![]() |
رواية كبير العيله الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم احكي ياشهرزادرواية كبير العيلة - منى لطفي الحلقة الحادية و العشرون كانت سلافة أول من خرق الصمت المتوتر السائد بينهم عندما اندفعت إلى هاتفها المحمول وهى تضغط بعض الأرقام هاتفة: - لازم نبلغ البوليس.. لتمنعها سلمى التي اندفعت إليها وهى تهتف بها فيما تسحب الهاتف من يدها: - لا.. غلط.. قطب شهاب وإتجه إليهما متسائلا: - غلط ليه يا سلمى؟، المفروض البوليس يعرف عشان يبقى دليل ضد المجرمين دول؟. سلمى بهدوء وهى تنقل نظراتها بينهم: - عشان لو بلغنا يبقى إحنا كدا بنقولهم إننا مش خايفين وطبعا هيتنقلوا لخطوة البلطجة إللي بعد كدا، دا غير أني متأكدة إنه تبليغ البوليس مش هيثبت عليهم أي حاجة، دول مش هواة دول مافيا بجد والقانون مش بيتعامل غير بالورق وبس حتى لو إللي بينفذ القانون دا مصدقنا لكن بردو لازم أدلة ملموسة مش محسوسة... سلافة بتقطيبة: - بردو مش فاهمة، وايه٦ المشكلة لما يعرفوا إننا مش خايفين لأننا فعلا مش ممكن نخاف من شوية مجرمين زي دول؟ ليتدخل غيث في الحديث قائلا بجديته المعهودة وهو يتقدم منهم: - لأننا لو ما بلغناشي الشرطة.. عيفهموا إن تهديدهم جاب نتيجة إمعانا واتهوشنا صوح، فهيبتدوا يتصرفوا بسِجَة زايدة ووجْتها عيغلطوا الغلطة إللي هتلف حبل المشنجة حوالين رجبيهم.. سلمى بإبتسامة ظفر وهى ترفع إبهامها إلى غيث: - هو كدا يا ابن عمي.. ليعلو تعبير الإستنكار وجه شهاب ويتبادل النظر مع سلافة التي نقلت نظراتها بين أختها وخطيبها بدهشة فيما تحدث شهاب بصوت خرج ساخرا رغما عنه: - إيه دا.. ما شاء الله كنتوا بتشتغلوا في عصابة قبل كدا؟.. ثم نظر إلى سلافة وتابع بإبتسامة ساخرة: - شكلي أنا وسلافة كدا هنتعلم منكم شغل العصابات على حق.. ليشعر غيث بالغيظ لحديث شهاب الذي جمع بينه وبين سلافته هو فأجابه بغيظ وقهر: - لاه يا ولد يا بويْ ما تخافيش.. هتتعلموا كل حاجة.. ركز أنت بس مع مراتك وفوت لي مرتي أني هفهمها كل حاجة... قطبت سلافة ناظرة إلى غيث بتساؤل قطعه صوت سلمى وهى تزفر بقلة صبر: - دلوقتي إيدك معايا يا سلافة نروق الدنيا وبعدين نقعد نفكر في خطوتنا إللي جاية.. ليهتف غيث وشهاب في آن معا: - انكم ترجعوا البلد... لتهتف الشقيقتان بدهشة وإستنكار تام: - نعم!!.. كرر شهاب بزفرة حادة: - أيوة أول ما النهار يطلع هنرجعكم البلد وما لكوش دعوة بعد كدا بالموضوع دا، أنا وغيث متكفلين بيه.. لتقاطعه سلافة بحدة: - لا طبعا، الموضوع دا لو يخص حد معين يبقى يخصني أنا، ولو حد هيرجع البلد يبقى انت وأخوك وسلمى كمان، الموضوع دا موضوعي أنا والتار تاري أنا وانا ماتعودتش أهرب يا إبن عمي.. قطب غيث استهجانا وتقدم منها يقبض على مرفقها هاتفا: - إنتي بتجولي إيه يا سلافة؟.. لينظر شهاب إلى سلمى بنظرة خاصة فينسحبا تاركين غيث وسلافة بمفردهما، لم يعي أيّاً منهما إنصراف شهاب وسلمى وبدلا من ذلك نظرت سلافة إلى غيث وأجابت بإنفعال: - إللي انت سمعته يا غيث، إحنا مش شوال بطاطا هترجعوه مكان ما جبتوه، في الأول والآخر دا موضوعي أنا، يبقى أنا اللي أقول مين يقعد ومين يمشي، وعاوز الحق أنا حاسة ان الموضوع دا ممكن ياخد في رجليه ناس مالهاش ذنب، عشان كدا الأفضل أني أتعامل فيه لوحدي، مش عاوزة أشيل ذنب حد! نظر إليها مندهشًا بتعبيرات جامدة لثوان ليصرخ بها بإنفعال تام بعد ذلك حتى إن عروقه قد برزت واضحة في عنقه وهو يقبض على مرفقها الآخر ليهزها بقوة بينما يعلو صوته ثائرا: - إنتي اتجنيتي إياك!، يعني إيه موضوعك لوحديكي ديه؟، أني جوزك يا هانم.. جوووووزك!، واعيه للكلمة ديْ ولا مواعياشي؟، أسيبك لوحديكي كيف في حاجة زي ديْ؟، ديه لو أني غريب عنيكي معملهاشي يبجى أعملها وإنتي مرتي؟، ليه مش شايفاني راجل جودامك ولا إيه؟.. حاولت سلافة الفكاك من أسر قبضتيه وعندما فشلت هتفت به: - سيبني يا غيث، أنت إللي ابتديت، انت واخوك إللي عاوزين تشحنونا على البلد زي ما تكونوا بتشحنوا بضاعة، مريم دي تبقى زي سلمى أختي بالظبط، وتارها يبقى تاري أنا وأنا بس إللي هاخده، انت صعيدي يا ابن عمي وعارف يعني ايه تار، ومينفعش حد ياخد بتار حد تاني، تبقى عيبة كبيرة أوي ولا أنا غلطانة؟. كشر غيث وهتف بها وهو يهزها حتى اصطكت أسنانها: - افهمي يا بت عمي، من ساعة ما بجى طريجنا واحد مفيش حاجة إسمها تاري وتارك ولا حاجتي وحاجتك، إحنا التنييين بجينا واحد، ولو عِملت إللي بتجولي عليه ديه يبجى أحسن لي ألبس ترحة وأجعد في الدار جنب أمي، ويبجى عيب لو اتسميت راجل بعد إكده!. سكتت سلافة وهي تلهث بعدما فشلت في الافلات منه بينما تغيرت وتيرة صوته وضعفت قبضتاه ليقربها منه وهو يفلت مرفقيها ليحتوي خصرها بين ذراعيه القويتين ويردف وهو يغرق في ليل عينيها السرمدي: - أنتي إزاي تتصوري إني أجدر أفوتك في الهم ديه وحديكي، لسّاكي يا بت عمي معرفاشي غلاوتك جد إيه؟