رواية كبير العيله الفصل الواحد والثلاثون 31 بقلم احكي ياشهرزاد مني لطفي



رواية كبير العيله الفصل الواحد والثلاثون 31 بقلم احكي ياشهرزاد مني لطفي 


رواية كبير العيلة - منى لطفي

الحلقة الواحدة و الثلاثون 

دلفت إلى غرفة النوم، رأته يقف يرتدي عمامته البيضاء، فإبتسمت وإقتربت منه، طالع صورتها المنعكسة في المرآة خلفه، ولكنه لم يهتم بمبادلتها الإبتسامة وأكمل لف عمامته، اقتربت منه ومسحت ذرات غبار وهمي من على كتف جلبابه الكتاني الأبيض، ثم قالت محاولة إسباغ الرقة على صوتها:
- عتتأخر النهَااردِه؟...، أجابها وهو يستدير نافضا يدها من فوق كتفه وببرود:
- ما عارفشي... إنما غريبة يعني... من ميته وإنتي عتسأليني عتأخر ولا لاه؟..، هزت كتفيها واجابته بخفوت:
- لاه .. بس بطمّن.. أني عارفة إنك متكدر منّي وأني ما عاوزاكشي تغضب عليّا يا ولد عمي أني....

لتبتر عبارتها فجأة وقد توسعت عينيها ذهولا ورعبا وهى تراه يرتدي وشاحه لافاًّ اياه حول رقبته وهو يستمع إليها بغير إهتمام، فهتفت وهى تشير إلى وشاحه:
- ديه... ديه شاملة غيث مش إكده؟....، أجابها عثمان وقد أنهى استعداده للخروج:
- غيث عطاها لي .. عندك مانع؟..، ولم ينتظر إجابتها واستدار منصرفا ليوقفه هتافها العالي بإسمه فالتفت إليها ناهرا لها بتقطيبة حادة فوق جبينه:
- باه.. جرالك إيه يا وَلِيِّه؟.. اتجنيت إياك؟.. عم بتزعِّجي ليه إكده؟....

هرولت إليه وهى تجيب وقد شارفت على البكاء:
- ماعالهشي يا ولد عمي، ما تواخزنيشي، لكن الشاملة ديْ غيث كان لابسها جبل ما يتزوج ولسّه ما غسلنهاشي، غيِّرْها وهاتها لمّن أغسلها...

عثمان بحدة:
- باه.. اتخبطتي في نافوخك يا راوية؟؟.. غيث ما اتلفعشي بيها واصل، من وجت ما عطيتهاله هَديّة وهو عطاهالي لمّن شافها عاجبتني، وديه يدوبك تاني مرة أتلفع بيها.. وخّري من جودامي خليني أروح ِأشوف مصالحي... 

كادت راوية تنوح وهى ترجوه:
- يعني انت إللي لابستها من الاول يا عتمان؟...، أجابها ساخرا مقلدا صوتها الباكي:
- إيوة أني إللي لابستها من الأول يا عتمان!!.. بعدي عني يا إماتَنْ الله في سماه لا أخلِّص منِّيكي الجديد والجديم يا راوية... بعِّدي!!... 

ليزيحها عن طريقه ويخرج صافقا الباب خلفه بعنف فتطلع إلى الباب حيث اختفى وراؤه وهى تهمس في شبه هستيرية:
- هو إللي لابسها من الاول!!!!.. على إكده لمن جبتها من المجعد إللي كان في الجنينة مكانشي غيث إللي ناسيها كيف ما كنت فاهمه.. كان هو!!!!.. يعني عمل أم ستيت معيصيبشي بنت ألفت....

لتقطع عبارتها وتصمت فجأة وهى تشهق برعب هاتفة وحدقتاها قد توسعتا فزعا:
- عيصيبني أني!!!!!!!!!، وفتحت الباب تهرع مسرعة خلف عثمان وهى تناديه عاليا قبل أن يعرق في الوشاح أو تغمض عينيه وهو يرتديه فيسري مفعول السحر الأسود فيصيبها هى!!!!!!!!...

وقف عثمان فجأة حتى كادت تضرب به وهو يزفر بضيق ونظر إليها من فوق كتفه وهو يصيح بها عاليا:
- أنتي وبعدهالك النّهاردِهْ؟؟.. اتجنيتي ولّا إيه؟.. 

حاولت راوية إلتقاط انفاسها المتعثرة وأجابته بتلعثم واضح وهى تقف تواجهه في ردهة المنزل أمام الباب الداخلي:
- ما.. ماجراشي يا.. يا ولد عمي، لكن التلفيعة دي مش امناسباك فأني بجول إنك... إنك.. اتغيّرها أحسن!...

ضيق عثمان عينيه ومال عليها وهو يقول بإستنكار حاد:
- بتجولي إيه يا أم الوِلْدْ؟... أغيِّر إيه؟.. ومن ميتة إنتي بتتدخّلي في إللي عالبسه وإللي معلبسوشي؟...

راوية وقد هرب الدم من وجهها فزعا من لهجة الوعيد الواضحة في صوته:
- لاه ماجصداشي حاجة لا سمح الله، غاية ما هناك إني رايداك تيابك كلاتها اتكون ريحتها زينة، وديه ما تواخزنيشي يعني يا ولد عمي، ريحتها عِفشة.. لازمن أغسلها وأطيّبها لك بالعود والبخور كيف ما بعمل في خلجاتك كلاتها، أني لو كُتْ أعرِف أنها تلفيعتك كُتْ بخرتهالك كيف ما بتحب اتيابك كلاتها..

