رواية روح بلا مأوى الفصل السادس |
روح بلا مأوى
*
***
الهدوء ليس دائمًا معناه اننى بخير
لكن هناك هدوء نتيجة التخدر من الألم
****
كانت تجلس شاحبة الملامح تجلس فى الفراغ تحت السلم، ارتفع حاجبها بترقب وهو يقف امامها كالطود،
رمقته بنظرة واحدة كدليل على عدم اهمية وجوده
فهى ضائعة بين افتراضيات تعلم انها ستعيشها، اغمضت
عيناها الحارقتين من شدة التفكير، بينما هو رفع حاجبه
مستنكراً رد فعلها فتابع :
- انت مش سمعتينى؟!
وبعدين أيه اللى مقعدك هنا ؟!
نظرت نحو الأرض ثم اجابته بحزن يخيم عليها :
- انا ما اخدتش حاجة من فوق وكل حاجة زى ما هى
دلوقتى عايز أيه ؟!
وتغلغلت الدموع داخل عيناها ولم يكن لديها القدرة الكافية على اجابته ولا على حتى النظر فى وجهه
فهى فى نظره سارقة تمتمات صغيرة خرجت منها
لتنهى النقاش :
- الدنيا ليل خوفت أمشى دلوقتى مستنية الصبح
يطلع وامشى
حاول التحدث معها بلطف :
- طب ممكن نطلع فوق نتكلم ؟!
- لأ طبعا مش هطلع معاك الشقة انت فاكرنى أيه
هزت رأسها ثم اجابته بم يشبه الانفعال
تأفف بضجر قائلًا :
- طب ممكن تقومى نروح مكان عام نتكلم فيه مش
هنتكلم فى بير السلم كدة
انهى كلماته تاركًا اياها لتفكر، ثوانٍ قليلة وهزت رأسها
بالإيجاب كالمغيبة ربما يكون اخر قشة نجاة
****
-أيه رأيك فى العرض اللى عرضته ؟!
تلك الجملة التى نطقها كنان
ارتفع حاجبيها بسخط لكنها هدأت نفسها عن التلفظ بأى
كلمة خاطئة وردت باستنكار :
- حضرتك تعرفنى عشان تطلب تتجوزنى، بلاش
ده المفروض انك جيت ولقتنى واخدة شقتك ولا تكون
فاكرنى واحدة رخصية بقى .. بعدين انت تعرف ايه عنى
تابع محاولًا اقناعها بدون الكشف عن نواياه :
- ولا ده ولا ده الحكاية كلها إنى محتاج الشقة كام
اسبوع وانتى صعبانة عليا هتروحى فين ومينفعش
تقعدى معايا من غير مسمى .. وبعدين مش انتى
قايلة للناس كلها انك مراتى فين المشكلة والأهم
من كل ده انى هكتب الشقة باسمك مع ورقة طلاقك
ولو على اللى معرفوش عنك عرفينى انتى
رمشت عدت مرات وبدأت تهز ساقيها بتوتر قائلة :
- مفيش حاجة عنى ممكن تعرفها اصلًا
بعدين انت مستفاد أيه من ده كله
نظراته كانت تقتحم اسوارها وهو يجيبها بنبرة صوته الخشن :
- ولا حاجة بس فى حاجة اسمها ضمير
هساعدك بس مش اكتر بلاش نظراتك دية لو عايز حاجة
غلط ماكنتش قولت اتجوزك
لو موافقة هنكتب الكتاب بكرة وعند مأذون عشان تبقى
مطمنة
لم يكن طلبه منطقيًا او يدل على شخص سوى
لكنها ليس لديها رفاهية الرفض اين ستذهب
او بالاحرى ستذهب لمن فهى تتعامل طيلة
حياتها كأنها ستلوث من حولها
الخيبة ظهرت بائنة على وجهها كل ما تشعر به
الحيرة والخوف من العواقب لكنها كانت وستظل
اقوى من اى عقبة فى طريقها، ردت بثبات دون ان
يطرف لها رمش :
- انا موافقه بس امضى عقد الشقة مع عقد الجواز
ارجع جسده على المقعد وهو يجيبها باريحية :
- ديل
*****
فى اليوم التالى
كانت تجلس على المقعد وسط مشيخة الأزهر وامامها المنضدة وفى الجهة المقابلة يجلس المأذون يقوم بتدوين
البيانات، أخذت كيان شهيقًا لتمد رئتيها بالاكسجين
اكسجين لا ترغب به ولا بالحياة حياة تمدها بندبة جديدة فى قلبها، رفعت عيناها للجهة الأخرى برهبة وخوف حيث كان يقف هو مع شخص اخر لكن هى ليس
لديها خيار اخر ربما تكون الحياة عقدت معاها هدنة
على الجانب الأخر حدجه ضياء بنظرات ذهول
قائلًا بدهشة :
- انت بتهزر صح طب ما تكتب الشقة ليها من غير
جواز انت تعرفها ؟! طب فين اهلها دية ؟!
