رواية كبير العيله الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم احكي ياشهرزاد مني لطفي

 



رواية كبير العيله الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم احكي ياشهرزاد مني لطفي 



رواية كبير العيلة - منى لطفي

الحلقة الثالثة و الثلاثون 

وقف الجميع يتبادلون النظرات المذهولة، كان الجد أول من خرق الصمت السائد في حين كانت سلافة بين ذراعي أمها تربت عليها كي تهدأ من نوبة البكاء الحاد التي أصابتها، قال الجد بحزم وهو يقف يقبض على رأس عصاه العاجية بكل شموخ:
- إتعاود فين بالظبط يا ولديّ؟... 

زفر رؤوف بضيق حاول كتمانه وأجاب بهدوء نسبي:
- هارجع مكان ما جيت أنا ومراتي وبناتي يا حاج، ما عاد لينا مكان هنا!!....

ليهتف الجد بقوة لا تشي بسنوات عمره التي تخطت الخامسة والسبعين عاما:
- إنت المفروض أنك عاودت لعندينا إهنه، إهنه بيتك وموطرحك انت ومرتك وبناتك، رايد تفارجنا من تاني يا رؤوف؟.. ومن غير شورى كومان؟!!!!!!!

روؤف وهو يتقدم من أبوه ويمسك بيده ليقبلها:
- حقك عليا يا حاج، لكن ما يرضيكش إللي بيحصل في بناتي، أنت فوق راسي يا حاج، وأنا عمري ما هابعد عنكم تاني، مصر مش في آخر الدنيا، ساعتين بالعربية وأكون عندك، لكن أرجوك يا حاج انت ما يرضيكش إني احس إنى عاجز عن حماية اهل بيتي...

لتهتف به فاطمة وهى تتقدم منه:
- واه... مين إللي ييستجري يجول إكده؟... إنت مجامك ومجام بناتك ومرتك فوج روسنا كلاتنا، إوعاك إتفكر انكو رخيّصين لاه... انتو مجامكو فوج جوي يا روؤف يا ولدي...

تركت ألفت سلافة التي أمسكت بها سلمى واقتربت من الجدة وهى تقول بهدوء وإبتسامة صغيرة:
- حضرتك إنتي والحاج إللي فوق روسنا كلنا، وإحنا ما يرضيناش إنه حضرتك والحاج تزعلوا مننا، ولا نرضى إننا نعمل حاجة من غير رضاكم...

ليقاطعها رؤوف معترضا:
- ألفت!!!!! ، نظر الجد إلى ولده وقال بسخرية خفيفة:
- إيه يا ولَديْ حمجان إكمن مَرَتك جالت إللي المفروض إنت اتجولاه؟.. مَرَتك عارفة العيبة والأصول...

ثم توجه بباقي حديثه إلى ألفت وهو يردف بجدية:
- كل ما الأيام ما بتمر بتوكّد أني كنت غلطان في حجك من الاول يا بتّيْ، وكل ما دا ما بتوكّدي لي أنه ولَديْ عرف يختار صوح...

ألفت ببساطة:
- ربنا يخليك يا حاج، أنا ماعملتش حاجة، وصدقني أنا نسيت أي حاجة حصلت، حضرتك كأب مكانش سهل إنه أبنك يخرج عن شورك ورأيك، وإللي حصل اتسبب في زعل كبير في العيلة، صحيح أنه الحمد لله الزعل ما استمرش والنفوس اتصافت لكن لو كان فيه حد غلط ويطلب السماح يبقى أنا ورؤوف مش حضرتك أكيد...

ابتسمت الجدة وقالت بينما الجد يهز رأسه إستحسانا:
- تسلمي يا مَرت ولدي، ودلوك يا رؤوف يا ولدي أنتم لساتكم واصلين من السفر، اطلعوا داركم غيروا خلجاتكم على ما نجهزوا الغدا، ولو على سلافة أني كفيلة أني أراضيها، أنتم عارفين سلافة ديه لوحديها في كفّاه إلحالها!!!...

اعتدلت سلافة في وقفتها مبتعدة عن ذراع شقيقتها وقالت وهي تكفكف دموعها براحتها تطالع والدها بنظرات استجداء:
- معلهش يا ماما ستو، بعد إذنك يا جدو.. أنا فعلا محتاجة أني أمشي من هنا، مش هرتاح لو قعدت هنا دقيقة واحده تانية بعد كدا...

ليهتف غيث الذي تملكه الغيظ من كلامها فقد بدأ يتنفس الصعداء عندما ظن أن جدّيه قد احتويا الموقف لتأتي تلك الصغيرة الحمقاء تفسد كل شيء:
- ما إنتيشي متحرِّكه خطوة واحده من إهنه يا سلافة، إيه جولك بجاه؟...

رؤوف بغلظة:
- جرى إيه يا غيث، هو أنا مش مالي عينك ولا إيه؟..

أسدل غيث عينيه إلى الأسفل وهو يجيب معتذرا:
- لا مؤاخزة يا عمي، لكن أنت برضك ما يرضيكش إنه حرمة تمشِّي كلامها على راجلها...

ليدلف عثمان في تلك اللحظة ويهلل فرحا برؤية شقيقه العائد فيهتف وهو يتجه للسلام عليه:
- حمد الله ع السلامة يا وِلد أبويْ..

عانقه رؤوف بدوره، ليلقي عثمان السلام بعدها على ألفت مرحبا بعودتهما، شعر عثمان بالإضطراب الذي يسود الجو فقال متسائلا بإبتسامة وقد لاحظ الوجوم الذي يعتلي الوجوه من حوله:
- خير كفالنا الشرّ.. فيه حاجة حوصلت؟...

زفر الجد بضيق في حين أجابت الجدة بجمود:
- إسأل إولادك يا عتمان... شوفهوم عملوم إيه مع حريمهم عشان إكده بوهم راسه وألف سيف لا ياخدهوم ويعاود من موطرح ما إيجوم..

حدق عثمان في ولديْه بدهشة وهتف بحدة:
- كييف ديه؟.. إيه إللي حوصل منيكم في حج بنات عمّكم؟...

