رواية كبير العيله الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم احكي ياشهرزادرواية كبير العيلة - منى لطفي الحلقة الخامسة و العشرون جلست سلمى فوق فراشها عاقدة يديها حول ركبتيها، فيما غامت عيناها بغلالة شفافة من الدموع، دلفت إليها سلافة بعد أن طرقت الباب وكالمعتاد منذ أن ثلاث أيام لم تسمع جوابا لها، أغلقت الباب وراءها وسارت تجاهها بخفة لتميل جالسة بجوارها وهى تقول بإشفاق على حال أختها: - وبعدين يا سلمى؟... وآخرة إللي إنتي فيه دا إيه؟.. من يوم ما رجعنا من المستشفى وإنتي على الحال دا، ماينفعش حبيبتي، بابا وماما قلقانين عليكي أوي، عشان خاطرهم هما على الاقل، والغلبان إللي كل يوم مرابط عندنا وإنتي رافضة تطلعي له، شهاب يمكن غلط في الكلام بس من غيرته عليكي، إنتي دايما بتقوليلي لازم أتعامل بعقل وهدوء وكنت دايما بتنقدي تسرعي وعصبيتي، إديله فرصة يا سلمى... سلمى بجمود: - واضح إنه العصبية والإنفعال دول إللي كنت بعايب عليهم طلعوا قلب شخصية شهاب!.. سلافة بإبتسامة صغيرة: - طيب علشان خاطري اطلعي قابليه، ما تتصوريش حالته عاملة إزاي، الكل تحت مستغربين من إللي حصل، كفاية بهدلة جدي ليه هو وغيث على سكوتهم عن الموضوع كله، وليث إللي في المستشفى ربنا العالم بحالته، الدكاترة بيقولوا مش هيطلع قبل اسبوع كمان وسلسبيل حبيبتي حالتها ما يعلم بيها إلا ربنا، فعشان خاطري حاولي تخرجي من إللي إنتي فيه دا، شهاب بيحبك والكل عارف كدا، حقه إنه يغير عليكي وخصوصا لما شاف لهفتك وقلقك عليه وهو كان خاطبك قبل كدا! نظرت إليها سلمى بحدة هاتفة: - يعني جبتي سيرة الكل إلا هو وإنتي بتعاتبيني على غضبي من شهاب؟!.. إنتي ناسية إنه هو كمان في المستشفى في غيبوبة بين الحياة والموت ولا دا شيء مش مهم بالنسبة لكم؟؟ سلافة بإعتراض: - لا طبعا مش قصدي بس.... قفزت سلمى واقفة وابتعدت عن الفراش وهى تقول بحزم منهية النقاش بينها وبين شقيقتها الصغرى: - ارجوكي يا سلافة مش عاوزة اسمع حاجة تاني، ومن الآخر مقابلة شهاب مش هقابله، وياريت يحترم قراري، أنا مش عاوزه أشوفه!.. ليعلو صوت متسائل من امام الباب يقول: - لغاية إمتى يا سلمى؟.. قالت سلافة وهى تطلع إلى صاحب الصوت: - بابا!!! دلف رؤوف بخطوات وئيدة حتى وقف بجوار إبنته وأردف بصوت حازم حان: - لغاية امتى القوقعة إللي إنتي محاوطة نفسك بيها دي؟ سلمى وهى تسدل عينيها إلى الأسفل: - معلهش يا بابا أرجوك أنا.. قاطعها والدها بجدية: - سلمى.. شهاب حكى لي كل حاجة من غير ما يخبي أي شيء، اعترف إنه في لحظة غضب منه إنفعل بكلام ما كانش ينفع إنه يقوله، هو غلط واعترف بغلطه، يبقى نتعامل كناس ناضجين وتقعدوا سوى وتفهميه إنه العصبية وسرعة الإنفعال والغضب الجنوني دا مش هتقدري تستحمليه، حقه عليكي إنك تتفاهمي معاه، زي تمام ما هو حقك عليه إنه يحترم شعورك ويفهم وجهة نظرك.. سلمى هاتفة بإنفعال حاولت كتمه: - الكلام دا يا بابا كان ينفع لو الموضوع عصبية وغيرة عادية لكن دا اتهمني أني.... وكتمت فمها براحتها ليحتويها والدها بين ذراعيه