رواية كبير العيله الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم احكي ياشهرزاد (مني لطفي)



رواية كبير العيله الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم احكي ياشهرزاد 






رواية كبير العيلة - منى لطفي

الحلقة الثانية و العشرون

وقفت سلمى عاقدة ذراعيها وهى تنظر ببرود إلى سلافة التي انتصبت أمامها تضع يديها في منتصف خصرها تحدجها بنظرات حادة بينما لاحت شرارات تتطاير في الجو بين الإثنتين، هتفت سلافة بحدة موجهة حديثها إلى سلمى:
- قصدك تقولي إيه يا سلمى بالظبط؟.

اقتربت منها سلمى بضعة خطوات وأجابت بثقة غير عابئة بإنفعال أختها الواضح:
- قصدي أن إللي بيحصل دا غلط!، إحنا مش مجرمين ولا أحنا عصابة عشان نتصرف بالطريقة دي...

سخرت سلافة قائلة:
- وهما إللي عملوه في مريم وسامح الله يرحمهم دا يبقى إسمه إيه؟، مش إجرام ويستاهلوا عليه القتل كمان؟، يعني مثلا كنتي عاوزاني نعمل إيه والحق بيضيع قدام عينينا.. نروح لهم نقول لهم كدا عيب وتوبوا واستغفروا ربنا؟!، إنتي هتفضلي مثالية كدا لغاية إمتى ما تفوقي بقى!..

أسدلت سلمى ذراعيها جانبا وأجابت بجدية وحزم:
- دي مش مثالية يا سلافة، أنا بارفض أننا نبقى زيّهم، تقدري تقوليلي ذنبها إيه البنت المرمية جوّة دي وقلبها هيقف من الخضّة من يوم ما جات هنا؟، كل ذنبها أنها بنت حامد رشوانّ؟، أهي بقالها يومين أهي وأبوها ولا سأل.. وولاد عمك إذا كان هما ولا إبن عمهم قلبهم في ثلاجة باردة ولا كأنهم خاطفين بني آدمة من دم ولحم، زي ما يكون إللي خاطفينها دي فرخة مثلا، الأمور ما تتحلش بالأسلوب دا..

سلافة بإستهزاء عاقدة ذراعيها أمامها وهى تطالعها بسخرية:
- والله؟، أومال تتحل إزاي في رأيك أنتي يا ست الدكتورة؟.

أجابت سلمى بصدق:
- معرفش.. لكن إللي أعرفه بجد أنه أكيد شغل البلطجة والعصابات دا مش هو أبدا الحل..

اقتربت منها سلافة وحلّت ذراعيها لتربت على كتف أختها قائلة بنصف إبتسامة مشفقة وهى تتكلم بلهجة من خبر الحياة وكأنها هى الشقيقة الكبرى لا الصغيرة:
- سلمى حبيبتي في نوع من البشر لااااازم تعامليهم بمعاملتهم عشان تعرفي تاخدي حقك منهم، لأنهم للأسف أي طريقة تانية معاهم بيفسروها على أنها ضعف وسلبية وخوف من الطرف التاني، إفهميني يا سلمى عشان خاطري لأني بجد خايفة عليكي.. المُثُل والمبادئ إللي إتربينا عليها ما تنفعش مع أي حد، لازم اللي قدامك يعرف إنك قوية وقادرة تبقي زيّه وأكتر منه كمان عشان يبتدي يعمل لك ألف حساب ووقتها بقى تقدري تملي شروطك عليه لأنك في موقف قوة مش ضعف، إنتي فاكرة اننا هنأذي البنت دي؟، إحنا مش مجرمين لكن هو مجرم وهيظن دا وهو دا إللي إحنا عاوزين نوصل له، عاوزين يقلق ويخاف فيبتدي يتحرك خطوات مش محسوبة ويغلط.. والغلطة دي أنا متأكدة هتكون الحبل إللي هيلفه بإيده حوالين رقبته..