التوت شفتيه وتأفف قائلًا :
- مش غريبة إنى اكتب الشقة ليها وامشى ما كدة هى هتعرف ان وراها سبب ولو حاولت تدور كدة ابقى بورط
.بابا اكتر ادعيلى القى المقاول ده، انجز وهات بطاقتك
اطرق ضياء رأسه بخزى :
- معايا الباسبور ينفع اصلك كلمتنى ونزلت بسرعة
جز كنان على اسنانه قائلًا باستهزاء :
- لا الباسبور ده خليه ابقى....
صمت للحظة ثم قال وهو يغمز له :
- اتجوز بيه انت
توجه كنان يجلس على مقعده بكل هدوء بملامح غامضة، بينما هى تحدجه بنظرات ريبة شديدة والإرتباك جلى على ملامحها تحدث كنان بنبرة رجولية:
- كل حاجه تمام يا حضرة الشيخ
هز رأسه بابتسامة هادئة :
- تمام بإذن الله
بعد فترة قصيرة انهى المأذون اجراءات الزواج واصبحوا
زوج وزوجة رسميًا، كان ضياء يراقب الموقف ببلاهة
صديق عمره تزوج فى لمح البصر فتحمحم قائلًا :
- فى مناسبة زى دية انا المفروض احضنك ولا اواسيك
ولا اوبخك
رفع كنان حاجبه الايسر قائلًا بتحذير :
- تسكت خالص فاهم
التو ثغره بسخرية وتوجه نحو كيان ليمد يده بسلام
قائلًا :
- مبروك يا أحلى عروسة فى الدنيا
امتقع وجهها ثم نظرت ليده الممدود ونظرت له قائلة ببرود :
- انا اعرفك ايه عشم ابن خالتى ده .. انا مبسلمش على حد
سريعًا التقط ضياء يد كنان ليبارك له لحفظ ماء الوجه
وهو يهمس بجانب اذنه :
- ماشاء الله مش بس حرامية لا وكمان لسانها طويل
طلقها وانفد بجلدك احسن
*****
ولجوا لداخل الشقة وهى تقبض على حقيبة يديها
بقوة فهى بداخلها نجاتها، عقدين سيحددوا مصير
حياتها عقد قرانها وعقد الشقة امانها وسندها فى
الحياة لكن هل هو حبل نجاة ام دوامة أخرى
طاحنة ستواجهها بمفردها ازدردت ريقها واستدارت له تهتف بنبرة تحمل
التهديد والتحذير كى تخفى خوفها :
- بص بقى اما اقولك الجواز ده تحت ظروف
معينة والشقة بقت باسمى يعنى هتقعد هنا
بشروطى .. واوعى تفكر إنى هخدمك اه
او اصرف عليك كمان اصلا مش مرتحالك
اقترب منها كنان بخطوات بطيئة ثم مال عليها متسائلًا
بخفوت مرعب :
- انتى اتجنتتى انتى بتكلمينى كده ازاى؟!
اوعى نبرة صوتك تعلى تانى مين اللى يرتاح لمين ده انتى هجامة
رجفة بسيطه سرت بداخلها ثم استعادت ثباتها الزائف
وهى تضيق عيناها متسائلة :
- إلا بالحق انت شغال اية ؟!