زفر في إختناق وهتف بها:
- راوية بجولك إيه.. إطلعي من نافوخي.. إيه الحديت الماسخ ديه؟؟... وبعدين ريحتها عفشة!!... جصدك ريحتي أني بجاه ما هو أني الوحيد إللي لابستها!!!

شهقت راوية وهى تهز رأسها مرارا وتكرار نفيا وهى تهتف بلهفة:
- لاه.. لاه ينجص إلساني لو جولت إكده.. أني بس...

ليقاطعها هاتفا:
- اسكتي ساكت خلاص... جبر يلم العفش.....

ليقاطعه دخول شهاب وسلمى وهما مشبكان أيديهما سويا وما أن لمح شهاب والده حتى ترك يد سلمى إحتراما له، اتجها إلى عثمان وراوية حيث ألقيا تحية الصباح فرد عثمان وهو يحاول الإبتسام في وجهيهما في حين ردت راوية وهى تشعر بالحنق والغيظ من منظر ولدها مع إبنة ألفت، لتلقي التحية ببرود ولكنها سرعان ما إبتسمت لشهاب وهى تحتضنه وهو يقبل رأسها ويدها داعية له بصلاح الحال وأن يكفيه الله شر أولاد الحرام وبنات الحرام وهى تحدج سلمى بطرف عينها والتي لاحظت نظرتها فقطبت في حيرة!!!...

قال شهاب بإبتسامة:
- إيه مالك يا حاج ع الصبح مين إللي معصّبك بس؟؟..

عثمان وهو يحاول تمالك أعصابه:
- لاه مفيشي يا باشي مهندز.. ما تشغلشي روحك أنته... 

ثم وجه حديثه إلى سلمى مردفا بإبتسامة أبوية:
- كيفك يا عروسة.. شهاب عامل امعاكي إيه؟.. لو زعَّلِك ولّا عِمِل لك أي حاجة جوليلي وأني هعرِّفه شغله صوح..

ضحكت سلمى وأجابت بإبتسامة:
- ربنا يخليكي ليا يا بابا الحاج.. شهاب مش ممكن يزعلني...

ليبتسم لها شهاب إبتسامة عشق صافي بادلته إياها في حين كانت راوية ترغي وتزبد وهى ترى نظرات الحب المتبادلة بينهما وما زادها كرها وبغضا حديث زوجها لسلمى من أنه سينصفها هي على إبنه!!!..

لمحت بطرف عينها وردة وهى تسير بالقرب منهما تحمل كوب ماء فنادتها لتقبل الأخيرة عليها فسألتها بأمر:
- هاتي الكوباية ديْ، لَمين واخداها؟..

أجابتها وردة بينما تناولت راوية كوب الماء من يدها:
- ديه ستِّي الحاجة كانت رايدة تشرب...

رفعت راوية الكوب على فمها وهي تميل ناحية عثمان، وما أن سمعت جواب وردة حتى أسرعت بإزاحة الكوب متظاهرة بالإضطراب ليقع نصف محتويات الكوب فوق ثياب عثمان وتحديدا... على الوشاح الملموس!!!!!

هتف عثمان وهو يبتعد عنها:
- باه.. جبر يلم العِفش!.. خبر إيه يا راوية النّهارْدِه؟... 

راوية وهى تصطنع الأسف:
- ماعالهشي يا ولد عمي، لمن اسمعت إن المايّة ديْ لمرات عمي إزوِرْتْ!!!

تأفف عثمان وهو يقول:
- أعمل إيه دلوك؟.. ناجص عطلة أني؟.. أمري لله عروح أبدّل اتيابي...

لينصرف من فوره تتبعه راوية وهى تخفي إبتسامة نصر صغيرة في حين تبادل شهاب وسلمى نظرات التساؤل والجهل!!..

--------------------------------------------------

تقدمت أم علي من سيدتها وهى تتساءل في سرها عن سبب تلك التكشيرة الكبيرة التي تزين وجهها؟!!....، تحدثت أم علي بلهفة:
- مالك يا ست الحاجة كفالنا الشرّ؟.. شكلك إكده تعبان ومتضايج..

تنهدت راوية بعمق ثم أجابتها بينما تجلس أم علي على السجادة الأعجمية أسفل قدمي سيدتها في غرفة نوم الأخيرة:
- عجولك إيه بس يا أم علي، العمل إللي عاملاته أم ستيت مابجاش نافع!..

خبطت أم علي على صدرها براحتها وهى تهتف في دهشة وتساؤل:
- كيف ديه؟.. أم ستيت سرّها باتع وعملاتها ما عتخورّش المايّه..

قالت راوية بضيق:
- أهو إللي حوصل... أتصرف كيف أني دلوك؟..

قالت أم علي بإبتسامة مترددة:
- ما يمكن يا ستي الحاجة ربْنا يخلف الظنّ ويطلعوا بنات حلال مش كيف ما إنتي خايفه!..

نهرتها راوية والتي شعرت بأنها على وشك خسارة حليفها الوحيد في هذا المنزل حتى وإن كانت خادمتها المطيعة:
- باه... عتخرّفي تجولي إيه يا وليّه إنتي؟!... يطلعوم زينيين كيف وأمهم ألفت؟!.. وبعدين ماواعياشي لطريجتهم في الحديت ولا ضحكهم، وكله كوم ولبسهم الماسخ ديه كوم تانيْ!.. أني كنت رايدة لولادي ابنتّه من حدانا اهنه عارفاهم زين وخابره تربايتهم كيف شكلها، لكن بنات البندر دولم هعرِف منين أني إن كانوا زينين ولا شينين؟.. دولات ولاديْ وأني أمهم يعني أني الوحيدة المفروض تجول آه ولا لاه على الرايدين يتزوجوهم، مش كيف ما عملوا وأنغصب أني أجبلهم، بذمِّتِكْ يا أم علي ما شايفاشي لبسهم كيف؟.. أني مستغْرِبَه كيف شهاب وغيث سايبينهوم إكده من غير ما يجبروهم أنهم يتغطُّوا؟.. واتجوليلي عيطلعوا زينين؟.. الجواب بيبان من عنوانه يا أم علي..

