رواية كبير العيله الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم احكي ياشهرزاد مني لطفي



رواية كبير العيله الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم احكي ياشهرزاد مني لطفي 





رواية كبير العيلة - منى لطفي

الحلقة السادسة و الثلاثون 

جلس الليث إلى والده بعد أن قرر أنه لا بد من التعجيل بما يريده، فسلسبيل ستخرج من المستشفى في غضون أيام، نظر عدنان المهموم بما آلت إليه الأحوال في عائلة الخولي على يديّ شقيقته هو!!.. لا يُنكر أنه ما أن سمع بالتفصيل من عمّه عبد الحميد بما فعلته أخته أنه كاد يفتك بها ولكن رحمها من بين يديه ما رآه عليها من حالة الهذيان الغريبة، ليأمر بإحضار الطبيب الذي وصف حالتها بإنهيار عصبي حاد أدّى إلى فقدانها... عقلها!!! ، ليس هذا وحسب بل أن الطبيب قد نصحهم بوجوب إيداعها مصحة للأمراض النفسية والعصبية وعندما وجه إليه عدنان نظرات الذهول والغضب أٍرع بطمأنته أن ما حدث لها قد يكون صدمة عصبية حادة وبالإلتزام بالعلاج المناسب والسريع قد تشفى وتعود كما كانت، ولكن السيء في الأمر أن عدنان شقيقها لا يريدها أبدا أن تعود كما كانت!!.. وإن خُيّر بين عودتها إلى ما كانت عليه وبين أن تظل كما هى الآن لأختار... أن تفقد عقلها الشيطاني ذاك أفضل!!...

الليث بإعتداد بالنفس وجدية مطلقة:
- بعد إذنك يا بويْ.. فيه موضوع كنت حابب نتكلّم فيه..

عدنان وهو يتنهد عميقا:
- جول يا ليث يا ولديّ..

الليث بهدوء جاد:
- أنت خابر يا بويْ إنه مراتي هتخرج من المشتشفى بعد يومين تلاته بالكاتير، و.... – سكت عاضًّا على نواجذه قبل أن يزفر بضيق مكتوم متابعا – عمتي جاعده احدانا اهنه.. أني ما عاوزشي مراتي تُعرف حاجه عن إللي حوصل، سلسبيل لو داريت إنه أمها هى السبب في إللي جرالها يمكن يجرالها حاجه وأنا مش هاسمح لحاجة شينة توحصل لها، كفاياها إللي جرالها من تحت راس أمها...

عدنان بتساؤل:
- انت ناوي على إيه بالظبّط يا ليث؟...

ليث بنظرات تشع قوة وبلهجة من أستقر رأيه على أمر لا رجعة فيه:
- أني هاخد مراتي وعيالي ونطلع برّات الدار!!!!!!!...

ليسمعا شهقة قوية فصيحة عالية يعقبها صوت يولول قائلا بنواح:
- واااه... رايد تفوتني يا الليث؟... عتفوت بيتك وتاخد امعاك كومان سلسبيل والعْيال؟..
ليه يا وَلَدِيْ؟.. أني ما أجدرش أستحمل الدار من غيرك انت ومراتك والعْيال...

نظر عدنان إلى زوجته كريمة التي كانت تدلف لحظة ألقى الليث بقنبلته، نهض عدنان وإتجه إليها يُمسك بيدها فسارت معه حتى وصلا إلى الأريكة التي كان يجلس فوقها فدعاها للجولس وهى تطالعه برجاء بينما ليث كان قد زفر بيأس فما يخشاه قد حدث، ستحزن أمه وتغضب ولكنه لن يتنازل.. فزوجته لن تعيش تحت سقف واحد مع تلك الأفعى الرقطاء.. ووالده لن يستطيع طرد شقيقته الوحيدة إلى قارعة الطريق، إذن.. فهو من سينتقل من المنزل، هتفت كريمة بتوسل إلى عدنان:
- ما توافجوشي يا أبو الليث، الدار ما عيكونلهاشي طعم من غيرهم اخصوصي عدنان الصغيّر إو شبل...

عدنان بهدوء:
- وحّدي الله يا أم الليث أومال مش إكده... إحنا لسّاتنا بنتحدتوا في الموضوع ديه..

الليث بجدية وإن شابها الإعتذار الطفيف فالإحترام واجب لوالديه مهما علا شأنه هو:
- ما تواخزنيشي يا بويْ.. لكن أني جررت وما عرجعشي في كلامي واصل.. مراتي وولادي ما عيجعدوشي إهنه.. وانت خابر زين يا بويْ إنه لومن خاطرك أنت أني ما كت فايتها إلا لمن آخد بتاري وتار وِلدي إللي جتلته، وأني جدّها وانت خابر..

عدنان بزفرة يأس وهو يمسح براحته على لحيته البيضاء الكثيفة:
- خابر يا ولدي.. وما جادرش أجولك حاجة.. مراتك وانت خايف عليها..

لتقاطعه كريمة بهلع:
- انت هتعوم على عوماه يا حاج؟.. 

ليقطب عدنان وينهرها بقوة:
- كريمه!!... إيه إللى عتجوليه ديه؟.. عيّل اصغيّر أني إيّاك ولديّ عيضحك عليّ؟...

ليسارع الليث بالتدخل قائلا:
- لاه يا بويْ.. أم الليث ما جصدهاشي.. ، ثم التفت إلى والدته التي أغرقت دموعها وجهها:
- مش إكده يا أمّاه ؟!!!!

وكأنه لم يسألها إذ قالت بتوسّل:
- ما تفوتيش الدار يا ليث يا ولدي... انتوم إللي محلّيين لي دنيتيّ.. ما جادراشي يفوت يوم من غير ما أشوفكم اخصوصي العْيال... هجعد كيف من غيرهم؟...

الليث بيأس:
- يا أمّاه انت بتتحدتي كأنّي امسافر ولا امهاجر.. إحنا هيبجى بيننا وبينكم فاركة كعب..

عدنان مقطبا بتساؤل:
- انت اخترت الدار خلاص يا الليث؟..