مربتا عليها لتنسحب سلافة ببطء فيما همس والدها لها: - هششش.. خلاص حبيبتي، ما تعمليش في نفسك كدا، هو قالي إنه في لحظة غباء منه قالك كلام مايعرفش طلع منه إزاي، سلمى شهاب لو عنده شك ولو واحد في المليون كان قتلك وقت ما شافك!.. دا صعيدي حبيبتي.. ما يغركيش طريقة كلامه إللي زيينا ولا لبسه، دا زي غيث وزي أي صعيدي دمه حامي على شرفه وعرضه، في ثانية كان هينسى أي تعليم ولا تحضر ويتحول لصعيدي 100% ويخلّص عليكي من غير ما يطرف له جفن حتى!! .. شهاب كان موجوع يمكن أكتر منك، إنتي كمان ما ادتهوش فرصة إنه يستفهم منك إللي حصل منعكم انكم تتكلموا ولما جيتوا المستشفى انشغلتوا بليث وبأحمد فما سألكيش، لااازم تسمعي منه، حقه عندك إنك تسمعي، جدك عبد الحميد على فكرة كان عاوز يطلع يشوفك أنا إللي قلت له إنك هتنزلي عشانه هو وجدتك فاطمة، الحبسة إللي إنتي فيها دي مش حل، إنتي يادوب تروحي المستشفى في ساعة الزيارة وترجعي حابسة نفسك، حتى مامتك نفسها مش بتقعدي معاها، وإللي أنا اعرفه إن بنتي الكبيرة أقوى من كدا، أنا دايما أقول عليكي عاقلة وناضجة وهادية وبتوزني الأمور صح، ولما شهاب اختارك فرحت لانه لو كان اختار سلافة كان هيبقى حريقة وشبّت في البيت، كأنك بتكفي بنزين بجاز مثلا، عشان كدا جدك كان عنده بعد نظر لما قالي أول ما جينا إنه نفسه بناتي ياخدوا ولاد عمهم، كان مختارك لشهاب وسلافة لغيث ولما ولاد عمك فاتحوني سألته ان كان كلمهم في الموضوع ضحك وقال لا أبدا بس هو مبسوط إن أحافده بيعرفوا يفكروا ويختاور صح، كل واحد فيهم اختار الفولة بتاعته تمام، مش بيقولوا كل فولة وليها كيّال؟!!؟ مسحت سلمى دموعها برؤوس أناملها البيضاء ورفعت عينيها إلى والدها قائلة بصوت مكتوم بغصات البكاء: - أنا تعبانة أوي يا بابا، العقل والحكمة دول مانفعونيش قدام إتهامات شهاب، إللي أنا شوفته الكام يوم إللي فاتوا دول وكأني عِشت حياة تانية خالص!.. فكرة إنه انسان اكون انا السبب في موته تعباني أوي، أحمد فداني بروحه يا بابا، وفي الوقت إللي أنا منتظرة من شهاب إنه يقف قدامي ويقويني ألاقيه أول واحد بيهاجمني ومش حاسس بإللي فيّا، مجرد فكرة إنه فيه إنسان بيموت وانا ليا يد في دا مموتاني أنا!! نهرها روؤف برفق: - استغفري ربنا يا بنتي، دا كله أجل ومكتوب، وإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون.. صدق الله العظيم، وبعدين الأعمار بيد الله محدش عارف فيه إيه بكرة، مش جايز جدا ربنا يكتب له النجاة ويبقى اتكتب له عمر جديد فعلا زي ما بيقولوا؟.. خلي ظنك في الله أحسن من كدا ربنا بيقول ما معناه.. أنا عند ظن عبدي بي!! همست سلمى وقد هدأت نوبة بكائها: - ونعم بالله... ، ثم تابعت بصوت هاديء نسبيا: - معلهش يا بابا أنا حاليا مش في حالة تسمح إني اتكلم مع شهاب في أي حاجة، محتاجة وقت أحاول أتمالك فيه نفسي، وبعد إذن حضرتك انا هلبس عشان ألحق ميعاد الزيارة، سلسبيل من يوم إللي حصل لليث وهي قاعدة مرافق معاه خصوصا بعد ما طلع في أوضة لوحده، أنا كلمتها من شوية لاقيتها رجعت تبص على