ضيق كنان ما بين حاجبيه قائلًا باستنكار :
إلا بالحق ؟!! ايه اللغة دية ؟!!
انا دكتور تجميل .. جراحة تجميل
تشدقت كيان بغطرسة قائلة : - دكتور نفخ يعنى ايه التناكة دية
سقطت كلماتها عليه كصاعقة من السماء فوقف كصنم فى مكانه فاغر فمه وعيناه يحاول استيعاب الكلمة :
- عيدى تانى قولتى ايه انا دكتور ايه
اجابته بكل بساطه وهى ترى تحوله :
- دكتور نفخ معروفة
اقترب منها يجذبها من معصمها يهمس من بين اسنانه
بنبرة تحذير وتهديد :
- اسمعى بقى اما اقولك مش معنى انى سكت على السرقة انك تتمادى .. كلها كام يوم هخلص وامشى
بالنسبة لحوار الجواز ده بس عشان يكون فى مسمى
لقعدتنا هنا مع بعض مش عشان لسانك الطويل
فاهمة !! مش عايز دوشة !!
ترك معصمها ثم توجه صوب غرفته واخذ معه حقيبته
واغلق الباب بعنف فى وجهها انتفض جسدها على إثر
الخبطة ثم رفعت وجهها للأعلى تهمس بتضرع :
- يارب انا خايفة ومش عارفة اللى عملتوا صح ولا غلط
بس مش عايزة اترمى فى الشارع يارب ماليش غيرك
ثم استرسلت : ربنا يستر من دكتور النفخ ده
****
على صعيدًا اخر .. سارت تنظر حولها بانبهار منظر
الاشجار والنافورة والمياة وهدوء المكان يبعث فى نفسها
الراحه والطمائنينة ثم استدرات للذى يقف خلفها تهتف
بحماس :
- المكان هنا رووعة اوى يا طاهر تحفففة خالص
هو ده مكان المكتبة خلاص وكمان الإفتتاح هيبقى هنا
انا عايزة شغل دعاية جامد والحفلة كلها مسئوليتك
اجابها بابتسامة واسعة :
- بس كدة اوى اوى بس الست بيلا تؤمر واحنا ننفذ
الحفلة كلها تجهيزات اكل شرب ديزاينر كله عليا
تمتمت تؤكد على كلامه لكن كان هناك اعتراض بسيط :
- ميرسى اوى يا طاهر تعبتك معايا وعارفة ان فى حاجات مش تخصصك وانت عملتها عشانى بس
بلاش الأكل ده انا اعرف بنوتة من فترة وهى شاطرة اوى وهخليها تتولى موضوع الأكل ..
ابتسم لها بحنو ثم قال :
- متأكدة ده انا هتفق مع اكبر شيفات المطاعم حاجة
تليق بيكى
- البنت دية ممتازة مش هتصدق انها مش شيف فى اكبر المطاعم هتدوق وتحكم بنفسك فى الاحتفال
اجابها فى هدوء مشجع :
- رغم إنك عارفة مبحبش حد يتدخل فى شغلى بس
تمام اوى ندوق ونحكم
*****
قضت ليلتها ولم يغمض لها جفن، راقدة على الفراش
منكمشة على نفسها تنظر فى اللاشئ، فهى دائمًا فى
مواجهة صريحة مع الحياة، حتى انها من كثرة الصعاب
افقدتها القدرة على التمسك بغريزة الحياة، ابتلعت
ريقها بصعوبة بالغة فهى تخشى عواقب فعلتها وافقت
على الزواج كطفل صغير يريد العبث بشعلة الشمعة
المضيئة ولكنه لا يعى عواقب فعلته عواقب اللعب
بنار تشعر بالبؤس صبغ حياتها نهضت جالسة على
الفراش وهى تفرك وجهها بيدها عندما تسللت
اشعة الشمس لغرفتها فهى لم تستطيع النوم مع
شخص غريب داخل الشقة
****
فى صباح اليوم التالى وقف هو امام النافذة يتحدث بنبرة
صوت منخفضة اشبه بالهمس قائلًا :
- قولتلك يا ماما انا اللى فى دماغى ده مش جنان
ده واحد ورط اسم ابويا ومش هسكت حتى لو
عرفنا ننوم الموضوع بردوا مش هسكت
ثم تنهد بثقل يهمس : مش لازم تعرفى انا فين
ايوة بخير ارجوكى انا مش عيل صغير سلام
واستدار فخبط بها فتأوهت بخفوت وهى تعض على
شفتيها باستيحاء اقترب منها وهو يلقى نظرة متفحصه
إلى منامتها وحجابها الغير منضبط فهتف بنبرة غليظة
حادة :
- انتى واقفة عندك ليه انتى بتتجسسى عليا
انا مش قولت متقربيش من ناحيتى تانى
هندمت من وضع حجابها سريعًا وهى تحاول أن تظهر بدور الفتاة القوية فهتفت وهي مدعية البراءة :
- انا كنت معدية عادى من هنا وبعدين انت صوتك واطى ليه ها ؟!
