الفصل الرابع والعشرون
عندما هبط نوح إلى حفلة السمر التى أقامها زملائه جلس معهم وهم يتناوبون الضحكات والقفشات ولكنه بعد فترة عندما أدار بصره لاحظ عدم وجود أمانة مع نيللى وخديجة وعندما سأل عنها إجابته نيللى بأنها صعدت غرفتهم منذ أكثر من ساعة لصلاة العشاء ولم تعد منذ صعودها
خديجة : شكلها نامت ، اتأخرت اوى
أسامة : طب انا هطلع أشوفها كده وااجى
ليذهب أسامة للاطمئنان ن على أخته ولكنه عندما صعد لغرفة أمانة ظل يدق الباب ولكنه لم يتلقى اى إجابة وعندما فتح باب الغرفة وجدها فارغة فبحث عنها فى الشرفة فوجدها أيضا فارغة فعاد إلى الحفل يبحث عنها بعينيه وعندما لم يجدها أيضا استبد به القلق واتجه إلى نوح قائلا : انا مش لاقى أمانة ولا فى اوضة البنات ولا هنا ، تبقى راحت فين
نوح ببعض القلق : يعنى ايه مش لاقيها ، هتكون راحت فين يعنى
أسامة : بقوللك مالقيتهاش فوق ، واهوه...مش موجودة كمان هنا
نيللى بقلق : يمكن كانت فى الحمام يا اسامة
أسامة : بصيت فيه وفى البلكونة كمان وقعدت انده عليها مالهاش أثر
خديجة : طب بصيت فى الأوفيس ، يمكن حبت تعمل حاجة تشربها
ليتركهم نوح متجها إلى المطبخ باحثا عنها ولكنه عاد سريعا وهو مخطوف الوجه قائلا ببهوت : مش موجودة
ليتجه أسامة مسرعا إلى وسط القاعة ليمد يده ويغلق التلفاز وهو يقول : معلش ياباشمهندسين بس احنا مش لاقيين أمانة عاوزين ننتشر وندور عليها
ليهرع الجميع وهم يقتسمون أماكن البحث فيما بينهم
وبعد حوالى عشر دقائق قضاها الجميع فى رعب قاتل سمعوا صوت أحد المهندسين وهو ينادى بصوت جمهورى : لقيتها ياباشمهندس ...قاعدة على البحر... بخير ماتقلقش
ليهرع إليها نوح واسامة وتلحق بهم نيللى وخديجة وعندما وصلوا إليها
أسامة بقلق بالغ : كده برضة يا أمانة تخضينا عليكى ، مش تقولى ياحبيبتى انك جاية تقعدى هنا عشان مانقلقش عليكى
وقبل أن تجيبه أمانة بأى كلمة كان صوت نوح الغاضب يغطى على صوت امواج البحر وهو يزبد ويقول : انتى ايه الاستهتار وعدم المسئولية اللى فيكى دا ، خلاص للدرجة دى ماعندكيش عقل تفكرى بيه ، فاكرة نفسك فى سان استيفانو واللا ميامى عشان تروحى تقعدى على البحر بكل بساطة من غير ماتدى خبر لحد
ناسية أننا فى مكان لسه شبه مقطوع والله أعلم ممكن يبقى فيه ايه ، واللا لو وقعتى فى الماية وغرقتى من غير ماحد يحس بيكى وتجيبيلنا مصيبة
بعد أن انتهى نوح من تفريغ شحنة غضبه ساد الصمت فجأة الا من صوت امواج البحر ترفع أمانة رأسها إلى نوح وتقول بهدوء عكس مايعتمل بداخلها من غضب : ماتقلقش لو حصللى حاجة ماحدش هيشيل مصيبتى غيرى
وعندما تنبه نوح إلى ما تفوه به قال ومازال صوته يحمل بعض الغضب : وهو انتى لاقدر الله لو حصللك حاجة دى مش هتبقى مصيبة لينا كلنا ، انتى رعبتينا من القلق عليكى واحنا مش عارفين حصللك ايه
لتستدير أمانة بهدوء متجهة إلى السكن بعد أن قالت لنوح بصوت شبه هامس : اللى مغصوب على حد مش المفروض يقلق عليه
ثم قالت بصوت عالى : ياللا تصبحوا على خير
يقف نوح مصدوما مما سمعه وكأن دلوا من الماء المثلج قد انسكب فوق رأسه جمده بمكانه دون حراك أو أى رد فعل وقد علم أنها سمعت لحديثه مع غادة
نيللى بعتاب: احنا كلنا كنا هنموت من القلق عليها ، بس برضة يانوح انت قسيت عليها اوى ، كان حتى تتطمن عليها الاول وبعدين تعاتبها ، ربنا معاك بقى وترضى تصالحك
خديجة : طب ياللا بينا يانيللى نطلع لها نتطمن عليها ونطيب خاطرها بكلمتين
يذهب أسامة مع نيللى وخديجة وهو يحرك رأسه بغير رضا عما حدث دون أن يعقب بأى كلمة ليتركوا نوح مكانه وهو ينظر إلى تتابع امواج البحر وتلاطمها وهو لا يدرى ما العمل لإصلاح ما اقترفت يداه
…………………….