الليث بهدوء:
- إيوة يا بويْ... الدار إللي في الجيهة الشّرجيّه.. كابيره وزينه، ولسّاتها جديده.. 

عدنان وكأنه تذكر أمرا:
- مش هي ديْ الدار إللي انت بانيتها بعد جوازتك التالته ما اتفشكالات وجولت وجتها إنك بتفكّر تنجل فيها؟...

لترتسم إبتسامة شاردة على فم الليث القوي شاردا في كلام والده، فهو بالفعل قد أمر ببنائها بعد فشل زيجته الثالثة على التوالي، كان قد قرر أنه لن يستطيع البقاء مع سلسبيل تحت سقف واحد وهى محرّمة عليه، كان قد اكتفى من التلظي بنيران حبّه المكتوم تلك النيران اللتي كانت تصهره من داخله، وما إن تمّ بناء المنزل حتى سرعان ما... تراجع عن قراره بالانتقال!!.. وقررا أنه يفضّل نار قربها عن جنة الإبتعاد عنها!.. وقد تذرّع وقتها برفض أمه لإنتقاله خاصة وهو بمفرده فمن الذي سيهتم بمأكله ومشربه؟.. لا تعلم أن هذه الأمور هى آخر شيء يفكر فيه وما كان يشغله هو كيف سيعيش في مكان لا يحمل رائحة أنفاسها العبقة؟!!.. فيكفيه أن تشاطره ذات الهواء الذي يتنفسانه... ليلعب القدر لعبته... وتشاركه سلسبيله حياته ذاتها، لذا فهو سيحارب بيديه وأسنانه أي شيء يهدد أستقرار حياته معها.. لن يكون الليث إن لم يحميها من أي أمر يهدد سعادتها حتى وإن كان هذا الأمر.. أمها بل وعائلة الخولي أجمع!...

أفاق من شروده على نداء والده المتكرر له، فقال:
- معاك يا حاج... ، ثم نهض متجها إلى أمه ومال عليها ممسكا بيدها ليقبل ظهرها ثم يقبل رأسها وقال:
- ما تزعليشي يا أم الليث، لكن إنتي خابره زين السبب إللي خلّاني أفوت الدار مع اعيالي ومراتيْ.. لولا إللي حوصل أني ما كنتش افوت الدار أبدأ... لكن عنجول إيه.. بويْ معينفعشي يطرد أخته وأني معينفعشي نعيشوا معها اف نفس الموكان، وبعدين ديه خطوتين وتبجي عندينا..

نظر عدنان إلى الليث وقال بغموض:
- اعمل إللي يريّحك يا وَلَديْ.. عامتن الموضوع ديه مش عيطوّل اكتير!!!...

قطب الليث في ريبة من عبارة والده، خاصة وقد لمح علامات العزم والإصرار وهي ترتسم وبوضوح على وجهه الأسمر!!...

*************************
***********************

وضعت صينية تحمل كوبا من الشاي بالحليب ومخبوزات التمر فوق طاولة صغيرة بجانبه، قالت بهدوء وهى تجلس بجواره:
- اتفضل يا حاج.. انت على لحم بطنك من صباحيِّة ربّنا.. كُلّك جرجوشتين مع كوباية الشاي ديْ..

زفر الجد بعمق ثم نظر إليها وهو يقول مهموما:
- كيف عاوزاني آكل ولا اشرّب حتى وولادي فيهم إللي فيهم ديه؟...

فاطمة بحزن شديد وقد لمعت عينيها المغضنتين بالدموع:
- اني حاسة كيف ما أكون بحلم، لاه ديه مش حلم.. ديه كابوس وليعاذ بالله.. ليه كل إللي حوصل ديه؟..

الجد بمرارة:
- يعني ماعارفاشي ليه؟.. الكره والغيرة والحِجْد يعملوم أكتر من إكده..

فاطمة بأسف:
- إللي مجطّع جلبي تجطيع الوْلاد يا حاج... سلمى وسلافة وغيث وشهاب، جلبي واكلني عليهم، مالحجوش يّفرحوا يا نضري، حتى حبال سلمى مافرحتش بيه، وإللي زاد وغطى عملة غيث إللي إعملها، لكن.. أنت ليه يا حاج ما رضيت شانهم يلحجوهم على مَصِرْ؟..

الجد بجدية:
- لازمن كل واحد فيه يّعرِف غلطاه.. البُعد عيخلي النفوس تهدى، غيث غُلط لما ما سامعشي كلامي جبل ما يرمي اليامين على سلافة، ما اتمهّلشي يتوكد لوّل ليه مراته بركت فوج نفس أمه، أني مستغْرِب.. معجوول ديه غيث إللي كنت بضرُب بيه المثل في رجاحة عجله؟.. أني كت خايف من اشهاب لكن غيث غلطه أكبر، شهاب متهوِّر وصدّج إللي جالتو أمه، لكن إنتى جدرتي تهدي الحال وسلمى عاجله ورزينة لكن لما توصل المسائل إن أم جوزها تكون رايده تجتل أمها اكيد الوضع عيختلف وجتيها...

تنهدت فاطمة بتعب وقالت:
- جدرت تلعبها صوح أمّهم منها لله، عارفة إنه شهاب مطيور وما سرع ما عيصدجها، وإنه غيث جلبه طيب ومتعلج فيها وما عيرضاشي انه مراته تهينها، هو كومان معذور يا حاج.. مرة تجول هى إللي ضربتها وغيث شافهوم والتانياه شاف ماراته هاتك يا ضرب في أمه وبتجولها انها تستحج الموت.. وساعة شيطان..

الجد بغضب بارد:
- لكن أني كت موجود يا حاجة وسلافة بتطلب منه إنه يطلجها وجولتله لاه.. تنيينهوم غلطوم أني مش بنكر، لكن غيث الراجل هو إللي كان المفروض إنه يحكّم عجله...
ثم سكت الجد مطلقا تنهيدة عميقة قبل أن يتابع بأسف:
- تعرّفي يا فاطنة... الغلط في إللي حوصل ديه كلاته أني السبب فيه!!..