جز على شفتيه وهمس من بين شفتيه :
- معدية عادى منين دية اوضتى ازاى تدخلى كده
اجابته مستنكرة :
- اه اوضتك بس فى شقتى انت نسيت
بعدين موطى صوتك كده وكلامك غريب هو انت
عليك تار يا كابتن ؟!
توسعت عيناه بذهول وهو يشير باصبعه لصدره هامسًا بشراسة :
- انا كابتتتن !!!
تمتمت فى برود مستفز قاصدة اثارة حنقه اكثر :
- ده انت كابتن وسيد الكباتن كلهم مالك بس
-اطلعى بره ... بره
قبل ان ينهى جملته دق الجرس فأولته ظهرها بكل غرور
واندفعت صوب الباب وادارت المقبض فطالعت وجه
ضياء وهو يحمل باقة زهور فامتعضت ملامحها وهى تهز رأسها متسائلة عن سبب وجوده ففطن لسؤالها
ومده يده بباقة الزهور :
- مبروك انا جاى ابارك ولا انا جيت فى وقت مش
مناسب هو كنان فين
مدت يديها تأخذ منه الباقة فى استغراب شديد
ووجه متجهم قائلة :
- انت عبيط جاى تبارك على أيه وامشى من هنا
ولو على صاحبك ابقى رنله ينزلك على القهوة
شعرت بخيال من خلفها وسمعته يغمغم بهدوء مخيف :
- امشى ادخلى جوا حالًا
تجاوز ضياء كنان وولج للداخل قائلًا :
- عنوفة اوى المدام
تجهمت ملامح وجهه ثم انقبضت وهى تعكس انقباض
مخيفً ثم تمتم مزمجرًا :
- مدام اية بس ؟!
قهقه بنبرة ماكرة وهو يغمز له بطرف عيناه قائلًا بنبرة
ذات مغزى :
- ايه ده انت بتعانى من مشاكل ولا حاجة ؟!
قول احنا ستر وغطا على بعض
صاح كنان بغضب هادر :
- ضييياء مش فايقلك على الصبح
رفع ضياء يديه عاليًا علامة الاستسلام وهو يكتم ضحكته
****
فى الظهيرة فى مكتب بيلا
تجلس وامامها كيان تسجل كل ملحوظه باهتمام جلى
حتى انتهت ورفعت رأسها إليها بابتسامة واسعة :
- ميرسى اوى لاختيارك ليا وثقتك فيا يا أنسة بيلا
ابتسمت بيلا بهدوء :
- اولا بيلا بس .. ثانيًا وده الأهم انا مش بجاملك فى
الشغل انتى بجد اكلك روعة ومتأكدة إنك هتشرفينى
قدام المدعوين المكتبة دية حلم عمرى يا كيان
المهم الديزاينر بتاع الحفلة جاى عشان تظبطوا مع بعض
نهضت كيان بابتسامة صافية قائلة :
- إن شاء الله اكيد .. بس ممكن الديزاينر اقابله يوم
تانى عندى محاضره وضرورى احضرها
أومأت بيلا براسها بهدوء بينما اندفعت كيان مسرعة
واولتها ظهرها وخرجت من المكتب، سارت فى
الردهة مندفعة حتى اصطدمت بصدر عريض فارتبكت
معتذرة وحاولت ان تتجاوزه فوجدته يعترض طريقها
ويقف امامها وعيناه مثبتة على وجهها قائلًا :
- طاهر حسين وحضرتك
رفعت اصبعها السروح بلا مأوى (٦)
****
الفصل السادس
***
فى بعض الاحيان تجبرنا الحياة على تجاهل اشياء،
وأن نصمت ونبتعد ونحن بأشد الحاجة إلى الوصال
لكن هذه ما تسمى بعزة النفس
***
وقف ضياء يحاول كبح مشاعره فى الاقترب منها ثانيةٍ
يطالعها من بعيد وهى وتفف وسط صديقاتها، بالأخير
انحلت عقدت قدميه وسار إليها بعد ما انصرفت صديقاتها، وقف خلفها ثم تحمحم فالتفت له باشراقة
لم ترَ العين فى جمالها فقال :
- كدة كتير عليا والله
بدت علامة استفهام على وجهها وسألته ببراءة :
- فى حاجه يا دكتور ضياء ؟!