لتجيب راوية لأول مرة منذ بداية الحوار الدائر قائلة ببرود مستفز:
- ما حوصلشي حاجة يا خويْ.. عادي كيف ما بيحوصل في أي بييت...

ليهتف الجد بقوة وهو يحدجها بنيران مستعرة:
- راااااوية.... خلاص!!!.. مش جصّة أبو زيد هيّا عنجعدوا انعيدوا ونزيدوا فيها!!!!!!

لتكتم راوية النفس ذاته وليس الصوت وحده وقد كاد قلبها يتوقف عن العمل ذعرا من غضب الجد الواضح!!!، في حين تساءل عثمان مقطبا بريبة:
- إيه إللي حوصل يا حاج؟..

نفخ الجد بضيق ليجيبه روؤف مقطبا:
- ولادك يبقوا يحكوا لك يا ابو غيث، لكن أنا بعد إذن الحاج هاخد مراتي وبناتي وأمشي....

تكلم شهاب وهو يقترب من عمه بينما يرمق سلمى بنظرات محملة بالرجاء:
- طيب أنا وسلمى مالنا يا عمي؟.. سلمى اشتكت لك مني في حاجة؟...

رؤوف بجدية:
- انا مش هاستنى إنه بنتي تشتكي لي، سلمى عمرها ما هتنطق بحرف من إللي بيدور بينكم، بنتي وأنا عارفها كويس، والموضوع باين من أوّله، بناتي مش مُرحّب بيهم هنا، مش مرتاحين من الآخر، مش هاستنى لما يحصل أكتر من اللي حصل...

غيث هاتفا:
- وهو إيه اللي حوصل يا عمي؟... انّي رفعت يديّ على مرَتي؟.. أومال لو كت ضربتها بجاه كان يبجى إزايّ الحال؟..

هتف روؤف بحدة وغضب:
- بنتي مش جارية اشترتها يا ابن اخويا عشان تمد إيدك عليها، اوعى إنك تفكر مجرد تفكير إنك لو كنت عملت كدا انا كان ممكن هسكت لك، أنا مفيش عندي أغلى من بناتي، دول شقا عمري كله، ثروتي الحقيقية، صدقني لو كنت عملتها وقتها كنت هتندم ندم عمرك كله، لا هيبقى لك زوجة عندي وتنسى خالص اسمها!!!!!!....

همّ غيث بالحديث حينما هتف الجد بصرامة:
- بكفاياك يا غيث، انت مش واعي لوجفتي بيناتكم ولا إيه؟.. لو ما حشِّمت عمّك وبوك حشِّمني أني!!!!...

غيث بزفرة ضيق مكبوتة:
- الحشيمة ليك يا حاج... لكن برضيك يا حاج... أني ما اغلطتش.. لمن مرتي ترفع يدّها على أمي وأني ما امنعهاشي وجتها يبجى أحسن لي ألبس ترحة كيف الحريم!!!!

ليتبادل الجميع شهقات الإستنكار وعدم التصديق، في حين رفعت سلافة رأسها وأشارت إليه هاتفة بغيظ شديد:
- لآخر مرة بقولك أنا ما مديتش إيدي عليها، هى إللي كانت عاوزة تضربني وأنا كنت بدافع عن نفسي بس!!...

انتقلت النظرات إلى راوية التي شعرت بالإضطراب فهتف بتلكؤ بسيط تنهرها:
- واه... وعتكدبي كومان عيني عينك؟.. صحيح صدج إللي جال اللي إختشوا ماتوا!!!

الجد بقوة:
- راوية... من غير تلجيح كلام... إللي بتجوله سلافة ديه حوصل؟... إنتي مديتي يدّك عليها؟...

راوية ودموع التماسيح في عينيها وببراءة كاذبة:
- بجه تصدج فيني يا عمي الحاج إني أعمل إكده؟.. أضرب مرَت ولدي!!.. طب وهاستفاد إيه من إكده؟... ما هي أكيد عتروح إتجوله وجتيها عيكرهني وياجي في صفّها وأني هكون محجوجة!!!!!!!

تبّا لك راوية إنك كالافعى الناعمة التي تلتف حول ضحيتها بخبث حتى تعتصرها ممتصة كل قطرة دماء فيها ولا تتركها إلا وقد فارقتها الحياة!!!!... هذا ما جال ببال الجدة حين سمعت راوية، فهي الوحيدة التي كانت شاهدة على ما تسببت به بين سلمى وشهاب وها هي لم ترتدع بعد أن حذرتها لتعيد الكرّة بخطة خبيثة ولكن بين سلافة وغيث هذه المرة!!!...

صوت سلافة أخرجها من شرودها وهى تهتف غاضبة:
- كدابة!!!!!!...

لينهرها رؤوف بحدة:
- سلاااافة... عيب!!!!..

نظرت سلافة إليه وهى تهتف بينما دموع الظلم تنساب على وجنتيها مشيرة بسبابتها إلى راوية التي تتراقص جذلا في داخلها :
- والله العظيم يا بابا كانت هتضربني، دي بتكدب، مش كفاية إللي عملته بين سلمى وشهاب لأ... عاوزة تخرب بيتي أنا كمان وتوقع بيني وبينكم كلكم مش إبنها بس!!!...

- رفضت وصف غيث بـ زوجي!!، لم تقل بيني وبين زوجي بل قالت بيني وبين ابنها!!!!... فغيث في نظرها قد أخطأ وبشدة في حقّها خطأ ليس بسهولة ستسامحه عليه هذا إن سامحته يوما!!!-

لتقع كلمات سلافة كدلو الماء البارد فوق الجميع وأولهم شهاب الذي كاد يجن من نظرة عمه السوداء التي رماه بها وهو الذي كان منذ ثوان يحاول إقناعه ان اموره هو وسلمى في احسن حال، ليهتف في داخله قائلا:
- حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا غيث انت ومراتك!!!!

رؤوف بجدية موجها حديثه الى شهاب:
- إللي سلافة قالته دا حصل فعلا يا شهاب؟... انت فعلا حصل بينك وبين سلمى بنتي حاجة؟...