، أني مش ممكن ههملك واصل يا سلافة، اتجنيتي إنتي لما تطلبي مني أفوتك وحديكي، أني مجدرش أتصور المجرمين دول ممكن يعملوا إيه، إحنا بنتعامل مع ناس معيخافوشي ربنا، الود ودي أحطك جواتي وأغلج عليكي عشان أبجى مطمن عليكي، إنتي ليه ما فهماش لحد دلوك إنتي بجيتي إيه بالنسبة لي؟!.. ابتلعت سلافة ريقها ونظرت إليه لتقابلها عيناه وهما يطالعانها بنظرة شوق وحب ملتهب بينما هناك في البعيد تقبع نظرة خوف وقلق لم يسبق لها وأن شاهدتها قبلا، حاولت التحدث لتشعر بجفاف في حلقها فرطبت شفتيها بلسانها الوردي قبل أن تجيبه بخفوت وعيناها تتضرعان إليه بالموافقة: - بس أنا مقدرش يا غيث، مقدرش أسيب تار مريم، دي أمّنتني يا غيث، وأنا مش ممكن أخون الأمانة، وبعدين انت فاكر انك لوحدك إللي خايف عليا؟، أومال أنا ليه قلت لك انا إللي هكمل لوحدي؟، من خوفي عليك.... – سكتت قليلا ثم استدركت وهى تهرب بعينيها جانبا – عليكم، من خوفي عليكم يا غيث.. لتقربها يداه أكثر إليه ضاغطيْن على ظهرها ليلامس صدرها اللين عضلات صدره القوية فيما يجيب بأنفاس متهدجة وهو يطالع وجهها الفاتن: - خايفة عليَّ يا بت عمي؟. لتجيب وهى تشرد بعينيها بعيدا: - لو.. لو ما خفتش عليك يا ابن عمي، هخاف على مين؟.. ثم أردفت ببراءة مفتعلة: - وأكيد طبعا هخاف على سلمى أختي وشهاب ابن عمي.. ليزمجر غيث بحدة ويقول بينما تلتصق شفتاه بصدغها ليستنشق رائحة بشرتها الشبيهة برائحة الأطفال بل أنها تضاهي أيضا نعومة بشرتهم: - مالكيشي صالح بشهاب ولد عمك، ليه حرمة تخاف عليه!. صدرت منها ضحكة صغيرة لترفع عينيها إليه وتتساءل: - انت بتغير من أخوك يا غيث؟. ليجيبها بحنق: - وأبويْ كمان.. فتحت فمها لتجيبه ساخرة ولكن توقفت الكلمات على طرف لسانها وتاهت منها أحرفها التي ابتلعها غيث في قبلة محمومة أودعها قلقه وعشقه و.. غضبه من تلك المتهورة العنيدة الحمقاء التي نجحت في أٍسر قلبه ليصبح أسيرها مدى الحياة... تركها غيث بعد وقت طويل بعد أن شعر بحاجتهما للهواء، ثم اعتصرها بين ذراعيه وأسند ذقنه على خصلاتها الثائرة وقال بأنفاس لاهثة: - يدي في يدك يا بت عمي.. وزي ما سبج ووعدتك تار مريم هناخدوه سوا.. مع بعض، مش عيلة الخولي إللي تهمل تارها واصل... أغلقت سلافة عينيها وهي تستنشق نفسا طويلا، قبل أن تجيبه بخفوت قائلة: - وأنا مش هسيب إيدك يا إبن عمي، وتار مريم هناخده سوا.. ليحتضنها بقوة أكبر وإبتسامة هانئة ترتسم على وجهه الرجولي الوسيم زافرا براحة... ****************************** لاحقا بعد أن أعادت سلافة وسلمى ترتيب المنزل جلس الآربعة يتناقشون في خطوتهم المقبلة، قال شهاب بتفكير عميق: - أهم حاجة دلوقتي لازم نفكر فيها.. مين إللي عرّف المجرمين دول أننا معانا نسخة تانية من الأدلة إللي اتحرقت؟، ومين إللي قالهم إننا طلبنا من المحامي إنه يقدم طعن في قضية سامح الله يرحمه؟، فيه حد بيتجسس علينا وينقلهم المعلومات.. سلمى بتأكيد: - فعلا يا شهاب، فيه حد عارف إحنا بفكر إزاي وبينقلهم الأخبار علشان كدا هما سابقينا بخطوة، ولو عرفناه يبقى إحنا إللي هنسبقهم المرة اللي جاية.. سلافة بهتاف منفعل: - صح كدا، وبكدا يبقى إحنا إللي بنتحكم في خطواتهم إللي جاية لأنهم هيتصرفوا بناءا على خطوتنا إحنا.. غيث بتركيز: - إنما الشخص ديه يبجى مين؟، ماحدش كان عارف بإللي دار بيننا وبين المحامي غيرنا احنا والمحامي و.... ليقاطعه شهاب هاتفا بقوة: - وكريم!!.. لتهتف سلمى وسلافة بإستنكار تام: - مين؟، كريم!، لا طبعا... زفر شهاب بحنق ونظر إلى سلمى متسائلا بنزق: - وليه لأ طبعا يا دكتورة؟، مين الغريب يومها وإللي كان موجود غيره هو؟!.. قاطعته سلافة هاتفة بقوة: - لا طبعا.. كلامكم دا ما يدخلش العقل، إلا كريم!.. لتساندها سلمى بقوة موازية لقوتها ونفي قاطع لما قاله شهاب وأيّده غيث: - طبعا إلا كريم، أنا ممكن أشك في أي حد تاني أنما كريم من رابع المستحيلات إنه يعملها!.. شهاب بحنق وحدة بالغين: - أفندم؟، يعني إيه تشكي في أي حد تاني دي إن شاء الله؟، يعني ممكن تشكي فيّا أنا مثلا ولا في غيث إنما سي كريم لأ؟ زفرت سلمى بضيق وأجابت: - لا طبعا إيه إللي أنت بتقوله دا، أنا بس عاوزة أفهمكم إنه مش ممكن أبدا كريم يعمل كدا... هتفت سلافة تقاطعها: - من الآخر لو شكيتوا في كريم يبقى كأنكم بتشكوا في حد فينا بالظبط!.. نظر إليها غيث بإستهجان ثم تبادل نظرات الإستنكار بينه وبين شهاب بينما تناولت سلمى هاتفها النقال وقالت وهى تضغط بضعة أرقام: - أنا هاثبت لكم حالا... تبادل غيث وشهاب نظرات التساؤل التي سرعان ما تبدلت إلى نظرات إجرامية في عيني شهاب وهو يسمع سلمى تقول بهدوء ينافي إنفعالها السابق وإبتسامة صغيرة تعتلي ثغرها الوردي: - أهلا يا كريم إزيك أخبارك وأخبار طنط وعمو إيه؟، - سكتت قليلا لتنصت إلى الطرف الآخر قبل أن تتابع قائلة – معلهش يا كريم كنا عاوزينك تيجي عندنا شوية، آه عندنا هنا في البيت، إحنا كلنا موجودين، آه في حاجة حصلت وعاوزين نقولك عليها، اوكي في انتظارك.. لتنهي المكالمة وترفع عينيها ناقلة بصرها في الوجوه أمامها وهي تقول بهدوء: - كريم جاي، مسافة السكة وهيكون هنا... وقف شهاب بالتصوير البطيء وهو يقول بذهول: - إنتي إيه إللي عملتيه دا؟ رفعت سلمى عينيها إليه لتتساءل بدهشة: - عملت إيه؟.. هتف شهاب بنزق: - إنتي هتستعبطي؟، إزاي تكلميه وإحنا لسه بنقول إننا شاكين فيه؟.. نهضت سلمى واقفة يتبعها سلافة وغيث بينما وقفت هى تجيب بحدة: - لو سمحت يا شهاب بلاش طريقة الكلام دي، وبعدين أنا ماعملتش حاجة غلط كريم معانا في الموضوع دا من الأول، كان هو أول واحد فكرت فيه سلافة قبل أي حد مننا كمان.. لتلوح نظرة غضب وقهر من غيث إلى سلافة التي أشاحت بنظراتها بعيدا فلا الوقت ولا المكان يسمحان بمزيد من الحوارات الجانبية بينما توعدتها نظراته بعقاب قوي آنفا.. انتبهت سلافة الى سلمى التي أردفت قائلة: - وبعدين أظن لو فيه خطر فعلا علينا، يبقى كريم هيكون معانا في الخطر دا، لأنه مش ممكن يكون العصابة عرفت إننا رجعنا تاني ننبش في القضية وعرفت بالأدلة من غير ما تعرف الأدلة نفسها كانت مع مين؟.. عاجلها شهاب بحدة: - عشان كدا بشك فيه، اشمعنى دلوقتي بعد ما طلبناه ييجي ومعاه الدليل يحصل إللي حصل؟، هو الوحيد إللي كان يعرف بإللي عاوزين نعمله؟ عقدت سلمى ذراعيها ونظرت إليه ببرود قائلة: - أهو كلامك دا دليل براءة كريم!، لأنه ببساطة لو كان كريم زي ما بتقول معاهم كان إيه إللي هيخليه يستنى لما سلافة تطلب الدليل إللي معاه، كان سلم إللي عنده للعصابة من الأول... غيث بزفرة ضيق ناهيا الجدل المحتد بينهما: - عموما هو جاي دلوك والمايه تكدب الغطاس... اتجه شهاب بخطوتين حازمتين إلى سلمى وقبض على مرفقها مجبرا إياها على السير معه وهو يلقي بكلمات إلى غيث وسلافة دون الالتفات اليهما: - معلهش يا جماعه بعد إذنكم، عاوز مراتي في كلمتين كدا.. واتجه بها إلى غرفتها هى وأختها تاركا غيث ينظر بنظرات حادة إلى سلافة التي هربت بعينيها بعيدا... دخل شهاب ساحبا سلمى معه وأفلتها بالداخل فوقفت تطالعه بدهشة وإستنكار بينما أغلق الباب خلفهما واتجه إليها بخطوات قوية ليقف أمامها يطالعها بنظرات نارية وقبل أن تهم باطلاق كلماتها الحادة في وجهه عاجلها بصوت منخفض ينبأ بغضب وحشي مكتوم: - أقدر أعرف هتفضلي لغاية إمتى تتجاهلي وجودي ولا كأني جوزك؟!.. نظرت اليه بإستنكار وأجابت: - وإيه إللي حصل إن شاء الله خلاك تقول كدا؟، إني دافعت عن كريم؟ كريم إللي انا أعرفه وواثقة فيه زي ثقتي في نفسي بالظبط؟!.. لتتبع جملتها شهقة ذهول وهى تراه ينقض عليها معتصرا ذراعيها بقبضة قوية وهو يهتف بإنفعال حاد: - مين دا إللي زي نفسك؟، إنتي اتجننتي أكيد؟، لآخر مرة إيه إللي بينك وبين إللي إسمه كريم دا بالظبط؟، أنتي فاكراني ناسي إنه كان عاوز يتجوزك؟، إنتي بلسانك قولتيلي كدا لما سمعت مكالمته ليكي، ناسية ولا أفكرك؟.. نظرت إليه سلمى بإعتراض وهتفت بحنق: - انت بتقول إيه؟، معقول توصل بيك إنك تتهمني إتهام زي دا؟، يعني إيه بيني وبين كريم حاجة؟، انت واعي للي بتقوله؟، وبعدين مين إللي قال إنه كريم كان عاوز يتجوزني؟.. شهاب بإنفعال تام وعصبية مفرطة: - إنتي هتجنينيني؟، هو مش سبق وكلمك في موضوع الجواز وإنتي بنفسك إللي قولتيلي؟.. نظرت إليه سلمى وقد هدأت حدتها وأجابته بنزق: - أيوة بس ما كنتش أنا العروسة!.. لتبرد نار غضبه قليلا وترتخي قبضته لذراعيها وهو يتساءل بتقطيبة عميقة بين حاجبيه: - أومال مين؟. هربت بنظراتها وهى تجيب: - نهلة صاحبتي!