زفرت سلمى بضيق وأجابت:
- معرفش يا سلافة.. كل إللي أعرفه أني مش مبسوطة من إللي بيحصل ولا مطمّنة.. أنا هاخرج أتمشى شوية وأشم هوا..

وابتعدت عن شقيقتها التي نادتها عاليا:
- استني يا سلمى هتمشي فين دلوقتي بس؟.

نظرت إليها سلمى من فوق كتفها وهى تقف أمام الباب وأجابت بسخرية خفيفة:
- ما تخافيش يا سلافة العصر أدِّن من شوية وبعدين المكان إللي إحنا فيه دا مقطوع ومفيهوش غيرنا، عموما أنا هلف لفة كدا أشم شوية هوا وآجي على طول.

ما أن فتحت الباب واستعدت للخروج حتى فوجئت بشهاب يقف أمامها هامّا بطرق الباب، أنزل يده ونظر إليها بتساؤل لتجيب تساؤله الصامت بضيق واضح:
- قبل ما تسألني رايحة فين هاقولك عاوزة أشم هوا، وأعتقد المكان إللي إحنا فيه دا مفيهوش غيرنا إحنا والرمل..

أجاب شهاب مستغربا حدتها وضيقها بإبتسامة ساخرة:
- لا وديابة الجبل ناسياهم؟..

سلمى بسخرية مشابهة:
- الديابة ما بتطلعش في النهار يا شهاب..

زفر شهاب بعمق ثم أفسح لها للمرور أمامه وهو يشير إليها لتتقدمه قائلا:
- وهو كذلك يا بنت عمي.. اتفضلي نروح نتمشى سوا..

همّت بالإعتراض ورأى نظرات الرفض في عينيها فعاجلها بحزم آمر:
- يا نتمشى سوا يا تنسي أساسا أنك تعتبي برّه المكان!..

تأففت سلمى بضيق وقالت مذعنة بتذمر واضح:
- ماشي يا إبن عمي، هاقول إيه.. ما أنت من ساعة ما سيبت الهندسة واشتغلت رئيس عصابة وانت التفاهم معاك اصبح أصعب من قبل كدا!...

وسبقته بالخروج فنظر إلى سلافة التي حاولت كتم ضحكتها ليقول بدهشة مشيرا إلى نفسه:
- أنا؟!، أنا رئيس عصابة!..

تقدمت سلافة إليه وأجابت بجدية زائفة:
- لا هو بصراحة المنصب دا مش ليك لوحدك!، دا ليك أنت وأخوك بس الرأس الكبيرة بقى ليث إبن عمكم هو دا اللهو الخفي!..

تساءل شهاب بسخرية:
- يا سلاااام؟!، وإنتي إن شاء الله منصبك إيه في الليلة دي كلها؟!..

سلافة بتلقائية مصطنعة وهى تحرك كتفيها وكأنها تتعجب السؤال:
- ودي عاوزة سؤال؟، أنا... الدراع اليمين.. أخوك الصغنن حلاوة يا ريّس!!..

صدحح ضحكة شهاب عاليا وهو يطلع سلافة معلّقا:
- بجد إنتي هتخلي حياة أخويا كلها كوميديا!، ما شاء الله عليكي أفيهاتك حاضرة كدا دايما؟!..

سلافة بتواضع مصطنع:
- دي حاجة بسيطة حضرتك، أخجلتم تواضعنا والله...

لتتعالى ضحكة شهاب ويهم بالخروج عندما ينتبه لوقوف غيث ينقل نظراته بينهما بتساؤل صامت، ربت شهاب على كتف توأمه وهو في طريقه للخروج قائلا ولا يزال أثر الضحك في صوته:
- بجد يا بختك بيها يا كبير...

ثم خرج تاركا غيث وقد علت وجه تقطيبة عميقة وينظر إلى سلافة في تساؤل بينما أولته سلافة ظهرها وسارت عائدة إلى الداخل فتبعها غيث مغلقا الباب خلفهما...