أم علي وقد اقتنعت بوجهة نظر سيدتها:
- تصدجي يا ستي الحاجة عنديكي حاج، صحيح.. لبسهوم أني ذات نفسي إللي اسمي مَرَهْ كبيرة لمن بشوفهم بأنكسف لهم، لاه.. عنديكي حاج يا ستي الحاجة..

وسكتت أم علي لتتابع بعد ذلك بسذاجة جاهلة بأن حديثها سيكون بمثابة صب الزيت على النار وسيفتح بابا لن يُسد بسهولة:
- أني لساتني حتى جبل شوية لمن شوفت ست الدَّكتووورة وهي راكبة الترموبيل مع جدع إكده ربّك والحاج.. استعجابت!..

قطبت راوية وقاطعتها وهى تسأل بريبة:
- إنتي عتجولي إيه يا ولّيَّه؟...، هزت أم علي رأسها بالايجاب وهتفت:
- إيوه يا ستي الحاجة... ست سلمى نَضَرْتها وهى راكبة الترومبيل مع جدع أني شوفته جبل إكده... بس مافاكراشي فين؟..

ثم قطبت وهى تحدث نفسها وتخبط بسبابتها على صدغها:
- فين يا أم علي فين؟..

كانت راوية تتابعها بتساؤل ولهفة حتى هتفت أم علي بظفر:
- إيوه.. افتكرت.. الجدع الدَّكتووور إللي جِه حدانا إهنه وكانوا بيجولوا انهم يّعرِفوه من زمان..

راوية بتقطيبة:
- جصدك الدّكتوور كريم؟...، هتفت أم علي:
- إيوه.. هوّ ديه.. الدّكتووور كريم!!..

لمعت عينا راوية بلمعة ذئب قد وقعت فريسته في الشّرك، وإبتسامة شيطانية ارتسمت على وجهها الأسمر ليصبح وجها بشعا مخيفا للكراهية مجسّدة!!!..

****************************

- ماما وحشتني أوي يا سلمى....
هتفت سلافة بهذه العبارة لسلمى شقيقتها وهى تحادثها في الهاتف، لتجيبها الأخيرة:
- وأنا كمان، بابا وماما وحشوني جدا، أن شاء الله يخلّصوا العمرة ويرجعوا لنا بالسلامة.. 

سلافة بتنهيدة عميقة:
- أن شاء الله، تصدقي ما فاتش إلا اربع ايام بس من يوم ما سافروا وبيتهيألي انهم اربع اسابيع!.. المهم عاملة إيه إنتي مع الحيزبون؟..

سلمى تنهرها:
- يا بنتي عيب كدا، مهما كان دي اسمها أم جوزي وجوزك ومرات عمك بردو...

شخرت سلافة بإستهانة وقالت:
- بس، بس.. هتفضلي عبيطة كدا طول عمرك، دي مش بس حيزبون لا والعجوز أم منقار كمان، أنا بحمد ربنا أني سافرت إسكندرية مع غيث وهو بيخلص شغل ليهم، اترحمت من سحنتها شوية..

سلمى بعتاب:
- برضه يا سلافة، مش عاوزة تبطلي؟.. عموما يا ستي الحمد لله أنا في حالي وهى في..

قاطعتها سلافة بجدية:
- في حالك برضه!!!!...، قطبت سلمى وتساءلت:
- إيه؟... يعني إيه هى في حالي برضه دي؟..

سلافة بصبر:
- يعني هى مش هتسيبك في حالك يا سلمى، وخلي بالك منها كويس أوي، مش معنى أنك مقتصراها خالص إنها هتبعد عنك، إنتي مش فاكرة وماما بتسلم عليها وهى مسافرة إنها سلمت عليها ببرود من طراطيف صوابعها وقالت لها معلهش أصلي عندي برد!!... برد!!!.. الهي وانت جاهي يجيلها برد وحر سوا يعملوا عندها قافلة ما تقوم منها!!!!.

زجرتها سلمى عاليا:
- بقولك إيه يا سلافة لو مش هتبطلي طريقتك دي أنا هقفل، انا مش مستعدة أني أخد ذنوب من وراها، 100 مرة قولتلك مالكيش دعوة بإللي بين الكبار، هر لغاية دلوقتي ما أذتناش في حاجة، ولا حتى أذيت ماما، كونها بقى بتسلم ببرود ولا بتتكلم من تحت الضرس دي حاجة مانقدرش نقول فيها حاجة، طالما ما واجّهتش إهانة لينا او لماما يبقى خلاص..
سلافة بجدية:

- خليكي كدا يا سلمى لما تتقرصي منها، أنا قلبي دليلي وسبحان الله إللي باحس بيه بيطلع صح على طول، ومن أول يوم شوفتها فيه وانا مش مرتاحة لها، إنتي نسيتي إنها كانت معارضة جوازنا من ولادها؟.. سلمى نصيحة من أختك الصغيرة.. إنتي يمكن الكبيرة لكن طول عمرك وسط كتبك ومراجعك ومن المستشفى للبيت، أنا ليا خبرة بالناس واحتكيت بيهم أكتر منك، خلي بالك منها، اوعي تأمني لها، ودايما صارحي شهاب بأي حاجة، اوعي يا سلمى تخبي عليه حاجة لأنها لو عرفتها بالصدفة صدقيني هتعملك حفلة عليها وجوزك معلهش مندفع، ما تزعليش مني أنا عارفة شخصية شهاب، لأنه للأسف نفس التسرّع إللي عندي والإندفاع، خلي بالك يا سلمى..

