رواية كبير العيله الفصل الخامس والثلاثون 35 بقلم احكي ياشهرزاد مني لطفي


رواية كبير العيله الفصل الخامس والثلاثون 35 بقلم احكي ياشهرزاد مني لطفي 





رواية كبير العيلة - منى لطفي

الحلقة الخامسة و الثلاثون 

صوت حبيب تناهى إلى مسامعها من خلف الغيوم التي تلف عقلها، كلمات جعلتها تحاول كي ترى صاحبها، وكان أن إنتشلها صاحب الصوت بنبرته المترجية من غياب نومها العميق لترمش بأهدابها عدة مرات قبل أن تفتح عينيها فتطالعها غشاوة بيضاء أمام عينيها، دارت بحدقتيها يمينا ويسارا تبحث عن صاحب الصوت الذي تغيرت نبرته إلى اللهفة، ظهرت صورة مهتزة أمام عينيها لم تلبث أن أخذت تستقر شيئا فشيئا حتى توضحت تماما... لتقول بإبتسامة شاحبة وصوت ضعيف واهن:
- لـ... ليـ.. ليث!!!.. ، حدق فيها ليث غير مصدقا لما يراه أمام عينيه، فسلسبيله قد استفاقت، بل أنها تراه ونادته بإسمه بصوتها الذي كاد يموت كي يسمعه وهو يناديه ثانية...، هتف وهو يميل عليها ممسكا يدها الموصول بها أنبوبة المغذي:
- روح ليث وجلبه وعجله يا سلسبيلي....

ابتسمت سلسبيل وهمست بضعف:
- اتوحشتك يا ولد عمي...

ليتأوه ليث من أعمق أعماقه قائلا بحرقة:
- آآآآآآه يا سلسبيل.... ، ليغمر يدها قبلا ظهرها وباطنها، ثم نظر إليها وأردف بعينين تغشاهما غلالة رقيقة:
- حمد لله على السلامة يا بت عمي، أني ما ممصدجش إنك جودامي وبتحدتيني، أني معوتش فايتك واصل... هاجعد جارك وما عهملكيش دجيجة واحدة... إنتي غالية جوي يا سلسبيل.. جوي جوي يا جلب ليث.. مش امصدج إنك جودامي وإني ماسكك بين إيديّ...

قالت سلسبيل بإبتسامة:
- معجول الليث عهيهمل مصالحاه ويجعد جار مراتَهْ؟... 

ليث بتأكيد:
- إنتي حالي ومالي ومَرَتي وبتِّيْ وأهلي كلهم يا سلسبيل...

همست بحب:
- ربنا ما يحرمني منِّيك يا ليثي، أنته....

لتبتر عبارتها وقد لاحظت غشاوة رقيقة تلمع فوق حدقتيه، فقطبت وهمست بتساؤل وهى ترفع يدها بضعف إلى عينيه:
- ليث... إيه إللي أني شايفاه في عينيك ديه؟... 

لتفتح عينيها واسعا وتتابع بشهقة ضعيفة:
- ديه دموع!!!.. انت بتبكي يا ليث؟.. دموعك غالية جوي يا إبن عمي معتنزلش على حدا واصل حتى لو كتّ أني!!!!

ليهتف من أعماقه:
- إنتي أغلى من الدموع ديْ.. أغلى من روحي ذات نفسيها يا بت عمي.. أني من غيرك ما جادرش أعيش... أنتي روحي يا سلبيل....

وقبل راحتها لتبتسم ثم تقول مقطبة:
- هو إيه إللي حوصل صحيح يا ولد عمي؟.. أني معفتكرش غير إني كت حاسة بسكاكين بتجطع في مصاريني وشاربت كوباية أعشاب البت وردة جالت إنها زينة للحبلى وبس وبعد إكده....

لتصمت فجأة وتردد بهمس:
- حبلى!!!!! ، نظرت إليه بذعر وهى تتلمس بطنها المسطحة بجنون لتنظر إليه بتوسل هاتفة بصوتها الضعيف:
- إللي ببطني... راح؟!!!!!! ، سكت ليث، لأول مرة يشعر بالخرس، لم يستطع إجابتها، ولكن... لتجيبها عيناه بدلا عنه، فهتفت بجزع وهي تتساءل بذعر:
- إللي ببطني راح يا ليث؟.. سجّطت!!!!!!.. لاه... لاه....

وأخذت بالإشاحة برأسها يسارا ويمينا عدة مرات وهى تردد كلمة لا مرارا وتكرارا، نهض ليث من المقعد المجاور لفراشها ليجلس بجوارها على السرير ويقول وهو يحتوي كتفيها بذراعه بينما يده الأخرى تربت على وجنتها:
- وحّدي الله يا سلسبيل أومال... ديه إرادة ربّنا... أهم حاجة إنك جومتي لي بالسلامة، أني ما عاوزشي غيرك إنتي يا سلسبيل..

ولكنها لم تكن تستمع إليه، كان عقلها لا يستطيع إستيعاب حجم خسارتها، طفلها هى وليث، الطفل الذي تمنته كثيرا ودعت الله لأجله في كل وقت، لتصرخ من أعماقها عاليا:
- آآآآآآآآآآآه..... ، قبل أن تسقط بين يديه مغشيّا عليها وهو يهتف بجزع:
- سلسبيل.. سلسبيل....