ولادها وتاخد هدوم ليها وراجعة تاني، فأنا بعد إذن حضرتك هاروح معاها؟.. لتأتيها الاجابة بصوت واثق: - وأنا ما أرضاش إنه مراتي تروح في أي مكان مع حد تاني غيري.. بعد إذن حضرتك يا عمي!.. ابتعدت سلمى عن ذراعي والدها والذي التفت إلى شهاب يقول بإبتسامة صغيرة: - مش تخبط الأول يا بني؟.. شهاب بهدوء لا يشعر بمقدار ذرة منه فيما عيناه مسلطتان على تلك التي تختبئ منه بين ذراعي والدها معتقدة أنها بوجودها بين جدران غرفتها تستطيع منعه من الوصول إليها، ولكن آن الأوان لتعلم أن لا أحد ولا أي شيء قادر على ابتعادها عنه فهي إمرأته هو... وكفى!!.. شهاب ببرود وهو يدلف إلى الداخل: - معلهش يا عمي، بس أنا خفت إنها ترفض تقابلني زي كل مرة، وبعدين الباب كان مفتوح وانا اعتبرت نفسي في بيتي، هو مش بيت مراتي يبقى بيتي برضه؟.. مشددا على كلمة "مراتي".. لتحدجه سلمى بنظرة حارقة يقابلها بأخرى متحدية، لم ينتبه رؤوف لحرب النظرات الدائرة بينهما ليجيب وهو يبتعد عن سلمى: - اكيد طبعا بيتك، عموما أنا هاسيبكم عشان تتكلموا، لما تخلصي سلمى لو.. جوزك – مشددا بدوره على الكلمة - مش هيوصلك المستشفى فبابا موجود، أنا إللي هاوديكي وبالمرة أزور ليث أطمن عليه وأقابل الدكتور إللي ماسك حالة أحمد أشوف آخر التطورات إيه... انسحب رؤوف تاركا شهاب وسلمى بمفردهما فيما أغلق الباب مشرّعا خلفه، ما ان اختفى والدها حتى استدارت سلمى لتوليه ظهرها عاقدة ذراعيها أمامها، اقترب منها شهاب حتى أحست بدفء أنفاسه من خلفها، كان هو أول من خرق الصمت السائد بينهما محاولا التحدث بهدوء: - هتفضلي مقاطعاني كدا لغاية امتى؟.. سلمى ببرود ناظرة إلى النافذة العريضة التي تحتل الحائط امامها: - دي مش مقاطعة يا إبن عمي، دا موقف!.. انت غلط في حقي ومش غلط سهل، فبالتالي أي رد فعل مني على إللي عملته من حقي، سواء أني أرفض أشوفك أو أسمعك!.. شهاب بضيق مكتوم وهو يضغط على أسنانه: - وأنا اعترفت بغلطي، وحكيت لعمي ومرات عمي كل حاجة وبصراحة، ما حاولتش أبرر غلطي ولا أقول أنصاف حقايق، كل إللي حصل حكيته بالظبط، وهما اتفهموا موقفي وقدروا إني باعترف بغلطتي، المفروض إنك تكوني هديتي وإنتي كمان تديني عذري لكن إللي أنا شايفه إنك بتنفسي فيا عن غضب جواكي إنتي، أنا هقولهالك لآخر مرة.. أنا عمري ما أشك فيكي، ولو أنتي مش مراتي فإنني بنت عمي روؤف.. وانا عارف كويس أوي عمي رؤوف مربي بناته إزاي، وإللي حصل لك دا مش ممكن كنت أخليه يعدي بالساهل فما بالك بقى وإنتي مراتي؟.. يعني حتة مني؟.. ما تلومينيش على غضبي منك لما شوفتك شبه منهارة بعد إللي جراله.. سكت قليلا محاولا التماسك وهو يضغط أسنانه بقوة بينما تكورت يده في قبضة قوية حتى ابيضت سلاميات أصابعه مغمضا عينيه لثوان ليتابع بعدها وقد فتح عيناه ناظرا إلى صورتها المنعكسة في زجاج النافذة أمامه فيما صوته يخرج مشروخا: - عارفة إحساسي كان إيه لما شوفت الفيديو؟.. كنت حاسس إنه حد طعني بسكينة وساب السكينة في الجرح!.. ولما شوفت خوفك ولهفتك كان كأنك بتلوي السكينة في الجرح دا