قصة سيدنا داوود عليه السلام


 قصة سيدنا داوود عليه السلام 

1 داود يقضي على جالوت

2 داود يعمل للدنيا والآخرة

3 داود القاضي المتعبد

4 تأييد الله لداود

5 ابتلاء داود بمتخاصمين

6 خلافة سليمان بعد والده

داود يقضي على جالوت

خرج جيش بني إسرائيل الذي يقوده طالوت بأمر من نبيهم لمقاتلة جالوت وجنوده، وفي أثناء الطريق أمرهم طالوت ألا يشربوا من ماء النهر الذي سيجتازونه إلا من غرف شربة بيده، وذلك ليختبرهم؛ أيثبتون عند القتال أم لا يثبتون؟ لكن أكثر جيش بني إسرائيل ما استطاعوا أن يصبروا، فشربوا من النهر، ولما التق الجيشان: جيش طالوت وجيش جالوت قال الذين شربوا: (لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجوده) (البقرة، 249). لقد كانوا ألوفا من الجنود قبل ذلك، فلما شربوا، أصبح الثابتون مع طالوت ثلاثمائة وعشرا، وهم المؤمنون الذين ثبتوا فلم يشربوا من النهر، فقالوا عندما التقوا بجيش جالوت: (فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين) (البقرة 249).


كان داود عليه السلام من أصغر الجنود في الجيش، وحين التقى الجمعان قال طالوت: من قتل جالوت زوجته ابنتي. حمل داود عليه السلام القذّافة أي المقلاع الذي يرمي الحجر، ووضع الحجر فيه وأداره جيدا، ثم قذفه باتجاه جالوت، وأصاب رأسه، فسقط ميتا. فلا رأى الجنود أن ملكهم جالوت قد مات هربوا، فانتصر جيش طالوت على جيش جالوت. وزوج طالوت ابنته بداود عليه السلام كما وعده، ومال بنو إسرائيل إليه وأحبوه لأنه هو الذي قتل عدوهم جالوت.


إقرأ أيضا:قصة سيدنا ذو الكفل عليه السلام كاملة

داود يعمل للدنيا والآخرة

ومنذ ذلك الوقت ومكانة داود عليه السلام تزداد ارتقاء حتى أصبح هو الملك على بني إسرائيل، وجمع الله لعبده هذا بين أمرين: جعله نبيّا وملكا؛ فكان يحکم بين بني إسرائيل بالعدل، لا يجور في حكمه ولا يحيد، وكان من أكثر الناس عبادة لله تعالى، فلا يوجد منذ خلَق الله آدم عليه السلام إلى اليوم من عبد الله سبحانه مثل ما عبدَه عبدُه ونبيه داود عليه السلام، وفي ذلك يقول خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم: “أعبد البشر نبي الله داود”؛ إذ كان يصوم يوما ويفطر يوما، وهذا في كل أيام السنة، وكان يقوم وسط الليل يصلي لله سبحانه راكعا وساجدا وقائما، وحين يؤدي هذه العبادة يعود إلى الفراش مرة أخرى وينام، ثم يقوم ليصلي الفجر، لذلك كانت عبادته أفضل العبادات عند الله سبحانه، ومن أحبها إليه لأنها صعبة على النفس.


والله سبحانه أعطاه قوة عظيمة، لذلك فصيامه وصلاته وقلة نومه بالليل لم يضعف بدنه، وهكذا نری أن كل إنسان يعبد الله سبحائه كما يُحب، فإنه تعالى يعطيه القوة والنشاط، وكان داود من قوته العظيمة أنه يأخذ قطعة بين حديد فيجعلها درعا دون أن يستعمل المطرقة أو يستعمل النار، والحديد كما هو معروف لا يلين إلا بواسطة النار، أما داود عليه السلام فهو يستعمله ويصنعه بلا نار، فيجعل منه دروعا، والدرع لباس عسكري يستعملها الجندي في حربه، يقي ويحمي بها جسمه من ضربات السيوف والرماح والنبال، وقبل داود لم تكن هناك دروع، وإنما كانت صفائح من حديد فقط، فعلمه الله سبحانه كيف يصنع الدرع، وأعطاه من القوة ما يكفي ليصنع الحديد بكيفية تساعد الجندي في الحرب، وفي ذلك قال الله في كتابه: (وألنّا له الحديد أن اعمل سابغات –أي الدروع- وقدّر في السرد – أي في فتل الحديد-) [سبأ، 11-10] وكان من قوته أنه يأخذ القطعة من الحديد فيفتلها بيده لتصبح مسامير مناسبة يستفيد منها الناس، ولا سيما النجارين الذين يكثرون من استعمالها ليشدوا الحطب بعضه إلى بعض.