خرج الطبيب من غرفة سلسبيل، إتجه إليه ليث وسلمى وشهاب بينما رحل الباقون حالما اطمئنوا على إستقرار حالة سلسبيل ونقلها إلى غرفة خاصة فلم يحضروا إنهيارها، سأل ليث بلهفة:
- خير يا دكتووور؟....، الطبيب بهدوء مهني:
- إللي حصل شيء متوقع يا ليث بيه، إحنا إديناها حقنة مهدئة وإن شاء الله على الصبح هتكون كويسة، أنا شايف إنه مفيش داعي لوجودكم، هى هتنام للصبح تقريبا، ولو عاوزين مرافق واحد بس كفاية.. عن إذنكم...

ليث لشهاب:
- خد الدَّكتووورة يا شهاب وروِّحوا، أني هاجعد جارها...

شهاب مربتا على كتفه:
- لو إحتجت أي حاجة كلمني يا ليث، وإحنا ان شاء الله من الصبح بدري هنكون عندك..

لتهمس سلمى له:
- حمد لله على سلامتها يا ليث...

أومأ ليث برأسه لهما فانصرفا بينما دلف ليث إلى غرفة سلسبيل، رأى الممرضة وهى تطمئن على سير المحلول في الأنبوبة، قبل أن توميء برأسها وتنصرف موصدة الباب خلفه، سحب ليث كرسيا وضعه بجانب الفراش التي ترقد فوقه، مال على يدها الموضوعه بجانبها مقبلا ظاهرها ثم رفع رأسه وهمس:
- بحج كل دمعة نزلت من عينيكي الحلوين دوول، بحج حرجة جلبي وجلبك.. هاعرِفُه.. هاعرِف إللي عِمِلْها.. ووجتيها الموت بالنسبة لاه عيكون حلم نفسيه يتحجج!!!!!!...

وبرقت عينا الليث بعزم ووعيد بينما يتردد في عقله إسم ذكرته سلسبيل أثناء كلامها معه "وردة!!!"....

---------------------------------------------------------

جلس روؤف فوق المقعد وكأنه يرزح تحت همٍّ ثقيل، كان بالأعلى بالطابق المخصص له، همس بذهول وهو يطالع سلافة وألفت:
- انتوا بتقولوا إيه؟.... ، أجابت ألفت بصوت مبحوح من شدة البكاء:
- بقولك سلافة إتطلقت، وراوية كانت.. كانت عاوزة تقتلني!!!!!!...

هتف روؤف بغير تصديق:
- إنتي بتقولي إيه يا ألفت؟... أنا مش مصدق!!.. كل دا يحصل في الكام ساعة إللي غبتها!!!... وإيه إللي خلّا راوية تعمل كده؟.. وغيث يطلق سلافة ليه؟...

لتجيب سلافة بجمود وقد فقدت عيناها بريقهما:
- أنا هاقول لحضرتك كل حاجة!!!!....

ساد الصمت بعد أن إنتهت سلافة من سرد كل ما حدث سواءا في غيابهم أثناء سفرهم لأداء العمرة وما صار بين شهاب وسلمى وما حدث بينها هى وراوية وجعل الأخيرة تتهمها بمحاولة ضربها، وإنتهت بأن أفصحت عن شكوكها بل ويقينها الشبه مؤكد بأن ما حدث لسلسبيل كان المقصود به سلمى وبتخطيط من راوية!!!!!!!!!...

وضع روؤف يده على رأسه بينما احتضنت ألفت سلافة بين ذراعيها، شعرت ألفت بقلق فظيع على سلافة، فهى لم تبك ولم تنهار لطلاقها من غيث والذي لفظه ثلاث مرات!!!.. وبقلب الأم دعت الله أن ينقذ صغيرتها، فهى ترى معالم الإنهيار القادم بوضوح... الصمت التام كان هو الإشارة على حالة الانهيار الداخلي التي تعاني منها سلافة!!..

صوت سلمى وهى تلقي عليهم السلام انتشلهم من شرودهم الواضح، نظرت إليهم سلمى بتساؤل، قبل أن تنقل نظراتها إلى شهاب الذي رافقها، تبادلا نظرات التساؤل وعدم الفهم قبل أن يخرق رؤوف الصمت وهو يرفع رأسه متطلعا إلى ابنته وهى تقف بجوار زوجها الذي يحيط كتفيها بذراعه في إشارة منه لحمايتها، ليقف بعدها ويتطلع إليهم قليلا قبل أن يقول:
- أختك حكيت لنا على إللي حصل وإحنا مسافرين!!!...

شهقت سلمى ونظرت إلى سلافة الغارقة بين ذراعي والدتها بتساؤل قبل أن تقول بريبة فيما شهاب يلقي إليها وإلى عمه بنظرات قلقة:
- يا بابا حضرتك عارف البيوت يا ما بيحصل فيها، وشهاب صالحني وخلاص......

ليقاطعها صوت رؤوف قائلا بجمود وهو يرمي شهاب بنظرات أثارت ريبة وقلق الأخير:
- مش عاوزة تعرفي إيه اللي حصل لأختك يا سلمى؟...

قطبت سلمى وابتعدت عن شهاب وتقدمت ناحية أختها، ركعت على ركبتيها بجوارها ومسّدت على كتفها وهى تتساءل بوجل موجهة نظرات حائرة إلى أمها الساكنة تماما:
- إيه إللي حصل يا ماما؟...

رؤوف من خلفها ببرود:
- اتطلقت!!!!...