لتشهق الجدة هاتفة بإستنكار:
- واه؟؟ كيف ديه يا حاج؟...

عبد الحميد بحسرة:
- أني اللي استعجلتهم، كت رايد أغمِض وا فتحِّ ألاجي اعيالي حواليّا وولادهم متجوزين ومتهنيين، استغليت إنه ولاد عتمان عينهم من بنات عمهم رؤوف، كت خايف البنات يروحوا من يدينا وهما بنات زينيين ومتأدبين وألف من يتمناهم، جولت أضرب الحديد وهو حامي، المفروض كنت تركتهم ياخدوا فرصتهم وما استعجلتهومش، لكن أني فرحت برجعة رؤوف واستغليت جلجه ولهفته على بناتاه وكونه رايد يطّمّنْ عاليهوم.. إنما خلاص.. معجبرهومشي على حاجه واصل بعد اكده.. وإللي رايدينه البنات هنفذه!!..

الجدة بريبة:
- جصدك إيه يا حاج؟.. يعني فرضا سلافة أصرّت تطلّج هتوجف في صفّها؟..

الجد بحزم:
- إيوة يا فاطنه، لو سلافة ما رايداشي ترجع لغيث عجف جنبيها، في الاول والاخير هى مش صغار وليها عندينا حج النصيحة لكن أني أجبرها معيحصلشي أبدأ .. ونفس الحْكايه مع سلمى..

فاطمة بحيرة:
- لكن انت متوكد با حاج انه طلاج غيث يبجى مرة واحدة مش تلات مرّات؟..

يشرح الجد مسهباً:
- إيوه يا فاطنه، ربنا جال في محكم آياته .. "الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان".. صدق الله العظيم، ومعنات الآية انه الطلاق مرتان كل مرة لحالها، طلجة بعد طلجة.. لكن اللفظ سوى مرتين او تلات مرات في نفس الوجت ديه تُحتسب طلجة واحدة.. إنتي خابرة أني وللحمد الحمد عارف أمور ديني ومش هستحل محارم ربّنا، ودا غير إني سألت الشيخ التهامي وانتي عارفاه شيخ جليل وبيعلم الشباب أمور دينهم، أني طبعا ما جولتلوشي حاجه جولتله أن في حاجه حوصلت لحد نعرفه وسألته فأكد لي كلامي، يعني سلافة دلوك متطلجة طلجة واحدة بس، وعدتها بدت من يوم طلاجها، ولو لسّاتها امصممة على انه يبعت لها ورجتها أني هاجف معها...

فاطمة بحزن وأسى:
- ديه يا حبة عيني اتغيّر خالص، ما بجاش هو غيث إللي أني خابراه زين، ديه ما بجالهاشي يوم امسافرة مع بوها وحالته حالة اومال لمن نجوله إنه لازمن يطلجها على يد مأذون هيحوصل فيه إيه؟.. 

الجد بأسى:
- الله كريم يا فاطنة ويصلح الأحوال يارب...

---------------------------------------
---------------------------------

دلفت سلمى إلى غرفتهما هى وسلافة وهي تحمل كوبا من عصير المانجو الذي تحبه شقيقتها، وضعته على الطاولة الصغيرة التي تجاور فراش سلافة، كانت سلافة ترقد مولي إياها ظهرها، جلست سلمى فوق الفراش بجانبها ومدت يدها تمسد كتفها وهى تقول بحنو:
- سلافة حبيبتي إنتي ما اتغدتيش ولا فطرتي.. قومي اشربي كوباية المانجة دي.. انا عارفة انك بتحبيها..

اعتدلت سلافة في مكانها وجلست تضم ركبتيها إليها وقالت وهى تنظر إلى سلمى بشبح إبتسامة تحمل حزن بين طياتها:
- تسلم ايدك يا سلمى، بس بجد ماليش نفس..

زفرت سلمى عميقا ثم قالت:
- وبعدين يا سلافة؟.. ما ينفعش كدا يا حبيبتي، يومين من ساعة ما جينا وانتي لا أكل ولا شرب، ماما وبابا حالتهم حالة من القلق عليكي.. لو الموضوع مضايقك أوي كدا ليه ما أدتهوش فرصة تانية وإنتي عارفة إنه كان متدمر زيك ويمكن أكتر منك لما عرف بإللي مامته عملته؟..

نظرت سلافة بعتاب إلى سلمى وقالت:
- أديله فرصة تانية؟. وهو ما أدانيش ليه الفرصة دي وأمه بتتبلى عليا مرة اني عاوزة أضربها ومرة أني عاوزة أموّتها؟.. هو خلاص.. معقول ميعرفنيش لدرجة إنه يصدق فيا إني أمسك أمه اطحنها من الضرب كدا من الباب للطاق؟..

سلمى بهدوء:
- سلافة.. غيث من أول يوم وعارف إنك مش بتطيقي أمه، إنتي ناسية يوم الحنة قولتيله كان نفسك تسمعي أغنية إيه؟.. دا إنتي إللي حكيتي لي بنفسك..

هتفت سلافة بقهر:
- عشان عرفت يا سلمى.. سمعتهم وعرفت!!!

سلمى مقطبة بريبة:
- سمعتي؟!!.. سمعتي إيه يا سلافة؟!!!

نهضت سلافة ووقفت مولية ظهرها إلى شقيقتها وقالت بصوت حاولت التحكم في تماسكه بصعوبة:
- عرفت إن أمه مش عاوزانا لولادها، وإنها معارضة جوازنا، مش بس لما جدي حدد الميعاد لا.. دي بتكرهنا من أول يوم شافتنا فيه، الحكاية مش غيرة حماوات، حما خايفه على ابنها ولا غيرة من مرات ابنها.. لا... 

صمتت لثوان قبل أن تستدير مكملة بمرارة وسخرية ويه تتطلع إلى سلمى التي نهضت بدورها:
- حماتك بتغير آه.. بس من ماما يا سلمى!..

سلمى مقطبة بريبة:
- يعني ايه بتغير من ماما؟.. وهى مالها ومال ماما؟..