********************

سارت سلمى برفقة شهاب والذي كان يسير متخلّفا عنها بخطوات قليلة فهو قد شعر بما يجول في خاطرها من تساؤلات أهمها هل ما يقومون به هو الصواب أم لا؟...
وقفت سلمى أسفل شجرة تستظل بها، استندت إلى جذعها فيما وقف شهاب بجوارها، كانت تطلع إلى البعيد بشرود فيما تسلطت عيناه على وجهها الفاتن وكأنها قد أسرت نظراته فلم يستطع الإشاحة عنها جانبا، خرق الصمت السائد حولهما بهمس هادئ قائلا:
- أكيد بتسألي نفسك إللي إحنا عاملناه دا صح ولا غلط؟؟

نظرت إليه سلمى وأجابت بقنوط:
- سلافة حكيت لك صح؟

هز برأسه نافيا واجابها وإبتسامة خفيفة تظلل وجهه الوسيم:
- انا مش محتاج حد يحكي لي حاجة، انا اعرفك اكتر من نفسك يا سلمى...

قطبت وهمست يائسة:
- انا مش مقتنعة باللي إحنا بنعمله دا يا شهاب، مش معقولة نرجع الحق لأصحابه بأسلوب ملتوي بالشكل دا وكأننا مجرمين زيّهم، إحنا بخطفنا للبنت دي ما نختلفش عنهم في شيء..

شهاب بحكمة:
- سلمى عاوز أسألك سؤال.. لو حد نصب عليكي في فلوس مثلا ورفض إنه يرجع لك حقك، وعملتي المستحيل مفيش فايدة بالعكس بقى دا اتبلى عليكي وقال إنك إنتي إللي سرقتيه وقتها هتعملي إيه؟..

نظرت سلمى إليه بإهتمام معتدلة في وقفتها فتابع:
- هتحاولي ترجعي حقك دا وتثبتي إجرامه حتى لو الطريقة إنتي رافضاها لكن مفيش قدامك غيرها وإلا هتطلعي ضعيفة وحقك مهضوم على طول، لازم تثبتي قوتك إنتي مش بتستخدمي أسلوبه عشان تاخدي حق مش ليكي .. لأ!، إنتي بتستخدمي أسلوبه عشان ترجعي حق مسروق منك...

شردت سلمى في حديثه فمال عليها هامسا أمام وجهها:
- فهمتيني يا سلمى؟

أومأت بعدم تركيز فيما دنا منها بوجهه مستندا براحته اليسرى إلى جذع الشجرة بجوار رأسها وسمعها وهى تجيبه بهمهمة موافقة لتضرب أنفاسه الخفيفة برائحتها العطرة وجهه المائل ناحيتها، فلم يستطع منع أصابعه التي غدت كأن لها إرادة خاصة بها لتمتد تتلمس بشوق تقاسيم وجه فاتنته التي عشقها، فإنتبهت سلمى من شرودها ورفعت عينيها إليه حتى تاه في غابات الزيتون خاصتها، أمسك بوجهها بين راحتيه ليتلمس برفق وحنو بإبهامه حدود شفتيها فهمست بدون صوت وبإعتراض وخجل باسمة:
- شهاب...

ليميل بشفتيه مقتنصا قبلة سريعة، دافئة، ناعمة، محملة بعشق سرمدي، ورفع رأسه بعدها لتطالعه بعينين غائمتين بمشاعر تتذوقها لأول مرة معه حيث تفتحت براعم أنوثتها على يديه هو، همس بالقرب من وجهها وعيناه ترسلان نظرات تغازلها:
- بحبك...

أحمرت وجنتيها خجلا وسرعان ما إبتعدت عن مرمى يديه وقالت وهى تخفض رأسها إلى الأسفل بينما تتراجع إلى الخلف:
- أنا.. أنا هاروح أشوف سلافة...