وبكل قوتك، إنتي ما قولتيش إللي حصل بالظبط لأنه ما كانش فيه مجال لكدا من لحظة ما شوفتك وضرب النار إللي اشتغل والبوليس إللي جه وبعدين المستشفى وإنشغالنا بليث كل دا مخلناش فرصة نتكلم، مش هانكر إن غيرتي عامِّتني وانا شايفك تقريبا منهارة عشانه، سلمى أنا إنسان مش ملاك.. وإنتي اكتر واحدة عارفة عصبيتي عاملة إزاي وقد إيه أنا إنفعالي بيكون سريع ومن غير عقل كمان!.. كنت منتظر منك تهدي وأكيد هتسمعيني، لكن إنتي دبحتيني بكلمتك إللي قولتيها وإحنا في المستشفى... وصمت ليمد يده يمسك بكتفها يديرها إليه ليمسك بكتفها الآخر ويميل ناحيتها هامسا بعذاب أمام وجهها الذي فقد نضارته: - طلاق يا سلمى؟!... قدرتي تقوليها؟.. لسانك طاوعك ونطقتيها إزاي؟!.. عارفة لما سمعتها منك حسيت بالظبط كأن رصاصة ضربتني وهنا بالظبط!! أمسك بيدها ووضعها على صدره من الناحية اليسار حيث شعرت بدقات قوية أسفل راحتها، حاولت سحب يدها ليضغطها بقوة فوق قلبه تماما رافضا تركها بينما هربت بعينيها جانبا رافضة الكلام ليردف بحزم وغضب مكتوم: - إنسي إنك تبعدي عني، الكلمة إللي لسانك نطق بيها دي إوعي أسمعك تقوليها تاني، لمصلحتك إنتي، فكرة إنك عاوزة تبعدي عني مجرد الفكرة مش مسموح لك بيها، وصدقيني هتشوفي جنوني بجد لو قلِّيتي عقلك وفكرتي بس فيها ولو بينك وبين نفسك، إنتي مراتي.. ولآخر نفس عندي هتفضلي مراتي، ولا أي حد هيقدر ياخدك مني، أنا عصبي وغيور ومدب وكل حاجة بس.... ليتابع بهمس بينما عيناه تغازلان عينيها بلا هوادة لتنجح في أسر نظراتها رغما عنها بالأخير وهى تنظر إليه منتظرة سماع تتمة عبارته التي قالها بدفء غمرها بينما شعرت بحرارة أنفاسه تضرب وجهها وهو يهمس أمام ثغرها الكرزي: - بـ حـ بـ ك.. أنا بحبك، بعشقك.. دا ما يشفعليش عندك؟!.. أنا مش هاقولك إني هكون عاقل وهادي بين يوم وليلة لكن أوعدك أني هحافظ عليكي أكتر من روحي كمان، وان حبك في قلبي عمره ما هيقل بالعكس دا بيزيد كل ما الايام بتمر بيننا، ممكن تدينا فرصة تانية؟.. ممكن يا سلمى؟.. لترد عليه بعد صمت طال تعاتبه بعينيها التي اغرورقت بالدموع الغزيرة فيما شفتيها ترتجف: - أنا كنت محتاجة لك انت يا شهاب، كنت حاسة إني قوتي هستمدها من قوتك انت، لما لاقيتك بتتهمني الإتهامات البشعة دي حاسيت زي ما اكون وقعت، اتخبطت في الأرض مرة واحدة وانا ببص من مكان عالي، كلامك ليا وجعني أوي، كنت منتظرة منك إنك تفهمني من غير ما أضطر إني أشرح لك، تحضنني وتأكد لي إنه كل حاجة هتكون كويسة، لكن مرة واحدة لقيت نفسي لوحدي ومش بس كدا لأ انت بتتهمني بحاجات بشعة، ولاقيتني أنا إللي كنت هبلة في ظني فيك، وإنك في الاول والآخر بتتصرف بمنطق الرجل الأناني الغيور بصرف النظر عن أي شيء تاني، عارف يعني إيه يكون أنت اول واحد فكرت فيه اني ألجأ له عشان يطمِّني ويهديني ألاقيك انت القاضي والجلاد في نفس الوقت؟.. احساس قاسي أوي يا شهاب، انا.. حاسة إني تعبانة اوي، أرجوك لو ليا معزة عندك فعلا سيبني أقنع بابا وماما أننا نرجع مصر، أنا محتاجة أبعد عن هنا شوية!.. ليطير