رواية كبير العيله الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم احكي ياشهرزاد مني لطفي



رواية كبير العيله الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم احكي ياشهرزاد مني لطفي 




رواية كبير العيلة - منى لطفي

الحلقة السابعة و الثلاثون 

وقفت تتناول بضعة لقيمات من طعام الإفطار على عجل فنهرتها أمها قائلة:
- يا بنتي اقعدي وافطري بالراحة مش كدا، حد بيجري وراكي؟..

سلافة وهى تبتلع لقمتها بصعوبة:
- يا ماما يا حبيبتي هتأخر على الشغل كدا.. إنتي ناسية إننا في التجمع وشغلي في الدقي؟.. ياللا الحمد لله أنا شبعت، أنا ماشية..
واتجهت إلى أمها تقبلها ثم الى أبيها وانطلقت تتبعها دعوة والديها لها بأن يكفيها الله شر طريقها ويوفقها...
تنهدت ألفت بعمق وهى تراقب أثر ابنتها الغارب لتتمتم في حزن:
- صعبانة عليّا أوي...

وضع رؤوف قدح الشاي على المائدة وقال باطإعتراض:
- مالها يا ألفت؟.. ما هي الحمد لله زي الفل قدامك أهي، سلافة قوية يا ألفت.. وأحسن قرار أخدته إنها رجعت الشغل تاني، هو دا إللي هيملأ وقتها وهيخليها ما تفكرش في حاجات تضايقها، بنتك لازم تعيش حياتها من تاني، جوازها كان تجربة ومرّت بحلوها ومرّها.. مش هنقف عليه وندفنها بالحيا!!...

ألفت بيأس:
- بس انت عارف كلام الناس، متطلقة بعد جواز كام شهر ورجعت شغلها على طول، دلوقتي تشوف كلام زمايلها هيكون عامل إزاي، وإللي هتكون متعاطفة بجد وإللي شمتانه دا طبعا غير الكلام إللي هيطلع و...

قاطعها رؤوف باستنكار غاضب:
- إيه دا يا ألفت؟.. معقول إللي بتقوليه دا؟.. من إمتى إحنا بنربي عيالنا على كلام الناس؟.. إحنا دايما بنقولهم طالما انتوا صح وما بتعملوش شيء يغضب ربنا يبقى ما يهمكوش من حد.. يا ألفت رضا الناس غاية لا تدرك... وما لا يدرك كله يترك كله!!...

ألفت بزفرة عميقة:
- الحمد لله رب العالمين، أنا عارفة ومقتنعة بكل إللي بتقوله دا يا رؤوف، لكن مهما كان دي بنتي واتعرضت لتجربة قاسية جدا وأنا مشفقة عليها من إللي هتشوفه وتسمعه..

رؤوف بجدية:
- الضربة إللي ما تكسرش تقوي يا ألفت.. التجربة لما بنمر بيها بنتعلم منها درس وعلى قد قسوة التجربة بيكون عمق الدرس دا.. الشاطر إللي يستوعب التجربة كويس أوي ويفهم الدرس صح..

سكتا قليلا قبل أن يتحدث رؤوف مقطبا:
- صحيح أومال سلمى ما جاتش تفطر معانا ليه؟...

ألفت بإبتسامة صغيرة:
- مالهاش نفس، هى شهور الحمل في الأول بتكون شهور وحم متعبة.. عموما أنا شوية كدا وهحاول معاها تاكل حاجة حتى ولو بسيطة...

روؤف بزفرة عميقة:
- عارفة يا ألفت إللي قلقني بجد حالة سلمى!.. البنت حامل، يعني طفل جاي في السكة إن شاء الله، ولو سألتيني رأيي هقولك إني ضد أي فكرة إنفصال طالما في أولاد هى إللي هتدفع الثمن في الآخر!!..

ألفت بتنهيدة عميقة:
- عندك حق فعلا يا رؤوف، انا مش عارفة إيه إللي جرى، إللي كان يشوف لهفة غيث وشهاب عليهم كان يقول دول هيشيلوهم في عينيهم.. محدش كان يتوقع أبدا إللي هيحصل وخصوصا طلاق غيث لسلافة..

رؤوف بجدية تامة:
- ما تنسيش ان أمهم هى السبب الرئيسي ان لم يكن الوحيد في إللي حصل كله!... ما كانوش يتوقعوا أبدا ان كره أمهم لبناتنا ممكن يوصل بيها انها تهد حياة ولادها هى وتخرب بيتهم بإيديها.. أبويا الحاج يوم ما كانوا عندنا ساعة الطلاق قاللي إنهم عرفوا وسمعوها بودانهم.. ما انا قولت لكم.. بيقوللي إنهم كانوا مش مصدقين.. مذهولين...

ألفت بأسى:
- وبعد ما حكيت لبنات ولا كأن حاجة حصلت.. سلمى قالت لي بهدوئها إن الحقيقة كان مسيرها تبان بس دا ما يمنعش إنها هتفضل أمهم وهى مش متصورة أن حماتها تكون بالكره والحقد دا كله حتى بعد ما عرفنا بالإنهيار العصبي إللي جالها وان الدكتور طلب إنها تدخل المصحة.. وسلافة هزّت اكتافها بمنتهى البرود وقالت لي بلا مبالاة رهيبة إنه مش فارق معها في حاجة.. كان يفرق لو كان غيث سألها وصدقها من الأول لكن كون إنه يصدق إللي سمعه من أمه بس فدا معناه إنه لسّه زي ما هو.. وإن محاولته إنها ترجع له جات بعد ما عرف مش قبل!.. وإنها دلوقتي اتأكدت إنهم فعلا ماينفعش يكملوا مع بعض!..

قاطع حديثهما حضور سلمى التي ألقت عليهما بتحية الصباح، سألتها ألفت وهى تراها وقد استعدت للخروج:
- إنتي خارجة يا سلمى؟..

سلمى بهدوء وهى تقف بجوارهما:
- أيوة يا ماما.. هاروح أشوف الدكتور عشان الرسالة بتاعتي إللي أنا سايباها بقالي مدة طويلة دي وبالمرة أجدد الأجازة.. مش هقدر على شغل المستشفى والرسالة قلت أركز دلوقتي في السرالة لغاية ما الفترة دي تعدي على خير إن شاء الله وبعدين أظبط الشغل مع دراستي..

رؤوف بإبتسامة صغيرة:
- إن شاء الله تقومي بالسلامة وتجيب لنا ولي العهد.. إلا قوليلي.. هتقدري تسوقي لغاية المستشفى؟..

سلمى بإبتسامة:
- لا يا بابا ما انا هاخد تاكسي، مش هاقدر أسوق في الزحمة دي حضرتك عارف انا هاروح القصر العيني ودا مشوار جامد...

عرضت عليها أمها أن تتناول طعام الافطار ولكنها رفضت وودعتهما وانصرفت تصاحبها دعوات والديها لها بالتوفيق والسلامة..

******************************
******************

دلفت إلى الداخل وهى مغمضة عينيها تماما كما أمرها حينما إقتربا من القصر، دخلت بخطوات بطيئة يمسك بذراعها برفق، قالت وهى تبتسم:
- إنت رايح بيّا على فين يا وِلْد عمِّي؟...

أجابها وقد أقسمت إنها تسمع إبتسامته في صوته الخشن القوي:
- عتخافي يا سلسبيلي وأني امعاكي؟!...

لتجيبه بثقة وتلقائية أخذت بلبّه:
- أني آمنك على حياتي كلّاتها يا ليثي.. وجودك جاري ماعيخليش الخوف يِّعْرِفْ طاريجاه لجلبي لا على نفسيّ ولا على ولاديّ...