وما أن استدارت وقد أوشكت على الإبتعاد حتى ناداها بلهفة:
- سلمى.. مش عاوزة تقوليلي حاجة؟..

نظرت إليه من فوق كتفها وأجابت بإبتسامة سرقت أنفاسه وأطاحت بالبقية الباقية من صوابه:
- يوم فرحنا... هقولك كل حاجة..

وأسرعت بالاختفاء من أمامه، كاد أن يلحق بها ولكنه آثر أن يتمهل لدقائق يستيعد فيها تمالكه لأعصابه فهو لا يضمن ما قد يُقدم عليه أن رآها الآن خاصة بعد وعدها له بأن تصرح له بما يريد يوم زفافهما فكأنها قد أقرّت ضمنيّا بأنها بالفعل تحمل شعورا ما تجاهه ولكنها تخجل في الإفصاح عنه حاليا...

*********************

اقترب غيث من سلافة التي وقفت تطالعه ببراءة زائفة بينما هر تعلم بداخلها أن جمود تعابيره هذه سيتبعها تحقيق قاس للغاية عن مناسبة قوْل شقيقه بأنه محظوظ لإرتباطه بها وقد صدق حدسها!..

وقف غيث أمامها وهى تتظاهر بالتلهي في النظر إلى أظافرها، تحدث بصوت متحشرج:
- شهاب كان جصده إيه باللي جالو دلوك؟..

رفعت رأسها ناظرة إليه بتقطيبة حائرة مصطنعة وتظاهرت بعدم الفهم قائلة:
- هممم.. مش فاهمه يا غيث، شهاب قال إيه مش فاكرة؟

نظر إليها غيث بنصف عين وزمجر هاتفا بحدة:
- يعني ما عارفاشي جال إيه؟..

سلافة ببراءتها ذاتها المزيفة وهى ترفع رأسها إليه تطالعه بدخان عينيها مقلدة اللهجة الصعيدية:
- بااااه.. ما جولتلك يا وِلْد عمي ماعرفاشي، وجعة إيه المجندلة ديْ، إييه عاوزني أحلف لك عشان تصدّج؟.

ولم تنتظر سماع جوابه وتابعت بجدية مصطنعة:
- طب أعدم.. مرت عمي معرفاشي!!..

حدق غيث بها بذهول وهتف بها بغير تصديق صائحا:
- بااااه!!، تعدمي مين بالظبط؟..

انتبهت سلافة لما نطقه لسانها بدون وعي منها فأسرعت بالإبتسام بتزلف قائلة وهى تطالعه وبراءة الأطفال في عينيها :
- ما جولتش ولا عدت!..

وما إن همّ بالإلتفات بعيدا عنها حتى تمتمت بحنق طفولي:
- جبر يلم العفش!..

وسمعها جيدا هذه المرة!، فالتفت سريعا إليها هادرا بقوة:
- سلافة!!...

همست بينها وبين نفسها وهى تحمد الله في سرها:
- الحمدلله نطق إسمي صح كنت فاكراه هينتقم ويقوله زلافة!، وعاد لينتقم وحاجات كدا بس الحمدلله طلع طيب وإبن حلال!!..

همس ذاهلا عاقدا جبينه بشدة وهو يطالعها بعدم تصديقه لمكر هذه الجنية الصغيرة، يكاد يقسم أنه سمعها تدعو على والدته:
- أنتي عم بتجولي إيه بالظبط؟، كل دِه عشان معسعلكيش شهاب كان جصده إيه؟..

نظرت إليه بتحد وهى تجيبه بينما تضع يدها في منتصف خاصرتها وصوتها يلوّنه مكر أنثوي:
- كان بيحسدك عليا.. إرتحت؟، ولا أنت عندك رأي تاني يا عمدة؟!.

مال عليها مقربا وجهه منها وهو يجيبها وقد راقه دلالها يجيبها وعيناه تكادان تلتهمانها بينما صوته خرج أجشًّا لإنفعالاته التي تمور بداخله:
- باه.. وأني أجدر أجول لاه؟!... أذا كنت أني بذات نفسي بحسدني عليكي..