تنهد ضياء وهو يحك مؤخرة رأسه :
- ضياء بس كفاية من غير دكتور
هزت رأسها بالايجاب :
- تمام
ثوانٍ وانضم لهم طاهر بابتسامة واسعة :
- ايه رأيك بقى يا دوك فى شغلنا
اجابه بابتسامة فاترة وهو يجز على اسنانه :
- جميل اوى زيك ياباشمهندس
ثم استرسل موجهًا حديثه لبيلا :
- الوقت اتاخر تحبى اوصلك فى طريقى
قهقهة طاهر وهو يضرب كتف ضياء بخفة قائلًا :
- لا دية شغلتى يا دوك انا بقيت السواق الخاص
بتاعها، سواق الهانم كده
احتقنت ملامح ضياء وهو يتمتم بخفوت :
- ابو غتاتك جدع رزل، دم أمك يلطش
ظن طاهر انه يحدثه فسأله :
- بتقول ايه يا دكتور ؟!
طالع بيلا بابتسامة واسعة :
- ده انت محظوظ بس
ثم انصرف ضياء واضعًا يده على قلبه قائلًا :
- طب ليه الغدر والخيانه دية، مش كنا متفقين مالناش
فى جو الحب والتلزيق ده عجبك سحلتى دية وراها
*****
وقفت كيان امام المرأة وهى تفك حجابها، مدت يديها تتلمس وجنتيها
المشتعلتين، لازالت اللحظات السابقة تسيطر عليها
تنظر لنفسها فى المرآة وهى تتأمل نفسها بضعف
قائلة بنبرة متألمة :
- يارب ماليش غيرك عارفة انى غلطت بس استرها
معايا لحد ما الجدع ده يمشى
تراجعت للخلف ترمى بجسدها على الفراش لتقع فى
النوم على الفور
*****
فى صباح اليوم التالى
وقفت على اعتاب الغرفة ترمق البهو بتوجس فوقعت عيناها عليه يرتشف قهوته، خطت قدمها للخارج بصمت
وهدوء، فما حدث ليلة امس جعلها تراه بشكل مخيف
وقفت فى المطبخ بارتباك تعد الفطور
لاحظ وهو يجلس على الاريكة المقابلة للمطبخ مدى توترها وتخبطها بين ادوات الطهى ابتسم وهو يقرص
مقدمة انفه محاولًا كبح ضحكاته على الفوضى التى
سببتها فى المطبخ من اجل كوب قهوة، نهض من مكانه
يضع كوب القهوة الفارغ فى الحوض ثم وقف وراءها
يبتسم قائلًا بجوار اذنها :
- معقول، مش سامع صوتك
ابتلعت خوفها ثم استدارت وهى تستند على الرخامة خلفها طرق على الباب انقذها منه
فرمقها بنظرة سريعة ثم هز رأسه وتجاوزها ليفتح
الباب، طالع وجه ضياء فالتوا ثغره قائلًا :
- نعم على الصبح خلفتك ونسيتك مش كلها
شوية وهقابلك
اغلق ضياء الباب خلفه، وسار للداخل :
- انت ازاى اصلًا تمشى امبارح من غير ما تقولى
وهو يسير للداخل وقعت عيناه على تلك الواقفه فى
المطبخ فابتسم ثم جلس امامها على المقعد قائلًا :
- صباح الجمال على اجمد شيف فيكى يا مصر
تلاشت ملامح القلق والتوتر وابتسمت برقة ثم قالت :
- صباح الخير
- ده ايه الصباح العسل ده اجمل صباح ده ولا ايه ؟!