، دكتورة زميلتي معانا في المستشفى، هي إللي عاوز كريم يخطبها... ساد السكون عقب كلماتها تلك لم يخرقه سوى صوت أنفاسه الثائرة، ليميل برأسه إليها فتضرب أنفاسه الساخنة صفحة وجهها القشدية وهو يعيد كلماتها بجمود: - نهلة زميلتك؟، كريم كان عاوز يتجوز نهلة زميلتك وإنتي سيبتيني أفتكر إنه قصدك أنتي؟.. رفعت عينيها إليه تعارضه هاتفة بقوة: - أنا ما سيبتكش تفتكر حاجة، وقتها لو تفتكر كويس انت ما ادتنيش فرصة إني أشرح لك حاجة وحطيت تصور معين في دماغك اتصرفت على أساسه، وبعدين دا مش موضوعي أنا عشان أقولهولك، أعتقد شخصية العروسة إللي عاوزها كريم ما تهمكش في حاجة؟!.. ليهتف بها بإنفعال تام وهو يقبض على خصرها معيقا ابتعادها عنه: - إنتي بتستهبلي؟، تفرق طبعا!، لما أفتكر إنه قاصدك إنتي.. الوحيدة إللي اتمنيتها زوجة ليا، والوحيدة إللي قلبي حبها، يبقى ساعتها ممكن أعمل أي شيء علشان أضمن انها ما تضيعش من إيدي، وأكيد إنتي كنتي بتضحكي في سرك وإنتي شايفاني قدامك هتجنن كل ما ييجي في بالي إنه الكلام كان عليكي أنتي مافكرتيش إنك تصارحيني وتخلي أعصابي تهدى، إنتي عارفة أني كنت ممكن أرتكب جناية لو كان فعلا اتقدم لك بجد؟. نظرت إليه مصعوقة وتمتمت بذهول: - إيه؟، جناية!.. أكد بهزة من رأسه وهو يقربها إليه محتويا جسدها الضئيل بين ذراعيه: - طبعا جناية، يا روح ما بعدك روح.. وانتي أغلى من روحي كمان!.. امتقع وجهها خجلا من حديثه الصريح واعترضت بضعف هامسة: - شهاب أنا... ليقاطعها بإلحاح وشوقه يستعر في نظراته الجائعة اليها: - إنتي إيه بس؟، حاسة بيا؟، حاسة إنتي بقيتي مهمة أد إيه في حياتي؟، صعبة اوي يا سلمى إنك تريحيني ولو بكلمة؟!، كلمة واحدة تهدي مشاعر الخوف إللي جوايا!.. همست بذهول تطالعه بغابات الزيتون خاصتها: - خوف؟!.. ليكرر بقوة: - طبعا خوف!، طول ما أنا مش مطمن أنا بقيت إيه عندك وانا حاسس إنك ممكن في لحظة تبعدي، أنا متأكد من نفسي كويس أوي وأني مش ممكن أسمح لك إنك تبعدي ولو للحظة واحدة، بس البعد مش شرط يبقى بالجسم ممكن نكون في نفس المكان وبنتنفس الهوا نفسه لكن إنتي بعيده عني بقلبك ومشاعرك، صدقيني البعد دا بيكون صعب اوي، مهما بقيتي جنبي لكن مشاعرك وعواطفك بعيدة عني هافضل حاسس ببعدك عني! سكتت قليلا تطالعه بنظرات غير مصدقة لما تراه في عينيه من صدق صاف، وما تلمسه من توق في نبرات صوته بينما تقربها يديه ليحتويها بين أحضانه فيستند برأسه على مقدمة شعرها مغمضا عينيه زافرا بتعب ليسمع همسة خافتة منها جعلته يعقد جبينه ويفتح عينيه ناظرا أمامه قبل أن يتساءل بخفوت: - إنتي بتقولي إيه؟ لتعيد على مسامعه كلمتها الساحرة والتي كان لها مفعول السحر بالنسبة له: - عمري ما هابعد!.. أبعدها عنه قليلا قابضا على كتفيها بقوة وهو يهتف غير مصدق: - سلمى.. إنتي بتقولي إيه؟.. لتطالعه بعينين تلمعان بينما تخضب وجهها بلون أحمر فتنه وهى تعيد بإبتسامة خجل وهمس خافت: - بقولك إني عمري ما هابعد ولا هسمح لك إنك تبعد عني... ليحتضنها بقوة بين ذراعيه مطلقا تأوها عال بينما تتشبث به بدون وعي منها لتسمعه يهتف بإسمها بشوق ملتهب قبل أن يهبط بوجهه إلى وجهها مقتنصا شفتيها في قبلة حارة أودعها كل ما يعتمل في قلبه من عشق لم يكن يعتقد بوجوده ولكنه لم يلبث أن وقع أسيرا له ما أن وقعت عيناه أسيرة لغابات زيتونية في يوم صيفي ساخن!!.. ************************ حضر كريم في الموعد وجلس الجميع يتباحثون بشأن الأحداث الجديدة التي طرأت، وسط نظرات الريبة التي كان يلقي بها غيث وشهاب إلى كريم من حين لآخر والذي لم ينتبه إليها على عكس سلافة وسلمى اللتان كتمتا زفرة ضيق من إصرار شهاب وغيث على الشك بكريم!!.. تساءل غيث وهو ينظر إلى كريم بقوة: - إنما تفتكر مين إللي ممكن يكون بيتجسس علينا وينجل أخبارنا لولاد الفرطوس دول؟!.. كريم بحيرة حقيقية وتقطيبة عميقة: - بصراحة هى حاجة تحير فعلا.. ثم التفت إلى سلافة متسائلا: - المحامي دا يا سلافة إنتي واثقة فيه كويس؟ قطبت سلافة وأجابت: - ماعتقدش يا كريم إنه يكون له يد في إللي حصل، هو لو كان عاوز يوقف الموضوع أبسط حاجة ما كانش اقترح علينا إننا نطعن في قضية سامح الله يرحمه، لكن هو إللي لفت نظرنا لحاجة زي دي... شهاب بتفكير عميق: - طيب نرتب أفكارنا سوا.. يومها الموجودين كنا إحنا والمحامي وانت يا كريم جيت بعد شوية، ما لاحظتش أي حاجة في مكتب المحامي قبل ما تدخل؟!. نفى كريم بهزة من رأسه قائلا: -لا ما لاحظ... ليبتر عبارته وهو يقطب بدهشة وعدم تصديق: - معقولة؟.. ليهتف به غيث بينما تحفز الباقون لسماع باقي حديثه: - معجولة إيه يا كريم؟.. أجاب وهو يتذكر ما حدث يومها: - يومها بعد ما سلافة كلمتني انا جيت على طول، دخلت المكتب ما لاقيتش حد قاعد على مكتب الوكيل استغربت ولما لفيت عشان ادخل لاقيت الوكيل وهو واقف قدام باب المكتب وأول ما شافني زي ما يكون إرتبك شوية، لكن أنا ما أخدتش في بالي بصراحة، وبعدين دخل عليكم وسمعته بيقول للمحامي إنه الدكتور كريم بره وعاوز يقابله!