سلمى وقد بدأت تشعر بالقلق من حديث شقيقتها الصغرى:
- حاجة إيه إللي أصارح بيها شهاب يا سلافة؟.. أنا عمري ما خبيت عليه حاجة..

سلافة بجدية مطلقة:
- شهاب عرف بموضوع كريم النهارده؟..

سلمى بتقطيبة:
- لا.. أنا لسه ماروّحتش، وأكيد كنت هقوله أول ما أشوفه، المفروض أنه هيفوت عليا هنا في العيادة لكن اتأخر، عموما أنا لما أروح هاقوله..

سلافة بإصرار:
- لا.. تكلميه حالا دلوقتي في الموبايل وتقولي له، إقفلي مني وكلميه يا سلمى، أرجوكي.. إنتي مش ضامنه الحيّة إللي إنتي عايشة معاها دي ممكن تعمل إيه؟..

تأففت سلمى وهتفت:
- يوووه.. تاني يا سلافة؟!.. بصي أنا فعلا هاقفل لأنك قلبتي دماغي.

وأنهت المحادثة الهاتفية، وشردت قليلا وسرعان ما استعادت هدوءها وهي تتمتم:
- ربنا يسامحك يا سلافة، قلقتيني على الفاضي، أنا متأكدة إنه الموضوع بسيط وأول ما أروح إن شاء الله هاقول لشهاب، وشهاب بيثق في مهما حد قاله عمره ما هيصدق حاجة إلا لما يسمعني الأول!..

ولكنها كانت كمن يطمئن نفسها بينما داخلها وخز ينبئها بأن أختها أبدا لم تضّخم الأمور... وأن قلقها في محله!...

************************************

- انتي بتقولي إيه يا أمي؟....، هتف شهاب بذهول في حين اقتربت منه راوية بخطوات واثقة ووقفت أمامه مكررة قولها بجدية: 
- عجولك الجدع إللي إسميه كريم ديه جه اهنه ومراتك خرجت امعاه!...

ذهل شهاب ولم يجد جوابا للسؤال الواضح في عيني والدته ليزدرد ريقه بصعوبة ثم تحدث بصوت أجش:
- اكيد عاوزها في حاجة مهمة..

راوية وهى تنظر إليه بتركيز فيما تنفث السم في أذنيه وإبتسامة سخرية صغيرة تشكّلت على طرف فمها الذي يقطر سُمًّا: 
- هي جالتلك؟.. استسمحتك إنها تُخرج امعاه؟... ، نظر إليها بحدة وريبة فعلمت أنها لا بد وأن تغير من طريقتها معه كي لا يشك في نواياها، فشهاب ليس كغيث، فهو سريع الإنفعال وحاد، لذا ارتأت المداهنة فخفضت صوتها مسبغة عليه رنة خوف زائفة وقلق وهى تردف:
- يا ولديْ أني عارفة ان مرتك لساتها ما اتعاوّدت على طبْعِنا وعاوايدنا، لكن برضيكي أني ما يرضينيشي ان حد من اهل البلد يشوفوها وهى ماشية امعاه.. عيجولوا إيه وجتها؟...، 

ليهب صارخا:
- يعني إيه ماشية معاه دي؟.. جرى إيه يا أمي؟....

ترقرقت دموع التماسيح في عينيها وهى تقول بأسف زائف وحزن: 
- بتزعّج لي يا ولدي وأني رايدة موصلحتك أنت ومرتَك؟... 

زفر شهاب بضيق ومال عليها مقبلا رأسها وهو يعتذر قائلا: 
- معلهش يا أمي ما تزعليش، حقك عليا، بس أكيد فيه سبب يخلي سلمى تعمل كدا!..

كادت تنفخ بضيق فهذه الـ سلمى تبدو قد تمكّنت من ولدها تماما، فهذا ليس شهاب أبنها الذي كان دائما فعله يسبق تفكيره، فهو إنفعالي بالدرجة الاولى، ولكنها لن تكون راوية إن لم تجعله يهب كالإعصار عليها!!. 

تظاهرت بالإقتناع وهى تقول:
- عنديك حج يا ولديْ، لازمن فيه سبب ايخليها اتروح امعاه المركز، أني بس كُت خايفة لمّن الناس ايشوفوها وهى راكبة امعاه عيجولوا إيه؟... 

ليحدق فيها شهاب بشدة في ذهول أول الامر قبل أن يهدر صائحا: 
- إيه؟.. راكبة معاه؟.. سلمى ركبت مع كريم العربية؟.. 

راوية وهي تتظاهر بالدهشة من إنفعاله: 
- إيوة يا ولديْ، وبصراحة إكده.. أني سمعتها وهى بتحدته في التَّلفون وكات بتجوله إنه المشوار مش عياخد كاتير، بس ما كوتش خابره انهم عيتكلموا على خروجتهم سوا!!..

فمن سوء حظ سلمى إن راوية كانت قد سمعت طرفا من حديثها في هاتفها المحمول وطرق إسمه سمعها وما ان علمت من ام علي أن سلمى قد خرجت برفقة كريم حتى نسجت لعبتها الماكرة وأحكمت خطتها للايقاع بين أبنها وابنة ألفت!!..

احمرّت عينا شهاب لتصبح بلون الدم، وما أن همّ بالكلام حتى قاطعه صوت سلمى المرح وهى تدلف إلى الداخل، والتي ما ان رأته حتى تقدمت ناحيته وهى تهتف بفرح لرؤيته:
- شهاب حبيبي.. حمد الله على السلامة..