همس لها وهو يوقفها مكانها:
- الكلمتين الحلوين داهومّن هكآفئك عليهم بعدين.. ودلوك فتْحي وجوليلي إيه رايك؟..

رمشت بعينيها عدة مرات قبل أن تفتحهما لتطالعها ردهة منزل واسعة وكأنها قد انتقلت إلى قصر من قصور الخيال، ارتسمت إبتسامة إعجاب وعدم تصديق على شفتيها، وابتعدت عنه بخفة وهى تتجول في الردهة بعينيها بين لوحات تزيّن الحائط تجمع بين المناظر الطبيعية الخلّابة وآيات قرآنية تريح النفس، نظرت في الأركان ليطالعها قطع من الأثاث الغالي الثمن يخطف الأنفاس لجماله، قطبت ويه تشعر بقدمها تغوص إلى الاسفل كلما سارت لتنظر أسفل منها فتفاجأ بسجاد أعجمي وثير، تكاد قدمها تختفي وسطها، رفعت عينيها إلى الليث الذي يقف جانبا يراقب إنبهارها بإبتسامة سعيدة ونظرات تحملان حنان العالم كله، اقتربت منه ووقفت أمامه تسأله بإنبهار طفولي وفضول:
- إيه ديه يا وِلْد عمي؟.. صارايط الباشا ديه؟... 

ثم ضحكت برقة ذهبت بأنفاسه وهى تتابع بمرحها الخفيف:
- عارف.. حاسّه كإني في صارايط عابدين إللي كنت بتْفرِّج عليها في التّلَفَزْيوون...

الليث بهدوء حان وهو يميل برأسه عليها ناظرا في عمق عينيها:
- لاه.. ديه مش صارايط الباشا!...

قطبت وتلفتت حولها قبل أن تسأله في حيرة:
- أومال صارايط مين ديْ؟.. حد من جرايبنا دعانا عنديه مثلا؟.. واذا كان اكده ما استجبلوناش ليه؟.. إيه إحنا جينا بدري ولّا إيه؟.. حتى إذا كان من الزوج إنهم يستجبلونا إحنا........

لتصمت فجأة بعد أن أقفل الليث فمها براحته العريضة التي تكاد تبتلع وجهها بأكمله!! ، هتف الليث بحدة مفتعلة:
- واه.. سلسبيل.. اسكتي اشويْ!.. بالعه راديو!!..

أسبلت عينيها في حزن زائف ليبعد يده وهو يكاد يسب نفسه فها هي قد انطفأ بريق السعادة في عينيها، ولكنه كان يمزح معها، أمسك بكتفيها وقال بإلحاح وترجي:
- سلسبيل إنتي ازعلتيْ؟.. أني بمزح امعاكي يا بت عمّي....

لتقلب وجهها مدعية الغضب حتى إذا ما اقترب منها أشارت له بأصبعها ليميل إليها كي تسر شيئا في أذنه، قطب ولكنه مال عليها منتظرا في لهفة ما تريد قوله له لتفااااجئه بـ.. "طوووووووط".... ، انتفض مبتعدا برأسه عنها وهو يحك أذنه بسبابته فيما إنطلقت ضحكاتها المرحة حتى ادمعت عيناها، نظر إليها بنصف عين وقال:
- طووووط!!.. مش عيب حُرمه كبيرة كيفك وتجوول طوووط؟..

رفعت كتفيها بلا مبالاة وقالت:
- إعملك إيه.. أنت إللي بتجيباه إلنافسك، بجه أني راديو يا ليث؟...

الليث وهو يمسك بيدها:
- المْهم.. تعالي عشان تتعرفي بصحاب الجصر..

سار معها حتى وصلا إلى مرآة كبيرة تحتل جزءا كبيرا من الحائط، وقفا أمامها وهى تطالعها بغرابة، حدثت صورته المنعكسة أمامها في المرآة قائلة بعدم فهم:
- إيه ديه يا ليث؟.. لمْرايه ديْ صاحبة الجصر؟.. ، ثم شهقت عاليا متابعة بخوف:
- لا يكون الجصر ديه مسكوون يا ليث؟.. لاه يا خويْ ماليش صالح عاودني دارنا تاني..

سحب ليث نفسا عميقا وتحدث من بين أسنانه بحنق آمرا بينما يقبض على كتفيها يثبتها في مكانها حتى لا تبتعد:
- سلسبيل.. ممكن تجفلي خاشمك ديه؟... ماراية إيه إللي صاحبتها؟... ، ثم زفر عميقا ومال على أذنها بينما تزم شفتيها كالأطفال في حنق طفولي أسره، همس في أذنها:
- إللي جودامك في لمْرايه ديْ تبجى صاحبة الجصر يا سلسبيلي، نوّرتي بيتك وموطرحك يا بت عمي!....

لتحدق في صورته المنعكسة أمامها بذهول متمتمة:
- بيـ... بيتي ومو.. موطرحي!!..

أدارها لتقابله وأجابها وهو يحني رأسه لتتقابل عيناهما وتضرب أنفاسه الساخنة بشرة وجهها الحليبية:
- إنتي ست الدار ديْ يا سلسبيلي.. وإن طولت أجيبلك جطعه من السما ما هتوخّرشي يا بت عمي...

لتفاجئه بإلقائها نفسها بين ذراعيه واحتضانه بقوة أذهلته وهو يلمس تلك القوة تنبع من هذا الجسد الضئيل الذي ما إن يحتويه بين ذراعيه حتى يكاد يختفي، ظلّا لبرهة من الوقت وهى متعلقة بعنقه، حتى أبعدها عنه وهو يهمس:
- إنتي لسّاتك خارجة من المشتشفى، تعالي أفرجك دارنا 
هتعجبك جوي..

ليفاجأ بدموعها الصامتة فسارع بمسحها بإبهاميه فيما قالت وإبتسامتها تتنافى مع دموعها:
- أني جولتلك إني بحبك النَّهاردِه ولّا لاه؟...

الليث بإبتسامة حنون:
- انتي بتجوليهالي في كل دجيجة بتمر علينا وإنتي جصاد عيني وفي حضني يا بت عمي...

ثم قبّل أعلى رأسها قبل أن يسير معها حتى غرفتهما في الطابق الأعلى والذي ما أن همّا بالصعود إليه حتى باغتها بحملها وحينما حاولت الإعتراض أجابها بحنان ولكن حاسم:
- إنتي لساتك تعبانه.. 

وصلا حتى باب الغرفة لينزلها على قدميها ويفتح الباب فتدلف يتبعها ليث، دارت في المكان حولها تطلق آهات الإعجاب بالغرفة بدءا من لون الحائط السماوي وحتى الأثاث النفيس، ولفت نظرها السرير ذو الاربعة أعمدة وقد ذكرها بآخر كانت قد رأته في مسلسل يحكي حقبة الأربعينيات وكان في قصر من قصور الباشوات، لتقطب حائرة فهى قد علقت على ذلك السرير وهى تشاهد الحلقة مع حماتها، وكان وقتها لا يزال راضي حيّا، رفعت عينيها إليه وهو يبتسم وكأنه على علم بما يدور في خلدها، سألته بصوت مبحوح:
- السارير ديه كان نفسيه إللي أني شوفتو...

ليقترب منها مكملا عبارتها:
- إللي شوفتيه في الحلجة إللي كنتي بتابعيها إنتي وأمي جولتي لها وجتها إنك نفسك لو تجعدي على واحد زييه إو بس!!....

همست وهى تحدق فيه بدهشة:
- وانت عرفت كيف؟..