، وقتها استغربت عرف منين إسمي من غير ما يسألني؟، لكن رجعت تاني وقلت يمكن خمن لأنكم كنتم منتظريني فإفتكرت المحامي ساب له خبر أول ما آجي يدخلني على طول!! هتف شهاب بإنتصار: - تمام كدا، هي دي الحلقة المفقودة، الوكيل هو الجاسوس، وأكيد المحامي بلغه بموضوع الطعن في القضية دا إذا ما كانش طلب منه إنه هو إللي يروح يقدم الطعن، لأنه دا مش عاوز محامي شاطر ولا حاجة، تقديم الطعن حاجة روتينية والمحامي يحضر الجلسة لما تتحدد.. هتفت سلمى: - معنى كدا يبقى لازم نقول للمحامي ونحذره!.. غيث بجدية وعيناه تبرقان بشر: - لاه.. مش لازمن يعرف دلوك، أساسا المحامي ما عادلوش لزوم في جضيتنا، بالعكس بجه إحنا ممكن نستفيد منيه إننا نوصل عن طريج الكلب إللي بيشتغل إمعاه معلومات غلط ينجلها للمجرمين دول، وبكده نضمن إننا إحنا إللي سابجينهم بخطوات كومان مش خطوة واحدة.. هتف شهاب بحماس: - تمام يا غيث... ليردف غيث بعزم: - باجي خطوة واحدة بس، وديه إللي هتخلينا نوصلهم لعجر دارهم ما عنستناشي لما يجونا هما!.. قطب كريم في حين تساءلت سلافة بتقطيبة حائرة: - هي إيه الخطوة دي يا غيث؟!.. لتبرق عينا غيث بعزم وهو ينطق بإسم واحد قطب له شهاب بقوة، فهذا الإسم لمن يعلمه جيدا يعني أن غيث قد قرر دق طبول الحرب بل وإعلانها قريبا.. قريبا جداااا: - جابر... جابر زيدان!!.. *********************** كان ليث يجلس في جناحه عندما هاتفه غيث بينما كانت سلسبيل بالأسفل بصحبة والدته والأطفال، تلقى ليث المخابرة الهاتفية بحبور مجيبا: - هلا بولد العم، كيفك وكيف اخبارك واخبار شهاب، جرى إيه يا غيث انت روحت وجولت عدوا لي؟، عوجتوا جوي يا ولد عمي.. لتدور بعد ذلك المحادثة الهاتفية كالتالي: غيث: - معلهش يا ولد عمي ظروف هي إللي شاغلانا، بجولك يا ليث أني جصدك في خدمة... ليث بجدية وقد اعتدل في جلسته بعد أن كان متكئا على وسادة جانبية فوق الأريكة العريضة: - اؤمر يا ولد العم.. غيث بجدية بالغة: - عاوز لك تشيع لي نفر من عنديك، انت إللي هتعرف اتجيبه من تحت الأرض.. قطب ليث وتساءل: - اعتبره عنديك، انما مين ديه؟. ليجيبه غيث بحزم فيعلم ليث ما أن سمع إسم الرجل الذي يطلب غيث إحضاره على وجه السرعة أن الأمر جد خطير: - جابر.. جابر زيدان.. هتف ليث: - فيه إيه يا ولد عمي عشان تطلب جابر؟ غيث بزفرة عميقة: - فيه كتير يا ولد عمي، كتير جوي، أني عارف انه جابر زيدان هو إللي ساعدك إنك توصل للمحروج عسران إللي جتل راضي الله يرحمه، وخلانا عرفنا ناخدوا بتارنا، ودلوك فيه تار تاني تار لينا إحنا يا ولد عمي، ولازمن أخده!. ليث بحمية عالية وهو ينهض واقفا: - إيه الحكاية يا غيث؟، جولي يا ولد العم، أني ما هنساشي إنك انت إللي وجفت معايْ وأني باخد بتار المرحوم راضي.. غيث بهدوء: - ما تشغلشي بالك يا أبو شبل، شهاب امعايْ، لكن ما هوصيكِش... مش عاوز حد يِّعرِفْ بجابر زيدان، أني ما هجولش لحد واصل، أبويْ وعمي رؤوف فهمتهم إنه المسألة إللي جايين عاشنها مصر امطولة شوي، المهم جابر يكون عندي النهاردِه جبل نهار بكرة يا ليث.. ليث بقوة: - ولا يهمك يا ولد العم، ماحدش هيعرف حاجة واصل، وجابر أني عارف أراضيه فين واعتبره عنديك من دلوك.. أنهى ليث المحادثة الهاتفية وقد شعت عيناه ببريق شرس، خطى ناحية باب الغرفة وما إن فتحه حتى وقعت سلسبيل بين ذراعيه!.. رفعت عينيها إليه بينما ضغطت يداه بدون وعي منه على خصرها في حين هتفت سلسبيل بتلعثم: - ما تواخذنيش يا ولد عمي ما كنتيش أعرِف إنك خارج.. ابتسم ليث وأجاب وهو يميل ناظرا في القهوة الذائبة لعينيها: - ولا يهمك يا بت عمي، أني إللي كنت مستعجل.. ابتلعت سلسبيل ريقها ثم حاولت دفعه بعيدا براحتيها الصغيرتين وهى تقول: - طب عشان مش أعوِّجَك، أني كنت جاية عسألك هتتغدى دلوك؟