ثم تعلقت بعنقه ورفعت رأسها لتقبله على وجنته كما اعتادت ليبتعد بوجهه عن مرمى قبلاتها فقطبت ثم لاحظت وقوف راوية جانبا وكانت قد ابتعدت لدى رؤيتها لسلمى وهى تدخل، فاعتقدت سلمى ان برود شهاب راجع إلى وجود والدته فإحترامها واجب، فإبتسمت وهى توجه تحيتها لوالدته قائلة:
- إزاي حضرتك يا طنط؟..، ابتسمت راوية إبتسامة صفراء وهي تجيبها: 
- الحمد الله زينة.. إنتي كيفك يا بتِّي؟..

قاطعهما صوت شهاب الذي هدر بعنف:
- كنتي فين يا سلمى؟... ، نظرت إليه سلمى مقطبة وقالت: 
- يعني إيه كنت فين؟.. كنت في المركز... 

نظر إليها بحدة مردفا:
- ليه؟.. ويا ترى كنتي لوحدك؟...

سلمى بريبة:
- انا مش فاهمة ليه الأسئلة دي كلها؟.. هو تحقيق؟.. عموما كنت في المركز باقضي مصلحة، ارتحت ؟.. عن إذنك... 

وتركته واستدارت منصرفة حين انطلق صوته آمرا من خلفها: 
- سلمى!!!!... ، لتتيبّس في وقفتها فيما تراقبهما راوية وإبتسامة جذل تتراقص بين مقلتيها، تقدم شهاب منها واستدار ليقف أمامها وهو يهتف بشراسة من بين أسنانه:
- الست المتربية ما تسيبش جوزها وهو بيتكلم وتمشي يا هانم!... هو سؤال واحد.. كريم كان هنا بيعمل إيه؟.... 

لتظهر الصدمة جلية على ملامحها ثم تنقل نظراتها بينه وبين حماتها تلك العقربة التي حذرتها منها أختها قبل قليل وكانت هي من الغباء والسذاجة أن نهرتها بعنف، لتتحقق مخاوف أختها من أن راوية تقف لها بالمرصاد ولا بد أن لها يد في حدة شهاب وإتهامه الصارخ في طريقة كلامه معها، والتي ترفضها شكلا وموضوعا، تنفست بعمق ثم تحدثت ببرود وصوت ميت: 
- سؤالك كنت ممكن أجاوبك عليه لو كان إستفسار عادي، لكن صوتك فيه تلميح وإتهام أنا ماقبلوش، وعشان كدا.. أنا آسفة.. أنا أرفض طريقة كلامك معايا بالاسلوب دا، وغير كدا دي حاجة خاصة بكريم مش بيّا فمش من حقي أني أقولها!..

فتتدخل راوية هاتفة بخبث لتصب الزيت فوق النار:
- خاصّة بيناتك إنتي وكريم دِه؟... 

سلمى بجمود: 
- تمام .. بيني وبينه!.... 

حدق فيها شهاب بغضب مخيف بينما أسود وجهه وهو يصرخ بها:
- إيه؟.... إنتي اتجننتي؟!!!!!!!!!! .. 

سلمى وقد بدأت تشعر بالإختناق:
- ولا كلمة زيادة بعد كدا يا شهاب، انت مش في وعيك دلوقتي.. 

ليعاجلها بجنون:
- قصدك إيه؟.. إني مجنون؟...

لتتقدم إليه وقد تصدعت قشرة برودها بسبب إتهاماته المجحفة بحقها ونظرة التشفِّي الواضحة التي تراها في عيني أمه في حين قد عميت عيناه هو عن ملاحظتها، وقفت أمامه وهى تهتف بانفعال خارج عن ارادتها:
- والله إللي تحسبه بقى.. أنت أدرى بنفسك!!.. مجنون ولّا..... 

ليقاطعها بصفعة مؤلمة جعلتها تصرخ ألما وهى تطالعه بأسى وذهول وما لبثت أن هتفت صائحة:
- مش ممكن هاستنى معاك دقيقة واحده بعد كدا، انت مجنون فعلا، طلقني يا شهاب.. طلقني!!!!!!..

ما أن سمعتها راوية حتى كادت تزغرد فرحا فهاهى أولى بنات ألفت قد نطقتها والبقية تأتي يا بنات ألفت!!..

ولكن صوت قوي رغم عمر صاحبته التي تخطت الستين صدح عاليا وبقوة:
- إيه إللي بسمعو ديه؟...

نظرت سلمى تجاه الصوت لتبصر جدتها فركضت إليها وارتمت بين ذراعيها وهى تجهش ببكاء حار وتهتف برجاء وحزن يقطع نياط القلوب:
- الحقيني يا ستّوُ، أنا مش ممكن أستنى ولا دقيقة واحدة كمان هنا.. 

احاطتها جدتها بحنان وقالت بهدوء في حين رمت شهاب بنظرة غاضبة وراوية بأخرى سوداء غامضة:
- باه... إيه الحديت ديه يا بتّي؟..

رفعت سلمى وجهها إليها وقالت وهى تشهق بعنف بينما دموعها تغرق وجهها:
- أنا اتضربت واتهنت يا ستُّو، عمر ما حد مد إيده عليّا لا بابا ولا ماما، وزعيق وطريقة كلام وتلميحات أنا ماقبلهاش، أنا مش ممكن هاستنى هنا، أرجوكي يا ستو خلّيني أمشي من هنا...