ضحكت سلافة بسخرية وأجابت:
- حماتك المصون كانت حاطة عينها على بابا، ولما ساب البلد كلها واتسبب إن جدي يغضب عليه عشان صمم يتجوز ماما قادت فيها النار من إللي سرقته منها، وعشان تبرر لنفسها كرهها دا قالت عشان أختها إللي في الأساس ما كشّرتش في وشّنا ولو للحظة!!!

تقدمت سلمى منها وهي تقول في ذهول:
- وإنتي عرفتي منين يا سلافة؟..

سلافة بزفرة أسى عميقة:
- للأسف.. سمعتها هى وماما ستّو وهما بيتكلموا، يومها كنت رايحة لستّو أوضتها وبالصدفة إسم ماما جه في ودني، عارفة إني إللي عملته غلط بس أنا مكانش قصدي أسمع، وكنت هابعد فعلا لولا إني لقيت ستّو بتقولها إن زعلها عشان هى كانت عاوزة رؤوف لنفسها من الأول!!!

شهقت سلمى في ذهول فأردفت سلافة بمرارة:
- وللأسف كان ميعاد الفرح اتحدد خلاص، قعدت يومين مش عارفة أقول لمين، وبعدين قلت أنا هقدر أوقفها عند حدها، وشوفت الفرحة في عينين غيث وعينيكي وعينين شهاب.. الفرحة إللي مليت البيت كله، كل إللي في البيت كانت الفرحة مش سايعاهم، قلت أنا لو اتكلمت الفرحة دي كلها هتضيع، وهنوّلها إللي هى عاوزاه، ليه أحرم الناس دي كلها من الفرحة؟.. عشان ايه؟.. انا متأكده إن بابا كان لا يمكن هيوافق على غيث وشهاب إلا لو فعلا كان مطمن إننا هنكون كويسين معاهم، وبعد ما اتجوزت غيث ولاقيت قلبه قد إيه طيب وحنيّن.. وقدر يضمني ليه، حبيته أكتر، وحمدت ربنا إنى ما ضيّعتش السعادة دي من بين إيديا، وعلى قد ما كنت باقدر كنت بحاول أبعد عن طريقها، عشان كدا لما عرفت بإللي حصل بينك إنتى وشهاب قلت لك ما تنوليهاش إللي هى عاوزاه.. ما كنتش أعرف إن جوزي أنا إللي هيبعني وبالرخيص كمان!..

ثم أجهشت بالبكاء لتسارع سلمى بإحتضانها وهى تهمس لها كي تكف عن البكاء، قالت سلمى وهى تربت على كتفها:
- أيوة يا سلافة يا حبيبتي، بس إنتي إستفزيته، أنا مش فاهمه طالما فاهماها أوي كدا ليه عملتي إيه؟.. ليه طلبتي الطلاق؟.. إنتي حتى لغاية دلوقتي مصرة عليه؟..

رفعت سلافة رأسها ونظرت إليها قائلة من وسط دموعها:
- لأنه ظلمني.. الظلم طعمه مر أوي يا سلمى، عارفة.. الواحد ممكن يستحمل الظلم من أي حد إلا الإنسان إللي بيحبه إللي المفروض يكون سنده وهو إللي يرفع عنه الظلم دا، أنا صحيح طلبتها، لكن صدقيني.. طعمها وحش أوي يا سلمى.. غيث نطقها بالتلاتة يا سلمى.. وكأنه بيضربني بالرصاص!!... عرفتي قد إيه هى مؤلمة أوي.. وبتوجع أوي أوي.. هنا يا سلمى.. هنا!!.

وضمت قبضتها اليمنى تخبط بها صدرها الأيسر موضع قلبها بينما تعالت شهقات بكائها فأسرعت سلمى لإحتوائها بين أحضانها وهى تدعو الله أن يزيح تلك الغمة سريعا.....

---------------------------------------
---------------------------------

- ليث أني جولت لك رايده أتحدت مع الدّكتوورة لوحدينا..

هتفت سلسبيل بتلك العبارة بحنق وهى ترى الليث وهو يجلس بمنتهى البرود رافضا الخروج من غرفتها بالمستشفى بعد أن أفصحت له عن رغبتها بالإنفراد بالطبيبة النسائية رافضة ذكر السبب!..

سلسبيل بتأفف:
- واه يا ليث!.. رايده أجعد امعاها لحالنا فيها إيه ديْ؟!..

نهض الليث من مقعده المقابل لفراشها واقترب منها حتى اذا وصل إليها استند بيده على مسند الرأس خلفها ومال عليها قائلا بصوت واثق:
- وإنتي ْ ليه ما عاوزنيشي أعرف إنتي رايداها في إيه؟..

أشاحت سلسبيل بعينيها بعيدا وهى تقول في حنق مفتعل:
- واه... رايداها في حاجات للحريم.. ماجادرش أجولها جودامك ارتحت؟...

ابتسم الليث وهز رأسه نفيا وأجاب بمكر:
- عتستحي منّي يا سلسبيلي؟.. دا أني جوزك.. عارفة يعني إيه جوزك؟.. يعني تستحي من الدنيا كلاتها إلا أني..

ليحمر وجه سلسبيل خجلا وتتمتم بنزق:
- هو إيه أصله ديه؟.. لاه فيه حاجات ما اجدرشي أتحدت فيها جودامك واني....

ليرفع يده أمامها ويقول بصوت منخفض لكنه جاد:
- سلسبيل... أي حاجة اتخصك يبجى تخصني.. وبعدين طالما حاجه مهتمِّه جوي اكده اني ماعارفهاشي يبجى حاجة إنتي خابره زين إني لو اعرِفْتها مش هوافج عليها، صوح ولا لاه؟...

سلسبيل بحنق طفولي:
- ما هو انت أصلك كومان يا ولد عمي ما عتتفهمشي.. 
ابتحمج ابسرعه ومش بتاخد وتاديّ في الحديت...

همّ الليث بالكلام عندما قاطعه صوت طرقات على الباب فاعتدل واقفا لتدلف الطبيبة وهى تبتسم وبعد ان اطمأنت على حالة سلسبيل الصحية قالت بإبتسامتها المعهودة:
- لا ما شاء الله احنا النهارده أحسن من إمبارح... 