صدح صوت كنان وهو يزمجر به فاكمل ضياء حديثه
معاها :
- قولت اجى الحق افطر من إيديكى فطرتى
هزت رأسها بالايجاب ولم تستطع ان ترفع عيناها من
ذلك الذى يقف امامهم كالبركان الثائر، التفتت له
ضياء ببرود قائلًا :
- ورايا نتخانق جوه براحتنا
******
وقف كنان وضياء فى الشرفة ينظران امامهما بصمت خرج كنان عن صمته قائلًا :
- خير يا ضياء ؟! ايه اللى جابك ؟!
صمت ضياء لحظة متنهدًا :
- شاغلة تفكيرى اول مرة اللى بيحصل ده
حابب اتكلم معاها اعرفها ومش مديانى فرصة
والبنى ادم اللى اسمه طاهر ده لازق ليها مش عارف
حاجة عنها كنان الموضوع لازم حل حاسس انه هيقلب
بجد
اغمض كنان عيناه وهو يسند بمرفقيه على سور الشرفة
ثم استقام فى وقفته معارضًا لحديثه :
- اللى هو ازاى مش يمكن بجد بيحبوا بعض مالك ياضياء
مفيش تفكير، بجد ازاى من يومين ؟!
ضياء بحزن بلغ ذروته تنهد قائلًا :
- مفيهاش ازاى وممكن من اول ساعة من اول نظرة
هى كده، على العموم متشغلش بالك سلام
سحب كنان نفسًا طويلًا ثم فرك وجهه بيديه مردفًا :
- استنى هنا .. انا هحاول اتصرف واعرف حكاية
الاستاذ اللازق ده
أوما برأسه ثم ضيق عيناه كمن يحضر افكاره لسرقة مصرف :
- هنعمل اية يا كبير نخطف طاهر ونهدده او نقتله ونرتاح منه
نظر له بقلة حيلة ثم تحدث من بين اسنانه :
- امشى يا ضياء استنى تحت هلبس ونروح ليها
الشركة وانا هناك هعرف بطريقتى
تحمحم ضياء :
- طب هفطر مع كيان الاول
- ضيييياء
صاح كنان بغضب، بينما رفع ضياء يده دلالة على علامة
الاستسلام وانصرف من امامه
*****
وصلا ضياء وكنان لمبنى الشركة وسار كنان بكل
هدوء وثقة مال عليه ضياء يهمس فى أذنه :
- ده مكتبها اهو
مال عليه كنان هو الاخر متسائلًا :
- مكتب طاهر فين ؟!