شهاب بتردد بسيط:
- يا عمي البيوت يا ما بيحصل فيها، مفيش زوجين مش بيتخانقوا ويرجعوا يتصالحوا تاني، حتى حضرتك بيتهيألي يعني اسمح لي اكيد كان فيه اوقات خلاف بينك وبين مرات عمي لكن كله بيعدي في الآخر...

نظر رؤوف إلى سلمى وأمرها قائلا:
- سلمى... إللي حصل هاعرفه منك، بس مش دلوقتي...

ليتابع موجها كلامه الى الجد:
- بعد إذنك يا حاج حضرتك شوفت وسمعت الحال هنا وصل لفين، ما ينفعش استنى هنا انا وبناتي لحظة واحدة، انا هاخد مراتي وبناتي بعد اذنك وارجع مصر، وصدقني أنا عمري ما هابعد عنكم تاني، هتلاقيني عندك هنا وتحت رجليك كمان وقت ما تعوز، لكن انا لازم لي وقفة معاهم ولازم كمان ولاد عمهم يعرفوا قيمتهم انا بناتي مش قليلين، اذا كانوا بيعملوا فيهم كدا وانا لسه عايش اومال بعد ما اموت هيعملوا معهم إيه؟...

صمت قليلا ليردف بإبتسامة ساخرة وهو ينقل نظراته بين غيث المتجهم وشهاب المحتد:
- لا وانا إللي قلت إني مش هتطمن عليهم غير مع ولاد اخويا!!!

هتف عثمان في قوة وهو يربت على كتف رؤوف:
- وانت ما غولطتش يا خوي، حجك عليا أني، حج بناتك في رجبتي، ويشهد ربّنا اني الترضية إللي عتجول عليها ويشاوروا هما عليها عننفذها طوّالي!!!!

ابتسم رؤوف بتعب وقال:
- قد القول يا عتمان يا اخويا.. لكن معلهش مش هينفع لازم....

لتصيح الجدة وهى تتجه إليه مسرعة:
- لاه....

وقفت أمامه تحيط وجهه براحتيها المعرّقتين بينما تنساب دموعها تخضب وجهها:
لاه يا ولدي، بكفاياك ابعاد واغربة، ما تفوتناش يا رؤوف، أني مجدرش على فراجك يا ابن عمري!!

أمسك رؤوف بيديها مقبلا راحتيها وهمس:
- ومين بس اللي قال إني هفارقكم يا حاجة؟... أنا معاكم هنا في مصر، ساعتين زمن بالعربية وتلاقيني عندك...

كانت الجدة طوال حديثه تهز برأسها يمينا ويسارا في رفض تام منها حتى إذا ما سكت هتفت به بحزن يقطع نياط القلوب:
- لاه يا ولدي، ما عادِش في العمر جد إللي راح، عشان خاطري يا ولدي ما تفوتناش، وأن كان على مرَتك وبناتك حجهم عليّا أنا...

لتهتف ألفت والتي اتجهت من فورها إليها:
- ما تقوليش كدا يا حاجة...

نظرت إليها فاطمة وقد ظهرت علامات الكِبر بوضوح على وجهها وقالت من بين شهقات بكائها:
- جوليلو إنتي يا ألفت... ما تخليهوشي اينفذ إللي جاله...

روؤف بحزن:
- أرجوكي يا أمي ما تعمليش في نفسك كده....

هتفت راوية والتي لم تستطع الصمت أكثر من ذلك فقد كان داخلها يغلي كالمرجل وهى ترى الجدة كيف تتذلل لألفت كي تقنع رؤوف بعدم الرحيل:
- أني معرفاشي أنتوا امكبرين الموضوع إكده ليه؟.. وفيها إيه يعني لو كان غيث ولدي حتى ضرب مرتو؟.. مرتو وبيأدبها، أنت يرضيك يا ولد عمي لو كان عنديك ولد انه يمد يدّه على أم سلمى؟...

همّ رؤوف بالحديث حينما اتجهت سلافة ناحية راوية وهى تصيح بها:
- يا شيخه ارحمينا بقى من كدبك وتمثيلك دا....

قبض رؤوف على معصمها وكان قد قطع الخطوات الفاصلة بينهما في خطوتين إثنتين وهتف بصرامة:
- سلافة ما تتدخليش إنتي...

غيث بغلظة وهو يشير إليها موجها الحديث الى عمه:
- عرفت يا عمي إنه كان معايا حاج إني أرفع يدي عليها؟... بتّك مش عاملة حساب لحد واصل، ابتتهجم على أمي وابتشتمها عيني عينك ووسطيكم كلاتكم لا عاملة حساب ليّا أني زوجها ولا بوها ولا عمها ولا ليك أنت يا جدي!!!!

هتفت سلافة بحدة:
- أنا مش باشتم أنا بقول إللي حصل، أمك بتكدب....

هتف رؤوف يسكتها:
- سلافة خلاص....

لتهتف سلافة وقد تغلب إنفعالها عليها فصرخت بحدة:
- سلافة خلاص.. خلاص.. خلاص... عمالين تسمعوا له هو وهى وماحدش فيكم مصدقني، أنا باقولها وباكررها الست دي كدابة وخرابة بيوت وأنا ما يشرفنيش شانها تكون حماتي.....

كاد غيث يفتك بها وفصل بينه وبينها خطوة واحده قبل أن يسمع صوت صرختها لدرجة أنه قد نظر إلى يده بشكّ ظنّا منه أنه قد صفعها كما كان ينوي ولكن الصفعة لم تكن مصدرها يده بل... يد والدها... رؤوف!!!!!!!!!!

احتوت الجدة سلافة بين أحضانها حيث كانت هى أول من هرع إليه قبل ألفت وهتفت بحدة وهي تبعده عنها:
- جرى إيه يا رؤوف، ديه عاملة برضيكي، بجاه معلتهاشي وهي صغار جاي تعمِلها دلوك!!!!!!