، عمي انهارده هيتغدى عند جدي عبد الحميد ومرت عمي مع أمي في دارها وجالت لي أسألك.. ليث بإبتسامة مكر: - يعني لوما مرت عمك جالتلك تسأليني رايد أتغدى ولا لاه كنتي هتهمليني من غير غدا؟! رفعت عينيها إليه وأجابت لهفة صادقة: - لاه، كنت هسألك برضك.. طالعها ليث بنظرات أذابت أطرافها، فهر منذ تلك الليلة التي ادعت فيها المرض كعقابا له لذهابه إلى مقهى تلك الغازية وهى لم تقترب منه ثانية، فقد أيقنت أن العقاب لن يكون سوى لها هى!، ولكنه من يومها وهو يتعمد الإقتراب منها حتى توشك على اسقاط حصونها الدفاعية ليبتعد سريعا، وقد أنهكتها لعبة الكر والفر تلك التي يتقنها، تماما كما الليث الذي يحاور فريسته قبل أن تقع بين براثنه!.. همس ليث بأنفاس متهدجة وقد بدأت دقات قلبه تعلو من قربها المعذب له: - تسلم يديكي يا بت عمي انما معلهش أني ما رايدش أكل دلوك، عندي مشوار ضروري... نظرت إليه وتساءلت بتقطيبة: - هتخرج من غير وكِلْ!، للدرجة دي مشوارك إمهم؟!. ليث بتأكيد: - وأكتر من المهم كومان!.. قطبت سلسبيل وهى تتعجب من هذا الأمر الهام الذي يستدعي ذهابه على جناح السرعة بدون أن يتناول غذائه، إلا إذا كان سيتناوله في مكان آخر!، ولدى هذا الخاطر الذي ضرب عقلها كتمت شهقة كادت تفلت منها، أمعقول أن يكون ذاهب إلى تلك الغازية؟، أهذا هو الأمر الملح الذي لا يحتمل التأجيل؟، لماذا؟، أيكون مدعوا لديها على الغذاء؟، عصفت بها الشكوك ولم تعلم أن حيرتها ظهرت جليّا على وجهها ليتساءل ليث بتقطيبة: - مالك يا سلسبيل.. بتفكري في إيه؟.. لتهتف به قبل أن تخونها شجاعتها: - فين المشوار ديه يا ليث؟. قطب باستنكار هاتفا: - باه.. إيه السؤال ديه يا سلسبيل؟، من ميته وإنتي بتسأليني أسئلة اكده؟. هتفت سلسبيل وقد ترسخت فكرة أنه في سبيله للقاء تلك الغازية المغوية في ذهنها: - أني مش أبجى مرتك يا ليث؟!، يبجى حجي أعرف انت رايح فين وحدا مين؟. فضغط بيديه على خصرها بقوة جعلتها تئن متألمة وهو يهتف بحدة: - ماحدش له الحج أنه يسأل الليث رايح فين وجاي منين حتى ولو كان مرَتُه!، ولو ع الحجوج فبلاش تفتحي باب ما انتيش جدِّيه، جبل ما تشوفي إللي ليكي شوفي إللي عليكي يا بت عمي! ليزيحها جانبا ويخطو بإتجاه الباب فتنتبه سلسبيل سريعا لتسبقه واقفة أمام الباب وهي تفرد ذراعيها إلى الجانبين يمينا ويسارا معيقة خروجه وهى تقول باصرار: - برضك ما انتش خارج يا ليث غير لما تجولي رايح فين الاول؟. زفر ليث بحنق وهو يهتف ناظرا إلى الأعلى: - اللهم طولك يا روح.. ثم عاد بنظره إليها قائلا بتحذير قوي: - بعدي من وشي يا سلسبيل أحسن لك، أني العفاريت الزُّرج ابتتنطط جودامي الساعة ديْ.. سلسبيل بعناد غريب عنها وقد رمت بحذرها عرض الحائط وهى تتراءى أمامها صورته برفقة تلك الغانية: - انت مش رايد تجولي ليه، رايح لها صوح؟، رايح عنديها يا ليث؟.. قطب ليث وهتف بغيظ: - إنتي اتجنيتي يا سلسبيل؟، هي مين ديْ إللي هاروح لها؟، إنتي اتخبطتي في نافوخك باينِّك!.. هتفت سلسبيل بدون وعي: - وداد.. الغازية يا ليث!، أني عارفه كل حاجة، عارفة إنك ليلاتي حداها في الجهوة، عارفة انه عينها منيك وإنها يوم المنى عنديها لما ترضى عنيها!.. قبض ليث على ذراعها بعنف وهتف من بين أسنانه المطبقة وعيناه تبرقان بشر: - إنتي واعية للي بتجوليه؟، وداد إيه وغازية إيه؟، إنتي بتحاسبيني يا سلسبيل؟، لآخر مرة بجولك اجصري الشر ووخري من جودامي ماذا وإلا ما عتلوميش إلا نفسك!.. ولكن سلسبيل كانت في واد آخر فقد تسلط عليها هاجسها أن ليث في طريقه إلى تلك الغازية والتي رأتها بعد أن اصطحبت معها وردة الخادمة لتشاهدها من بعيد لتترسخ صورتها الطاغية الأنوثة في ذهنها، ولتعلمها وردة ببضع كلمات أن هناك بعض الأقاويل المتناثرة من أن ليث الخولي قد ابتاع لها شقة سكنية في مدينة قنا المجاورة وأنهما يتقابلان فيها سرًّا، ولكنها نهرتها وقتها فليس ليث الخولي من يفعل شيئل بالخفاء، وأمرتها ألا تكرر هذه الكلمات الخرقاء ثانية وإلا فأن حسابها معها سيكون عسيرا، ولكنها لا تستطيع أن تنكر تلك النار التي اندلعت داخلها لدى سماعها تلك الأكاذيب الفاضحة والتي تجمع بين زوجها وتلك الساقطة، وما يزيد في اشتعال تلك النيران الصور التي تتراءى لها بين هذه الفاتنة المغوية وهى تجلس إلى زوجها كل ليلة تطالعه بعينيها الناعستين تلك، وأي رجل يجري الدم في عروقه لن يستطع تجاهل دعوتها الفاضحة، هي على يقين من أن ليث لن يقترف الخطيئة، ولكنها تعلم أيضا أنه رجل بكل ما للكلمة من معنى، وأنها تمنعه حقه فما المانع أن يشبع رغبته لدى تلك الغانية حتى ولو تزوجها زواجا عابراً !!.. وضعت سلسبيل راحتيها فوق صدره ورفعت نظراتها إليه تتحدث وصوتها تلونه نبرة رجاء لم تخطئها أذنه بينما يطالعها بنظرات ذاهلة لا يعلم أيضربها أم يعتصرها بين ذراعيه ولكن ما يعلمه جيدا أنها ليست بحالتها الطبيعية، قالت بيأس وعينيها تنظران إليه بضراعة وكأنها قد أضحت سلسبيل أخرى من صنع يديه هو: - عاجبتك يا ليث؟