عندما دلفت نيللى وخديجة إلى الغرفة بصحبة أسامة وجدوا أمانة متجهمة على فراشها ولكنها بدلت ملابسها استعدادا للنوم
أسامة : أمانة ...انا عارف انك زعلتى من أسلوب نوح معاكى ، بس لازم تعذريه
خديجة وهى تحاول التشويش على ماحدث : الصراحة يا أمانة لو كنتى شفتيه وهو عمال يدور عليكى كنتى قلتى أنه اتجنن ، ده كان شوية وهيموت من الرعب عليكى
لتجلس نيللى بجوار أمانة وهى تقبل رأسها بحنان قائلة : سيبكم من كل ده ، انتى ليه روحتى قعدتى لوحدك على البحر ياحبيبتى ، كان فى حاجة مضايقاكى
لتنظر أمانة لاختها وقالت بخفوت : انا كويسة يا نيللى ماتقلقيش ، انا بس حسيت انى محتاجة اقعد مع نفسى شوية ، ويمكن عندكم حق ، كان لازم اديكم خبر قبلها عشان ماحدش يقلق عليا ، واوعدكم انى مااكررهاش تانى
ينهض أسامة وهو يقبل أمانة قائلا : طب ياحبيبتى انا هسيبكم بقى عشان تناموا وهروح انا كمان عشان انام ...ياللا تصبحوا على خير
…………………
يجلس نوح فى نفس الموضع الذى كانت تجلس فيه أمانة وهو يلعن غبائه ، فهو يعلم جيدا أن الشرفة مشتركة بين الغرفتين ، كيف تاه عن باله أن مكالمته فى هذا المكان معرضة لان يسمعها اى من كان ، كيف وضع نفسه فى هذا المأزق وماهى طريقة الخروج منه
وظل على جلسته وهو غارق فى التفكير حتى تفاجئ بأحد الغفراء وهو ينادى عليه بفضول قائلا : هو انت هتفضل قاعدة كده كتير ياباشمهندس احنا بقينا نص الليل والقاعدة كده غلط عليك
لينظر نوح إلى ساعة يده ليجد أن الوقت قد تخطى الواحدة ليقف مادا يدية وهو ينظف ملابسه واتجه إلى السكن قائلا : تصبح على خير
وعندما وصل إلى مبنى السكن وجد أن الجميع قد دخلوا إلى غرفهم ، ليتجه هو الآخر إلى غرفته ليجد أن أسامة قد استغرق فى النوم ، ليقوم بتغيير ملابسه ولكنه بدلا من الدخول بفراشه قام بالدلوف إلى الشرفة وإشعال سيجارته وهو ينقل عينيه بين سيجارته وبين باب شرفة أمانة والتى تجاور باب شرفته دون اى فواصل ليلعن غبائه للمرة التى لا يعلم عددها ثم عاد للغرفة وأندس فى فراشه وهو ينادى نعمة فى سريرته قائلا : شكلها خربت يانعمة وانا اللى خربتها بايدى
………………….