هدوء شهاب الذي حاول التحلي به أدراج الرياح ما إن سمعها تخبره في هدوء أنها تريد الابتعاد عنه بل وتطلب منه هو أن يتركها تقنع والديها بالرحيل عنهم، وكأنها لم تستمع إلى حرف مما قاله، وعلمت سلمى بأن غضبه الأعمى على وشك الإندلاع إذ تغيرت قبضته ليدها لتصبح أقوى حتى كادت أن تفتت أصابعها بينما قبض على خصرها بيده الأخرى ضاغطا بقوة آلمتها ليهتف بنفي قاطع وهو يقربها منه: - على جثتي!.. إنتي اتجننتي أكيد؟.. سفر إيه إللي بتفكري فيه؟.. إنتي رجلك مش هتخطي من هنا خطوة واحدة بس ولو نطقتي بكلمة زيادة مش هخليكي تخرجي برة البيت من أساسه! سلمى بإعتراض حانق وهى تحاول دفعه بعيدا عنها ولكنها وكأنها تدفع حائطا صلبا لا يتزحزح: - ولا كأنك سمعت حاجة، وبرضه غضبك وإنفعالك هو إللي بيمشيك، بقولك إيه احنا فعلا شكلنا كدا هنصرف نظر عن الموضوع كله.. أنا فعلا تعبت!! لتجحظ عيناه ويهتف بشراسة وهو ينظر إلى غابات عينيها بضراوة: - انا إللي تعبت منك، هو حل واحد بس عشان تتأكدي إنك هتفضلي مراتي وتشيلي من دماغك الخزعبلات دي!! همّت بالرد عليه حينما هجم على فمها يعتصر شفتيها بقوة وكأنه يعاقب ذلك الفم لنطقه تلك الكلمات التي أشعلت غضبه، حاولت مقاومته ولكنه تجاهل مقاومتها ليحتويها بين ذراعيه ضاغطا جسدها إليه في عناق متطلب قاسي، دافنا يده بين خصلات شعرها الثائر، ليدحض مقاومتها شيئا فشيئا حتى أعلنت إستسلامها ورفع قلبها الراية البيضاء مجبرا عقلها على السكوت والتراجع تماما أمام إعصار شهاب الكاسح!!.. مرت فترة من الوقت قبل أن يبعدها عنه مسندا جبهته إلى جبينها فيما يلتقطان أنفاسهما اللاهثة بصعوبة، قال بصوت متحشرج متقطع: - أعملي حسابك.. أول ليث ابن عمي ما يخرج بالسلامة هنعمل الفرح على طول، أنا مش هأصبر ولا نص ساعة زيادة بعد كدا!!.. ثم طبع قبلة خفيفة على جبهتها بينما لم تستطع الرد عليه فقد هرب منها الكلام، لتسمعه يقول بمرح خفيف وهو يسلط عيناه على نقطة خلفها: - تصدقي إنك طيبة فعلا؟.. يعني لو كان حد بص علينا بس كان زمان عمي مصمم إننا نعمل الفرح النهارده.. ودلوقتي لو أمكن!.. لتشهق مبتعدة عن ذراعيه متطلعة خلفها لترى الباب الذي تركه والدها مفتوحا خلفه وكان بسهولة لأي كان أن يرى ما دار بينهما منذ لحظات!!.. ابتعدت عنه تضربه بقبضتها في صدره وهى تهتف بحنق بينما طغى اللون الأحمر على وجهها حتى غدا بلون ثمرة الفراولة الطازجة خجلا و... غيظا: - انت سافل وقليل الأدب، واتفضل بقى من هنا! ضحك شهاب بخفة وقال غامزا لها بمكر: - انا هامشي دلوقتي، لكن لما يتقفل علينا باب واحد مش هتقدري تبعديني عنك خطوة واحدة، هاستناكي بره عشان نروح المستشفى سوا... نظرت إليه بتساؤل فإقترب منها وأمسك وجهها بين راحتيه مجيبا تساؤلها الصامت بإبتسامة عذبة: - لازم أروح أشكر الإنسان إللي أنقذ حياة أغلى إنسانة عندي، انا مستنيكي... إجهزي وحصليني.. **************************** فلاش باك... قبل ثلاثة أيام: هل كُتب عليها الفراق؟