وسكت قليلا مبتسما بينما هربت بعينيها خجلا منه وفجأة انحسرت إبتسامته بغتة فقطبت بريبة بينما هتف بحدة وقد غابت البسمة وظهرت بدلا عنها تقطيبة عميقة:
- باه.. كيف يجول إكده؟.. وإنتي فرحانة جوي بكلامه إياك؟.

هزت برأسها إلى الأسفل يأسا منه ثم رفعت عينيها إليه هاتفة برجاء:
- غيث عشان خاطري ليه دايما بتشط تمام زي عود الكبريت؟، بالراحة أخوك مش قصده حاجة، دي مجاملة منه مش أكتر.. دا اخوك يا غيث معقولة تتضايق من أخوك؟.

دنا بوجهه منها حتى لفحتها أنفاسه الحارة وأجابها بصوت خشن بينما تسمرت عينيها أسيرة نظراته التي تشعر بها وكأنها تغازلها فيما سمعته يقول:
- دِه ما إسمهاشي بتضايِّجْ.. دِه إسمها.. بغيييييييير..، بغييير على مَرَتِيْ.. حجي ولا مش حجِّي؟!..

أسدلت جفنيها تخفي نظراتها الناعسة عنه وهى تجيبه بخفر بينما تعض على باطن خدّها:
- حجَّك طبعا..

صدحت ضحكته عاليا تدغدغ قلبها وإرتسمت بسمة عريضة على وجهها، لتفاجأ بعدها براحته الكبيرة وهى تمسك بجانب وجهها بينما يمسد بإبهامه الخشن وجنتها الناعمة لتصدر عنها شهقة ناعمة كانت كفيلة بزعزعة تماسك غيث ليميل على ثغرها مقتنصا قبلة خفيفة كرفرفة جناح فراشة ولكنها أرسلت رعشة في قلبها الذي ارتجف كالطير فيما أحست بشرارة كهربائية تسري على طول عمودها الفقري مرورا بسائر أطرافها!..
ابتعد عنها رغما عنه وهمس أمام شفتيها اللتين تحملان أثر ملكيته لها:
- لما نوخلص من إللي إحنا فيه دِه.. هاكلم عمي نتزوج طوالي، ماجدرش أصبر أكتر من إكده يا بت عمي..

نظرت إليه بعينين سابحتين في شوكولاتة ذائبة وتمتمت بدلال أنثوي:
- عمك مش هيوافق، لأنه الجواز مش بين يوم وليلة يا عمدة، لازم له تجهيزات كتير اوي أبسطها إحنا لسه هنا، هاخلص إللي محتاجاه إزاي؟.

قطب مجيبا بحدة خافتة رافضا لفكرة ابتعادها عنه ولو ليوم واحد:
- باه.. لا هو إنتي فاكرة أني هخليكي تبعدي عن عيني ولو يوم واحد؟، عموما ريّحي روحك عمي هيوافج خصوصا لمّا جدي يتدخل..

سلافة رافعة حاجبها بتحد لذيذ:
- لما نشوف يا عمدة.. عن نفسي متأكدة من إللي باقوله مليون الميّة..

ابتسم غيث مجيبا:
- هتشوفي يا روح العمدة، ودلوك أني خارج أشوف ليث، خلي بالك زين على نفسك..

ابتسمت سلافة وأجابت:
- ما تقلقش يا غيث..

مال عليها مقبلا وجنتها قبلة سريعة قبل أن يستدير منصرفا فيما ارتسمت إبتسامة سعادة على وجهها لتقع عيناها بعد ذلك على تلك الغرفة الصغيرة حيث توجد رهينتهم فإبتسمت وتمتمت في سرها:
- لما أشوف بنت الأكابر عاملة إيه...