ليرفع يديه قابضا على كتفيها برفق وهو يجيب بينما عيناه ترسلان آيات العشق الصادق إليها:
- كت وجتيها داخل المجعد ما كتّش خابر إنك مع أمي غير لمّن اسمعت حِسِّكْ.. وجتها كلمتك رنّت اف ودْنيّ.. وجانتني فاكِرْها... عشان تعرفي إنه أحلامك أوامر يا بت عمي...

احمر وجهها خجلا، وقالت له بحب:
- ربنا ما يحرمني منيك أبدا ويجدرني أفرحك كيف ما بتفرحني يا ابن عمي...

ثم ما لبثت أن هتفت وكأنها تذكرت شيئا هاما قد غاب عن بالها:
- إلا بالحاج... العيال فين؟.. 

الليث بإبتسامة وهو يقبض على أعلى ذراعيها يقربها إليه:
- عند أمي... هيجعدوا اهناك يومين على ما تجدري تجفي على رجليكي، إنتي ناسية ان الدّكتووور جال مفيش مجهود واصل...

سلسبيل بتلقائية:
- بس أني اتوحشتهوم جوي جوي يا ليث، عشان خاطري يا ولد عمي خلينا ع الأجل إحنا انروح عند أبويا الحاج وأوماي الحاجة... وحشني عدنان وشبل جوووي، وبعدين هو مش هيبجى فيه حد ايساعدني في الدار اهنه؟.. 

الليث بتأكيد:
- أكيد، هاجيبلك إللي يهتم بالدار ونضافته وكل حاجة فيه، عشان... ، ومال عليها هامسا بخبث:
- صاحبة الدار اتخلّي بالها من صاحب الدار!!...

لتضحك بنعومة خطفت دقة من دقاته، فابتعد عنها زافرا بقوة وهو يهتف ناظرا إلى الأعلى:
- الصبر من عنديك يا رب...

لتتعالى ضحكاتها فرمقها بنظرة سوداء ونهرها بحنق زائف:
- بكفياكي عاد يا سلسبيل.. غاوية تنرفازيني أنتي...

قالت سلسبيل بإعتذار ضاحك:
- لاه أبدا.. وانا يهون عليّا زعلك برضيك يا ولد عمي، دجايج أدخل أتسبّح وأغير خلجاتي عشان انروح انشوف العيال وأزور أمي كومان اتوحشتها جوي!!...

وانصرفت من أمامه متجهة إلى الحمام الملحق بالغرفة فلم ترى نظرة عينيه التي كساها الغموض لتلمع كبريق الالماس الاسود!!!!!!!...

*********************************
***************

دخلت غرفتها بالمستشفى ووضعت الملف الذي يحوي أوراق رسالتها فوق سطح المكتب، لترتمي بدورها فوق المقعد خلفه، طرقات صغيرة دلف بعدها زميلها الطبيب "علاء".. كان زميلها في الجامعة وتخرجا سويا وتم تعيينهما في نفس المستشفى ولكن تخصصه هو جراحة المخ والاعصاب وقد أوشك على الإنتهاء من رسالة الدكتوراه، اتقرب منها علاء يحمل قدحين من القهوة الساخنة، وضع أحدهما فوق سطح المكتب أمامها، ليجلس على المقعد المقابل لها وهو يقول:
- بس برافو عليكي يا سلمى، إنتي أنجزتي فعلا جزء كويس من الرسالة...

سلمى بعدم رضا:
- جزء كويس إيه بس يا علاء، مش شايف الدكتور هزأني إزاي عشان بقالي تقريبا ست شهور لا جيت ولا تابعت معاه؟.. انا فعلا مقصرة أوي، المفروض إني كنت هناقش الرسالة دي معاك، أهو انا دلوقتي اتأخرت تيرم كامل تقريبا...

علاء وهو يشير إليها بقدحه:
- يا ستي ما تزعليش نفسك، إنتي ناسية ظروفك إللي فاتت؟.. وبعدين جواز وبيت أكيد طبعا هتتأثري، المهم إنك ما تكسيليش وتخلصيها خسارة تضيعي مجهود السنين إللي فاتت دي كلها..

سلمى بتأكيد وهى تتناول قدحها:
- أكيد طبعا.. ميرسي على القهوة يا علاء جات في وقتها...

قرّبت القدح من فمها كي ترتشفه وما إن شمّت رائحة القهوة حتى أغمضت عينيها منتشية برائحتها التي توغلت في خياشيمها، فتحت عينيها لتطالعها صورة علاء وهو ينظر إليها فاغرا فاه في دهشة، انتبهت إلى نظراته الذاهلة فقالت بضحكة خفيفة:
- إيه أول مرة تشوف حد بيشرب قهوة؟...

ليجيبها بمرح وقد أفاق من ذهوله:
- لا وانتي الصادقة أول مرة أشوف حد بيحب في فنجان القهوة!!!

لتشرد إلى البعيد وإبتسامة ناعمة تعتلي ثغرها حيث كثيرا ما سمعت هذه العبارة من آخر كان في وقت من الأوقات أقرب إليها من نفسها، وكان كثيرا ما يهتف بها بحنق حتى تمادى إلى تحذيرها بأنها لو استمرت على طريقتها هذه في إحتساء القهوة فإنه... سيمنعها من الإقتراب منه ولو بالشمّ حتى!!!..

انتبهت على صوت علاء وهو يقول:
- على فكرة رشا عازماكي على الغدا النهارده، اول ما عرفت انك رجعتي وهى صممت انك تتغدي معنا، وبتحاول تكلمك على موبايلك مقفول..

لتنتبه إلى أنها قد اغلقته قبل ان تدلف إلى مكتب الأستاذ المشرف على رسالتها ونسيت أن تفتحه، فقالت وهى تُخرجه من جيب معطفها الأبيض:
- آه تصدق من ساعة ما كنت عند الدكتور في المكتب وانا نسيت أفتحه...

وما ان فتحته حتى صعقت من كمية الرسائل والمكالمات الفائتة، واسترعى إنتباهها عشرون مكالمة من سلافة فسارعت بالضغط على إسمها وهى تعتذر من علاء برأسها فأشار لها بأنه سينصرف وسيكون بانتظارها حتى ينصرفا سويا...

كانت تخبط بسبابتها فوق المكتب وهى تستمع إلى الرنين من الجهة الأخرى من الهاتف، وما إن أجابت سلافة حتى سارعت بالقول:
- معلهش يا سولي حبيبتي.. قفلت الموبايل وانا داخله عند الدكتور ونسيت أفتحه بعد ما خرجت، طمنيني فيه حاجة؟..

لتجيبها سلافة بصوت مكتوم:
- لا ابدا.. إنتي خلصتي شغل؟..

قطبت سلمى وأجابتها في ريبة:
- آه.. تقريبا يعني، فيه إيه يا سلافة صوتك ماله مش عجبني؟...

سلافة بشهقة بكاء مكتومة انتبهت لها سلمى:
- أنا هاجيلك يا سلمى...

سلمى بكلمة واحدة:
- وأنا مستنياكي..

بعد أقل من نصف ساعة كانت سلافة تنتصب واقفة أمامها في غرفتها بالمستشفى، قطبت سلمى في ريبة واقتربت منها وهى تلاحظ هيئتها الشاحبة وعينيها الذابلتين، وضعت يدها فوق كتفها وقالت باهتمام:
- سلافة.. إيه إللي جرى يا حبيبتي؟.. إنتي... إنتي معيّطه؟!!...

لتهتز كتفي سلافة وترمي بنفسها بغنة في أحضان شقيقتها التي احتوتها بدفء وهى تكاد تفقد عقلها من قلقها على حالة أختها الغريبة، لم يسبق لها وأن شاهدت شقيقتها الصغرى وهى في حالة إنهيار كهذه، حتى حينما تطلقت من غيث لم يصل بها الأمر إلى هذا الحد!!!..