لتشهق عاليا وتنهض واقفة على قدميها وتردد بغير تصديق وهى تطالع أبوها:
- أتـ... إتطلقت!!!!!!.. طيب ليه وإزاي؟؟؟

لتكون سلافة من يجيبها هذه المرة، اذ ابتعدت عن أحضان والدتها ورفعت رأسها قائلة بسخرية ومرارة:
- عشان أنقذت أمنا يا سلمى.. حماتك المصونة كانت عاوزة تقتلها!!!!!!...

شهقت سلمى عاليا واضعة يدها فوق فمها وهى تهتف بغير تصديق:
- لا.. مش ممكن!!!..

ليهتف شهاب بذهول:
- إنتي بتقولي إيه يا سلافة؟... يعني إيه ماما حاولت تقتل مرات عمي؟!!

سلافة بمرارة:
- لو مش مصدقني يا باشمهندس عندك جدي.. إسأله وهو هيأكد لك كلامي!!...

نظرت إليه سلمى بذهول في حين قال شهاب بقلق لنظراتها الغامضة:
- سلمى.. إحنا مالناش ذنب في دا كله.. أنا جوزك وإنتي مراتي وإللي في بطنك دا إبني... مهما حصل أوعي تفكري إن ممكن حاجة تفرقنا..

هتفت سلمى بغرابة:
- دي أمي!... عارف يعني إيه لما حماتي تحاول تقتل أمي؟.. عيال إيه وجواز إيه بعد كدا؟.....

ثم هرولت إلى أمها التي تلقفتها بين ذراعيها في حين انخرطت سلمى في بكاء عنيف بينما وقف شهاب حائرا، أيقظه من حيرته هذه صوت رؤوف الجامد:
- شهاب يا بني.. أظن بعد إللي حصل دا لازم وقفة جامدة... إللي حصل مش قليل... الموضوع بقى مش غيرة أم على ولادها.. ولا كيد حماوات.. لا.. الموضوع أخطر بكتير!!!...

هم شهاب بالحديث حينما قاطعه صوت رنين متواصل فقطب رؤوف وهمّ بالتوجه ليفتح عندما قاطعه شهاب وهو يسير متجها إلى الباب قائلا:
- خلي حضرتك.. هافتح أنا...

ما ان فتح الباب حتى اندفع غيث إلى الداخل بقوة وهو يهتف مناديا سلافة، هرع خلفه شهاب الذي أعاق دخوله إلى غرفة الجلوس حيث الجميع وهتف بهمس عنيف من بين أسنانه:
- أنت إيه إللي أنت عملته دا؟.. طلاق يا غيث!!!.. قدرت تعملها؟.. وجاي دلوقتي ليه؟.. نصيحة مني إوعى تخليهم يشوفوك خصوصا عمي رؤوف.. أنا معرفش ممكن يعمل فيك إيه؟...

أزاح غيث يد شهاب التي أمسكت بذراعه تعيقه عن الدخول وهو يهتف بقوة:
- محدش عيجدر يمنعني عن ماراتي!!!!!...

ليفاجآ بصوت ساخر يعلو من وراء شهاب:
- مراتك؟!!... لا معلهش... الطلاق حصل وبالتلاتة وفيه شهود عليه...

هتف غيث وهو يملأ عينيه من محبوبته التي تقف خلف أخيه تطالعه بعينين خاويتان وجمود يكسو ملامحها التي يعشقها:
- سلافة!!!...

ابتسمت بمرارة في حين ابتعد شهاب لفسح له بالدخول حيث تراجعت سلافة إلى الخلف، وقفت سلافة أمامه وقالت بعنفوان شديد:
- أفندم يا إبن عمي!!!

قاطعهما صوت رؤوف بصرامة:
- سلافة.. إدخلي جوّة... ، ثم وجه حديثه إلى غيث قائلا بحزم وهو يتطلع إليه بجمود لم يسبق له وأن شاهده غيث عليه، فعمه دائما ما يراه مبتسما، ولكن الآن الوجوم والبرود يعتلي وجهه ناحيته:
- خير يا إبن أخويا؟.. كلامك معايا أنا، دا إللي كان مفروض من الأول..

غيث بنظرات مركزة على سلافة:
- أنا.. أنا رايد أتحدت مع سلافة.. بعد .. إذنك يا عمي...

وهو يلعن في داخله.. تبًّا تبًّا.. هل من المعقول أن يحتاج هو غيث إلى الإذن قبل التحدث إلى امرأته.. زوجته.. نعم هى زوجته رغما عن أنف الجميع.. هو لم يطلّقها.. لن يتركها.. كان طلاق غضب وطلاق الغضب لا يقع أليس كذلك؟!!!!!!!..

قال روؤف بجمود:
- للأسف ما عادلكش الحق دا... انت خسرت كل حق ليك عند عمك وبنات عمك يا.. إبن أخويا!!!..

لتخرج عيناه من محجريهما ما إن سمع كلمات عمه الباترة، حتى أن قلبه أوشك على التوقف فهتف بقوة تخفي قلقا وجزعا رهيبا من فقده لصغيرته الجنيّة المشاكسة:
- لاه.. سلافة لسّاتها ماراتيْ!!..

قال رؤوف:
- كانت.. كانت يا غيث!!.. أنت ناسي انك طلقتها وبالتلاتة كمان؟!!!!!

تقرب غيث من عمه وهو يشير إلى تلك التي تختبأ منه خلف والدها، يريد أن يمد يديه ويجذبها إلى أحضانه، هل وصل بهما الحال إلى أن تختبأ منه هو في حضن غيره حتى وإن كان هذا الغير .. والدها؟...، هتف غيث بقوة:
- الطلاج معيوجعش، ديه كان طلاج غضب و....