نظر رؤوف بقوة إلى سلافة وهو يهتف:
- يمكن لو كنت عملتها وهى صغيرة ما كانش جه اليوم إللي جوزها يقف قدامي فيه ويقول لي إني ماعرفتش أربي بنتي!!

شهق الجميع بذهول، في حين اتجه عثمان إليه وقال وهو يحاول تهدئته:
- صلي ع النبي يا خوي صلي ع النبي، ساعة شيطان يا خويْ...

لم يستطع غيث الإشاحة بعيدا عن سلافة، لا يدري ما هذا الشعور الذي اكتنفه من فعلة عمه، هو لا ينكر أنه كان ينوي أن ينهال على سلافة ضربا ما أن سمع سبابها وصراخها على والدته ونعتها لها بالكاذبة، ولكن.. هو وحده من يملك حق تأديبها، لومها، بل وضربها إن لزم الأمر، هو وحده وليس سواه.. حتى وإن كان هذا الأحد هو والدها!!!... كان بين أمرين أحلاهما مر!!.. إما أن ينهال عليها صفعا ليفشي غيظه وغضبه منها، أو أن يعتصرها بين ذراعيه ويدعها تسكب عباراتها كلها فوق صدره هو... ولكنه ما إن تقدم خطوتين بإتجاهها حتى رفعت رأسها إليه وحدجته بنظرات يراها لأول مرة لتهمس له بصوت خافت ولكنه حاد كشفرة السكين:
- انتهينا يا ابن عمي... وصدقني بكرة كلكم تعرفوا الحقيقة بس وقتها... هتدور عليا مش هتلاقيني... 

نظرت إلى والدها الذي كان يرمقها بنظرات الأسف والخيبة وتابعت:
- أنا آسفة يا بابا.. آسفة ليكم كلكم... بس بعد إذنك أنا هسافر مصر، وقبل ما أمشي....

لتُعيد نظراتها الآسفة إلى غيث الذي وقف يتابعها بريبة:
- طلقني!!!.. – تعالت شهقات الذهول ولكنها تجاهلتها متابعة في إصرار شديد – طلقني يا غيث.. وبالتلاتة!!!!!!!!

ثم انسحبت من وسطهم واتجهت إلى خارج الغرفة ترافقها سلمى التي بدأت تشعر بالإختناق ورغبة شديدة بالبكاء مما حدث، بينما تتساءل بذهول عمّا إذا كان ما تراه أمامها حقيقة أم هو كابوس رهيب!!!..

وقفت أمام الباب قبل أن تلتفت وترمي بآخر كلماتها موجة حديثها الى راوية بشموخ يثير الاعجاب بالنفوس:
- أنا لو آسفة للكل، أنما إنتي الوحيدة يا مرات عمي إللي مش ممكن أكون آسفة لك، مبروك قدرتي تخربي بيت ولادك.. اشبعي بيهم بقى!!!!!

وانصرفت ترافقها سلمى وتتبعهما ألفت في حين تبادل غيث وشهاب نظرات الريبة والشك بينما ارتسمت على وجه راوية إبتسامة شامتة حاولت إخفائها ولكن ليس بالسرعة الكافية فقد لمحتها عينين لم تغفلا عنها طوال الجلسة!!!!...

******************************************

- ما إنتي يا سلافة غلطتي، طلعتي بابا صغير، يعني كويس الكلام اللي قالهوله جوزك دا؟...

سلافة وهى تهتف وسط شهقات بكائها:
- يعني انا إللي غلطانه برضه يا سلمى؟...

جلست سلمى بجوار سلافة على الفراش حيث صعدا الى طابق والديهما وقالت وهى تربت على كتف شقيقتها الصغرى:
- يا حبيبتي بابا كام مرة يقولك بس يا سلافة؟.. ما سمعتيش الكلام وغضبك وإنفعالك كالعادة غلبوكي وبدل ما تبقي إنتي الضحية بقيتي إنتي الغلطانه!!..

سلافة بعناد شديد وهر تمسح دموعها بقوة:
- أنا ما غلطتش، وما يهمنيش حد غير بابا بس، انا خلاص كرهت هنا، كرهت البلد وعاوزة أرجع مصر، عاوزة أرجع نعيش إحنا الاربعة في بيتنا زي زمان، وننسى كفر الخولي وعيلة الخولي وإللي جرالنا من ورا ولاد الخولي!!....

نظرت إليها سلمى وسألتها وهى تميل برأسها بجدية:
- وهتقدري تنسي؟...

سلافة وهى تشيح برأسها متأففة:
- يوووه يا سلمى، بقولك إيه... انا لازم أنسى، يمكن مش هتكون سهلة في الأول، لكن لاااازم أنسى، حياتنا معاهم عشان تكوني عارفة بقيت مستحيلة، أوعي تكوني بتفكري إنك تفضلي مع جوزك، تبقي غلطانه!!... مرات عمك هتفضل أمه وهو عمره ما هيبيع أمه ويشتري مراته، حتى لو عرف واتأكد أن أمه ورا المصايب والكوارث إللي حصلت عمره ما هيغلطها قدامك أبدا.. لأنها في الاول وفي الآخر أمه!!....

سلمى بحزن وقد بدأت تشعر بدوار كان قد داهمها بالأسفل على فترات متقطعه ولكنه الآن يهاجمها وبقوة:
- أنا مش عارفة يا سلافة، ما أنكرش إنه شهاب اعتذر لي بس أنا جوايا لسه زعلانة وواخدة على خاطري، إنما أنا مش عارفة فعلا الصح فين؟.. يا ترى الصح زي ما قولتي إني أسيبه وأرجع مصر؟.. ولّا الصح أني أحاول أنجح في حياتي معاه وأثبت للكل إنه أمه غلطانة وقد إيه هى مريضة وما خليهاش تفرح إنها قدرت تنفذ إللي في بالها وتخرب علينا حياتنا؟.. صدقيني لو شافتنا وإحنا مش سألين فيها وولادها بيحبونا وماقدرتش تخرب بيتنا هتتغاظ ويتحرق دمها ، لكن لو عملنا إللي إنتي عاوزاه يبقى بنّفذ لها إللي بتتمناه، ووقتها إحنا إللي هندفع التمن ويتحرق دمنا دا غير طبعا كلام الناس إزاي اتنين عرايس يتطلقوا ولسه ما فاتش كام شهر على جوازهم، صدقيني يا سلافة خلينا نفكر كويس عشان نحسبها صح، مرة واحدة بس شغلي عقلك، إللي أنا معاكي فيه إننا نرجع مصر، البعد هيخلينا نعرف نفكر أحسن، أنا هلقوم أشوف بابا أنا سمعت صوته هو وماما دخلوا اوضتهم من شوية، وإنتي شوية كدا وابقي حصليني علشان تعتذري له...