*********************

دخلت اليها بخطوات وئيدة بينما طالعتها تلك الملقاة فوق فراش مهتريء مقيّدة المعصمين بنظرات خائفة، اقتربت منها سلافة وهى تبتسم بشرّ تطالعها وتعبير كره يرتسم على وجهها الضاحك دوما ولكنها ما أن تقع عيناها عليها حتى تختفي كلية كأن لم تكن، دَنَت منها فيما حاولت سالي الإبتعاد إلى الخلف وهى تطالعها بذعر جليّ على ملامحها الجميلة، مدّت سلافة يدها لتجذب غُرَّتها بغتةً فشهقت سالي بينما يديها المقيدتين خلفها تعوقان رغبتها بالقفز بعيدا عن نظرات تلك المتوحشة التي تكاد تفتك بها بعينيها، مالت سلافة عليها وهمست بصوت خرج كالفحيح:
- - أخبارك إيه يا بنت حامد بيه رشوان؟، يعني السيد الوالد لا حس ولا خبر؟.. مش بعيد يكون باعك إنتي كمان ما أنتي قضية خسرانة بالنسبة له دلوقتي، ودول ماعندهمش عزيز ولا غالي ولا حتى ولادهم، إللي معندوش شرف وإللي باع نفسه عشان القرش مش بعيدة عليه يبيع إبنه ولا بنته عشان القرش بردو؟.

نظرت إليها سالي بإعتراض لم تستطع أن تنطقه شفتيها خوفا من نظرات سلافة النارية، ولكن سلافة رأت تكذيبها في عينهيا فإبتسمت وأردفت بسخرية:
- إيه.. فاكرانا بنكدب عليكي؟، طيب إسمعي يا حلوة... هشغلك حاجة صغيرة كدا تسليكي بردو....

وابتعدت لتتناول حاسوبها الشخصي وفتحته لتضغط على بعض الأزرار ثم تضعه على طاولة خشبية قريبة من الفراش حيث تجلس سالي ثم أدنته منها وهي تُردف بسخرية مشيرة الى شاشة الحاسوب أمامها:
- اتفضلي ملِّي عينيكي من.. باابي..

نظرت سالي بوجل إلى شاشة الحاسوب وهى تبتلع ريقها بخوف، فهي لا تريد إثارة هذه الفتاة الذي لا يدل مظهرها الرقيق أبدا على كمية القسوة التي تشع من عينيها كلما طالعتها، نظرت سالي إلى الشاشة امامها بإستسلام وبعد ثوان اذا بها تفتح عينيها واسعا وتحرك رأسها ببطء من اليسار الى اليمين هامسة بصوت غير مسموع:
- مش ممكن.. أنا مش مصدقة عينيّا..

اقتربت منها سلافة ومالت عليها قائلة بتشف واضح:
- صدقتينا يا حلوة؟.. عشان تعرفي إننا مش عصابة خاطفينك عشان فدية زي ما افتكرتي، حامد بيه رشوان لينا عنده حق.. ولااااازم ناخده!!.

وكأنها لم تسمع حرفا مما قالته سلافة، فما تراه أمامها على شاشة الحاسوب لا يصدقه عقل، فهذا القرص الاليكتروني المدمج يعرض تفاصيل سرقة كِليَة مريض دخل إلى مستشفى والدها للعلاج من مرض نقص المناعة المكتسبة ( الإيدز ) ليتعرض إلى حادثة سطو مسلح بالمشرط الجراحي لسرقة أعضائه الداخلية، وكانت الإسطوانة المدمجة تحتوي على تسجيل بالصوت والصورة لحامد رشوان مع إثنين من الأطباء اللذان يعملان في المستشفى حيث كانا هما أداة الجريمة، كما حَوَتْ تفاصيل العملية بالكامل بعد إنتهائها وكيف أنهم قد قاموا بإبلاغ عائلته أنه قد مات نتيجة لمرضه، فتقبل الأهل موته بدون نقاش فهذا المرض ما هو إلّا.. مرض الموت، ولكنهم لا يعلمون أن الوفاة لم تكن بسبب مرض القاتل بل لأن قلبه لم يحتمل جرعة التخدير ليتوقف عن العمل ويموت المريض نتيجة جرعة مخدر زائدة!.