، جدرت تملا دماغك يا ولد عمي!.. قبض على راحتيها المتشبثتان بمقدمة ثوبه وهو يهتف بها بينما تهدجت أنفاسه محاولا إخماد تلك الرغبة الحارقة التي تشتعل في أحشائه ملحة عليه أن يشبع توقه منها: - أنتي شايفاني راجل ناجص إكده؟. لتهتف نافية وهى تفلت يديها من قبضته تكتم بهما فمه ناظرة إليه بنفي تام: - لاه.. لا عشت ولا كنت لو ظنيت فيك ظن السوْ يا ولد عمي، بس بس ريِّحني.. انت رايح عنديها صوح؟. تمتم ليث بلعنة من بين شفتيه قبل أن يزيح يديها جانبا ويحتويها بعنف بين ذراعيه وهو يهتف بها بصوت أثخنته رغبة حارقة بالنهل من رحيق تلك الشفاه التي ذهبت بعقله: - انتي لساكي معرفاشي مين إللي أني رايدها يا بت عمي؟.. ليتهدج صوته إلى نبرة منخفضة وهو يتابع بأنفاس ساخنة بينما غرقت عيناها في فحم عينيه المشتعل: - لساكي ما وعياشي يا سلسبيل؟. همست بنبرة خافتة وهي تطالعه بنظرات حائرة سلبت لبه: - جصد.... ليقاطعها فمه ملتهما باقي حروف كلمتها وتفاجئه وتفاجئ نفسها بإستسلامها اللحظي وكأنها كانت تستجدي هذا العناق منه لينهي مخاوفها، وتغوص معه في عناق حار أبحر بها في عالمه هو.. عالم ليث وحده، ولكنها فوجئت به وهو ينهي عناقه بغتة تماما كما بدأه وهو يطالعها بنظرات تلمع بينما يقول وسط أنفاسه اللاهثة: - فكري في السؤال زين يا بنت عمي، ولما أرجع عاوز أعرف جوابك، وأهم سؤال تجاوبيني عليه.. ليه حرجة جلبك جوي إكده.. واجهي نفسك يا بت عمي، ولما تعرفي إللي إنتي رايداه صوح، وجتها هيبجى لينا كلام تاني.. وفك يديها المعقودتين حول عنقه بينما تطالعه بنظرات دهشة حائرة قبل أن يندفع خارجا وكأن الشيطان يركض في أعقابه، فقد كان تركه لها من أصعب ما قام به، ولكنه لن يحتمل أن تتراجع كما المرة السابقة متهمة إياه بإنتهاز الفرصة، فسلسبيل لا بد لها من مواجهة نفسها بما تريده بالفعل!... بينما وقفت سلسبيل تطالع في أثره وهى تلمس شفتيها المنتفختين بأصابعها فيما يكسو الذهول ملامحها فالآن والآن فقط قد ضربتها الحقيقة الواضحة والتي كانت تهرب منها منذ زمن... فهي تحبه... هو.. ليثها!، ولن تقبل به شريكة لها، وستحارب أية أنثى تعتقد أنه بوسعها الإستحواذ عليه، وأقسمت بداخلها أن تزيح هذه الغازية من طريقها.. فقد آن لها أن تعلم بأن زوجة الليث ما هي إلا... إمرأة الليث قلبا وقالبا.. وقد تفتك بكل من تسول لها نفسها مجرد الإقتراب من... أسدها هي !!.. ***************************** تعالى صوت طرقات على باب المنزل فسارع غيث بفتحه ليهتف في دهشة: - ليث!.. ابتسم ليث قائلا: - إيه هنفضلوا واجفين ع الباب إكده ولا إيه؟. جلس شهاب وغيث برفقة ليث بعد الترحيب به بينما انصرفت سلمى وسلافة لتحضير الطعام، قال ليث بعد أن إنتهى غيث من سرد الحكاية له كاملة: - يبجى إللي لازمن نعرفه دلوك، مين هما الناس دول؟، وبيشتغلوا لحساب نفسيهم ولا لحساب حد تاني، وديه إللي جابر هينفعنا فيه، هو جه امعاي بس هملته في الأكانده وجيت لكم على إهنه عشان أعرف الموضوع الاول... تم الإتفاق على أن يذهب الرجال لرؤية جابر وبالفعل ما أن إنتهوا من تناول الطعام حتى ذهبوا إليه مع تشديد غيث وشهاب على الأختين بعدم الخروج نهائيا أو فتح الباب لأيّ كان... انتهت المقابلة مع جابر الذي وعدهم بسرعة حصوله على المعلومات المطلوبة، ليعود الجميع إلى المنزل بإستثناء ليث الذي مكث بالفندق مع جابر... مر يومان إتصل المحامي خلالها بسلافة والتي أوهمته أنهم يعيدون التفكير ثانية في الأمر فقد إستشعروا الخوف من هؤلاء الناس وكان هذا الجواب ما سبق واتفقوا عليه لعلمهم بأن وكيل مكتبه سيسارع بنقل المعلومات إلى العصابة، بينما توصل جابر إلى معلومات خطيرة أهمها أن صاحب المستشفى الذي يقوم بسرقة أعضاء المرضى هم عبارة عن مجموعة من رجال الأعمال المتعددة الجنسيات يرأسهم في مصر شخصية مشهورة ذيع عنها كثرة أفعال الخير ولكنها في الحقيقة ما ذلك إلا ستار يخفي وراؤه جرائمه.. شخصية كان لإسمها وقع كبير في نفوسهم فهى من الشخصيات البارزة بل والهامة.. إنه.. حامد رشوان.. من أشهر رجال الأعمال في مصر، بل أنه يمتلك إمبراطورية ضخمة كالأخطبوط تمتد أذرعها في كل مكان سواء داخل البلد أو خارجها!!.. تلقى