نهضت سلمى وأومأت لها سلافة بالإيجاب، لتفاجأ الاخيرة بشقيقتها وهى تقف على عتبة الباب وتمسك برأسها وهى تهمس بخفوت وصوت ضعيف:
- الـ.. الحقيني يا سلافة!!!!

وقبل أن تنهي عبارتها سقطت مغشيّا عليها لتصرخ سلافة هاتفة بإسمها في ذات اللحظة التي كان فيها شهاب يدق جرس الباب للقاء عمه لإقناعه ألا يصطحب معه زوجته سلمى إلى مصر، وما أن وضع يده على الجرس حتى سمع صرخة سلافة العالية بإسم سلمى، فقطب واقترب بأذنه من الباب متصنتا ليستطيع تفسير ما طرق سمعه ليتأكد من أنها سلافة تهتف منادية والدها بصياح عال:
- إلحقنا يا بابا... سلمى وقعت من طولها!!!!!...

برقت عينا شهاب وضغط على جرس الباب الذي انطلق في رنين متواصل، هرعت سلافة لتفتح في حين كان والدها يحاول بمعاونة ألفت إسناد سلمى، ما إن أبصرت سلافة شهاب حتى تنفست براحة وهتفت وهى تشير إلى الداخل:
- الحمد لله إنك جيت ألحق...

ولكنها كانت تحادث الفراغ أمامها فما أن فتحت الباب لشهاب حتى انطلق كالصاروخ لتفقد سلمى فلم تلمح سوى غباره!!!!!!

جلس الجد والجدة بالأسفل في إنتظار نزول الطبيبة التي هرع لإحضارها غيث للإطمئنان على سلمى التي لم يبرح شهاب جانبها، أبصرا الطبيبة وهى تهبط درجات السلم يرافقها رؤوف وتسبقهما وردة الخادمة، إتجه الجد إلى الطبيبة ذات الأربعين عاما التي أحضرها غيث من الوحدة الصحية بالمركز، ابتسمت الطبيبة في وجه كبير عائلة الخولي الأشهر من نار على علم وقالت بعد أن حيّته هو والحاجة فاطمة:
- اطمن يا حاج، بس هى لازم تاخد بالها من صحتها أكتر من كدا، ان شاء الله الفترة دي تعدي على خير...

قطب الجد في حين بدأت إبتسامة صغيرة وترقب ترتسم على وجه الجدة وتساءل الجد:
- فترة إيه ديْ؟.. حفيدتي مالها يا دَكتووورة؟...

لتسارع وردة بالهتاف بفرح:
- مبروووك يا سيدي الحاج.. الست الدكتووورة حااااامل.. لولولولولولولولولولللللللليييييي......

لترتسم الفرحة على الوجوه ويهتف الجد بسعادة مطلقة في حين إنسابت دموع الفرح من مقلتي الجدة:
- صوح يا دكتووورة؟.. حفيدتي حامل؟...

أجابت الطبيبة بإبتسامة واسعة وهى تهز برأسها إيجابا:
- أيوة صح يا حاج، أهم حاجة تلتزم بالاكل والدواء والراحة التامة، وبلاش إنفعال خالص يا حاج، ضغطها واطي شوية ودا غلط عليها وعلى الجنين، عموما أنا شرحت كل حاجه لوالدتها ولجوزها، وأنا إن شاء الله هابقى آجي أشوفها تاني، ربنا يقومها لكم بالسلامة....

انصرفت الطبيبة وسط دعوات الجدة لها بصلاح الحال في حين أمر الجد غيث - الذي تملكه الفرح لأخيه.. والحزن على حاله هو وجنيّته الصغيرة التي لم يراها منذ أن إنصرفت من أمامه بعد إلقائها بطلبها الذي شعر به وكأنه رصاصة إنطلقت لتصيبه في مقتل ولكنه سيكون ملعونا إن نفّذ لها طلبها المجنون ذاك – بأن يجزل العطاء للطبيبة، ثم التفت إلى وردة يأمرها بأني تأتيه براجح الغفير....

دلف راجح فور أن أخبرته وردة بأمر الجد في ملاقاته، ركض حيث الجد ووقف أمامه وهو يلهث ويعدل من وضع عمامته وبندقيته الخاصة التي تلازم كتفه دوما:
- اؤمرني يا كابير....

الجد بفرحة لا تخطئها الأعين وبقوة:
- تدبح عجلين اكبار جدِّييك إكده وتفرجهم على الغلابة، مفهوم يا وِلْد؟!!...

إبتسم راجح لتظهر أسنانه الصفراء المتفرقة بوضوح في حين أهتز شاربه الاسود الكث الضخم فالكبير يضرب به المثل!!!.. لا يهم أنه يقارن بينه وبين العجليْن اللذين يريد منه ذبحهما فالأهم أنه اختاره هو للمقارنة به بغض النظر عن أي شيء آخر!!!!

هتف راجح ملبيّا:
- أوامرك يا كابيرنا..... 

شرع راجح بالإنصراف حينما أوقفه صوت الجدة وهى تهتف:
- لمّا الناس تسألك جولهم حلاوة أصغر حفيد في عيلة الخولي... جولهوم يدعوا للدكتووورة ربنا يجومها بالسلامة...

هتف راجح بفرح:
- ربنا يجومها بالسلامة يا حاجة... ديه عاوزالها تلات دبايح يا سيدنا مش دابيحتين بس...