رفعت سالي عينيها ناظرة الى سلافة وصاحت ودموعها تغرق وجهها: 
- لا مش ممكن، دا كدب.. كدب، بابي مش ممكن يعمل كدا، انتوا كدابين، كدابين!!.

هدرت سلافة صائحة:
- واللي بيتكلم دا بردو كدب؟، بابي دا ولا مش بابي يا هانم؟.. مش هو إللي قاعد قدامك دا ودا صوته؟.. إيه هنجيب ممثل يقلد صوته وشكله كمان؟.

صوت طرقات عالية تعالت فبترت سلافة باقي كلامها ليلفت إنتباهها صوت جلبة واضحة بالخارج، فغادرت تاركة سالي وهى تبدو كالتائهة غير مصدقة لما رأته وسمعته من والدها.. 
إتجهت إلى الخارج لترى غيث وهو يقف في جمود ووجهه مكفهر بينما شهاب وكأنه قد فقد النطق وشحب وجهه تماما، وحده ليث من أفاق من الجمود الذي أصابهم ما إن سمع هتاف سلافة متسائلة عما حدث، ليتجه إلى جابر سريعا ويمسك بتلابيب جلبابه الخشن صائحا:
- انت بتجول إيه يا جابر؟، كيف حوصل إكده؟

هتفت سلافة متجهة إلى غيث:
- هو إيه اللي حصل؟..، ليسترعي إنتباهها عدم وجود شقيقتها.. فقطبت متسائلة وهى تدور بعينيها في المكان:
- اللاه.. أومال فين سلمى؟.. ثم أشارت إلى شهاب متابعة وقلبها تعالت دقاته بخوف مبهم وتقطيبة قلق عميقة حفرت جبينها:
- هى مش كانت معاك؟..، أجابها شهاب بجمود:
- خرجنا نتمشى شوية وسبقتني ورجعت لوحدها..

لا تعلم سلافة لما شعرت بنغزة عميقة في قلبها فقطبت متسائلة بقلق وترقب:
- و....؟..، اقترب منها غيث محيطا كتفيها بذراعه القوي فرفعت عينيها إليه تطالعه برجاء لتأتيها الإجابة التي كانت تخشاها من جابر الذي هتف بحزن غاضب:
- - الدَّكتوورة سلمى.... اتخطفت!!!، لم تكد تشهق سلافة دهشة وذهول حتى تعالى صوت رنين المحمول الخاص بها، اختطفه غيث من يدها ليطالعه رقم خاص فأسرع بتلقي المكالمة، قال غيث مكشرا عن أنيابه:
- انت بعملِتَك ديِه توبجى حفرت جبرك إبْيـَدّكْ!!، ليسارع شهاب بإنتزاع الهاتف من يد توأمه وهو يهتف بجسارة وقوة:
- لو لمست شعرة واحدة من سلمى مش هيكفيني فيك عيلتك كلها مش بنتك بس!.

ليتعالى صوت حامد يقول بغلظة ووقاحة:
- هى كلمة واحدة.. بنتي والسيديهات إللي معاكم يكونوا جاهزين في الميعاد والمكان إللي هاقولكم عليه، ولو شمِّيت إن البوليس عرف حاجة.. يبقى بنتكم هنخليها تاخد ثواب وتتبرع بأعضائها.. عضو.. عضو!. 

وسارع بإنهاء المكالمة بينما يهتف شهاب عاليا بصراخ قوي:
- إستنى.. إستنى بس...، ولكن المحادثة قُطعت فقبض شهاب على الهاتف يعتصره بين يديه وهو يهتف بشراسة ناظرا للهاتف بيده:
- هقتلك، لو لمست شعرة منها هقتلك يا حامد يا رشوان.. ولو آخر حاجة هاعملها في حياتي بس مش قبل ما أخليك تتحسر على عيلتك كلها.. واحد.. واحد!!..