انتظرت حتى هدأت نوبة البكاء الحادة التي داهمتها ثم ابتعدت عنها قليلا وقالت وهى ترفع رأسها إليها بإبتسامة بسيطة:
- ممكن أعرف إيه سبب الدموع دي كلها؟..

رفعت سلافة عينان حمراوين إليها وهمست بصوت خاو:
- هاقولك...

جلستا على الأريكة وبعد أن شربت سلافة بعضا من الماء سردت على مسامع سلمى ما حدث ابتداءا من دخولها إلى المؤسسة حيث تعمل صباحا والى أن خرجت، حكت عن الهمزات واللمزات التي كانت تلاحقها في كل مكان تذهب إليه، وعن تعاطف القلة وشماتة الكثيرين!!..، وعن بعض الهمسات الخانقة التي تشكك بصورة غير مباشرة عن السبب الحقيقي لوقوع الطلاق بعد أسابيع من الزواج!!!! ، سألتها سلمى:
- وهما عرفوا منين إنك اتطلقتي؟..

سلافة بصوت متحشرج:
- أنا إللي قلت لهم، انا ما عملتش حاجة غلط عشان أحط راسي زي النعامة في الرمل، كل شيء نصيب وأنا نصيبي انا وغيث إنتهى لغاية كدا، وإللي جننهم أكتر إني رفضت حد يجيب سيرته بكلمة وحشة حتى لو مجاملة ليا لانه في الاول وفي الاخر ابن عمي، ومهما كان إللي حصل بيننا ما اسمحش لحد يجرّح فيه ولو بربع كلمة، وطبعا لأنهم ناس فاقدين الإحترام وما يعرفوش شيء إسمه إحترام ولا ورد عليهم قالوا يبقى اكيد انه هو إللي سابني واني انا إللي دايبه فيه، وطبعا الكلام ابتدأ يتغير بعد ما كان إني استحق واحد أحسن منه وإنه ما يستاهلتيش بقى طيب ليه ما صبرتيش، ليه ما شوفتيش إيه إللي يريحه وعملتيه، لازم الست تطبع بطبع جوزها، وخدي من دا كتير، لما جيت على آخر اليوم خلاص دماغي كانت هتفجر ومش عاوزة أروّح البيت وانا بالمنظر دا عشان بابا وماما ما يقلقوش خصوصا ماما كانت معارضة نزولي الشغل ولو عرفت هتصمم إني أٌقعد في البيت وما أرجعوش تاني، وأنا مستحيل أعمل كدا، لأني لو عملت كدا يبقى بديهم فرصة إنهم يتكلموا اكتر ويطلعوا كلام تاني وتالت وعاشر، لكن لو روحت واتصرفت انه الامور طبيعية جدا واحده فواحده الكلام هيخفّ وهيلاقوا حاجة تانية تشغلهم عني...

ابتسمت سلمى وهتفت بإعجاب:
- برافو عليكي يا سولي، أنا كنت فاكره إنك مش هترضي ترجعي الشغل، لكن إنتي تروحي وتخلي كل واحد يحط لسانه جوة بؤه!!...

هتفت سلافة بإبتسامة:
- هاربيهم!!!.. انا بس كنت مخنوقة وماعرفتش أتكلم مع حد.... ربنا يخليكي ليا يا سوسو..

لاحقا ولدى إنصرافهم وجدت سلمى علاء في إنتظارها كما أخبرها، كان علاء على معرفة بسلافة وبعد أن حيّاها قالت سلمى بأسف:
- معلهش يا علاء اعتذر لي من رشا، عموما يا سيدي الجايات كتير، وأكيد هاشوفها، وانا هاكلمها أعتذر لها بنفسي وأرتب معها وقت نتقابل فيه..

علاء بجدية:
- إعتذار إيه يا بنتي؟.. لا طبعا مافيناش من كدا، بيني وبينك كانت عاوزاكي تشوفي الزئردتين هناء وشيرين... مجننها....

ضحكت سلافة وقالت:
- هي برضه صممت وسميت هناء وشيرين؟.. 

علاء بتنهيدة عميقة:
- آه، اعمل إيه.. حكم القوي!!!

تبادل الثلاثة الضحك، وسار برفقتهم حتى وصلا إلى سيارة سلافة التي صعدت بينما وقفت سلمى تتجاذب أطراف حديث مرح مع علاء انطلقت على أثرها ضحكاتها قبل أن تصعد إلى مقعدها بجوار سلافة التي لوّحت مودعة لعلاء قبل أن تنطلق، ولكنهما لم ينتبها لعينين رماديتين تراقبهما... وتحديدا سلمى... فيما تلوح العواصف في أفق عيناه بينما يهمس بوعيد وهو يضرب قبضته على سطح سيارته بقوة:
- يا ترى يبقى مين دا يا مدام سلمى؟.. أنا لازم أقول لغيث، الوضع دا ما يتسكتش عليه أكتر من كدا!!!!!!!!!!....

******************************************

دلفت إلى الداخل ما إن فتحت لها الخادمة لتنطلق في خطوات مهرولة تتلهف لرؤية ولديّها و... أمها!!!..، اندهشت حالما صرّح لها ليث أن أمها لدى أبيه في المنزل، ليجيبها على تساؤلها الذي لم يتعد عينيها بقوله أن أبوه من أصر على ذلك لمرض أمها الشديد، لتتقبل هذا التبرير غافلة عن السؤال الأهم.. أين أخويها وزوجاتهما؟... بل كيف وافق والدها من البداية على أن تنتقل أمهم لدى شقيقها؟.. ولكن كان كل ما يهمها هو الإطمئنان على صحة والدتها والتي طمأنها ليث أنها تعاني من أعراض برد شديد!!!!...

كان ليث يلحق بها بخطواته السريعة وهو يشتم في سره فهو يكاد يجب قلقا مما سيحدث لها عندما تعرف... وحتما سوف تعرف!... ومع أنه قد اتخذ كافة الإحتياطات ليضمن ألا يتسرب أي خبر إليها عمّا جرى إلى أن تصبح في حالة صحية أفضل يستطيع هو معها أن يخبرها بكل ما حدث، إلا أن حدسه الداخلي ينبئه بأنها ستعلم.. كيف لا يدري.. ولكنها طالما وطئت بقدميها نفس المكان الذي تمكث فيه والدتها فهى ستعلم، كان يريد إدخالها إلى المصحة النفسية تماما كما أوصى الطبيب ولكن فاجأه والده بأن طلب من الطبيب إحضار ممرضة ملازمة لها فهو لن يرمي بشقيقته إلى مستشفى الامراض العقلية طالما أن حالتها ليست من النوع الخطر بل نتاج صدمة عصبية شديدة، لذا فقد قرر علاجها بالمنزل تحت اشراف طبي على مدار الأربع وعشرين ساعة!!...

هتف بها وكانت قد وصلت إلى غرفة الجلوس:
- سلسبيل.. ، ولكنها لم تنتظر واندفعت إلى الداخل للسلام على عمها وعمتها واللذان قابلاها بحفاوة كبيرة، كانت لا تزال تحدث بسرور معهما حينما انطلقت كتلة بشرية صغيرة إليها لتنحني على ساقيها هاتفة بحب وهى تفتح ذراعيها:
- شبل!!! ، وتلقفته بين ذراعيها تضمه إليها وتقبله بكل حب وهى تستنشق رائحته الطفولية، ليلحق به شقيقه الأكبر وهو يخطو إليها بخطوات متلهفة فتنحني ترغب بحمله هو الآخر حينما يهتف بها ليث وهو يحمل عنها شبل بين ذراعيه تاركا الفرصة لعدنان للتنعم بأحضان والدته:
- واه... عتشيليهم التنييين؟!!!.. هاتي عنك الشبل...