لتهتف سلافة وقد بلغ السيل منها الزبد وهى تتجه ناحيته:
- هو إيه دا؟.. انت تحلل على كيفك وهتحرّم على كيفك؟.. أنت طلقتني يا غيث وعينك كانت في عينيا، وما نطقتهاش مرة واحدة يا ابن عمي لا.. انت نطقتها تلات مرات يا غيث.. وانت في كامل وعيك.. يعني بتأكد عليها.. يبقى من الآخر خلاص.. حكايتنا خلصت يا إبن عمي... وأنا قلتهالك وبعيدها تاني.. أنا مقدرش أنى أكون زوجة لإبن الست إللي كانت عاوزة تقتل أمي.. وتخرب بيتي وبيت أختي، والله أعلم هى عملت إيه تاني.. مسير كل حاجة تبان!!!..

همّ غيث بمقاطعتها حينما سبقه عمه بالتحدث بحزم وقوة:
- خلاص يا غيث، إللي كنت عاوز تتكلم معها قالت لك المفيد...

غيث بإستماتة وهو يعتصر قبضتيه بقوة في حين تقدم شهاب ليقف بجانب توأمه وهو يشعر بكل خلجة من خلجاته:
- لاه ما خلاصشي.. أنا ما طلجتهاش.. ، ثم التفت إلى سلافة وقال بشراسة من يدافع عن حقه في الحياة:
- مش هتجدري تُخلصي مني يا سلافة، إنتي مراتي رضيتي ولّا لاه.. طلاج ما طلجتكيشي.. ومافيشي ورج يثبت كلامك... أني جولتلك ديه كلمة ساعة غضب وما توجعش... ريحي روحك... ، ثم التفت إلى عمه مكملا:
- أني آسف يا عمي.. لكن بعد إذنك.. أني هسيب ماراتي – مشددا على كلمة ماراتي – حداكو النّهاردِه.. لكن من الصّبح إتعاود على بيتها... هى لساتها في العدة وأنا.........

ليقاطعه صوتا لا يزال قويا رغم سنوات عمره التي تخطت الخامسة والسبعين:
- انت إيه يا غيث؟!!!!!!..

ليلتفت الجميع إلى كبيرهم.. الحاج عبد الحميد الخولي، وهو يدلف إليهم وفي أعقابه فاطمة وعثمان، تقدم الجد حتى وقف أمام غيث وتحدث وهو يستند على مقبض عصاه العاجية:
- انت رميت عليها اليامين يا غيث، وبالتلاتة... أني سامعتَك.. اذا كت عتكدب علينا.. عتكدب على ربّنا؟!!!!..

ليستغفر الجميع بصوت منخفض، مسح غيث على وجهه براحته ثم نظر إلى جده بعينيه الحمراوين وقال بصوت خشن:
- جدي ديه كان طلاج غضب، وطلاج الغضب ما عيجعشي...

الجد بصرامة:
- ولحدت ما نتوكدوا إذا كان طلاج غضب ولّا لاه.. وإذا كان وجع بالتلاتة يبجى اتحرمت عليك إلا إذا...

وترك جملته معلقة فقطب غيث وتساءل بريبة:
- إلا إذا إيه يا جدِّيْ؟...

الجد بجمود وهو يطالعه بخيبة أمل:
- إلا إذا اتزوجت راجل تاني يا غيث... واتطلجت منّيه أو لا قدر الله اترملت.. وجتيها تجدر تتزوَّجها من أول وجديد!..

هتف غيث بشراسة:
- إيييه؟.. عم بتجول إيه يا جدّي؟!!!!.. رااجل تاني!!!!!!
ونظر إلى سلافة بوحشية وهو يتخيل آخر يكون له الحق بها، الإستماع إلى ضحكتها، أن تتدلل عليه وتناغشه، أن يتمتع بجمالها وخفة دمها وطيبة قلبها، لا... على جثته أن يضع آخر ولو إصبع واحد عليها!!! ، تقدم منها ببطء ووقف أمامها وقال بصوت منخفض ولكنه وحشي:
- على جثِّتيْ يا سلافة لو واحد تاني فكّر مجرد تفكير فيكي.. انتي ماراتي.. حطي الحديت ديه ابالك زين... محدش عيجدر ياخدك منّي.. إنتي مراتي ولحد آخر يوم في عمري معسيبكيش واصل...

اقتربت سلافة من جدها وتحدثت:
- جدي.. أرجوك.. انت ما يرضيكش إنه يتعامل معايا زي الجارية في سوق النخاسة ولا زي أي بهيمة معلهش يعني عندكم في المزرعة، أنا مش عاوزاه يا جدي.. أرجوك... الطلاق ووقع، ومهما حد قال غير كدا أنا للأسف مش هصدق غير إللي سمعته بوداني، أرجوك يا جدي خلّيه يبعت لي ورقتي، أنا خلاص...

ورمقت غيث المذهول من كلماتها بينما تكشيرة عميقة قد علت وجهها ونظرات مجنونة احتلت عينيها الجاحظتين:
- القلب قفل من ناحيته... أرجوك يا جدي...

غيث بجنون:
- على جثتي..

ليقاطعه الجد في نفس اللحظة:
- غيييث!!.. إللي رايداه بت عمك عيحصل، لو هى ما رايداكش يبجى عتطلجها... والطلاج أنا شاهد عليه.. تحلف على قرآن ربّنا إنك ما كنتش جاصد اتطلجها وإنه كان يامين غضب؟!!!!..