ومع أنّ داود عليه السلام كان نبيّا وملكا إلا أنه خلافا المملوك، لا يحب أن يأكل إلا من عمل يديه، يبيع الدرع الواحدة بستة آلاف درهم: ألفان ينفقهما على نفسه وأهله، والبقية يتصدق بها على الفقراء والمساكين وأهل الحاجات، وهو في حكمه بين بني إسرائيل يحرص على أن يكون الناس مطيعين لله عابدين له متجنبين المعاصي، محبّين للخير مبتعدين عن الشر، يعين بعضهم بعضا.


داود القاضي المتعبد

وقد أمر الله سبحانه عبده داود عليه السلام أن يحكم بين بني إسرائيل بالتوراة التي أنزلها الله على موسى عليه السلام لأنّ فيها العدل والحق، ثم أنزل الله عليه كتابا آخر هو الزّبور ليقرأه ويتدبر معانيه، فيه مواعظ وحكم، قال الله في القرآن: (و ءاتينا داوود زبورًا) [الإسراء، 55] أنزله الله عليه في اليوم الثامن عشر من شهر رمضان المعظم، وكان داود عليه السلام يكثر من قراءة الزّبور، وهو سريع القراءة؛ بحيث يأمر غلمانه أن يجعلوا على الدواب السروج لیركب عليها هو وغيره، وأثناء هذا الوقت الذي يحضرون له ذلك كان هو يقرأ الزبور، وعندما ينتهي غلمانه من وضع السروج على الدواب، يكون قد ختم قراءته، ثم يخرج على فرسه لينظر في حال الناس، وما يحتاجونه، وقد أعطى الله سبحانه عبده عطاء آخر، وهو الصوت الحسن جدا، ولم يكن له نوع واحد من الأصوات، بل كان له سبعون صوتا ما بين الخشن واللّين، كان صوته شجيّا أي حزينا، إذا سمعه شخص وهو يقرأ، يبقى مبهورا مشدودا إليه حتى يختم القراءة، ومن كان من الناس مهموما فإنه متى سمع تلاوته زال عنه الهم الذي به، ومن كانت به حُمى فإنه إن سمع صوته وهو يقرأ الزبور يبرأ من حماه.


كانت ترنيمته أفضل وأحسن من الأغاني والألحان الموسيقية المختلفة، وإذا مشى بين الناس فإنهم يتوقفون لسماع ترانيمه، كان يخرج إلى البراري صباحا ومساء، ويأخذ في التسبيح والتحميد بصوت عذب حتى إنّ الطير والجبال تسبح بتسبيح داود عليه السلام، قال الله سبحانه: (يا جبال أوبي معه والطّير) [السبأ، 10]، فإذا أخذ في التسبيح حفّت به الطيور من كل جهة على اختلاف أشكالها وأحجامها، تأتيه من كل مكان لسماع تلاوته، فتردد معه ما يقول، وتحفُّ به الوحوش على اختلاف أصنافها أيضا لسماعه، يجتمع الغزال بالذئب فلا يهجم عليها ولا يؤذيها لأنه مشدود بما يسمع، خاشع لما يقوله داود عليه السلام في ترنيمه وتسبيحه، حتى إنّ ذلك الذئب لينسى جوعه وفريسته التي أمامه من شدة التأثر.