واحتضن شبل مقبلا له، لترفع هى عدنان بين ذراعيها تشبعه قبلا وأحضانا...

لاحقا وبعد صعودها مع أطفالها إلى غرفتهما حيث طلبت منها عمتها الخلود إلى الراحة حتى يحين موعد الغداء رافضة رغبتها برؤية أمها التي تنام الآن بعد أن تناولت الدواء، فلا يجوز إقلاقها في نومها!!!!... وبينما رأى ليث ضرورة إنصرافهم كي تنال قسطا من الراحة، أصرت هى على المكوث لرؤية أمها بعد أن تصحو، فما كان من ليث إلا أن وافق وإن كان على مضض....

تركت طفليها يلهوان بألعابهما واتجهت إلى خزانتهما وتحديدا إلى صندوق موضوع أعلاها، لتجلب كرسيّا خشبيا وتقف عليه لتتناول الصندوق، جلست في زاوية بعيدة وهى تفتح الصندوق تتطلع إلى محتواه بإبتسامة شاردة، مدت يدها بتردد وقبل أن تلمس محتويات الصندوق قبضت عليها وسحبتها سريعا قبل أن تعيد غلق الصندوق ثانية وهى تهمس في نفسها:
- ماعنساكش أبدا يا ابن عمي... مكانك عيفضل جوّاتي وجوّات العيال.. لكن اعذرني عمري ما فكِّرت واني ماراتك ولا عفكّر في غيره وأني امعاه... ليث عطاني كتيير جوي يا راضي.. ومش معنى كلامي ديه إني ممكن في يوم أنساك.. لاه... انت كان ليك يد في سلسبيل دلوك... سلسبيل إللي حبيتك وهى صبية بنت ستاشر سنة... وحبيت ليث وهى بنت تلات وعشرين سنة... بيننا عشرة حلوة وعيال كيف الورد... الله يرحمك يا ولد عمي.. واطمّن علينا أنا ولعيال.. الليث عمريه ما عيفرّط في حدا منينا واصل....

ثم أعقبت كلماتها الخافتة بقراءة الفاتحة على روحه البريئة التي اغتيلت غدرا ليذهب صاحبها شهيدا على يد الخسة والحقارة، ليكسب هو آخرته ويخسر المجرم دنياه وآخرته....
أعادت الصندوق مكانه أعلى الخزانة، ثم التفتت تلاعب صغيريها حينما قال عدنان ببراءة طفولية:
- ماعاوزينش دوكة يا شبل، جدتي تعبانه...

داعبت سلسبيل شعر صغيرها وهى تقول بإبتسامة:
- عفارم عليك يا عدنان، جدتك تعبانه ونايمه ولمنّن تكون ناميه ما نجلجوهاش، دلوك لمّن تصحى عاخدكوم ونروحو نجعدوا امعاها اشويْ...

عدنان ببساطة:
- لاه.. إحنا ما نجدروشي انروحو لجدتي، بوي عدنان وبوي ليث امنبّهين علينا ما نروحيش نواحيها واصل..

قطبت سلسبيل وسألته:
- ليه يا عدنان؟.. هى تعبانه جوي إكده؟...

حرك كتفيه علامة الجهل وأجاب بتلقائيته البريئة لا يعلم أنه يلقي بقنبلة من العيار الثقيل على والدته:
- ماعارفشي.. لكن أني سمعتهوم بيجولوا إن جدتي... اتجننت!!!!!...

لتتسمر سلسبيل في مكانها هتافة بذهول:
- إييييه؟... 

ثم هبّت واقفة من مكانها وحينما لحق بها الولدان حاولت رسم إبتسامة صغيرة ولكنها فشلت بينما تقول:
- خليكو أهنه حبايبيْ.. أني رايحه أشوف حاجه وراجعالكو...

وانطلقت إلى الليث.... فهناك أسئلة كثيرة تدور ببالها وحان الوقت لتعلم أجوبتها كاملا وأولها... هل فعلا جُنّت والدتها؟؟؟؟؟.....

زفر الليث بأسى وهو يقول بضيق:
- ما عارفشي لو سلسبيل عرفت عجولها إيه، كان لازمن اتدخلوها المصحة كيف ما جال الدّكتووور، اجعادها اهنه غلط... انتو داريين بإللي عيجرى لو سلسبيل عُرفت؟... أني ما صدجت إنها رجعت وجفت على رجليها من تاني...

عدنان بجدية لليث الذي يروح ويجيء في المكان تماما كالليث المحبوس:
- اهدى يا ليث يا ولدي مش إكده..

الليث بيأس:
- أهدى كيف يا أبويْ؟.. ، ليكمل بشراسة قوية:
- الله في سماه لومنّ إنها عمتي وأم الغالية ما كان منعني عنها حاجه أو حد.. كنت بيدي – ليرفع قبضته أمامه هاتفا من بين أسنانه – جدرت أنجد الناس من شرّها...

قالت كريمة والدته وهى تشعر بحزن على حال ابنها وزوجته تلك الكنّة التي منذ أن دخلت منزلهم من أكثر من سبع سنوات وهى بمثابة الإبنة لها:
- طب ما تجولها انت يا ليث بدل ما تِعرف من حدا اكده ولا اكده... عرّفها انت يا ولديْ..

ليهتف الليث بغضب قوي:
- أعرّفها إيه يا أماه؟.. أجولها إيه بالظبِّطْ؟.. أجولها ان أمك هي إللي سمَّتِكْ بعد ما كانت رايده اتسمّ مرات اخوكي شهاب وجات فيكي بالغلط؟.. ولا ان امها كانت رايده تجتل مرات عمها لولا ان ربنا بعت لها سلافة بتّها في آخر لحظة؟!!!... ولا بلاش.. ايه رأيكم أجولها ان امها السبب ان غيث ولد عمي ايطلج ماراته وشهاب ماراته اتفوته والعيلة كلاتها تتفركش من تحت راسها؟... أجولها إنه آخرة المتمة أمها اتجننت وانها ممكن تدخل الصرايا الصفرا في أي وجت؟!... أجولها إيه ولا إيه.. حد يجولي؟!!!!!!...

لتأتيه الإجابة من خلفه.. بصوت ميّت لا روح فيه قالت صاحبته بخواء تام:
- ماعادلوش لزوم اتجولي حاجه بعد اكده يا إبن عمي.. كفايه إللي سمعته منيك دلوك!..

ليفتح عينيه على وسعهما شاهقا بقوة قبل أن يلتفت إليها هاتفا إسمها بلوعة:
- سلسبيل!!!!....

طالعته بوجه شاحب كشحوب الموتى، اقترب منها بينما كانت تنقل نظراتها بينه وبين والديه اللذان أخفضا رأسهما حزنا وأسفا، وقف أمامها ومد يديه ليقبض على كتفيها ليفاجأ بأنهما ترتعشان حتى أمسك بهما كتفيها جيدا ليقول محاولا تمالك أعصابه:
- سلسبيل اسمعيني زين.. أني ما...

لتقاطعه بعينين تذبحانه بنظرات الرجاء التي تطالعه بهم، همست بصوت مشروخ مذهول:
- إللي أني سمعته ديه حصل صوح؟.. أمي عِملت إكده فعلا؟.. هى السبب إني خسرت ولدي؟.. هى إللي خربت على خواتي وكل واحد فيهم ماراته فاتته؟.. هى... هى اتجننت صوح يا ليث؟...