ليهدر شهاب بغضب ينافي الخوف الذي احتل قلبه ما إن سمعها وهى تصرخ طالبة الطلاق:
- إنتي اتجننتي؟.. مش هتتحركي خطوة واحدة من هنا يا سلمى، وإنسي الكلمة المجنونة إللي إنتي قولتيها دي، ولو زودتي في الكلام رجلك مش هتخطي عتبة البيت ولا اضطريت أني أحبسك.. هلحبسك!!!.. إيه رأيك بقى؟...

هتفت الجدة بحدة:
- شهاااب!!!.. اتجنيت إياك!!.. ليه إن شاء لله.. معنديهاشي عيلة وعزوة يوجفولك؟.. أنت اتخبطت في نافوخك ولا إيه؟.. ديه بدل ما تحب على راسها وتستسمحها تجوم اتجول إكده؟...

تأفف شهاب وقال:
- يا جدتي انتي مش عارفة إللي حصل..

قاطعته هاتفة:
- مهمن كان... متوصلشي بيك المواصيل إنك اتمد يدك على مرتك، ودلوك اتفضل جودامي على داري لمن أشوف آخرتها مع اجنانك إللي أنت مش ناوي اتودّرُه ديه إيه...

هتفت سلمى برجاء:
- أرجوكي يا ستّو.. أنا مش قادرة أستنى دقيقة واحده بعد كدا أنا...

ليهتف شهاب بحدة بينما يتقطع داخله ما أن لمح علامات أصابعه فوق وجنتها الناعمة حيث كاد يجذبها بين أحضانه ليقبل وجنتها ويرجوها أن تسامحه:
- ما تعصبنيش يا سلمى، إنتي مش هتتنقلي من هنا...

الجدة بصرامة:
- أني جولت إيه يا شهاب؟.. مش جولت ما رايداشي أسمع صوتك دلوك؟!...

ثم أشارت لسلمى قائلة بإبتسامة خفيفة:
- تعالي يا بتي الله يرضى عنيكي، واطمّني.. إللي عيرضيكي أني هاعمله....

هتف شهاب بهلع:
- جدتي...

لتنهره بنظرة زاجرة، فتقدمها كلا من شهاب وسلمى وسارت هى خلفهما حتى إذا ما أصبحت بمحاذاة راوية التي تابعت الحوار الذي دار بين ثلاثتهم فيما ينتفض داخلها خوفا من الجدة، اذ بفاطمة تميل ناحيتها وهى تقول بخفوت ولهجة تحذير واضحة تلون صوتها:
- إياكي تتحركي من اهنه، هاخلص امعاهم وبعدها ليا جاعده امعاكي يا... مرت ولديْ!...

-------------------------------------------------

جلست الجدة تقلب نظراتها بينهما، كانت سلمى تشيح بعينيها بعيدا عن شهاب الذي كان وكأنه يجلس فوق مقعد من شوك!

خرقت الجدة الصمت السائد بقولها:
- يعني حسب إللي سامعتو منيكو انتو التنيين إن المشكلة أنه سلمى خرجت مع كريم من غير ما تجولك صوح يا شهاب؟..

ليرد الإثنين في نفس واحد:
- سلمى: لا...

شهاب: آه..

هتفت الجدة بصرامة:
- بكفاياكو عاد!!!... ، ثم تنهدت عميقا قبل أن تردف موجهة حديثها إلى سلمى بحنان أمومي:
- سلمى يا بتّي جوزك من حجّه يّعرِف إنتي روحتي فين وجيتي منين..

هتف شهاب بظفر:
- شوفتي!.. عندي حق أهو..

نهرته الجدة:
- باه.. بكفاياك جولت!..

سلمى بعتاب للجدة:
- انا ما اعترضتش إنه من حقه إنه يعرف يا ستّو، لكن مش من حقه إنه يزعق لي بالشكل دا ومش من حقه يكلمني بتلميح أنا ما اقبلوش وأنا شايفه نظرات شك وإتهام في عينيه، ولا من حقه أنه... يضربني يا ستُّو!!!...

لتنهار في البكاء الذي حاولت صدّه كثيرا، كاد شهاب أن يقفز من مكانه ليحتويها بين ذراعيه حينما منعته نظرة قوية من الجدة التي قالت بحنان بينما تحتوي سلمى الجالسة بجوارها على الاريكة القماشية الفاخرة:
- بكفاياكي بُكا يا بتّي.. عينيكي الحلوين دولا عيدبلوا يا نضري..

أجابت سلمى من وسط شهقات بكائها الحار:
- مش قادرة يا ستّو، أول... أول مرة حد يمد إيده عليّا، ومش أي حد.. دا.. جوزي، الانسان اللي بابا أأتمنه على بنته، ومش بس كدا دا بيشك....

هدر شهاب مقاطعا لها وهو ينتفض واقفا من مقعده بجوار الجدة:
- إياكي تكمليها يا سلمى، أنا مش ممكن أشك فيكي، ولا للحظة واحدة حتى...

رفعت سلمى رأسها بعيدا عن كتف الجدة ونظرت إليه بعينيها الذابلتين وهي تجيب باكية:
- أومال طريقتك معايا دي إسمها إيه يا إبن عمي؟.. نظراتك ليا والشك إللي في صوتك وآخرتها تمد إيدك عليا، كل دا تسميه إيه؟..

اقترب منها شهاب بينما الجدة تطالعه بقوة فيما سلمى تراقب تقدمه نحوها بتقطيبة غضب عميقة، قال شهاب وهو يميل ناحيتها:
- أسمه لحظة غضب مجنون، أسمه إني انفعلت لما عرفت بخروجك مع راجل غريب من ورايا، أسمه أي حاجه إلا أني أشك فيكي!...

ابتسمت سلمى بسخرية وهى تقول:
- راجل غريب!.. انت عارف كويس أوي إنه كريم...

