش اقل من 19 و لا 20 سنة ، خلفتها أمتى دي و أنا عندي عشر سنين مثلاً ؟ و أنا لو أبوها هنكر ليه ؟
نظر الطبيب لتلك الجميلة الممدة على فراش المشفى وسألها :
_ قوليلي يا حبيبتي هو باباكي و لا جوزك ؟
فرد رضوان صارخاً بجنون :
_ أنا و لا باباها و لا جوزها و لا حتى أعرفها و مش عايز اتعصب عليكوا أكتر من كده بدل ما اقفل لكم المخروبة دي .
انزعج الطبيب بشدة و ردد بحسم :
_ أنت بتهددني ؟ فاكر النجوم الي على كتفك دي هتحميك ؟ البنت دي أي أن كانت حالتها بتقول إنك باباها فهي مسؤليتك .
نظر له رضوان بجنون لا يعرف كيف يتصرف خصوصاً مع تلك الشقراء التي تنظر له ببراءه و إحتياج و ذلك الطبيب المعتوه .