، رباه.. لن تستطيع التحمل، تقسم أنها لن تقدر على تحمل فراقه، فوجوده بجوارها في المرة الأولى هو الذي منحها القدرة على الإحتمال، ولكنها الآن لن تقدر... بدون ليثها لن تحتمل!، نظرت إليه وهو غارق في غيبوبته تناجيه بعينيها السابحتين بالدموع في صمت أن يصحو، تقسم له أنها لن تدع دقيقة تمر إلا وهى تهتف بحبه الذي تملك عليها قلبها وسائر جوارحها ولكن فليفق!، مالت عليه تقبله ظاهر يده الموضوعة بجانبه وقد تم توصيل الأنبوب المغذي إليها لترتجف شفتيها ما إن لامست يده، دست أنفها فيها تتشمم رائحته التي اختلطت برائحة المطهرات والأدوية، همست بقلب مكلوم: - بحبك يا ليث، بحبك يا وِلد عمي، ما تفوفتنيش يا ليث، مجدراشي على فراجك يا حبة الجلب.. لتشعر باهتزازة طفيفة في أصابعه فترفع رأسها بغتة تطالعه بدهشة، فلمحت عينيه وهما مشقوقتان تنظران إليها بضعف وإبتسامة واهية تكاد تظهر على محياه الشاحب فيما يقول بصوت ضعيف لا يكاد يُسمع: - يعني.. كنت لازمن أطخ لي اعيارين عشان أسمع الكلمة إللي جعدت عمري كلاته أتمنى إني أسمعها من خشمك إللي كيف خاتم سليمان ديِه!.. شهقت بغير تصديق لتهتف بفرح طاغي: - ليث.. أنت واعي يا ليث؟!.. ليجيبها ساخرا بغمزة مكر ضعيفة: - أني واعي لك جوي يا روح ليث، والجَسَم إللي جولتيه مش هخليك توجِّعيه!، مش هخلي دجيجة تفوت إلا لمن تجوليلي بحبك يا ليث!.. شهقت سلسبيل عاليا وتلعثمت قائلة: - انت .. انت بتجول إيه يا ليث؟، على أي حال مش وجته الحديت ديه، أني هاروح اجول للدَّكتووور انك فوجت.. وطارت الى الخارج دون ان تنتظر سماع جوابه.. باك.. بعد ثلاثة أيام: أخذت تزفر بحنق وهى ترنو إليه بطرف عينها في ضيق بينما يراقبها بعينيه في مكر، تكلم قائلا بجدية زائفة فضحتها خبث نظراته: - عجولك جرّبي اهنه... هزت سلسبيل كتفيها بإعتراض هاتفة: - لاه.. أني زين اكده، خليك مُطرحك ما تتحركشي كاتير، الحركة شينة عليك.. ليث وهو يعتدل في جلوسه فوق الفراش: - اني زين والحمد لله، ما تشيليش همي، إسمعي الحديت يا سلسبيل وجرِّبي منِّي!.. عضت على شفتها السفلى في توتر لا تعلم بما تجيبه، منذ أن سمع إعترافها الغبي بحبها له وقت أن كاد قلبها يتوقف من فرط خوفها من فقده وهو يتعمد إحراجها بل ويتحين الفرص للإمسك بها و.....، ليحمر وجهها خجلا حينما شردت بأفكارها لما يحدث بعدها!... إنها في ذهول من ليث الجديد الذي تختبره ولأول مرة، في أعظم أحلامها جموحا لم تكن تعتقد أنه عاشق ماكر بتلك الصورة!.. فهو يتعامل معها كزوج مدلّه في حب زوجته، وهى لا تعرف كيفية التصرف السليم أمام طوفان المشاعر الهادرة الذي يكتسحها به بلا هوادة!.. من العجيب أنه سبق لها الزواج، فما تختبره معه لم يسبق لها وأن مرّت به مع راضي رحمه الله والذي كان لا ينفك يبثها أشواقه في كل وقت، ولكن مع ليث تشعر وكأنها لا تزال صبية في أول أيام زواجها، فهو يكتسحها برجولته القوية والتي تشعر معها بأنوثتها كاملة، تشعر أنها قد ودعت سلسبيل تلك الفتاة التي تزوجت وهى لم تكد تبلغ السادسة عشر عاما، وكأن الست سنوات التي عاشتها زوجة لغيره لم تكن، فسلسبيل الجديدة قد وُلدت على