ضحك الجد وقال:
- تلات دبايح يا راجح، وعتاخد غدا ليك او لعيالك امعاك كومان.. ياللا همْ أومال....

طار راجح لينفذ اوامر الحاج وهو يدعو له ولأصغر أحفاده الذي كان سببا في الفرح التي عمّت المنزل بل والبلد بأكملها، ولم ينتبه عبد الحميد وفاطمة في خضم فرحتهما إلى راوية التي انقلب وجهها إلى آية من الكراهية التامة... ليصبح لونه في سواد العباءة التي ترتديها بينما تهمس بوعيد من بين فحيح أنفاسها:
- حامل يا بت ألفت؟!!!... ما بجاش راوية لو كِملت فرحتك ديْ، شوفي لك يومين دلوك لأنه بعد إكده الأيام إللي عتشوفيها هتبجى أسود من جرن الخروب يا... دكتووووورة!!!!!!!..

------------------------------------------------

- يعني امصممة إنك تروحي لدار بوكي برضيكي يا سلسبيل؟...

سلسبيل وقد ارتدت عباءتها السمراء الواسعة وتقلدت وشاحا أسمرا عريضا وهى تقترب من ليث المستاء من رغبتها في الذهاب لمنزل عائلتها:
- ماعالهشي يا ابن عمي، ديه واجب وانت ابو الواجب كلاته والاصول، أنت خابر زين النار إللي كانت جايدة في العيلة إهناك وجِه خبر حَبَلْ سلمى هدّاهوم إشوي وخلّا عمي رؤوف ينسى احكاية السفر المصر دلوك خوصا وان الدَّكتوورة حذَّرت من أن الحركة شينة لسلمى وللي ببطنها....

أحاط خصرها بذراعيه وقرّبها منه ومال عليها ليهمس أمام وجهها:
- وانتي ميته عتفرحيني باللي جاي في الطريج عندينا إحنا كومان؟...

هتفت سلسبيل بغير تصديق:
- واه... انت بتجول إيه يا ابو شبل؟..

ليث وهو يضع شفتيه على صدغها مقبلا لبشرتها الطرية مستنشقا لرائحتها الأنثوية التي تثير مشاعره أقوى من أي عطر نفّاذ:
- إنتي معتعرفيشي أني حافظك وعارف كل خط اف جسمك شكله إيييه؟.. أني عارف من مدة يا سلسبيلي بس جولت أهمّلِك لمّا تجولي إنتي بنفسيك، لكن الموضوع طوّل وإنتي مش رايدة اتفرحيني...

سلسبيل بإستنكار:
- لاه يا ابن عمي، أني كت رايدة أشيّع لام اسماعين الأول عشان أتوكّد جبل ما أجولك...

قطب ليث وقال:
- واه.. ام سماعين الداية؟.. ليه إن شاء الله هو الدكتورة بت عمك أحسن منيك في إيه؟... طب إيه جولك بجاه هى جات لها دّكتورة المركز.. أني بجاه هشيّع أجيب لك دّكتورة من جِنا ولو عاوزة أجيبهالك من موصر ذات نفسيها، كام سلسبيل عندي أنا؟!!!

ابتسمت سلسبيل وهى تلقي بنفسها بين ذراعيه هاتفة:
- ربنا ما يحرمني منيك أبدا يا ولد عمي او يجعل يومي جبل يومك...

نهرها ليث وهو يمسك بذراعيها يبعدها عنه:
- واه... جولت لك ماليون مرة جبل إكده ما تجيبيشي سيرة الحديت ديه... 

قلبت شفتيها في حزن مصطنع وقالت:
- أني آسفة، حجّك عليّا..

زمجر قائلا وهو يشيح برأسه بعيدا:
- خلاص.. ما حوصلشي حاجة، لكن لو عدتيها يا سلسبيل ما عتلوميشي غير نفسك، وياللا همِّي عشان أوديكي دار جماعتك جبل ما أروح أجضي مصالحي وعرجعلك أجيبك....

أوصل ليث سلسبيل التي صعدت إلى الأعلى بعد ان ألقت التحية على جدّيها واتجهت للسلام على أمها ورافقها ليث للسلام على الجد والجدة ثم استأذن بالإنصراف فشددت الجدة عليه أنه مدعوّا لتناول طعام الغذاء معهم هو وسلسبيل...

اتجهت سلسبيل إلى الأعلى وهيى تشعر بالحزن لحال والدتها التي ألقت عليها كلمات لاذعة لحضورها لزيارة زوجة أخيها وتهنئتها على حملها المنتظر التي لا تشعر أمها سوى أنه خراب وقد حلّ على ولدها!!!!!...

جلست سلسبيل تمازح سلمى وسلافة التي رفضت أي كلام منها بخصوص غيث شقيقها، لم ترد سلسبيل التحدث في هذا الأمر كي لا تفسد الجو الرائق الذي ساد جلستها، قوبلت بحفاوة من ألفت ورؤوف، وحزنت بداخلها أن أمها تتعامل بقسوة مع عائلة عمها المحبة، شعرت سلسبيل بتقلصات في بطنها تزداد، انتبهت سلافة إليها فقالت:
- ايه يا سلسبيل مالك؟..

سلسبيل بتأوه خفيف:
- ها.. لاه ولا حاجة.. شوية مغص إكده وعيروح الحاله...

سلافة ترفع حاجبها وتسألها بشك:
- مغص؟... سلسبيل لا تكوني إنتي كمان...

وسكتت تاركة بقية عبارتها معلقة فقالت سلسبيل بتعثر:
- واه... أني كومان إيه يا اسلافة؟..

سلافة بغمزة ماكرة مقلدة لهجتها الصعيدية:
- حامل يا نن عين اسلافة من جوّه!!!..

إبتسمت سلمى التي ترقد فوق الفراش بأمر من الطبيبة، في حين هتفت سلسبيل وهى تنهض:
- أني ما عاردش عليكي، عنزل أشوف البت وردة تعملي كوباية لايسون ايضيعوا الوجع، وعجولها تعملّك انتي كومان يا سلمى...