حاول ضمّها بين ذراعيه لتدفعه وهى تصيح بهستيرية حيث انهارت مع آخر كلمة خرجت منها:
- جولي يا ابن عمي ديه صوح؟.. أمي أني عملت كل ديه؟.. ساكت ليه يا ليث اتكلّم وريّحْني...

ليهتف بها ليث بعد أن احتواها بقوة تفوق مقاومتها بمرّات وهو يحكم قبضته عليها كمن يخشى هروبها منه:
- اهدي يا سلسبيل.. إللي بتعمليه ديه عِفِشْ عشانك...

ضربته بقبضتيها الصغيرتين في صدره وهى تصيح بشهقات بكاء عالية بينما دموعها تغرق وجهها:
- مش امهم... المهم أعرف الحجيجة... ريّحني يا ليث ربنا يّريّح جلبك... الحديت ديه صوح؟...

سكون ساد المكان بعد سؤالها الباكي الأخير، قطعه صوت ليث القوي، الباتر وهو يجيبها بكلمة واحدة... ولكنها صاااادمة:
- صوح!!!!!! ، لتنهار بين يديه وهى تصرخ عاليا بـ "لااااااااااا"، 

وهو يحاول احتوائها بين ذراعيه يكاد يبكي لبكائها الأقرب للنواح، انتبه بعد برهة أن والديه قد تركا لهما المكان، أبعدها عنه قليلا لتطالعه بعينين ذابلتين وهى تقول بهمس مسموع وأنف أحمر من شدة البكاء:
- عاوزه أشوفها يا ليث؟..، ليقطب في لحظتها وهو يهز برأسه بقوة رفضا في حين تابعت بشبه رجاء وتوسل:
- عشان خاطري يا ليث.. رايده أشوفها.. ديه مهما كان..... أمـ... أميّ!..

ونطقتها بتلعثم بطيء ولكنها لم تستطع سوى النطق بها وهى يرن في أذنها أن أمها أصبحت.. مجنونة!!! ، الليث بغلظة:
- لاه يا سلسبيل، أني ما أضمنشي عتملي إيه لمّن تشوفيها؟...

سلسبيل بهلفة:
- ماتخافيش يا ليث، بس.. أشوفها يا ليث.. بترجاك يا ولد عمي...

لينهرها الليث في حزم ولكن... حانٍ بقوله:
- اوعاكي... إياكي تترجي أي حد حتى لو كنت أني... مارات الليث تؤمر.. ما تترجاشي!...

مسحت دموعها براحتيها فكانت أشبه بالأطفال، ليقبض على كفها بيده ويسحبه معه وقد استقر رأيه وهو يهتف بها:
- تعالي...

وسار معها حتى اتجها إلى غرفة في آخر الرواق من الجانب الشرقي، كانت تلك الناحية من المنزل متطرفة بعيدة عن سكانه، أوقفها أمام الغرفة قبل أن يطرق الباب فخرجت له ممرضة خمسينية العمر بعد أن حياها طلب منها أن تدع ابنة المريضة تراها، لتنظر إليه سلسبيل في رجاء قائلة:
- تعالى امعاي يا ليث..

وخطت بقدميها بتردد تقدم رجل وتؤخر أخرى، وحدها يد الليث المتشبثة بها ما تمنحها القوة، وقفت تطالع الجسد المستكين فوق الفراش في وسط الغرفة، تقدمت بوجل حتى اذا ما وقفت أمامها وطالعها وجهها شهقت واضعة يدها فوق فمها لتكتم شهقتها الحزينة، طالعتها بعينين مذهولاتان، فمن ترقد أمامها ليست بأي حال من الأحوال أمها!!.. ليست هى تلك السيدة القوية المتفاخرة دوما بنفسها وأولادها، ليست هى من لا يظهر عليها عمرها الحقيقي أبدا، فأمها كانت دائما تشع جمالا رغما عن مرور الزمن، أبعدت يدها عن فمها وانحنت تلمس وجنتها بقبلة رقيقة قبل أن تبتعد، لتفتح راوية عينيها بغتة فتصعق سلسبيل من تلك النظرة الزائغة التي طالعتها بها، ابتعدت سلسبيل إلى الخلف لتصطدم بليث الذي كان خلفها.. دوما معها.. يحميها حتى من أقرب الناس إليها، جلست أمها في الفراش وطالعت سلسبيل والليث بنظرات مشوشة قبل أن تهتف وهى تشير إليهما بأصبعها:
- انتوم مين ها؟.. جيتوا ليه؟.. ألفت باعتاكوم عشان تخلّصوا عليّ صوح؟.. لكن جولولها ديه بُعدها... أني إللي كسبت.. بناتها ورجعوا لها... وأني اخدت بتاري منيها... خدت حلمي زمان... جتلت حلم بناتها دلوك!!!!!!...

ثم أرجعت ظهرها إلى مسند السرير خلفها وهى تتابع بإبتسامة جذلى بينما تتراقص عينيها بنظرات مجنونة:
- أني إللي فزت... أني إللي فزت....

وتعالت ضحكاتها العالية الهستيرية، لتدلف الممرضة سريعا وتحضر الدواء لتكشف ذراعها وتحقنها به كل هذا تحت سمع وبصر سلسبيل الغير مصدقة مما يجري أمامها، لتهمس لليث بعدها وقد بدأت تشعر بدوار:
- الليث... خرِّجْني من إهنه!..

ليسارع بإخراجها وما أن أبصرت النور خارج غرفة أمها حتى وقعت أسيرة الظلام مرحبة به لتتلقفها ذراعي ليث وهو يهتف باسمها بلوعة قبل أن يبتلعها الظلام في بئره السحيق!!!!!!..

******************************
******************

كانت تجلس إلى حاسوبها تعمل على رسالتها حينما سمعت نغمة الرسائل في هاتفها المحمول، فرفعته حيث كان بجوار الحاسوب، فوجدت رسالة في صندوق الرسائل الواردة لتضغط على زر الفتح فتفاجأ بكلمات بسيطة ولكنها قوية في معناها، كان فحواها يقول:
- الوضع إللي إحنا فيه دا غلط، لازم حل، هاستناكي بكرة في..... عشان لازم نتكلم..

أعادت قراءتها مرارا وتكرارا، لقد ذكر اسم مطعم قريب من محل سكنها، قطبت في إستغراب، لما لا يأتي إليها في منزل والدها ليتكلما؟.. لما اختار مكانا آخر؟.. وكأنه يقرأ أفكارها اذ سرعان ما سمعت نغمة تدل على وصول رسالة أخرى فسارعت لفتحها ليطالعها جواب سؤالها:
- عارف انتي أكيد مستغربة ليه ماجتش البيت عندكم.. لكن انا عاوز أتكلم معاكي لوحدنا.. دي حياتنا أنا وأنتي وطفل جاي في السكة.. وأعتقد إن إحنا الإتنين ناضجين كفاية إننا تقدر نحل مشاكلنا من غير تدخل من أي حد مع إحترامي للجميع...

عضت على شفتها وشردت وهى تفكر" هل تذهب في الموعد أم تصر على أن يكون اللقاء ببيت والدها؟!!!"....

في اليوم التالي كانت تدخل إلى المطعم حيث طلب منها شهاب موافاته، لم تخبر سوى سلافة فقط بمقابلتها له واكتفت بأن بررت نزولها لرغبتها في الترويح عن نفسها قليلا...