أجابت سلسبيل في حين وقف الليث جانبا متيحا للطبيبة فحص زوجته:
- الحمد لله يا دَكتوورة.. أنا بعد إذنك كت رايده أعرِف منك حاجات إكده...

وسكتت تطالع الليث بعينيها ترجوه الإنصراف ولكنه جابهها بنظرات عنيدة فكتمت زفرة حانقة وتابعت بتردد وخجل:
- يعني.. كت رايده أسأل.. بخصوص الـ.. الحبل واكده...

وسكتت وقد غدا وجهها بلون الشمندر السكري وهى ترمي الليث بنظرات حانقة خجلى كاد أن يضحك لها، فحبيبته رغم أنها زوجة وأم ولكنها لا تزال تشعر بالخجل منه وكأنها عذراء خجلى، وهذا ما يأسره تجاهها بالإضافة إلى أشياء أخرى ان بدأ في سردها فلن ينتهي!..

إنتبه الليث من شروده وشرع فى الإنصات بإهتمام لإجابة الطبيبة فهذا الشيء كان يقض مضجعه هو الآخر ليس لخوفه من عدم الإنجاب ولكن لهلعه من أن الانجاب قد يعرّض حياة سلسبيله للخطر وهذا ما يرفضه وبشدة!.. قالت الطبيبة بإبتسامة متسامحة:
- شوفي يا ستِّي.. إنتي زي الفل ومفيش حاجة تمنع إنك تحملي مرة واتنين وتلاتة..

ابتسمت سلسبيل وتنفست الصعداء وبادلت الليث إبتسامة راحة لتختفي سريعا ما أن سمعت تتمة عبارة الطبيبة ويحل بدلا منها القلق العظيم:
- إنما... مش قبل ست شهور على الأقل!!...

همست سلسبيل بشحوب فيما قطب الليث وهو يقترب بصورة لا إرادية من زوجته:
- واه... ست شهور!!.. ليه يا دَكتوورة.. مش حضْرِتِكْ بتجولي اني ما فيّاشي حاجِهْ؟..

الطبيبة بهدوء:
- ايوة يا سلسبيل إنما رحمك أتعرض لنزيف شديد جدا لدرجة إنه كان ممكن يتشال.. لازم له فترة راحه قبل ما يجهز نفسه لإستقبال جنين جديد... انا قلت لك على أقل تقدير... المدة من ست شهور لسنة، وعشان أكون واضحة وصريحة معاكي إنتي لازم لك كورس مكثف جدا من الفيتامينات والحديد والمعادن للأسف إنتي عندك أنيميا شديدة، واضح كدا إنها عندك من زمان وإنتي ما كنتيش لا بتكشفي ولا حاجة ودا غلط إنتي مش أم لطفلين زي ما هو مكتوب في ملفك هنا؟..

الليث هو من أجاب هذه المرة قائلا بجدية:
- إيوة يا دَكتوورة.. عندينا ولدين ربْنا ايخلهوم لنا، ولو الحبل شين عليها أني مش رايد اعيال تاني كفاية علينا عدنان وشبل.. لمْهِمْ صحتها هى.. شوفي حضرتك الدوا إللي المفروض تاخدَه وإحنا هنلتزم بإللي حضرتك اتجوليه!!..

لم تعلم سلسبيل أتضحك أم تبكي؟.. أتبكي حزنا على أملها في إنجاب طفلا من الرجل الذي نجح في التربع على عرش قلبها ليصبح هو مليكه أم تضحك لما لمسته من قلق الليث عليها بل وحرصه الواضح على صحتها ورفضه لأي شيء قد يهدد حياتها حتى وإن كان طفلا يحمل إسمه!..

لاحقا بعد إنصراف الطبيبة، نظرت سلسبيل إلى عيني الليث وهو يجلس بجوارها فوق الفراش وهمست بحب:
- عتدنيك اتخليني أحبك إكده لغاية ميتى؟؟..

الليث وهو يمسك راحتها الصغيرة يتلمس ظاهر يدها بإبهامه الخشن ونظرات عشق سرمدي تلمع بين فحم عينيه المشتعل برغبة تكاد تقتله في إحتوائها بداخله فلا تفارقه ولو لساعة من نهار:
- لحدّت ما نكبروا ونكركبوا سوا وأجولك يا شلشبيلي تعالي جاري اهنه... 

ضحكت سلسبيل بنعومة سرقت أنفاسه وهى تجيبه برقة بينما عيناها تلمعان بحب عميق لليثها:
- أني اتهيأليْ إنّك ما عتكبرشي واصل.. بالعكس بجاه أنت كل ما بتكبّر في السن كل ما حلاوتك بتزيد وتفيض كومان!!...

دهشة أسرت لسانه لينطلق هاتفا بعدها بحرارة قوية:
- يا بوووووويْ... إنتي رايده تعمِلي فيّا إيه يا سلسبيل؟.. ما جادرشي يا بت عمي على اكده.. يعني يوم ما ربْنا يفتحها عليكي توبجي في المشتشفى؟.. انتي جاصداها صوح؟..

ضحكت سلسبيل بخجل وهمست:
- صوح!.. ، تطالعه بشقاوة ذكرته بصغيرته سلسبيل ذات الجدائل الطويلة التي كان يحب مشاغبتها مهددا لها بأنه سيربطها إلى جذع النخلة لتركض هربا من أمامه وما إن تقف على مسافة يخيل إليها إنها آمنة تقف واضعة يديها في منتصف خصرها هاتفة بحنق طفلة تبلغ السابعة فوجه ابن عمها ذو السبعة عشر ربيعا:
- طب ابجى اعملها اكده وانت تنام وتجوم معتلاجيشي الشنب إللي في وشِّكْ ديه!!..

وتهرع إلى الداخل تاركة له وهو يتحسس شاربه النامي حديثا وقد تركه ليكسبه هيبة لم يكن في حاجته لإكتسابها فهيبته قد اكتسبها منذ الولادة بإسمه الذي هتف به الجد ما ان علم بأن إبن أخيه قد رزق صبيا اذ وقف عبد الحميد بجوار طه جده لأبيه يحمله بين يديه وقد رفعه عاليا إلى السماء هاتفا بجذل:
- ديه ليثنا يا طـه... الليث.. ليث الخولي!!....