انصرفت سلسبيل إلى الأسفل لتنظر سلمى إلى سلافة وتقول بخفوت:
- مش ناوية تهدي بقى وتسمعي لإبن عمك بقى؟....

احتدت سلافة كعادتها كلما ذُكر إسمه:
- بقولك إيه يا سلمى إنتي تعبانه والدكتورة مانعه الإنفعال، عشان خاطري بلاش كلام في السيرة دي دلوقتي...

زفرت سلمى بضيق:
- ماينفعش يا سلافة، إذا كان بابا نفسه لما هدي قبل أسف غيث، سلافة حبيبتي أنا مش باقول أنه مش غلطان لكن حماتك العقربة دي لعبتها صح، فاكرة لما قولتيلي نفس الكلام بعد خناقتي أنا وشهاب إللي كانت بسببها؟... همّا ولادها يا سلافة ولا يمكن ييجي في دماغهم أبدا إن أمهم ممكن تخطط لخراب بيتهم أو تعمل حاجة زي كدا حتى عارفين ومتأكدين أنها بتكرهنا، جوزك سايبك براحتك خالص، من اول مرة حاول يكلمك وإنتي رفضتي وقال لبابا إنه مش هيسيبك براحتك، إنتي لازم تقعدي معاه وتتفاهموا سوا وبصراحه، انا إتكلمت مع شهاب، وقلت له أنه قعدتي هنا في البيت بقيت مستحيلة، دي بقى مشكلته هيقنع جدي بيها إزاي لأنه لو جدي وافق ماحدش يقدر يعترض، إنتي كمان إعملي زيي...

سلافة بتنهيدة ورغبة منها لإنهاء النقاش:
- ربنا يسهل يا سلمى ما تشغليش بالك إنتي...

سلمى بحب:
- ربنا يهدي سرّك يا سلافة....

وفي الغرفة المجاورة لهما حيث رؤوف وألفت، كان رؤوف يسرّ لألفت بمخاوفه من أن يكون قد تسرّع بزواج إبنتيه من أولاد عمهما، قالت ألفت بحب:
- روؤف ما عادش له لزوم الكلام دا، البنتين إتجوزوا وواحدة منهم حامل، ولاد أخوك مش وحشين وأخوك حاططهم فوق ولاده، والحل إللي قالته سلمى لشهاب لما جالها بصراحة كان المفروض أننا نقوله من الأول، البنتين مالهومش عيش في بيت واحد مع حماتهم، وبعدين وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم، يمكن إللي حصل من مرات اخوك كدا عشان الحاج والحاجة ما يعارضوش إن الولاد يسكنوا في بيت لوحدهم برّه...

رؤوف بزفرة عميقة:
- عارفة يا ألفت.. يوم ما ضربت سلافة كنت حاسس كأني بحلم!!!.. أنا عمري ما تصورت إني ممكن أمد إيدي عليهم في يوم، أنا معملتهاش وهما صغيرين أعملها بعد ما كبروا واتجوزوا كمان!!!!!

ألفت بهدوء:
- انت أبوها، وهى مهما كبرت هتفضل بنتك إللي وقت ما تحس إنها لازم تتقوم هتقومها...

رؤوف بشرح مفصل لما فعله:
- إنتي عارف أنا ضربت سلافة ليه؟.. مش عشان إنها صغّرت بيا قدام الكل وبس لا... إنما شوفتها في عين جوزها يا ألفت!.. غيث كان على شعرة أنه يمد ايده عليها ويضربها قدامي، كنت بين نارين أني أسيبه يعملها وهو قدام الكل بيدافع عن أمه حتى لو كانت غلطانه وبين أنه لو فعلا عملها يبقى كدا علاقته ببنتي اتعرضت لزلزال عنيف!!... في لحظة لاقيت ربنا ألهمني الحل، قلمي أنا ليها هو إللي فرمله.. أنا شوفتها في عينيه.. كان هاين عليه يصرخ في وشّي.. وياخدها في حضنه... غضبه برد... كان لازم القلم دا يا ألفت، يمكن أكون وجعتها وقتها لكن رحمتها من وجع أقوى وأعنف لو كان القلم دا جاه من جوزها!!!...

ربتت ألفت على كتفه وقالت بإبتسامة:
- ربنا يخليك ليهم يا رؤوف وما يحرمهم منك أبدا..

بالأسفل إتجهت سلسبيل إلى المطبخ لتطلب من وردة أن تصنع لها كوبا من الينسون، فوجئت بوردة وهى تحمل صينية عليها كوبا من سائل أصفر، فسألتها عما تحمله لتجيب وردة بفخر:
- دِه حاجة مخصوصة للحوامل، عشان تجوِّيهوم وتحوش الوجع إللي كل شوية تشتكي منه الست سلمى...

هتفت سلسبيل وهي تتناول الكوب:
- ومين إللي جالك إكده؟..

هتفت وردة:
- ديه وصفة متجرِّبة يا ست هانم.. والدكتووورة بنفسيها جالت الأعشاب ديْ عتحوش المغص...

قالت سلسبيل وهى تهم بشرب الكوب:
- لاه طالما الدكتوورة إللي جالت يبجى عشربه أني عشان بطني بتمغصني وإنتي أعملي واحد تاني للدكتوورة...

وانصرفت إلى الأعلى تاركة وردة تنظر في أثرها بتقطيبة وهى تحدث نفسها:
- إيه ديه؟.. عجولها للحبلى تجولي امنيح وتاخده تشربه هى يبجى.....، لتشرق أسارير وجهها الاسمر الفتي وهى تهتف:
- يبجى الست سلسبيل هي كومان حبلى!!!!..

وفي الأعلى كانت سلسبيل تنتهي من إحتساء كوب الاعشاب بينما تناول وردة الصينية لسلمى التي صرفتها شاكرة، كانت سلمى وسلافة تتبادلان المزاح ومعهما سلسبيل التي سكتت فجأة فلم ينتبها لها، وبينما كانت سلمى تهم برشف كوب الأعشاب حتى صرخت سلسبيل عاليا وهي تجول بإستنجاد:
- الحجوووووني...