غيث مكالمة هاتفية من ليث انطلق على أثرها إليه بينما همس لشهاب بعدة كلمات إنطلق شهاب من فوره بصحبة سلافة وسلمى إلى منزل في منطقة نائية وعندما سألته سلمى عن سبب إنتقالهم فأخبرها إنه للأمان كما أنه نوع من الخداع للعصابة فمن المؤكد أنهم مُراقبون من قِبلهم وسيعتقدون أنهم قد عادوا إلى البلدة خاصة وأن المنزل خارج القاهرة في المناطق النائية القريبة من الصعيد وقد عمد شهاب إلى سلك طرق ملتوية حتى استطاع الإفلات من المراقبة فكما توقع غيث كان هناك أعين تتربص بهم.. بعد عدة سويعات أتى غيث وليث لموافاتهم في ذلك المنزل الصغير المكون من غرفتي نوم وصالة للجلوس ولكنه يحوي على أأمن مكان لا يستطيع بشر التفكير بوجوده إلى الآن، حيث كان يقبع أسفل المنزل سرداب مظلم بباب خارجي يطل مباشرة على الصحراء المترامية الأطراف المحيطة به، كان المنزل ملكا للرجل المدعو جابر زيدان فمن الواضح أنه رجل خطِر وقد تعجبت سلمى وسلافة من علاقة ليث الوطيدة بهذا الرجل وعندما باحا بتساؤلهما لشهاب أفصح لهما أن ليث قد ساعد هذا الرجل سابقا عندما وجده ملقى على مشارف البلدة غارقا في دمائه فعمل على إنقاذه ليحمل له جابر معروف إنقاذه لحياته ويكون رجله المخلص... كان من الواضح كتمان غيث وليث لأمر ما.. والذي لم ينكشف إلا مساءا عندما حضر جابر وهو يحمل حقيبة جلدية كبيرة كحقائب السفر, قال له ليث وهو يضعها في وسط المنزل: - عفارم عليك يا جابر، استنى انت برّه دلوك وفتِّح إعينيك زين... هز جابر برأسه وانطلق من فوره، لتظهر سلافة وفي أعقابها سلمى بينما وقف شهاب وغيث بجوار ليث يطالعون تلك الحقيبة، قطبت سلافة بحيرة وهي تشير إلى الحقيبة قائلة: - سامعة يا سلمى؟ سلمى بحيرة مشابهة لحيرة أختها: - بيتهيألي في صوت طالع من الشنطة... ركع غيث على ركبتيه ليفتح سحاب الحقيبة ثم يكشف غطائها لتشهق سلافة وسلمى بذهول فداخل الحقيبة تقبع فتاة في مثل عمرهما مكممة الفم وموثقة اليدين والقدمين، بينما تبادل كلا من غيث وليث نظرات الظفر، ليسأل شهاب مقطبا: - إيه دا يا غيث؟، مين دي؟. أشار له غيث بإلتزام الهدوء وأخرج هاتفه المحمول ليضغط بضعة أرقام ثم يرفع الهاتف إلى أذنه متحدثا ببرود صقيعي: - حامد رشوان... فيه أمانة ليك عندينا... كانت الفتاة قد بدأت تستفيق من نومها لتنظر بهلع إلى الوجوه المحيطة بها، امتدت يد ليث ليزيح بقوة كمامتها فهتفت بذعر وهى تحاول بقوة الإفلات من قيدها الخشن: - انتوا عاوزين مني إيه؟، بابي.. أنا عاوزة بابي.. وضع غيث الهاتف على أذنها وهو يقول بسخرية: - كلمي بابي يا.. روح بابي.. ليعلو صوت والدها حتى سمعه الواقفون جميعا: - سالي حبيبتي إنتى فين؟، سالي جاوبيني.. لتشرع المدعوة سالي بالبكاء هاتفة من وسط دموعها وهى تطالع المحيطين بها بقلق وخوف مهول: - معرفش يا بابي، فيه ناس اتهجمت عليا وخدرتني ولما فوقت لاقيت نفسي هنا.. ليصرخ والدها بهلع: - هنا فين؟، إنتي فين ي ليقرر غيث أنه يكفي هذا القدر من الكلام فيسحب يده الممسكة بالهاتف ويضعها على أذنه قائلا بحزم وصرامة: - لينا عنديك حج، وحجنا هناخده بس .. من بتّك!، وكله سلف ودين يا ابن رشوان!!..، ويغلق الهاتف فجأة بينما تعالى صراخ الطرف الآخر الذي يظهر ما اعتلى صاحبه من هلع ورعب خالص!!. شهقت سالي بهلع صارخة : - انتوا هتعملوا فيا إيه؟.. ركعت سلافة أمامها وقد تجسدت أمامها صورة مريم التي قُتلت غدرا، وكانت قد شعرت بالكره الشديد تجاه هذه الفتاة ما إن سمعت صوت والدها القاتل الحقيقي لصديقتها والذي كان مرتفع لشدة هلعه على إبنته.. فهتفت بها بشماتة كبرى وإبتسامة ساخرة تعلو ثغرها: - هنخلي بابي يدوق طعم الخسارة لأول مرة، بس خسارته المرة دي مش صفقة .. لأ!، خسارته في بنته.. زي ما كان هو السبب في ان عيلة تخسر بنتها بكل خسة ووضاعة، بابي يا حلوة لازم يعرف يعني إيه.. داين تدان، وكله.. سلف ودين!.. أنهت سلافة عبارتها وهي تطالعها بنظرات شرسة ثم رفعت يدها لتهوى بكل قوتها على وجهها بصفعة مدوية أطلقت على أثرها الفتاة صراخا حادا، بينما اندفع غيث يمنع سلافة من التمادي بضربها لتهتف سلافة بالفتاة وتعبير وحشي يعتلي وجهها: - العين بالعين، والسن بالسن، والبادي أظلم، وحامد بيه لااااازم يدفع التمن.. وبالكااااااااااااامل..!! إلى اللقاء في الحلقة القادمة...... الفصل الثاني والعشرون من هنا |
رواية كبير العيله الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم احكي ياشهرزاد (مني لطفي)
تعليقات