أيقظه صوت سلسبيل من شروده وهى تقول بحزن أمسك بخافقه بقوة ليشعر بنغز كالسكين لحزن عينيها اللوزتين:
- لكن.. ست شهور مدة طويلة جوي يا ليث، أني رايده نشوف دَكتوورة تانيه..

الليث بثقة وبساطة:
- لاه.. ومين إللي جال ست شهور؟.. 

فهتفت سلسبيل بحبور:
- مش إكده؟.. أني برضيكي جولت الدّكتوورة ديه مزوداها جوي جال من ستة شهور إلـ سنه!..

الليث ببساطة:
- وانتي الصادجة.. مش جبل سنتين ع الأجل!!!

طالعته سلسبيل بذهول وتمتمت بعدم تصديق:
- واه!!.. سنتين؟!!.

الليث بثقة مفرطة:
- ديه ع الأجل!.. يمكن يبجوا تلاتة أربعه.. لحدت ما اطمّن على صحِّتِكْ... واذا الدّكتوورة ما طمانتنيشي يبجى الحمد لله على عدنان وشبل وربنا يطرح لنا فيهم البركة!!...

لمعت عيناها بدموع جعلته يقطب قلقا وقبل أن يتكلم بادرته هي هامسة بحشرجة واضحة في صوتها فيما ترفع يديها تجاهه:
- ليث.. احضني يا ليث...

ليسارع باحتوائها بين ذراعيه وما ان لمست رأسها صدره العريض واشتمت رائحته المسكيّة حتى تنفست براحة عميقة بينما هو كاد القلق أن يفتك به، فهتف بحيرة مقطبا في وجل:
- مالك يا سلسبيل؟.. فيه إيه؟...

لتفاجئه بقبلة من شفتيها الدافئتين فوق قلبه تماما ثم رفعت عينيها إليه متمتمة بعشق خالص:
- ربنا يجدرني وأسعدك كيف ما بتفرّحني يا ولد عمي، جلبك ديه لو طولت أحضنه وما فارجوشي واصل، معجولة بيحبني إكده؟...

ليحتويها قريبا من قلبه يضمها بقوة وحنان وهو يهتف من أعماقه:
- بجه لسّاتك بتسألي يا بت عمي؟.. الجلب ديه ماعرفشي الحب غير بيكي إنتيْ يا سلسبيلي..
ثم رفع ذقنها بإبهامه ينظر إلى عينيها غارقا في سحرهما قبل أن يميل عليها يقطف ثمار ثغرها الشهي في قبلة دافئة كادت تطيح بها!...

تركها مسندا جبهته إلى جبينها وهمس بخشونة لتلفحها أنفاسه الساخنة:
- اتوحشتك جوي جوي يا بت عمي، إعملي احسابك لما تُخرجي من اهنه هاخدك ونسافروا بعيد.. شهر.. شهرين.. كيف ما بدالنا.. عاوز أشبع منيكي ولو إن عمري كلاته معيكفيشي لأني عمري ما هشبع منك يا جلب ليث...

ابتعدت سلسبيل وشفتيها منتفختين تحملان علامة اكتساحه لها وهمست:
- في أيتها موكان أني جابله، المهم ما فارجكشي أنت والعيال تاني أبدأ ..

ثم قطبت هاتفة فجأة:
- صحيح يا ليث.. أمي فين؟.. ما زارتنيش ولا نوبه من وجت ما دخلت إهنه؟..

لتنغلق تعابير وجه ليث ويجيبها بغموض:
- أمك ابعافيه اشوي والدكتور امحرج عليها تاجي لك المشتشفى!..

هتفت سلسبيل بقلق:
- بعافيه؟.. ليه كفانا الله الشر؟.. من إيه يا ليث؟..

الليث مفتعلا إبتسامة:
- يا ستي ما تجلجيشي إكده.. كل لحكايه شوية برد والدكتووور حرّج عليها إنها تخرج لازم لها راحه وأني بطمنها عليكي أول بأول...

ابتسمت سلسبيل وعادت إلى أحضان حبيبها الذي لمعت عيناه في غفلة منها وهو يشكر الله في نفسه أنه قد ألهمه بالجواب، وحمد الله على ما فعله تحسّبا للظروف.. فقد وجّه إنذارا شديد اللهجة لخدم منزل الخولي سواءا بمنزله أو بمنزل جده الكبير، عن عدم الهمس بحرف واحد مما حدث، واطمئن إلى أن وردة لن تتلفظ بكلمه، يبقى أم علي.. تلك الخادمة التي يمهلها فقط حتى يضع يده على أم ستيت.. شيطانة الإنس تلك.. والتي ما إن يتمكن منها حتى سيجعل الموت بالنسبة لها حلما.. بعيد المنال!!..

--------------------------------------------
----------------------------

جلس عثمان إلى أبيه يزفر بيأس وقال:
- عاجبك حال غيث وشهاب يا بوي؟.. واحد من ساعة إللي حوصل واخد اف وشّه وماعارفشي عنه حاجة والتاني كل يوم والتاني نازل مصر لماراته الحامل...

الجد بصرامة:
- وهما فين دلوك؟...

عثمان بضيق:
- ماعارفشي، دولم كانوهم جاعدين في فندُج.. يدخلوا ويخرجوا براحتهم.. حتى أشغالهم همّلوها..

الجد بحزم:
- اممم.. كلَّمهوم ع اللافلفون ديه وجولهوم إني عاوزهم ضروري.. ودلوك...

فعل عثمان كما أمر الجد وما هى الا نصف برهة زمنية قصيرة وحضر شهاب وغيث الذي ما إن أبصره الجد حتى امتعض وجهه وهتف بهما بحدة:
- أني رايد أفهم انتوم حريم ولا رجاله ابشنبات؟..

أجاب شهاب بحنق:
- حصل إيه يا جدي بس؟...