هتف مقاطعا:
- عارف، والله عارف، لكن الناس مش عارفة، الناس إللي شافوكي وقالوا لمـ....

وسكت باترا عبارته، لا يريد إقحام والدته في الأمر، ولكن إلتقطت الجدة الإسم من فوق طرف لسانه، لتضمر أمرا في سرها، والتفتت إلى سلمى تقول بجدية زائفة:
- باه... وبعدهالك يا بت رؤوف، ما جولنا إنه غلطان، لكن إنتي كومان غلطانه إنك ما جولتليلوشي جبل ما تروحي مشوارك ديه، وانت يا باشي مهندز.. حسّك عينك يدّك تنمد عليها مرة تانية.. ولا جسما عظما لا اكون جايله لكَبيركم.. وانت خابر جدك عبد الحميد زين، ما عيحبش الحال المايل..

هتف شهاب وإبتسامة ترتسم على وجهه:
- توبة يا حاجة لو مديت إيدي تاني..

ابتسمت الجدة وقالت لسلمى:
- خلاص.. جلبك أبيض، سامحيه النوبة ديْ..

سلمى برفض تام:
- لا... مش ممكن...

هتف شهاب وهو يشير إليها:
- شايفه يا حاجة...، مش كفاية إني لسه ماعرفتش هى خرجت معاه ليه؟..

أجابت سلمى بحدة:
- مع أنه شيء خاص بكريم لكن هاقولك، كريم كان رايح يقابل عمي عثمان بخصوص حتة الارض بتاعتكم إللي في أول البلد..

شهاب بتقطيبة حائرة:
- إيه؟.. يقابل بابا!!..

سلمى بمرارة:
- آه.. أول مرة كريم جه هنا وشاف الارض عجبه المكان أوي وعرض على جدي وعمي عثمان فكرة مستشفى شامل كل التخصصات لعلاج الناس في البلد هنا والبلاد إللي حوالينا، وفي فرحنا عمو نبيل والد كريم فتح الموضوع مع جدي بعد ما عمي عثمان قاله لازم ناخد رأيه، وجدي اتحمس أوي للمشروع..

شهاب بتساؤل:
- ودا في إيه خاص مش عاوزة تقوليه؟..

سلمى بسخرية:
- عشان عمو نبيل وكريم داخلين شركاء مع عمي عثمان وجدي، والمشروع دا خيري أكتر منه تجاري، يعني حاجة لله، يعني المفروض صاحبها بس هو إللي يقول لو حب، وبما أني عارفة إنه ممكن جدا عمي نبيل يرفض حد يعرف عشان ياخد الثواب كامل ما كنتش عاوزة أقول، واللي حصل إنه كريم جه النهلرده حسب ميعاده مع عمي عثمان، ولأنه مايعرفش مكان الديوان فين اتفق مع عمي عثمان أني أنا إللي هاوديه وأنا رايحة العيادة بتاعتي..

شهاب بتلكؤ بسيط:
- يعني بابا...

أكملت ساخرة:
- أيوة!.. يعني عمي عثمان عارف أنا كنت فين ومع مين وركبت مع كريم ليه!..

شهاب بإعتراض :
- كان ممكن يقول لي أنا أو حد من الغفر أحسن ولا أنك تتعرضي إنه حد يشوفك!..

سلمى بحدة وقد غاظها عناده الاحمق:
- لانه كريم كان جه فعلا، ولأني أنا سلمى الخولي بنت عيلة الخولي إللي محدش يقدر يجيب سيرتها بربع كلمة، ولأن الناس شافوني وأنا مع كريم ومع عمي عثمان في الديوان، وأنا إللي قلت لعمي مفيش داعي لأي قلق أنا هاوديه الديوان وأنا رايحة العيادة كدا كدا دا طريقي.. بس للأسف ما عملتش حساب إنه جوزي هو إللي هيتكلم عليا ويشك فيا!!..

هتف شهاب بحنق:
- برضه تقول بيشك فيا!!... افهمي.. أنا...

قاطعته الجدة بجدية:
- شهاب.. خلاص.. أديك افهمت الحجيجة عشان ماتوبجاشي تتسرّع بعد إكده.. ممكن بجاه تهمّلنا دلوك؟..

أراد الإعتراض ولكن نظرة واحدة من الجدة اليه جعلته يتراجع ويتمتم معتذرا ثم انصرف من فوره مغلقا الباب خلفه...

التفتت الجدة إلى سلمى بعد إنصراف شهاب وقالت:
- شوفي يا بتي... الكلام إللي عجولوه دلوك مش عشان أني في صف شهاب، أبدا... يعلم ربنا غلاوتك إنتي واختك في جلبي لو اجولك أغلى منيه هو و غيث يمكن معتصدجنيش...

سكتت قليلا لتضمن إنصات سلمى لها ثم أردفت:
- اسمعيني زين يا بتي.. جوزك جلبه أبيض، عصبي حبتين وحِمَجي تلات حبّات لكن من جواته أبيض كيف الجوطن تومام، لو راجل غيره كان زماناته لف ودار عليكي لكن شهاب إللي في جلبه على لسانَه، عرف حاجة ضايجته منيكي جام باخها في وِشِّك في وجْتها.. جوزك بيحبك وبيخاف عليكي، ما تضيعيشي حبه من يدّك... 

سلمى وبقايا بكاء لوّنت صوتها:
- أيوة يا ستّو بس...

الجدة بحزم:
- إنتي بتحبيه ولا لاه يا بتي؟...

سلمى وهى تهرب بعينيها:
- دا جرحني يا ستو أوي...

كررت الجد بصرامة أقوى:
- بتحبيه ولا لاه؟....