يديه هو، سلسبيله هو كما يحلو له مناداتها بعد إعترافها بحبه والذي قابله باعتراف أقوى جعلها تفقد النطق لوهلة وهى تسمع منه ولأول مرة أنها هي من كانت تقف عقبة في وجه زيجاته السابقة، وأن مقارنته اللا إرادية بينها وبين زوجاته السابقات كانت نتيجتها محسومة لصالحها ولا محالة، وكم كان يحمد الله على عدم وجود أطفال بينه وبين إحداهن فهو لم يكن يريد لرحم أن تحمل أطفالا سواها!!.. هي سلسبيله.. واحته العذبة ونبع راحته الصافي.... تكهّن ليث بما تشعر به من خجل كان يثير إستغرابه في البداية ولكن ليتحول بعد ذلك شعوره إلى راحة وفرح.. فزوجته.. حبيبته.. سلسبيله تشعر بالخجل منه كأي زوجة في مقتبل حياتها الزوجية، وكأنها لم يسبق لها الزواج قبلاً!! غصّة فجائية استحكمته لذلك، ولكنه ابتلعها بصعوبة، هو لن ينكر أنه يشعر بالغيرة عندما يطرأ له ذلك الأمر ولكنه لن يدع ذلك الإحساس يسلبه حلاوة حبها الذي صرّحت له بها في غفلة منها، كان أول الأمر يشك أن إعترافها ذلك ما هو إلا وليد اللحظة ولكن لتؤكده له وهى تنظر إلى عينيه واضعة راحتها على وجنته متلمسة خشونة ذقنه وهي تهمس وقت أن صارحها بشكوكه: - شفجة!!.. انت فاكر إني هشفج عليك فهجولك اني.. بحبك؟!.. لاه يا وِلد عمي.. لو شفجة كيف ما بتجول هتلاجيني قاعده جارك لأنك زوجي ولازمن اكون جنبك، لكن مش هجولك عن إللي حساه جوات جلبي، الشفجة عمري ما هموت منها لكن إللي أنا حاسيته وجت عمي جاللي ع إللي جرى لك حاسيت إن روحي بتنسحب منِيْ وما مجدراشي أجف على رجليِّا.. ليث.. أني هموت ولا جرالك حاجة بعيد الشر!.. ليسارع بوضع يده الحرة على فمها يقاطعها هاتفا بلهفة آمرة: - أوعاكي تجولي إكده.. أني مجدرش اعيش من غيرك لحظة واحدة يا سلسبيلي.. عارفة أني كنت أجدر أعيش في دار لحالي وما كانش الحاج عيعترض، لكن أني فضلت أني أكون معاك في نفس المُكان.. أشاركك الهوا إللي بتتنفسيه، ولو هموت كل ثانية وأني شايفك متحرمة عليَّا وحلال لغيري.. لكن دِه كان أهون من إني أتحرم منيكي، كان شوفتك كفاية بالنسبة ليْ، وصدجيني لوما أنه كان خويْ أني كنت دفنته بمُطرحه ولا خليته يتهنى بجربك دجيجة واحدة!.. لكن يشهد ربنا إنك من يوم ما دخلتي دارنا وأني عمري ما حاولت أبص لك بصة شينة، حتى ولو بفكري، لكن وجت ما أنام... كنت ببجى معاكي لوحدينا.. عشان إكده كنت بستعجل النوم عشان اكون براحتي امعاكي.. عاد من ذكرياته لتلك المتنعة التي تجلس بعيدا عنه تأبى الإقتراب منه خجلا وريبة منه، لتلمع عيناه بشقاوة وهو يهمس بتعب مصطنع: - معلهش يا بت عمي ماعارفشي أجعد زين، ارفعي لي السرير.. لتنهض من فورها متجهة إليه لترفع ظهر الفراش فيحاول الإعتدال في جلسته فتسارع بإسناده ليرتاح في جلسته ولكنها لم تنتبه إلى النظرة الماكرة التي تلاعبت في عينيه، ليقبض بمعصمها فجأة ويشدها بقوة تجاهه فتسقط على صدره وهي تشهق بدهشة كتمها بشفتيه مبتلعا أنفاسها الساخنة، لتتسمر وقد أصابها الذهول اول الأمر لتحاول الإبتعاد عن هجومه الهادر على حواسها كله وهى تهتف بأنفاس متقطعة: - ليـ... ليث، لاه.. إنته لساتك تعبان!!.. ليهتف بلهفة من بين قبلاته الثائرة فيما يده تتسلل أسفل وشاحها العريض تغوص في خصلات شعرها الناعم: - اني تعبان صوح يا سلسبيلي، مشتاج لرشفة منيِّكي تحييني يا جلب ليث النابض إنتيْ.. حاولت الإبتعاد عنه وفي خضم محاولاتها هذه ضربت بيدها كتفه موضع الإصابة بدون إنتباه ليطلق صيحة ألم وقد تركها رغما عنه، شهقت وهى تطالعه في خوف هاتفة: - ليث.. يجطعني.. رد عليَّا يا ليث، ما تخلعش جلبي عليك.. نظر إليها متأوها بألم ويجيبها وهو يقضم طرف شفته السفلى فيما عيناه تطالعانها بمكر خفي: - جلبي أني إللي عيتخلع لو مطلعتش من المخروبة ديْ النهاردِه جبل بُكْرة.. اعتدلت سلسبيل واقفة وعدلت وشاحها تخفي خصلات شعرها المنفلتة، ثم مسحت وجنتيها وهى تحاول تمالك نفسها وهي تقول: - أني عروح أنادي ع الدَّكتور ياجي يطمنّا عليك.. وسارعت بالإختفاء من أمامه ليزفر هواءا ساخنا من فمه وهو يهتف بحرارة واضحة: - أني عاوز دَكتور جلب مش دًكتور جَرَّاح.. -------------------- تسير وهى تتهادى في مشيتها، لتصل إلى باب غرفته، ما إن همت بإمساك مقبض الباب حتى صاحت السيدة التي ترافقها: - يا بنيتي اجصري الشر، أني ما عارفاشي عتدخلي عليه كييف؟، فرضا مَرَتُه امعاه هيبجى ازا٦يْ الحال؟.. لتلتفت إليها الأخرى هاتفة بتحد وعناد شديد: - بجولك إيه يا عمة فردوس لو خايفة بعّدي إنتي، انما أني عشوفه يعني لازمن اشوفه، ديه ليث يا عمة... ليييث!.. وأدارت المقبض لتدخل تاركة خلفها عمتها وهى تصدر بشفتيها صوت إعتراض هامسة وهى تشير بيديها الاثنتين أمامها علامة خيبة الرجاء في إبنة أخيها: - ادخلي يا نضري حاكم أني عارفاكي ما بتبسمعيشي غير إللي في بالك إنتي وبس.. دخلت إلى الجناح ضاربة بكلام مرافقتها عرض الحائط وما ان سارت خطوتين بإتجاه الغرفة الملحقة بالجناح حيث يرقد ليث حتى فوجئت بمن تخرج من غرفته والإبتسامة تزين محياها الفاتن, لتتسمر تلك الأخيرة تطالع من تقف أمامها بدهشة، تقدمت منها سلسبيل ووقفت أمامها تنهرها بقوة وهى في ذهول من مدى وقاحة تلك المخلوقة أمامها: - إنتي إيه إللي جابك اهنه؟.. تخصرت وداد أمامها قائلة: - جيت أشوف سي ليث!. سلسبيل بقوة وهى تشير إلى الباب: - كلمتي مش هتنّيها... تخرجي من اهنه وما عشوفكيشي ولو صدفة، إنتي فاهمه ولا لاه؟.. وداد ببرود: - مش من حجك!. سلسبيل وهى على وشك جذبها من شعرها وإشباعها ضربا لتنفث عن غضبها: - اومال حج مين يا نضري؟.. أني مرته إنما انتيْ... لتقاطعها وداد رافعة حاجبها بتحد بينما نظراتها يملؤها التشف والحقد: - مَرَتُه يا.... ضرتيْ!!.... بينما وهناك في طابق الحالات الحرجة يتعالى صوت بكاءا حارّا بعد أن خرج الطبيب بكل هدوء ينعي لهما... شابًّا فقد حياته لأجل حب كان السبب في خسارته ولكنه لم يخسر حبيبته التي ضحى بروحه من أجلها!!... - إلى اللقاء في الحلقة القادمة..... الفصل السادس والعشرون من هنا |
رواية كبير العيله الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم احكي ياشهرزاد (مني لطفي)
تعليقات