هم ضياء بالمعارضة فقاطعه كنان :
- هششششش انا عارف انا بعمل ايه
اشار ضياء على باب فى الجهة اليمين فتقدم كنان
وخلفه ضياء طرق على الباب ثم ولج للداخل
ابتسم طاهر بترحاب :
- اهلًا نورتونا .. نورت المكتب يا دكتور كنان
رمقه ضياء بنظرات حائرة، بينما تحدث كنان بثقة :
- امم، قصدك تقولى يا دكتور عشان اقولك يابشمهندس
قهقة طاهر :
- ابدًا، خلاص كنان
- طيب معلش الفترة اللى فاتت معرفتش اجى مع ضياء كنت مشغول ممكن اشوف الشغل والتصميم
تحدث كنان برزانة بينما رد عليه طاهر بعملية شديدة
وفتح حاسوبه وشرع فى فتح الملفات كان كنان
يتابع باهتمام شديد بينما كان ضياء يجلس على
الجمر ، انتهى كنان اوما برأسه ايجابًا قائلًا :
- لا الشغل ممتاز، ده كمان تصميم الافراح روعة
اكيد بعد الافراح دية كلها والشغل ده نويت على
الجواز
اشار طاهر إلى صدره ثم هز رأسه بالنفى :
- مين انا .. لا لا استحالة لسه مجتش اللى تهز قلبى
وتهدم حصونه
فجأة نط ضياء من على مقعده صائحًا :
- الله اكبر .. الله اكبر
جز كنان على شفتيه السفلية لاعنًا غباء صديقه
اما طاهر قطب حاجبيه باندهاش
لاحظ ضياء تسرعه فجلس على مقعده وهو يطالع
كنان بترقب ضحك كنان قائلًا :
- اخيرًا لقيت حد شبهك عشان كل ده
اصل دية وجهة نظر ضياء وماصدق لقى حد زيه
لا يعلم طاهر لِما صورة تلك المشاكسة ظهرت امامه
الآن، اومأ برأسه بالايجاب مردفًا :
- كنان انت مش معانا ؟!
رفع كتفه ثم قال غير مكترس للأمر :
- الصراحة ماليش فى الجو ده، اصل بحس ان الرومانسيات للبنات مش اكتر، يعنى اكيد الانسة بيلا
هى اللى تبقى نفسها مفتوحة للجواز بعد الشغل ده
اجابه طاهر بكل بساطة :
- لا بيلا بقى رافضه الفكرة كلها حاسس اننا مش
لايقين على الشغلانة دية
انهى جملته ثم نهض واقفًا مصافحًا طاهر قائلًا :
- طب يادوب نلحق نشوف المركز .. اسف عطلتك
*****
- انت غبى صح اللى عملتوا فوق ده
تلك الجملة اردفها كنان بعصبية
- ما خلاص بقى يا كنان عدت خلينا فى المهم هنعمل
ايه دلوقتى مع بيلا دية طلعت كده معقدة
اردف ضياء ساخطًا وهو يفتح باب السيارة
توسعت عين كنان وهو يضرب سطح السيارة :
- ايه هنعمل ايه دية ؟!
انا مالى لحد كده وخلاص اهى طلعت مش مرتبطة اكتر
من كده ميخصنيش وتبطل تحشرنى فكل حاجة
ثم إنك بتفتح باب العربية ليه ؟!
رفع ضياء حاجبيه مستنكرًا سؤاله :
- جاى معاك ياجدع انا جاى من غير عربيتى
اشار كنان برأسه على الباب وهو يزمجر قائلًا :
- اقفل الباب ده اقفلوا يا ضياء متعصبنيش
اغلق ضياء الباب مبتعدًا عن السيارة وهو يرمقه بسخط
ثوانٍ وكان كنان يجلس خلف عجلة القيادة وانطلق
مسرعًا فاصدر غبارًا فى الجو، لوح ضياء فى الجو
ليبعد آثار الغبار قائلًا :
- ما تلاقى ماما اللى جايبهالك، اه لو امه سمعتنى
*****
ولج طاهر لغرفة مكتب بيلا ثم اطلق صفيرًا :
- سيدى ياسيدى بقالى ساعة بخبط اللى واخد عقلك
ابتسمت باستيحاء فكيف تقول له أنه هو من يشغل
تفكيرها :
- بجد، سورى مانمتش كويس من امبارح الافتتاح
طير النوم من عينى
سحب المقعد وجلس امامها يسألها :
- بجد عجبك ؟!
- اووووى
قالت جملتها والسعادة تغمر روحها، ابتسم ثم اعتدل
فى جلسته متسائلًا :
- بيلا هو انت تعرفى كل البنات اللى كانوا امبارح فى الحفل
هزت راسها بالايجاب وبداخلها ينقبض تشعر بما هو قادم ابتلعت ريقها ثم اجابته :
- اكيد كل اللى كانوا موجودين اعرفهم
حك مؤخرة رأسه قائلًا :
- اصلى فى بنت كدة كنت شفتها مرتين وكل مرة
يحصل بينا تصادم، هبقى اجيب الفيديو وتقوليلى
مين ؟!