سلمى وهى تتنهد بعمق وتنظر إليها معترفة بضيق:
- أيوة يا ستو، بس مش عاوزة حبي له يخيليني أتحمل إهانة وبهدلة أكتر من كده..

الجدة بقوة:
- ما عاش مين يبهدلك ولا يّجل بيكي، سلمى يا بتّي جوزك هو عزوتك وسندك، هو كرامتك، مش أي واحدة جوزها يُضربها تجوم جايلاله طلجني!!!.. كلمة الطلاج ديْ كلمة وعرة جوي، ما اتعوديشي لسانك عليها... انتوا لساتكو في الاول وياما هيمر بيكو حاجات.. لو كل مرة جولتيله الكلمة الشينة ديْ هياجي في مرة منيهوم ويحججهالك فعلا.. وجتيها يبجى إزاى الحال؟...

سلمى بضيق وقد بدأ كلام الجدة يلقى صدى في نفسها:
- يعني أسامحه على طول كدا يا ستو ولا كأنه عمل حاجة؟..

الجدة وهى تبتسم رافعة حاجبها:
- مين إللي جال إكده؟... غلطته امعاكي من حجك انك تاخدي بحجك منيه تالت ومتلّت وكيف ما إنتي عاوزه ... بس وإنتي في دارك، وبابك مجفول عليكي إنتي وهو، مفيش مخلوج يعرف بيناتكوم إيه، عرِّفيه غلطه بطريجتك وخلّيه يجول إن الله حاج... بذكاء يا دكتوورة...

إبتسمت سلمى ومسحت دموعها وهى تطالع إبتسامة الجدة الماكرة وقد فهمت ما ترمي إليه فتوعّدته في سرها إنها ستجعله يعضّ أصابع الندم على ما اقترفه في حقها وأنها لن تكون سلمى الخولي إن لم تجعله يكفّ عن حدته وتهوره الأرعن ذاك!!!...

راقب شهاب سلمى وهى تخرج من غرفة الجدة وتتجه للصعود إلى الأعلى فراقبها ليلحق بها فيما نظرت راوية بإتجاهه ليقطع تفكيرها صوت الجدة وهى تقف أمام باب غرفتها تطالعها بنظرات صارمة قائلة بأمر لا يقبل النقاش:
- راوية... عاوزاكي اشويْ...

ودلفت إلى غرفتها تتبعها راوية وهى تقدم قدم وتؤخر الأخرى...

أغلقت راوية الباب خلفها، وتقدمت تقف أمام الجدة التي جلست على مقعدها المفضل أمام النافذة، تململت راوية في وقفتها وهى تسترق النظرات إلى الجدة التي تطالعها بغموض، همّت راوية بالحديث حينما قاطعتها فاطمة بجدية صارمة:
- ليه؟.. عتستفيدي إيه من إللي بتعمليه ديه يا راوية؟..

تصنعت راوية عدم الفهم وأجابت:
- جصدك إيه يا عمة الحاجّة؟...

الجدة بصرامة:
- إنتي فاهمة زين أني بتحدت عن إيه..

راوية بعدم فهم زائف:
- لاه يا عمّة... ما عارفاشي..

نهضت الجدة واقفة وتقدمت إليها لتقف أمامها تطالعها قليلا بنظرات حادة قبل أن تهمس لها بشرّ:
- شوفي يا راوية... أني خابراكي زين، وعارفة إللي في جلبك من ناحية ولدي رؤوف ومرتو وبناته التنيين، لكن توصل بيكيّ إنك تخربي بيت ابنك ابيدك يبجى وجتها ما عسكوتلكيشي واصل... هى كلمة ومش هتنِّيها... اجصري شرّك عن ولادك إنتي جبل نساوينهم يا راوية.. إنتى مش عتخربي بيت بنات ألفت لاه.. إنتي عتخربي بيت اولادك.. واني ما عجفش أتفرج عليكي... لو حوصل منيكي حاجة تانية وجتيها مش أنا إللي عجف لك، ولا جوزك.. لاه.... كبيرنا هو إللي عيجف لك... كبير العيلة... الحاج عبد الحميد الخولي، وأظن انك تعرفي الحاج عبد الحميد غضبه بيكون عامل كيف...

همست راوية:
- عارفة يا حاجة لكن...

قاطعتها الجدة رافعة يدها بصرامة:
- خلاص يا راوية.. ما عاوزاشي كتر حديت، روحي دلوك، وعجلك إفـ راسك تعرفي خلاصك..

انصرفت راوية تاركة الجدة وهى تزفر وتدعو الله في سرها ان يبعد عن كنّتها شيطانها بينما وقفت راوية خلف الباب بعد أن أوصدته وراءها وقد كسا اللون الأسود وجهها وهى تتمتم ببغض عميق:
- بجه أجف كيف العيّل الصغيّر جودام عمتي الحاجة من ورا راسك إنتي يا ألفت إنتي وبناتك! ( ناسية أو متناسية أن حديث الجدة الصارم لها من جراء أفعالها السوداء ولكنها الكراهية التي ملأت قلبها من ناحية ألفت وابنتيها) ... لكن لاه.. ما ابجاش راوية أما خليتكو تعاودوا مكان ما جيتوا.. إنتي وبناتك وجوزك... وبكرة تشوفي راوية تجدر تعمِل إيه...
وبرقت عيناها بشر مستطير!!، بينما هناك.. في الأعلى.. كان شهاب يواجه عاقبة ما صنعته يداه وهو يقف متطلعا إلى باب غرفة النوم الموصد في وجهه بعد أن أصدرت سلمى حكمها بأن ينام في غرفة الأطفال.... إلى إشعار آخر!!!!!!!!

إلى اللقاء في الحلقة الثاني والثلاثون من هنا 







 

تعليقات



×