تنقلت بعينيها بين الموجودين بعد ان اعتادت عيناها على المكان حيث الإضاءة الخافتة تتنافى مع ضوء الشمس المبهر بالخارج، لتعثر عيناها في الآخر على ضالتها حيث كان يجلس إلى مائدة منزوية، كانت هي أول من أنتبه إليه، لتقودها قدماها بدون وعي إليه، بينما كان ينظر حوله ليسقط بصره عليها فيقف بدون إرادة منها وهو يتشرب ملامحها وكامل هيئتها التي كلما اقتربت منه زادت وضوحا، حتى اقتربت منه فوقفت مقابلة له فكان هو أول من تحدث بحشرجة خفيفة قائلا:
- أزيك يا سلمى....، ثم أشار لها بالجلوس فجلست يتبعها هو في المقعد المواجه لها، حضر النادل لتسجيل طلباتهما، فنظر إلى سلمى بتساؤل لتجيب الأخيرة بهدوء لا تشعر به حيث كامل جسدها ينتفض اضطرابا:
- أي عصير فريش.... 

قال شهاب وعيناه مسلطتان عليها:
- دا وقت غدا... أعتقد نتغدى الأول.... ، وبدون أن ينتظر سماع جوابها أملى على النادل طلباتهما لتفاجأ بأنه لم ينسى طعامها المفضل من السمك المشوي وحساء فواكه البحر، ليطلب لنفسه شرائح اللحم المشوية بدلا من السمك، ما ان انصرف النادل حتى مال تجاهها وقال بإبتسامة صغيرة:
- خفت أطلب سمك ليّا وألوص بعد كدا فيه، إنتي عارفاني مابعرفش أفصص السمك!!...

لتشرد في ذاك اليوم.. حيث دعاهما والد كريم إلى الغذاء والذي كان عبارة عن السمك حيث اندهشت بادئ الامر من عدم تناول شهاب لطعامه لتعلم بعد ذلك إنه لن يستطيع فصل اللحم عن العظام الرقيقة فتقوم هي بالمهمة ليجهز على سمكته تماما!!!!!!....

إبتسامة خائنة ارتسمت على فمها المكتنز أخبرت شهاب أنها تشاطره ذات الذكرى، قال شهاب بإبتسامة حانية:
- عامله إيه يا سلمى؟... ، قالت بهدوء بإبتسامة صغيرة:
- الحمد لله، الرسالة ماشية تمام بعد ما كنت اتأخرت فيها شوية، وجددت طلب الإجازة لغاية ما الفترة الأولانية دي تعدي، ويعني... – وهزت كتفيها متابعة – كله ماشي الحمد لله...

لينظر إليها عميقا وهو يقول بصوت أجش:
- أنا بقى مفيش حاجة ماشية عندي!... الشغل ما بقيتش عارف أروحه ولا عاوز أساسا، البيت معظم اليوم تقريبا وانا بره.. يا مع عزت صاحبي يا غيث في الكوخ بتاعه إللي على أول البلد إللي قاعد فيه من يوم ما رجع من مصر بعد ما طلّق سلافة، تقدري تقولي إنه كل حاجة عندي واقفة.. حالي ومالي وكله.. دا حتى جدي إللي عمره ما عاتبني ولا لامني على حاجة وقفني قدامه زي العيّل الصغير يلومني ويعاتبني وهو لأول مرة أشوفه بالغضب دا كله مني أنا وغيث...

سلمى بتنهيدة عميقة:
- شهاب.. إللي حصل قاسي على الكل، أنا طبعا في الأول كنت متضايقة جدا من إللي حصل وانه كله كان من تخطيط وتنفيذ والدتك، لكن لما هديت لاقيت إنه سلافة معاها حق!..

ليزدرد ريقه بصعوبة وهو يقول بريبة وشك:
- معها حق!!.. معها حق في إيه بالظبط؟...

سلمى بإبتسامة حزن صغيرة:
- أنه والدتكم مهما عملت هتفضل والدتكم... إللي مش هتقبلوا عليها أي كلمة... ومهما حصل هتفضل الست إللي حاولت تخرب بيتي ونجحت انه اخوك يطلق أختي ومش بس كدا... لا... دي كرهت أمي لدرجة إنها حاولت فعلا تقتلها!!.. تفتكر بعد كدا في احتمال ولو بسيط ان علاقتنا مع بعض تستمر؟!.

هتف بغضب:
- اللي بيننا ما اسمهاش علاقة.. إسمه جواااااز... ، ليقاطعه حضور النادل حاملا طعام الغذاء والذي انتظر شهاب بشق الأنفس حتى وضع الصحون على المائدة قبل أن ينصرف أو بمعنى أصح يصرفه شهاب بنزق بينما يسألهما بإبتسامة هادئة عما إذا كان يطلبان شيئا آخر!!!..

نظرت سلمى إليه بعتب بعد إنصراف النادل وقالت:
- ما كانش يصح إللي انت عملته دا، ذنبه إيه الجرسون تتكلم معاه بقرف كدا؟.. الراجل بيشوف شغله وبيسأل عاوزين حاجة تانية قول له لا وخلاص إنما...

لينهرها مزمجرا:
- بقولك إيه يا سلمى هو ما جابكيش محامي له، سيبك منه دلوقتي وخلينا فينا إحنا..

سلمى بزفرة عميقة:
- مفيش إحنا يا شهاب.. خلاص مابقاش ينفع!!!..

ليكشر شهاب عن أنيابه قائلا:
- وإيه إللي خلّاه ما ينفعش إن شاء الله؟... يا ترى فعلا عشان إللي إنتي قولتيه دا ولا عشان البيه إللي شوفته معاكي إمبارح إنتي وسلافة؟!!!..

قطبت سلمى وتساءلت بإستهجان:
- بيه مين؟....

شهاب بحدة وحنق:
- البيه إللي كان خرج معكم من المستشفى ووقف معاكي رغي وضحك، مين الراجل دا يا سلمى؟...

هتفت سلمى وقد فتحت عينيها على وسعهما:
- مين.. علاء؟!!!.. انت بتقول إيه؟!!...

أجاب ساخرا:
- هو المحروس اسمه علاء؟...

سلمى بحنق شديد:
- مش هتبطل اندفاع وتهور أبدا يا شهاب، دايما الفعل عندك سابق العقل، يعني بعد إللي حصل معنا دا كله وبرضه انت زي ما انت!!!!!!!!..

وتناولت حقيبتها اليدوية الموضوعه على المائدة بجوارها وهمت بالوقوف حينما قبضت على يدها يده بقوة وهتف من بين أسنانه:
- أقسم بالله لو اتحركتي خطوة واحده لا تشوفي العصبية والانفعال بجد يا سلمى...

انتبهت سلمى إلى أنهما قد بدآ يلفتان الأنظار فآثرت العودة إلى مكانها وهى تتأفف بنزق وهتفت بغضب مكتوم:
- ممكن أعرف انت عاوز مني إيه بالظبط؟.. عاوز نتكلم فعلا ونصفي إللي بيننا ولا عاوز تعرف مين إللي كان واقف معانا؟...

هتف شهاب بصوت منخفض:
- افهمي.. انا لو كنت مندفع زي ما بتقولي كنت طبقت في رقبته على أضعف الإيمان.. أو كنت قولت لغيث ييجي يشوف إللي بيحصل من وراه وهو على شعره من أختك.. ومش هكدب عليكي .. في لحظة فكرت أقوله لكن في التانية غيرت رأيي.. سؤالي مالوش غير معنى واحد مين دا ؟.. خصوصا وانه كلامك دلوقتي عن إننا ماينفعش نكمل مع بعض خصوصا وفيه طفل جاي في السكة يخليني أسأل نفسي.. ليه؟...