تقدم ليث واضعا يده على كتف شهاب فيما انخرطت سلافة ببكاء حار فضم غيث كتفيها إليه مواسيا لها، تحدث ليث بقوة:
-اطمن يا وِلد عمي، مَرَتك مش هيطلع عليها النهار إلا وهيى إمعاك، جابر..

ليهتف جابر متقدما إليه بسرعة:
- أؤمرني جنابك..

نظر إليه ليث قائلا ببرود ثلجي:
- رجالتك جاهزة وعارفين هيعملوا إيه؟، هز جابر برأسه إلى أعلى وأسفل عدة مرات هاتفا:
- حافظين يا كابير وعارفين أمنيح عيعملوا إيه..

ليث ببريق وعيد يلمع في عينيه:
- نفّذ يا جابر!!

********************

جالسة فوق مقعد خشبي مقيدة المعصمين إلى الخلف، بينما رأسها مهدلة فوق صدرها، أصوات غير واضحة طرقت سمعها بينما حاولت فتح عينيها وهي تحاول الإعتدال لتفاجأ بنفسها غير قادرة على تحريك يديها أو قدميها فأفاقت فاتحة عينيها واسعا حينما إستطاعت سماع الأصوات بوضوح تام، انتبه أحد الرجلين اللذان كانا يتحدثان لحظتها عما ينتويه السيد الكبير فعله معها، فأشار لصاحبه إليها ليستدير ذلك الأخير لها ففزعت من دمامته البشعة فبخلاف سواد لونه وشعره الأجعد وبنيته الضخمة، كانت أسنانه الصفراء واضحة من الإبتسامة البلهاء تلك التي افترشت وجهه ما أن نظرت إليه بزيتون عينيها، مسح على شاربه الكث وكأنه يفاخر به ثم قام من مكانه وسار متجها إليها لتنكمش في جلستها الإجبارية اشمئزازا ووجلاً منه، مال عليها حتى لفحت وجهها رائحة أنفاسه التي أصابتها بالتقزز ومنعت نفسها بصعوبة من التقيؤ في وجهه الذي يحمل علامات ليس سكين واحد بل علبة سكاكين كاملة!، فهو كعلامة مسجلة على أن هذا الكائن الغليظ الواقف أمامها مجرم عتيد الإجرام!!..

تحدث فبانت أسنانه الصفراء لتفاجأ بسواد في معظمها نظرت إليه بريبة وهى تسمعه يقول بصوت خشن كالثور الذي يخور:
- صح النوم يا برنسيسة، الجميل منورنا...

هتف الرجل الآخر بصوت أجش آمر:
- ابعد عنها يا برعي، الكبير نبه علينا محدش ييجي ناحيتها لغاية ما ييجي هو بنفسه او يبعت مرسال من عنده..

برعي وهو يعض على شفته تحسرا على هذه الجميلة المحظور التقرب منها بينما عيناه تلتهمان وجهها الشاحب:
- اعمل إيه يا سيّد.. عمرك شوفت جمال زي دا؟

زجره المدعو سيد بقوة:
- برعي بقولك إيه لِمْ نفسك..

صوتا عاليا استرعى إنتباههما وفي أقل من ثانية كان برعي قد تخلى عن وجهه المستهتر مرتديا قناع الجدية وقد إبتعد عنها ليقف بجوار سيّد الذي اعتدل في وقفته هو الآخر، رنت بنظرها تجاه الصوت وهى تسمع صوتا أجشا يسأل الرجال عنها، اقترب صاحب الصوت منها حتى أذا ظهر وجهه لدى إقترابه من الضوء شهقت عاليا وصاحت بذهول تام:
- مش ممكن.. أنت!!...

إلى اللقاء في الحلقة الثالثه والعشرون من هنا 





 

تعليقات



×