وهنا أُسقط في يد غيث، لا يستطيع إنتهاك محارم الله، هو لحظة أن لفظ كلمة الطلاق كان.. يعنيها بكل ما في الكلمة من معنى!!!.. قد يكون السبب هو الغضب الذي ملأه من رؤية سلافة وهى تجثم فوق والدته تشبعها ضربا وإهانة ما جعله يرى كل شيء باللون الأحمر ولولا بقية باقية من تماسك لكان قتلها في التو واللحظة، لا يستطيع القسم بكتاب الله كذبا وبهتانا، لتتهدل كتفيه ويزفر بيأس، ويرمق سلافة النظرة الأخيرة هامسا وكأنه يتلو قسما:
- ديه مش آخرة المطاف سلافة... إوعاكي تفتكري إنه خلاص.. إللي بيناتنا لا يمكن يوخلص يا بت عمي!.

واندفع مغادرا وفي أعقابه شهاب!!!!!!!..

------------------------------------------------------------

- والله يا ليث بيه ماعارفاشي حاجه!!!...

ليدفعها صابر براحته الغليظة في كتفها بينما تقف ترتجف من أعلى رأسها إلى أسفل قدميها هاتفا بها بحدة:
- أي بت كافاياكي املاوعة وجولي الحجيجة!!..

وردة وهى تبكي بعنف:
- أجول إيه بس أني ماعارفشي حاجة..

تقدم منها ليث ووقف أمامها يطالعها بغموض قبل أن يقول بهدوئه الذي يسبق العاصفة:
- إيه المشروب إللي عطيتيه لستّك سلسبيل تشرابه؟؟؟

وردة بلهفة:
- ديه مشروب خصوصي لوجع البطن، وبالخصوص للواحدة الحبلى، الدكتورة إللي جالت إكده..

ليث بقوة:
- دكتورة مين يا بت؟..

وردة بهتاف:
- جسما بالله ما أعرف حاجة..

ليث بغلظة:
- صابر...، ليهرع صبر الغفير بجواره هاتفا:
- أوامر جنابك!!.. ، ليث بقوة:
- نادي على دياب!!!..

وما أن سمعت وردة إسم دياب الغقير ذو القلب الميّت الذي ترتعب منه الأبدان اذا ما لمحت طرفه، صاحت وهى ترتمي على قدمي ليث تقبلهما:
- لاه يا سعادة البيه أحبّ على رجلك.. دياب لاه!!!!..

ليجذبها صابر من ثيابها يوقفها على قدميها وهو يصيح بها:
- ما إنتي ما عاوزاشي تتحدتي..

وردة بخوف يكاد يوقف قلبها عن العمل:
- أتحدت أجول إيه بس، يا وجعتك يا وردة.. أني كان مالي بس يا ربي، ما كت خليت أم علي هى إللي تعمل المدعوج ديه، لازمن أحشر حالي وأجولها هعمله أنا!!!!!!!!

قطب ليث وإقترب منها وقال بتساؤل:
- مين؟.. أم علي!!!..

رفعت وردة عينيها إليه وهتفت بيأس وتوسل:
- أيوة يا بيه، أم علي هى إللي عاطتني الكيس إللي فيه المخروب ديه وجالت لي أعمله عشان ست الدكتووورة ، لأنها حبلى والدكتوورة وصفته ليها عشان التعب إللي بياجيها!..

ليث بشرود:
- صابر...، هرع صابر ملبيّا ندائه فتابع ليث:
- دياب.. يكون عندي اهنه...، صابر بهتاف متجاهلا صرخة وردة:
- أوامر جنابك، مسافة السكة هتلاجيه جودامك يا كابيرنا...

وردة برعب عظيم:
- والله ما عملت حاجة يا ليث بيه...

قاطعها ليث بقوة:
- إنتِي عتفضلي اهنه.. وما تخافيشي دياب مش ليكي....

وبرقت عيناه بوعيد قويّ!!!!!..

------------------------------------------------------------

دلف دياب إلى داخل القبو أسفل منزل عائلة الليث الخولي، يدفع أمامه إمرأة ستينية العمر، ما أن وقع نظرها على ليث الواقف كالطود يحمل عصاه الأبنوسية في يده حتى هرعت إليه تنحني على يده تقبلها وهى تهتف بذعر يكاد يميت قلبها:
- أحب على يدك يا بيه، أني ما عماتش حاجة.. ماليش صالح بأيتها حاجة....

اتجه إليها دياب يرفعها من ذراعها بقوة وهو يهتف فيها بشدة:
- اخرسي خالص... إللي عيجوله البيه اتنفذيه وبالحرف الواحد..

هزت برأسها مرارا وتكرارا وهى تتمتم بنعم في إذعان تام، قال الليث بقوة فيما عيناه تبرقان بوعيد إن كذبت في كلامها:
- مين إللي اداكي المدعوج إللي حاطته البت وردة في مشروب أم عدنان؟...

أم علي بإضطراب شديد:
- هاه... وأني إيش عارافني يا ليث بيه، وردة هى إللي عِملت المشروب يبجى تسألها هى!!!!

شعر الليث بأنها تخفي أمرا، فإبتسم ساخرا وقال:
- بس إكده.. صابر...

دلف صابر إلى الداخل هاتفا:
- أوامر جنابك..

ليث وعيناه مثبتتان على أم علي:
- هاتها!!!!!!