الجد بسخرية وهو يشير إليه وتوأمه الذي طالت لحيته فلم يشذبها منذ رحيل سلافة وعيناه الحمراوين ووجنتيه الغائرتين:
- لاه.. ما حوصلشي!.. خبار إيه؟.. ماحادش فاتهم حريمهم إلا أنتوم ولا إيه؟.. ما عتروحش ليه أشغالكم انته وهو؟.. إنت- ويشير بأسفل عصاه إلى شهاب قائلا- المزرعه.. بجالك جد إيه معتروحهاشي؟.. إيه ماعارفشي إنه مفيش غيرك اهناك وان ديه مصالح عيلة ابحالها؟...، وانت – مشيرا إلى غيث بأسفل عصاه أيضا مردفا بحنق- ما عتروحشي الديوان ولا بتتابع الشغل ونشوف مين دفع إللي عليه من التجار ومين إللي لسّاته.. إيه نجفلها عشان جنابكو مغضبين حريمكم.. انتوا مانفعينش في حاجه أبدأ .. حتى جْوازكو ما فالحتوشي فيه!!..

هتف غيث بحنق ليلاحظ الجد الطبع النزق الذي جدّ على حفيده الهادئ دوما:
- جدي لو سمحت.. خلي حريمنا وجوازنا برّات الموضوع، إحنا همّلنا في الشغل وديه حجّك.. لكن أرجوك يا جديْ بلاش نتكلَّموا في حريمنا إللي غضبناهوم لأننا يوم ما جينا عاوزين انسافر لهم حضرتك إللي اعترضت وما وافجتش..

الجد بسخرية:
- طب شهاب لو اتحدت في الحكايه ديْ هجول حجّه مراته ومهما كان شايلة ابنه ومش رايد تبعد عنيه، لكن تجدر تجولي حضرتك بأي وشّ بتحدتني؟.. انت خلاص يا غيث.. طلجتها.. افهم ديْ.. سلافة طليجتك مش مرتك!!!

ليهدر غيث بقوة هادرا:
- لاه... سلافة ماراتي.. وأتحدى أيتها حد يجولي غير إكده!!!..

ليقترب منه شهاب مقطبا فيما نهض أبوه صائحا:
- غيث.. اتحشّم يا ولد.. انت ناسيت روحك ولا إيه؟.. ديه جدّك.. 

أسكته الجد الذي كان يراقب غيث بغموض رافعا يده وهو يقول بهدوء وغضب بارد:
- استنى يا عتمان يا ولدي.. واضح إكده اني كت مغشوش فيك يا غيث، أني جولت أنت إللي عتجدر تصون سلافة وتستحمل عصبيتها الزايده وشجاوتها، ولما لاجيتك ميلت لها عرفت إن تفكيري صوح.. تومام كيف ما فكرت في سلمى لشهاب، بهدوئها ورزانة عجلها هتجدر تتفاهم مع عصبية شهاب وانفعالاه الزايد.. لكن واضح إني كنت غلطان.. وبالخصوص بالنسبة لك انت يا غيث!!!...

قطب غيث واقترب من جده متسائلا بحيرة:
- مافاهمشي يا جدي.. أنت جصدك تجول إيه؟..

ليجيب الجد بصرامة:
- عمك رؤوف كلّمني... رايدين ورجة بتّهم.. وأني وعدتهم ان ورجتها عتكون عنديها في ظرف يومين بالكتير.. جهز نفسك يا غيث.. عتروح تطلذجها عند الشيخ تهامي.. وتجيب ورجتها عشيّعها لها مع شهاب خوك... وبالمرة يرسي له على حل مع بت عمه... وبحذرك يا شهاب من دلوك.. إللي عتجول عليه بت عمك عمشيه.. سوى رايداك ولّا لاه!!!...

قطب شهاب وقال:
- صدقني يا جدي انا ندمان فعلا.. وإن شاء الله مش هارجع إلا بيها... سلمى مراتي وأم ابني..

في حين تحدث غيث بجمود:
- ولو رفضت يا جدّيْ؟!... حتى لو يميني وجع ديه طلجة واحده وهى في العده دلوك ومن حجي اني أرجعها حتى لو...

لينهض الجد وهو يهتف بحدة:
- حتى لو إيه يا غيث ما تكمّل؟.. حتى لو غصب عنّيها؟!.. الله في سماه ما يوحصل أبدا.. أني عطيت عمك رؤوف كلمة... ورجة سلافه عتوصلها بكتيره بعد بكره.. وابجى وجّع كلمتي يا غيث.. أني مش بشورك يا ابن عتمان... أني بأمرك... عبد الحميد الخولي كبير عيلة الخولي بيأمر يا وِلْدْ!!!!....

اعتصر غيث قبضتيه بقوة حتى ابيضت سلاميات أصابعه وقال من بين أسنانه:
- حاضر يا حاج.. لكن عنديهم.. هتدلّى مصر وأطلجها حدا الشيخ اهناك.. 
قطب الجد بريبة ثم زفر بإختناق وهو يقول بضيق واضح مشيحا بعصاه:
- ماشي يا غيث، لما أشوف آخرتها امعاك.. عكلّم عمك رؤوف عجوله ينتظرونا بكره الضهر إن شاء الله... وخلّي بالك.. يكون ترجع في كلامك يا غيث.. أني كلمتي ما عتنزلش الارض واصل...

أومأ غيث برأسه وعيناه تلمعان ببريق تصميم قوي..

--------------------------------------------
----------------------------

أقفل الشيخ الكتاب العريض أمامه بعد أن سجّل فيه إسمي غيث وسلافة ولكن كمطلقان!...

نهضت سلافة وهى تشعر بأنها تعيش أحداث حلم أسود، لم يبعد غيث عيناه عنها طوال الجلسة، فما إن وطئت بقدميها أرض الغرفة بناءا على طلب الشيخ وجلست بجوار جدها تقبض بيدها على يده حتى تسلطت عيناه عليها غير قادر على الإشاحة بهما بعيدا، تذكر نصيحة الشيخ لهما بالتروي وكيف أنه كاد يهتف عاليا بأنه لا يريد الإبتعاد عنها قيد أنملة.. وهل هناك عاقل يقتل نفسه بيده؟!.. 