دب الصداع برأسها فقالت بتثاقل :
- تمام
رفع نظره لها فورًا وسألها سريعًا :
- صحيح الأكل كان روعة ، ايه رأيك نتعاقد مع البنت
دية وتبقى معانا فى كل الحفلات، انا ليه مش شفتها
امبارح المفروض تاخد باقى حسابها هى فين
تمتمت بوجه عابس :
- المفروض تيجى النهاردة او بكرة وقت ما تيجى هبلغك
***
فى المساء ولج كنان للشقة فوجدها تجلس على الاريكة وامامها التلفاز على احد القنوات الافلام الكارتونية ودموعها
تغرق وجنتيها، تنظر دون ان ترى شئٍ او لا تعى شئٍ تضع يديها على شفتيها تحاول أن تكتم شهقاتها
ظل واقفًا خلف الأريكة يوزع نظراته بينها وبين
التلفاز لا يجد سببًا لكل هذا البكاء وكأنها فقدت
احد افراد اسرتها للتو يرى العجز والخوف يسيطر عليها
بينما هى كانت شاحبة كالاموات فاقدة الحياة، حاضره امام التلفاز تشاهد فيلم كارتونى بينما هى فى عالم اخر
من الذكريات، مشاهد محفورة فى ذاكرتها تظل تخترق روحها ظنت ان الوقت هو المعالج لها، وانها تعافت لكن
مازالت روح الطفلة بداخلها تتألم
استدار ليقف امامها تشنج جسدها فور رؤيته ونهضت
مسرعة تخفى دموعها وهى تنظر للأرض لكن دموعها
العالقة باهدابها اعاقة الرؤية فتعركلت فى طرف السجادة وكادت ان تسقط لولا يديه التى حالت بينها
وبين السقوط قائلًا :
- فى ايه مالك ؟!
حصل حاجة ؟! انتى كويسة ؟!
فلتت منه مسرعة دون ان تنبس بكلمة واحدة واندفعت إلى غرفتها تتوارى بين حيطانها اما هو تنهد بثقل وهو يرتمى بجسده على الاريكة خلفه قائلًا :
- وبعدين بقى مع البنت دية
*****
فى صباح اليوم التالى
- صباح الخير، طلبتينى ؟!
تلك الجملة اردفها طاهر وهو يجلس امام بيلا
اغمضت عيناها وتنهدت بثقل قائلة :
- صباح النور يا طاهر، كنت عايزاك تحضر باقى حساب
كيان هى جاية دلوقتى وبالمرة لو عايز تتفق معاها
تبقى معانا
طرق باصابعه على سطح المكتب ثم تحمحم قائلًا :
- تمام الحسابات جهزوه اصلًا، امممم انا كنت نزلت فيديو
الافتتاح على الفون وكنت عايز اسالك على البنت
دية
رمقته بنظرة مستاءة ثم عقدت حاجبيها بتشكك قبل
ان تسأله :
- هى مهمة اوى كده ؟!
ابتسم وهو يمرر يده بين خصلات شعره قائلًا :
- هى الحكاية
قطع كلماته طرق الباب، فرفعت بيلا نظرها صوب الباب
فطالعت السكرتيرة قائلًة :
- الانسة كيان بره
هزت رأسها بعملية :
- تمام دخليها
ولجت كيان للداخل بابتسامة واسعة قائلة :
- صباح الخير
ابتسمت بيلا :
صباح ..
لكن طاهر لم يعطيها فرصة للرد، بلحظة اصبح امامها
وهو يقول :
- انتى ؟!
*****بابة فى وجهه محذرة :
- امممم.. طريقة جديدة للشقط.. ابعد عن وشى بالطريقة الرخيصة دية
وهمت بالرحيل ثم اعترض طريقها مجددًا :
- مش بعاكس على فكرة انتى متأكده اننا منعرفش بعض قبل كدة
تأففت بضجر وانطلقت فى طريقها بينما هو ظل يحدق
بها وهو يهمس :
- الشبه الجامد ده حقيقى يخلق من الشبه اربعين !!
يتبع ....