وما هى إلا ثواني إلا وكانت وردة تدخل يدفعها صابر وبقوة، ليشحب وجه أم علي فيتأكد لليث أنها تعلم الكثير مما لم تقله بعد، ليث بأمر:
- وردة.. إنتي جولتي إن المشروب ديه ام علي إللي عاطيتك كيس فيه أعشاب وجالت لك تعمليه للدكتورة صوح؟..

هتفت وردة:
- صوح.. والله العظيم صوح...

أشار ليث لصابر بأن يذهب بها، فيما اقترب من أم علي ليقبض فجأة على تلابيبها فتشهق عاليا برعب بينما كشر عن أنيابه وهتف بشراسة من بين أسنانه:
- شوفي يا مرضعة إبليس إنتيْ.. من موصلحتك إنك تتحدتي، جولي إللي حوصل بالظبط.. ماذا وإلا هخلي الدبان الازرج معايعرفشي طريجك... حظك الشين وجعك امعايْ.. وأني بجه معتنازلشي عن حجي وااصل.. أُونطجي!!!!!!

أم علي في محاولة أخيرة للتنصل من الحديث:
- عجول إيه بس!!!..

ليث بقوة وقد شاط غضبا وغيظا منها:
- دياااب !!..

نظرت ام علي بهلع لدياب الذي تقرب من سيده قائلا:
- اوامرك يا كابير..

ليث وهو يطالعها بحقد وكره:
- ارميها في الريّاح... إللي زيْ ديْ مالهاشي دِيّهْ عِندينا!!!!!!!!

في لحظتها قام دياب بسحب أم علي من ذراعها فشرعت تصرخ وتولول عاليا ثم هتفت:
- عجول.. عجول على كل حاجة..

ليث بنظرة ظافرة لقرب وقوع المجرم بين يديه:
- همّلها يا دياب...

ثم توجه بالحديث اليها:
- انطجي..، لتتردد قليلا ثم ما لبثت ان قالت:
- الـ.. الست أم غيث هى إللي جالت لي أعمل اكده!...

قطب ليث وتقدم منها يقول بإستنكار تام:
- كييف ديه؟.. عم بتلهفطي تجولي إيه يا واليّاه إنتيْ؟!!!

أم علي وهى تبكي وتنوح:
- بحج أولياء الله الصالحين كلاتهم.. وربنا المعبود ديه إللي حوصل..

ليث بهتاف حاد:
- ام غيث مين إللي جصدك عليها يا مخبولة إنتيْ؟...

أم علي بصوت متقطع من شدة البكاء:
- السـ.. لست را.. الست راوية.. مرات سيدي عتمان بيه.. أم الست سلسبيل يا ليث بيه!!!!!

ليهتف الليث بذهول صاعق:
- باااه... عمّتيْ!!!!!!!!!!!!

---------------------------------------------------------------

جلس الجد مع روؤف لوحدهما بعد إنصراف غيث وشهاب، حيث طلب الإنفراد به، قال الجد بهدوء:
- روؤف يا ولديْ.. أنا رايدك تسمعني زين واتنفذ إللي عجولك عليه..

رؤوف بطاعة:
- تحت أمرك يا حاج.. بس بعد إذنك لو موضوع سلافة وغيث أنا مش هقدر يا حاج.. حضرتك شوفت بنفسك الإنهيار إللي البنت فيه بعد إللي غيث قاله..

الجد وعيناه تبرقان بعزم:
- لاه... الموضوع ديه خليه بعدين... أني دلوك رايدك تاخد مَرَتَكْ وبناتك وتسافر مصر!!!

روؤف بتقطيبة حائرة:
- أنا فعلا فكرت في كدا وكنت هفاتح حضرتك في الموضوع دا.. لكن غريبة إنك أنت إللي تطلبها مني يا حاج!!!...

شرد الجد قليلا وهو يهمس في نفسه:
- عاوزني أجولك إيه يا وَلَدِيْ؟.. عجولك إن حياتك أنت وبناتك في خطر ؟.. طول ما العجربة إللي إسمها راوية ديه بيناتنا وأني ما أمنلهاشي واصل.. حتى لو فاتت الدار برضيكي ممكن تعمِل أيتها حاجة... عجولك إنها وصلت إنها تِسحر لبناتك؟.. لولا رحمة ربنا انه ألهم الحاجة فاطنة إنها تاخد بالها واتحذرها.. وربنا سترها وكانت هتاجي في جوزها إللي هو خووك؟!!..

انتبه من شروده على نداء رؤوف المتكرر له، فنظر إليه قائلا:
- ما تواخزنيشي يا ولدي.. إللي الواحد شافاه اليومين دول باللي شافاه في عمره كلاته.. الِمْهِمْ... بناتك أعصابهم تلفانه هما ومرتك من بعد إللي حوصل، سافر بيهم كام يوم إكده لحدّ النفوس ما تهدى...

رؤوف بزفرة عميقة:
- بصراحة يا حاج سلافة مصممة على الطلاق، أنا عارف أنها يمكن تكون لسه موجوعه من إللي غيث عمله، وهو يمكن يكون معذور لما شافها بتضرب أمه، بس مش هينفع يكملوا مع بعض يا حاج، الأمان والإحترام لما بيضيعوا ماينفعش الحياة تستمر بعدهم.. طول ما هى معاه هتفضل قلقانه من أمه، وإحترامها له غيث ضيّعه لما صدّق أمه وأرجع وأقول أنها أمه ومش ممكن كان ييجي في باله إنها عاوزة تدمر حياته هو وأخوه بالصورة دي..