سلمى بأسف:
- برضه طبعك ما اتغيّرش... من أول أحمد الله يرحمه.. لغاية علاء... وفي النص بقى مرة كريم دا غير مامتك إللي كانت حافظاك وعارفة إنه الشك فيك طبع فلعبت على كدا ونجحت للأسف لولا جدتي هى إللي هدّت الموضوع بيننا يومها، انت الشك دا في دمك يا شهاب، وانا آسفة.. أنا ممكن أستحمل عصبية... انفعال.. أي حاجة.. إلّا الشكّ... دا الشي إللي مالوش علاج أبدا!!!!! .. عن إذنك!!...

وتناولت حقيبتها وانسحبت في هدوء وتركته يلاحق ظلها المبتعد وسكينة الأسى والغضب تحفر في نفسه عميقا!!!!!!!...
كانت تقف في إنتظار سيارة أجرة عندما وقفت أمامها سيارة تعرفها جيدا وسمعت صوتا بداخلها يأمرها قائلا:
- اركبي!.... ، تجاهلته وأولته ظهرها لتسمع صوت صفق باب السيارة ثم فوجئت به أمامها يطالعها بنظرات غامضة وهو يهتف بها من بين أسنانه مشيرا إلى سيارته:
- اركبي بدل ما أشيلك قدام الناس وأركّبك غصب عنك...

علمت بل وتأكدت إلى وصوله إلى أقصى درجات ضبط النفس، لتزفر في حنق وتصعد إلى السيارة فأغلق الباب وراءها ثم صعد إلى مقعد السائق قبل أن يدير المحرك منطلقا بأقصى سرعة!!..

وقف بمحاذاة كورنيش النيل، قال بصوت هادئ نسبيا:
- تعالي نتمشى شوية على الكورنيش، من الحاجات إللي كنت بحبها في مصر أيام ما كنت في الجامعه التمشية على الكورنيش، لما بكون غضبان أو متضايق كنت باقف هنا وأرمي همومي كلها في النيل، ياللا.. تعالي...

وترجل لتلحق به وهى تحاول تهدئة نفسها لترى ما نهاية هذا اليوم الطويل؟...
سارا سويا قليلا قبل أن يتوقفا لدى بائع كيزان الذرة المشوي، ليبتاع شهاب لهما اثنين، أعطاها أحدهما وانشغل بتناول الآخر، لم يكونا قد تناولا طعام الغذاء الذي اضطر شهاب لدفع ثمنه دون أن يهتم بتوضيح أي شيء للنادل المذهول، فقد كان مسرعا في اللحاق بسبب أرقه وانعدام راحته!!...

جلست جنبا إلى جنب على المقاعد الحجرية المنتشرة بطول الكورنيش، كان شهاب هو من خرق الصمت بقوله :
- أنا... آسف...

لتلتفت برأسها إليه تطالعه بدهشة، فنظر إليها بدوره يتابع بصدق لمسته في نبرات صوته ورأته في عينيه:
- آسف... والله العظيم آسف، وعمري ما أشك فيكي، الموضوع مش شك أبدا الموضوع...

وسكت لتسأله بمرارة خفيفة:
- الموضوع إيه يا شهاب؟... ، ليقترب منها جالسا أقرب إليها ويجيبها وعينيه قد أسرتا عينيها ليضيع في غابات الزيتون خاصتها:
- جنان!!!... تقدري تقولي عليه.. جنان... غيرة جنونية زايدة... مفيش عقل، أي حاجة.. إنما شك... لا وألف لأ كمان.. ولو عاوزاني أحلف لك على مصحف أنا مستعد!!...

لم تستطع التصديق، هل من يجلس أمامها الآن يكاد يبكي بين يديها هو نفسه شهاب النزق الانفعالي الذي لا يقبل بأي كلمة ولو من بعيد تمس كرامته والذي كان يرى ان الرجل لا يذل نفسه لمرأته مهما بلغت درجة حبه لها؟!... إنه يكاد يبكي لنيل مسمحتها!!، قالت بصوت متحشرج:
- شهاب اسمعني... إحنا حصل بيننا حاجات كتير اووي، صدقني مهما حصل عمري ما حسيت بالندم لأي لحظة عشناها سوا، لكن للأسف الظروف إللي بتحطنا في مواجهات قاسية وعنيفة، لو فكرت معايا ورجعت فلاش باك لكل إللي مر بينا هتلاقي إنه كلامي صح، وإنه لو حد تاني في مكاني كان قال عليك شكّاك ومن الدرجة الاولى كمان، أنا مش بكدبك... انا بوضح لك وجهة نظري.. شهاب أفعالك هي إللي بتدي الانطباع عن شخصيتك للي حواليك، وللأسف كل ما اتكررت الأفعال دي كل ما الانطباع اترسخ عند إللي قدامك أكتر، ودا إللي حصل معايا يا شهاب، افتكر كدا من أول مرة خالص... – ثم ضحكت ضحكة خفيفة ساخرة وتابعت – دا حتى سبب ارتباطنا من الأساس خالص عشان كلام الناس!!!!!... يبقى بعد دا كله طبيعي جدا إنه الشك يبقى شريك تالت لينا في شيء يربط بيننا...

قاطعها شهاب هاتفا بيأس:
- إللي بيننا مش شيء.. إللي بيننا حاجة مالهاش إسم، ما تتوصفش، حاجة أكبر من أي صفة... إسم واحد ممكن نقوله عليها وبرضه مش هيوفيها حقها... إللي بيننا... عشق!!... عشق خام صافي، حب عمري ما عشته ولا في أحلامي حتى، يبقى لما ألاقيه لازم أمسك بيه بإيديا وأسناني، وأحارب أي حاجة أو أي حد ممكن يتسبب في أني أفقده، ودا إللي حصل لي، خوف يا سلمى... خوف من جوايا رهيب اني أخسرك... خوف كنت بداريه في غيرة مجنونة وعصبية زايدة، أيام الحادثة إياها كان خوفي عليكي وقلقي بينهشوني، وغيرة فوق الوصف، أنه قدر يخليكي تحسي من ناحيته ولو بالعطف، يفضل إسمه احساس منك لواحد تاني!!.... شيء كان بيموتني، تصدقي لو أقولك أني للحظة اتمنيت أني أكون أنا إللي فديتك بعمري كله!!!... أيوة يا سلمى ما تسغربيش كدا... يمكن أنا مش بعرف أتكلم الكلام بتاع الشباب إللي بيخلي الواحده تقوم تنام تحلم بيه، يمكن طبعي عصبي وانفعالي بزيادة، غيور ولساني سابق تفكيري، يمكن أنا كدا وأكتر كمان.. لكن إللي بيوصلني لمرحلة الجنوووون اني أحس ولو مجرد إحساس أني ممكن.. أخسرك!... بيخليني أتصرف خارج حدود العقل.... عشان كدا يوم كريم ما جه البلد وأمي قالت لي اتجننت.. رجل قريب منك ولو بكيلو متر واحد بيجنني، عارفك كويس أوي وعارف إنتي مين ومش ممكن تعملي أي حاجة غلط، لكن غيرتي عليكي مالهاش عقل.. غيرة عامية مش بتشوف قدامها..

سلمى وقد ارتعشت شفتيها وغامت عينيها بغلالة من الدموع:
- لكن غيرتك دي قاسية أوي يا شهاب، بتخليني أفقد احترامي لنفسي، لما باحس بنظراتك ليا بالشك او حتى الريبة بتخليني أحس بمرارة فظيعة، أنه معقولة حبي ليك يوصلني أني أقبل الاهانة للدرجة دي؟.. أقبل شكك وغيرتك الفظيعه دي؟.. أقبل انك تصدق فيّا الخيانة لدرجة أن?


الفصل الثامن والثلاثون من هنا 




 

تعليقات



×