وكان عليه السلام يقوم في الناس يعظ الغافل، ويذكر الناسي ويعلّم الجاهل، بكلام يفهمه كل الناس؛ يبدأ كلامه بحمد الله سبحانه والثناء عليه ثم يقول: (أما بعد) حتى يسمع الناس لكلامه الذي يأتي بعد ذلك، إذ هو أول من استعمل كلمة (أما بعد)، قال سبحانه: (وءاتيناه الحكمة وفصل الخطاب) [ص، 20] فكان يفصل الخطاب بكلمة (أما بعد).


تأييد الله لداود

وحين يحكم بين الناس كان يأتي الظالم والمظلوم ليتحاكما إليه، فيلّفق الظالم أكاذيب على المظلوم ليحكم له داود عليه السلام، إلا أنه كان يتفطن لذلك؛ ومن أمثلة ذلك أنه جاءه رجل مرة يشتكي من آخر أنه سرق منه بقرة، فأنكر هذا أن يكون سرقه، احتار عليه السلام في الحكم: من هو المحق؟ المدعي الذي يقول إنه سُرق، أو المدعى عليه الذي ينكر السرقة؟ فأمرهما أن يخرجا من عنده وأن يعودا في يوم الغد ليحكم بينهما، وفي الليل أوحى الله إليه أن يقتل المدعي الذي قال: إنّ بقرته سُرقة منه، فلما أصبح الصبح، جاء الرجلان، فقال نبي الله داود عليه السلام للمدعي: إن الله سبحانه قد أمرني أن أقتلك، فأخبرني ما الذي فعلت؟ ألست تقول: إن البقرة قد سرقها منك ذلك الرجل؟ فلماذا أمرني الله إذن أن أقتلك؟ قال المدعي: والله يا نبي الله إني لمحق فيما ادعيته عليه من أنه هو الذي سرق بقرتي، ولكن السبب الذي أمرك الله بقتلي هو أني قتلتُ أباه من قبل، وقد أطلعك الله سبحانه على هذا الأمر الذي لا يعلمه إلا هو. وحينذاك أمر داود عليه السلام بقتل الرجل المدّعي القاتل، سمع بنو إسرائيل بالخبر، وكيف أطلع الله سبحانه نبيّه الكريم بأمره، فابتعد الناس عن الظلم، وخاف الظالمون أن يقتربوا من مجلسه؛ لأنهم يعلمون أن الله سيُطلع نبيّه داود عليه السلام على مظاليمهم فيُفضحون، وخضعوا له خضوعا تاما، وعظُم شأنه أكثر عند بني إسرائيل، قال الله سبحانه: (وشددنا ملكه) (ص، 20).


وكان الخصمان إذا حضرا مجلسه يقول للمدّعي: أين شهودك على ما تقول؟ فإن لم يكن للمدعي شهود أمر المدعى عليه أن يحلف بالله بأنّ الذي اتهمه به المدعي باطل، وكل من المدعي والمدعى عليه يعلمان أن داود عليه السلام مؤيد بالوحي من عند الله، وهما يخافان من ذلك؛ فالمدعي يخاف أن يكذب ويعلم به داود، وأما المدعى عليه فإنه يخاف أن يحلف إن لم يكن صادقا لأن داود سيعلم أمره بوحي من الله، وبذلك انتشر العدل بين الناس.