كانت عيناه تلتهمانها بلهفة، لاحظ نقصان وزنها الملحوظ ووجنتيها الغائرتين والهالات السوداء تحيط بحبيبتيه.. عينيها.. اللتان سلبتاه الراحة منذ أن وقع بصره عليهما... أراد وبشدة إحتوائها بين ذراعيه ودفن رأسها في صدره، ولكن... لم تعد زوجته!.. كلمتين أصابتاه في مقتل.. لم يستطع رد كلمة الجد.. ولكنه أيضا لن يقبل بتطليق سلافة طلاق بينونة صغرى.. أي أنها لا تحل له إلا بعقد جديد ومهر جديد... فقد طلقها طلاقا رجعيّا.. أي أن له الحق أن يعيدها إلى عصمته في أي وقت طوال مدة الثلاثة أشهر.. فترة عدتها.. لم يكن ليقطع جميع الخيوط بينهما.. ولم يلتفت جده إلى ما فعله.. فبموافقته اعتمد الجد أن غيث سينصاع لما أمر به وغفل عن التأكد مما قام به غيث بالإنفاق مع شهاب.. وحده الذي كان يعلم بما أضمره توأمه ولهذا لم يمانع كثيرا مع الجد.....

هتف غيث وهو ينهض بدوره قائلا:
- بعد إذنك يا عمي.. عجول كلمتين اتنين لبت عمي...

زفر رؤوف بأسف وقال بجدية مشيرا اليه:
- طبعا يا غيث.. في الاول والآخر هى بنت عمك!...

سار غيث إليها ليشير لها بأن تتقدمه، ليبتعدا إلى أقصى الغرفة بينما يقف شهاب متحيّنا الفرصة للقاء سلمى التي لم تقع عيناه عليها منذ قدومهم، بينما انشغل رؤوف بالحديث إلى عثمان شقيقه والجد، وقفت سلافة تفرك في أصابعها بتوتر ملحوظ تعتمد البرودة في ملامحها بينما يضرب قلبها بعنف بين جنبات قلبها، تتحين الفرصة لتنفرد بنفسها لتذرف دموعها علّها تشعر بالراحة بعدها، قالت سلافة وهى تشيح بعينيها بعيدا عنه:
- أفندم يا ابن عمي...

غيث ببرود يخالف النيران التي تستعر في أحشائه رغبة في ضمها إلى قلبه علّه ينفث الروح فيها وفيه:
- أني عملت لكْ إللي إنتي رايداه.. لكن أنتي لسّأتك ماراتي يا سلافة!!...

فتحت سلافة عينيها واسعا وهمست بعدم تصديق:
- إيه؟.. لسّه مراتك إزاي يعني مش فاهمه؟.. والمأذون إللي كان هنا دا كان بيعمل إيه؟..

غيث بجمود:
- أني لما طلجتك جبل إكده.. معيتحسبوشي تلات طلجات يتحسبوم طلجة واحده.. أني جولتلكم طلاج غضب معيوجعشي وانتوم ما صدجتونيشي.. ماشيْ.. لكن حتى أذا وجع فديه طلجة واحده.. يعني أجدر أردك في أيتها وجت طالما إنك لسّه في شهور العدة..

عقدت سلافة ساعديها وطالعته بسخرية مجيبة:
- دا لو طلاق رجعي.. لكن أنا اتطلقت منك طلاق بائن بينونة صغرى على يد مأذون.. يعني ما ينفعشي أرجع لك إلا بعقد جديد ومهر جديد وقبل دا كله بموافقتي أنا.. وأنا مش ممكن أوافق!!..

ليقتر بمنها فتقطب ناظرة له بتوجس بينما حانت منها التفاتة إلى أبيها لتجده منخرط في الحديث مع الباقيين، ابتسم غيث بسخرية وهمس بصوت ثابت النبرات وببساطة كادت تتسبب في وقوف قلبها عن العمل:
- مش ديه لو كت طلجتك فعلا طلاج بائن كيف ما بتجولي؟..

قطبت سلافة وقالت بريبة وهى تسدل ذراعيها بجانبها:
- يعني إيه يا غيث؟..

لميل على أذنها هامسا بمكر:
- يعني أني طلجت طلاج رجعي على يد مأذون.. يعني أجدر في أي وجت أرجعك يا بت عمي.. كلمة واحدة منِّي وترجعي ماراتي وترجعي بيتك من تاني.. لكن أني صابر عليكي.. وما رايدش أعمّلها غصبن عنيكي.. ديه غير بجاه إنه طلاجنا ديه أني ما أمنشي بيه.. لأنه طلاج مجبور عليه.. جدك إللي جبرني.. يعني تجيبيها إكده اتوديها إكده... أنتي ماراتي يا سلافة.. ومعفوتكيش واصل.. ولآخر نفس عِندي... عتفضلي ماراتي.. وكل ما تخلي الحديت ديه يدخل راسك كل ما عترتاحي يا بت الناس، أنا عفوتك دلوك.. لكن عتلاجيني حواليكي وجودامك في كل موكان اتروحيه.. مش عتغيبي عن عيني لحظة واحده حتى.. 

سكت ليترك لها المجال كي تعي ما قاله ولاحظ معالم الصدمة زاهرة بوضوح على وجهها، فإبتسم مردفا بسخرية:
- فوتّك ابعافيه يا.. حرمنا المصون!..

وانصرف تجاه الآخرين حيث سرعان ما ودعوا رؤوف واتجهوا إلى الخارج بعد أن ألقى غيث بنظرة متهكمة إلى سلافة تبعتها تحية ساخرة من رأسه قبل أن يختفي من أمامها في حين إنسابت دمعة يتيمة تجرح بشرتها المرمرية بينما تهتف بداخلها بوعيد:
- فاكر انك بكدا هتقدر تخوّفني.. ماشي يا غيث لما نشوف أنا ولا إنت!!!!!!!!..

إلى اللقاء في الحلقة السابع والثلاثون من هنا 


تعليقات



×