زفر الجد بيأس وقال:
- معاك حاج يا وَلَدِيْ.. عموما إطمّن.. راوية من ساعة إللي حوصل وهى اف دارها... غلجت عليها.. حتى ولادها معيجدروشي ياجوا ناحيتها.. من الجيهة ديْ أني هتصرف اطّمّنْ.. وبالنسبة لسلافة.. عشان إكده بجولك سافر بيهم.. يمكن لمّا تبعد أعصابها ترتاح وتفكر تاني... غيث رمى اليمين تلات مرات لكنّها تنحسب طلجة واحدة.. ومش هنجول إنه يامين غضب ما يوجعشي، لكنه في أسوأ الاحوال لو وِّجع فديه طلجة واحدة ولو رايد ايرجّعْها عيرجِّعْها لكن ما تخافيش أني ما عخلِّيهوشي يعمل حاجة ضد إللي رايداه سلافة....

رؤوف براحة:
- ربنا يخليك لينا يا حاج.. أنا هاقوم أقولهم يجهزوا، وربنا يستر على الحاجة أنا عارف إنها هتزعل...

مال على والده مقبلا رأسه ليهز الحاج برأسه ثم يشير إليه ليعاونه في النهوض ويتجه إلى الخارج ليتجه إلى الجدة يبلغها بما قرره بسفر رؤوف وبناته فيما اتجه رؤوف لزوجه وبناته يبلغهم بقراره الرحيل إلى مصر......

---------------------------
-----------------------------------

سافر رؤوف وعائلته وسط دموع وآهات من الجدة ولكنها ولدهشة رؤوف الشديدة لم تتمسك ببقائه كما حدث سابقا، فالجد كان قد صارحها بمخاوفه بشأن راوية، انطلقت سيارة رؤوف يقودها راجح الغفير فحالة سلمى الصحية لا تسمح لها بالقيادة كما أن سلافة لا تستطيع القيادة في ظل نفسيتها المتعبة، ولم يظهر شهاب أو غيث منذ أن خرجا من منزل عمهما فبالتالي لم يعلما بأمر رحيل عمه مع زوجتيهما!!..

نظر الجد إلى التراب الذي خلفته سيارة إبنه وعائلته ليهمس بعدها بصوت خفيض:
- ربنا يوصّلكم بالسلامه يا وَلَدِيْ.. ودلوك.. الدور عليكي يا راوية...

***************************
*********************

كان عدنان يجلس في الإستراحة الخارجية المخصصة للزوار الملحقة بمنزله حين أتاه الغفير صابر يركض وهو يخبره بأن الحاج عبد الحميد في إنتظاره هو والحاج عثمان في غرفة الجلوس بمنزله...

قطب عدنان وإتجه من فوره إلى المنزل، دلف إليهما ليجد الجد جالسا وبجانبه عثمان، إتجه إليهما ومال على الجد مقبلا رأسه فوق عمامته البيضاء وظهر يده مرحبا به قبل أن يصافح عثمان، ثم جلس قائلا بإبتسامة:
- خطوة عزيزة يا كابيرنا.. وتاعبت نفسك لييه؟.. كنت شيِّعْت لي وأني آجي لحدِّييك؟!!..

الجد بجدية شديدة:
- من ياجي خمسة وتلاتين سنه جيت إهنه أنا وولدي عتمان عشان ناخد من عنديكم حاجة.. الحاجة ديْ ما عادلهاشي عازه عندينا.. وإللي خد حاجه ابنفْسَهْ لازمن ايرجّعها ابنفْسَهْ!!!!..

قطب عدنان وقال بإبتسامة حائرة:
- أني ما فهمشي حاجة يا حاج؟..

عبد الحميد بنظرة خاصة لعثمان تكلم الأخير والذي أخبره والده بكل أفعال زوجته المشينة:
- الراجل لمّا ماراته تعصاه ابيحاول امعاها مرة وتنيين وتلاته بس في الاخر ابيرجعها لاهلها.. خصوصي لمّا يكون إللي عامليته يخرب ابيوت ويغضب ربّنا..

قطب عدنان وقال متوجسّا:
- انت جصدك تجول إيه يا عتمان؟..

ليشير عثمان إلى راوية التي تجلس في مقعد منزو لم ينتبه له عدنان عند دخوله، فيحدق عدنان بذهول، لينهض عثمان ويتجه إليها يرفعها من ذراعها فتسير معه كالمنومة مغناطيسيا، يدفعها عثمان أمام أخيها وهو يقول بغلظة:
- أختك ما عادلهاشي عازة عندينا!!!..

عدنان ينهض وهو يهتف بقوة:
- كييف ديه؟.. ليه حوصل إيه يعني؟..

عتمان بقوة:
- أجولك إيه ولا أيه؟.. إنها اتبلت على الدكتووورة مرات شهاب ولدي بالكدب؟. ولا أنها كانت رايدة توضرب سلافة مارات غيث ولما دافعت عن نفسها كدبت وجالت إنها هى إللي كانت رايدة توضربها ولا أنها.. حاولت تجتل مرت أخوي رؤوف لولا ستر ربنا إنه بعت لها سلافة في الوجت المناسب، ولا..

ليعلو صوت الليث قادما من الخارج هاتفا بقوة بينما وقف أمام راوية يطالعها بكره أسود:
- حاولت تجتل بنتها!!!!!!!