ابتلاء داود بمتخاصمين

وفي أحد الأيام بينما كان داود عليه السلام يتعبّد قائما وراكعا خاشعا لربه إذا برجلين يدخلان عليه وهو في تعبّده، تحيّر كيف استطاع هذا الرجلان أن يدخلا إليه مع أن الباب مغلق، ومع أن الحرس خارج الدار كانوا كثيرين، لكنه لما رآهم فزع منهم رغم أنه عليه السلام لا يفزع من أحد، قالا: لا تخف إنما نحن خصمان قد اختصمنا في شيء أحببنا أن نرفعه إليك لتحكم بيننا بالعدل، وأن تبين لنا من هو المخطئ. قال أحدهما: إن عندي نعجة واحدة وهذا أخي الذي بجانبي له تسع وتسعون نعجة قد قال لي: (أعطني نعجتك هذه لأضمها إلى نعاجي، وأنا أتكفل بها، فإذا أردت أخذها أعطيتك إياها)، فأعطيته نعجتي مدّة، فلما أردت استرجاعها أنكر أن تكون هذه النعجة هي نعجتي، فلم يعطني إياها، فرفعتُ أمري لك لتنظر في حالتي، فإنه قد ظلمني، وقد زعم في البداية أني شريكه إذا ضممت إليه نعجتي، والآن أنکر شراكتي معه، فلما سمع داود عليه السلام كلام المشتكي قال: لقد ظلمك حين ضمّ نعجتك إلى نعاجه، وكثيرا ما يظلم الشركاء بعضهم بعضا إلا إذا كان الشركاء من الذين آمنوا وعملوا الصالحات فإنهم لا يتظالمون، ولما خرجوا من عنده علم أن هذين المتخاصمين ليسا بمتخاصمين حقيقيين وإنما هما من الملائكة، لذلك دخلا عليه لما كان الباب مغلقا وخرجا كذلك، لأن الوقت الذي جاءا فيه وقت عبادة ولم يكن وقت الحكم والقضاء، فعلم أن هذا ابتلاء ابتلى الله به عبده، وخرّ ساجدا مستغفرا وتائبا لله سبحانه، فغفر الله له وزاده قربا منه، وذلك الابتلاء هو عتاب من الله تعالى لنبيه؛ حيث اندفع في الحكم لصالح صاحب النعجة الواحدة قبل أن يسمع لخصمه.


استمرت حياة داود عليه السلام حافلة بالمواقف السامية، من عبادته لربه، وسياسة الناس والحكم بينهم، ومن القيام على أهله، والعمل الذي كان يعمله بيديه الشريفة، لذلك كان الناس في مملكته في أطيب عيش وأهنئه، من عبادتهم لربهم سبحانه، وطاعتهم لنبيهم وإعانتهم لبعضهم البعض، ومحبتهم للخير، واجتنابهم للشر، إلى أن كبر عليه السلام وأصبح هرما عاجزا.


خلافة سليمان بعد والده

وكان عليه السلام شديد الغيرة على نسائه؛ خرج يوما وأغلق الأبواب كما هي عادته، فإذا بامرأة ترى رجلا قائما وسط الدار، فقالت لمن حولها: من أين دخل هذا الرجل إلى البيت، والدار مغلقة؟ والله لو رجع نبي الله إلى الدار ورأى هذا الرجل ليغضبّن علينا، جاء عليه السلام، ولما فتح الباب رأى الرجل قائما. فقال له: من أنت؟ قال الرجل: أنا الذي لا أخاف الملوك ولا يستطيع أحد أن يمنعني من الدخول عليهم، ولو جعلوا الحراس على أبوابهم، فإني أدخل عليهم، وكأّن هذا الأمر كان تمهيدا وتسهيلا لوفاة نبي الله داود عليه السلام الذي قال: أنت إذن ملك الموت جئت لتقبض روحي، مرحبا بأمر الله، وفعلا قبض الملك روحه وعمره مائة سنة، فلما غسّلوه وكفنوه وفرغوا من شأنه أرادوا أن يدفنوه، وكان ذلك اليوم حارا بشمسه المحرقة، وجاء الناس ليصلوا عليه صلاة الجنازة، وقد كانوا ألوفا، لأنهم كانوا يحبونه، ولما وقفوا للصلاة ضرّتهم حرارة الشمس، فأمر ابنه سليمان عليه السلام الصقور التي لها أجنحة عريضة أن تظلّل الناس، فبسطت أجنحتها من ناحية الشمس، وتركت الجهة الأخرى لتهب منها الريح، وكان الناس في الظلّ، والريح تهب عليهم من جانب، فخفف عنهم شدة الحرارة، وكان ذلك اليوم هو يوم السّبت.


بكى الناس عليه، وحزنوا حزنا شديدا، وورثه سليمان عليه السلام الذي قام بأعباء الحكم في بني إسرائيل من بعد أبيه، فمشى على سيرة أبيه من الحكم بالعدل، وهداية الناس إلى عبادة الله وفعل الصالحات.


النبي التالي سيدنا سليمان عليه السلام


تعليقات



×