لتهرع إليها سلافة وتحاملت سلمى على نفسها ونهضت متجهتين إليها لترقداها فوق الفراش، قالت سلافة:
- إيه يا سلسبيل مالك؟.. عموما ما تقلقيش حالا هلقول لبابا يكلم ليث..

وما إن اتجهت إلى الباب حتى أوقفتها صرخة سلمى قائلة:
- الحقيني يا سلافة.. سلسبيل بتنزف!!....

لتلتفت سلافة بقوة وتفتح عينيها جزعا فأمامها سلسبيل راقدة في شبه اغماءة بينما الدم يلوث أغطية السرير البيضاء نزولا الى الأرض!!!!!!!!...

*****************************************

وقف يطالع باب غرفة العمليات بعينين متحجرتين ووجه أسود كظيم، اقترب منه إبن عمه غيث وربت على كتفه وقال: 
- ما تخافيش يا خويْ سلسبيل عتجوم بالسلامة إن شاء الله...

أجاب ليث بصوت خفيض يخفي غضبا على وشك الإندلاع ليحرق الأخضر واليابس:
- ربنا موجود... 

قاطعه صوت الغفير يطلب التحدث معه على إنفردا فاستأذن من غيث الذي وقف يتآكله القلق على شقيقته الصغرى في حين سار ليث تجاه غفيره لينفردا في الزاوية، قال الغفير: 
- كل إللي حاضرتك أمرت بيه تم يا كابير...

قال بهدوء مخيف وعينان تلمعان بعزم:
- جمعتهم كلاتهم؟....

أومأ الغفير بالإيجاب هاتفا:
- كلاتهم يا كبير!!...

فبرقت عينا ليث ببريق مخيف وهمس بشر من بين أسنانه: 
- وأنا هاعرف منهم الحجيجة بنفسيْ، لمّا أشوف مين إللي اعملها، هاخليه يتمنى الموووت ما عيطولوشي، عشان يبجى يفكّر مية مرة بعد إكده لما ياجي ناحية أيتها حد يِّجرب لي... ايش حال بجاه لما يكون الحاد ديه ماراتي... مارات الليث.... ليث الخولي!!....

قاطعه صوت لهاث شهاب وهو يقول بصوت متقطع:
- ليث... تعالى بسرعة.. الدكتور طلع من أوضة العمليات وعاوزك ضروري...

هرع ليث إلى الطبيب، وقال بلهفة:
- طمَّني يا دكتووور، هى عاملة كييف دلوك؟..

قال الطبيب بمهنية صرفة لم تخلو من شفقة على حال المريضة وأهلها خاصة زوجها الذي يظهر عليه القلق وبوضوح:
- للأسف الحالة حرجة جدا!!!!...

هتف ليث في حين تجمع والده وغيث وعثمان ورؤوف وشهاب حوله حيث حضروا جميعهم تاركين النساء بالمنزل بينما لم يستطع الجد النهوض من مكانه فالمصيبة فادحة، فمكث في كرسيه يستمع إلى حديث الطبيب الذي كان ليث يسأله بلهفة:
- يعني إيه يا دَكتووور؟..

مد الطبيب يده بأوراق وهو يقول:
- ممكن تمضي لنا على الورق دا؟.. انا فضّلت أني أنا إللي أجيبه بنفسي عشان أوضح الحالة أكتر ليك..

ليث مقطبا بشك وريبة وهو يطالع الورق الذي تناوله من الطبيب ولم يفهم منه كلمة واحدة اذ جميعها مصطلحات أجنبية:
- للأسف يا ليث بيه.. زوجتك حضرتك اتعرضت لنزيف شديد جدا أدى لفقدان الجنين...

وسكت الطبيب ليستوعب ليث كلامه، وكانت هذه أولى الاخبار السيئة ولكنها ليست نهايتها!!.. أكمل الطبيب:
- المريضة اكتشفنا أنه عندها سيولة في الدم، ودا أدى لنزيف شديد جدا، إحنا دلوقتي دخلناها أوضة العمليات وهنحاول نسيطر على النزيف لكن لو ماقدرناش وبصراحة عشان أكون واضح معاكم دا إحتمال ضعيف جدا هيبقى مفيش قدامنا غير حل واحد بس....

ليث بجمود:
- هوّ إيه الحل ديه يا دَكتوور؟...

الطبيب بأسف:
- أننا نستأصل الرحم... يعني نشيله!!!!!!!!!!!!

برقت عينا ليث في حين دفن شهاب وجهه بين راحتيه، ومرر غيث أصابعه في شعره نازعا عمامته، ونكّس عثمان ورؤوف رؤوسهما، بينما قبض الجد على رأس عصاه بقوة وهو يستغفر الله كثيرا في نفسه، ليفاجأ الجميع بليث وهو يوقّع إسمه في خانة المسؤول عن المريضة، وناول الطبيب الأوراق، همّ الطبيب بالعودة إلى غرفة العمليات حينما جذب ليث ساعده بقوة وهمس بجمود فيما عيناه تبرقان بشدة:
- أني ما عاوزشي غيرها يا دَكتووور، اعمل أي حاجة.. بس رجعهالي...

ربت الطبيب على يده قائلا:
- أدعي لها يا ليث بيه، هي محتاجه لدعواتكم دلوقتي، أنا هاعمل إللي عليا وربنا معانا جميعا...

ثم انصرف ليعود إلى غرفة العمليات حيث ترقد سلسبيل في غيبوبة في إنتظار مشرطه لا تعلم على أية حالة ستفيق؟!!!!!!

تتبع ليث الطبيب حتى إختفى قبل ان يقبض على أصابع يده اليمنى بقوة حتى ابيضت سلامياتها وهمس بوعيد من بين هسيس أنفاسه:
- ما بجاش ليث الخولي إمّن خدت بتار مراتي وولدي.. عاجيبه ولو في حَنَكْ السّبع... ووجتها مش عيلحج يجرى على روحه الفاتحه...........

إلى اللقاء في الحلقة الرابعه والثلاثون من هنا 



تعليقات



×