لينهار تماسك راوية وتصيح بلوعة:
- لاه لاه.. أني ما جاتلتش سلسبيل .. ما جاتلتش بتّيْ..

مال عليها الليث مكشرا عن أنيابه وقال من بين أسنانه المطبقة:
- عارفة مين إللي نَجَدْ بتّك من المووت؟.. الدكتووورة سلمى إللي كتّيْ رايده تسمِّيها هى وجات في مَرَتِيْ!!...

لينهض الجد واقفا وهو يطالعها بنظرات تكاد تحرقها حية فيما اقترب منها عثمان يهتف بشراسة:
- إنتي صحيح كنتي رايده تجتلي سلمى؟..

هتفت راوية:
- لاه... ما ماكنتشي هتموت.. أني كت رايده أسجّطها بس...

لتهوى يد عثمان بصفعة مدوية من يده وهو يهتف بها:
- انتي طالج.. طالج.. طالج بالتلاتة يا راوية... 

ثم توجه بحديثه لعدنان المذهول الغاضب:
- اختك عنديك يا عدنان يا أخويْ... ومتل ما جال بويْ.. ما عادلهاشي عازه عندينا.. اختك مرض ولازمن أتخلّص منِّيه!!!

ثم نظر إلى الجد وقال:
- أني هستناك في الجنينه يا بويْ!!..

وانصرف، بينما اتجه الجد إلى راوية التي تقف ترتجف وقال بأسف:
- ليه يا بت أخويْ؟.. ليه الجسوة ديه كلّاتها؟.. ليه الكره الأسود ديه؟..

راوية وقد زاغت عيناها وهتفت وهى تضحك ضحكة شيطانية بينما جسدها يرتجف بأكمله:
- إيوه أني كت رايده أخلص منيها هى وبناتها.. هى أس المصايب كلاتها.. خدت منِّي حلمي زمان ودلوك سلّطت بناتها ياخدوا مني ولاديْ.. لكن أني بجه طلعت واعيه... اتبليت على سلمى وشهاب مطيور صدجني.. وغيث جلبه طيب وبيحب أمه وسلافة مطيورة سهل جوي أني أخليها تغلُط.. عرفتوا سهله كييف؟.. وجعتهم ابعضيهم.. لولا انها الغندورة طلعت حبلى كان زمانتها بالسلامة برّه... والعجربة الكبيرة إللي عم اتخطط...

سارت وهى تتحدث عيناها لا تريان سوى أشابح في الفراغ وهى تكمل:
- كنت هخلص عليها لولا مجصوفة الرجبة إللي إسميها سلافة.. دايما كانت هي إللي كاشفاني.. كت باحس بعينيها إنها عارفة إني ناويالهم على إيه.. إنما التانية هاطله.. على جد ما هي دكتووورة إنما هبله...

وسارت لتخرج من الباب فحاول الليث اللحاق بها ليمسكه عدنان بينما تابعت راوية وهى تضحك بجنون:
- وأني بجه ضحكت عليهم كلاتهم.. أني إللي فزت.. ألفت وبناتها غاروم من إهنه.. وعنرجع زي الأول... وخلاص.. يبجى أني الفايزة.. أن..

ليقطع طريقها شهاب وغيث بجانبه، هتف شهاب بحنق الذي سمع كلما قالته هو وغيث الذي شحب وجهه بشدة:
- فزتي إنك تدمري ولادك يا أمي؟.. خربتي حياتنا وبيتنا؟.. بنات ألفت دول يبقوا مراتي ومرات غيث ولادك.. الطفل إللي كنتي عاوزه تقتليه دا يبقى ابني أنا.. يعني حفيدك.. مش ممكن.. مراتي خليتيني أشك فيها وغيث خليتيه يطلق سلافة وتقولي إنتي الكسبانه؟.. إنتي كسبتي خسارتنا يا أمي!!..

ثم هرع محاولا اللحاق بسلمى، بينما وقف غيث أمامها يقول بحزن:
- بجه عشان جلبي الطيب إللي معيرضاشي عليكي الكلمة تضحك عليّا وتخليني أطلّج ماراتيْ؟.. أنتي ما عارفاشي سلافة تبجى لي إيه؟.. ليه يا مَّاه إعملتي إكده ليه؟؟؟..

ثم لحق بأخيه، نظرت راوية في أثر ولديها وهمست وكأن شيئا لم يحدث:
- أني الكسبانه... أني الفايزه... أني الكسبانه..

وخرجت من الباب بينما كان الجد وعدنان والليث قد لحقوا بها وسمعوا الحديث الذي ألقاه على مسامعها كلا من شهاب وليث، قطب عدنان وقال لليث وهو يراقب أخته وهى تمد يديها من أسفل وشاحها لتخرج خصلاتها السوداء المختلطة بأخرى بيضاء:
- ارمح ورا عمّتك هاتها!!...

كانت راوية قد خرجت إلى الحديقة ليعود ليث بعد قليل وهو يحملها بينما تهتف وتضحك في نفس الوقت:
- أني الفايزة.. أني الكسبانه... خلصت منيكي يا ألفت خلصت منيكي..

عدنان بهتاف حاد:
- ليث ودّيها فوج وشيّع هات الدكتووور!!

بينما تتبعها الجد بعينيه وهى تهتف بضحك وبكاء في آن واحد ليهمس بحزن وأسف:
- يمهل ولا يهمل...........

إلى اللقاء في الحلقة السادس والثلاثون من هنا 

تعليقات



×