فى اليوم التالى عندما هبط الجميع إلى الاستراحة لتناول افطارهم قبل بداية العمل ، لم تكن أمانة وسط الموجودين وعندما بحث عنها بعينيه وجد أسامة يربت على كتفه قائلا : فطرت من بدرى وخدت النسكافيه بتاعها وراحت على موقع ج
نوح بتساؤل : واشمعنى موقع ج يعنى
أسامة : قالت إن حاتم طالب منها تصورله حاجات هناك وتبعتهاله
ليشعر نوح بشئ من الاحباط ولكنه اومئ برأسه واتجه هو الآخر للعمل
أسامة : مش هتفطر
نوح دون أن يستدير له : ماليش نفس
اتجه هو الآخر إلى المكان الذى علم بوجودها هناك ، ووجدها تقوم بمسح الموقع وتصويره بمساعدة أحد المهندسين
نوح بصوت عالى : السلام عليكم
ليرد الجميع السلام لكن دون أن تتوقف أمانة عن عملها أو حتى تنظر إليه
نوح : خلصتوا قياس واللا لسه
أمانة دون الالتفات له أيضا : لسه فاضل ضلع
نوح : طب سيبى محمود يخلصه هو وتعالى عشان عاوزك
أمانة بلا مبالاة : مش هينفع ، قربنا خلاص نخلص ، عشان حاتم مستعجل على الحاجات دى
وما أن سمعها تتلفظ باسم حاتم مجردا دون اى القاب حتى شعر بالغيظ منها ومن نفسه فقال : طب انا هساعدك عشان تخلصى بسرعة وما أن وصل إليها وهو يساعدها فى ضبط زوايا الاتها حتى التفتت ايه قائلة : انت كده مش هتتعطل
نوح : لا
أمانة وهى تتركه وتتناول بعض اللوحات من الأرض : طب تمام ، كمل انت بقى مع محمود وانا رايحة لنيللى هسلمها شوية حاجات
ليشتم نوح تحت أنفاسه فقد تخلصت من وجوده معها بحنكة دون أن تلفت الأنظار وتركتهم وذهبت دون أن تزيد كلمة واحدة ليشتد غضب نوح ولكن قد أسقط فى يده وعجز عن اتخاذ أى رد فعل
……………………
ظل الحال على ماهو عليه لمدة خمسة أيام كلما حاول نوح الاجتماع مع أمانة فى اى مكان أو الاختلاء بها للحديث معها إلا وكأنها تتفنن فى الطريقة التى تبتعد بها دون أن يلحظ أحد ، ولكن بالطبع كان إخوتها يراقبون ما يحدث فى صمت دون تعليق او تدخل حتى فاض الكيل بنوح ، على الرغم من أنه غير متأكد مما سيقوله لها ولكنه فى كل مرة ينسى ارتباكه ليحل محله الغضب من فشله فى التحدث معها
حتى ذات يوم ، كان نوح يراقب أمانة وهى تشرح لاحد المهندسين العمل المراد تنفيذه فى أحد البنايات وعندما استدارت وهى تشير له على أحد الأركان حتى اختل توازنها ووجدت نفسها تترنح وهى تعد نفسها للسقوط لامحالة على بعض اسياخ المسلح لتجد نوح يجذبها بسرعة ليختل توازنه ليسقط بدلا منها ، لتجد أمانة أن قميص نوح قد تلوث بالدماء نتيجة اختراق أحد الاسياخ لاحد جانبيه
لتصرخ أمانة وهى تستدعى الموجودين بالمكان لحمل نوح الذى غاب عن الوعى لاسعافه
…………………
فى المشفى
تجلس أمانة بجوار فراش نوح الغائب عن الوعى بعد خروجه من غرفة العمليات وتقطيب جرحه وهى تمسك بالمصحف الشريف وتتلو آيات الذكر الحكيم فى خشوع وهى تمسك بيدها على رأس نوح ، وصوتها يتهدج من اثر البكاء
أسامة : وبعدها لك يا أمانة ، ما الدكتور طمنا وقال إنه هيبقى كويس إن شاء الله
أمانة : اتصاب بسببى يا اسامة ، انا السبب
أسامة : ياحبيبتى ماتقوليش كده ، ده نصيبه ، بيكى من غيرك كان هيحصلله كده
أمانة : بس ربنا جعلنى سبب فى ده ، الدكتور بيقول أن الكلى كانت هتتهتك لو لا قدر الله السيخ كان فرق سم واحد
أسامة : والحمدلله إن السيخ مافرقش السم ده ، خلاص بقى ...ياللا قومى عشان تروحى تستريحى وانا هفضل معاه
أمانة : لا ...مش هسيبه، روح انت ، كفاية انا ولو عوزت حاجة هكلمك
أسامة : مش معقول هسيبك لوحدك يا أمانة وفى مدينة غريبة ماتعرفيش فيها حد
أمانة : انا مش هخرج من المستشفى يا اسامة ، ومش هروح فى حتة ، بس مش هقدر اسيبه لوحده ، ابقى تعالى بكرة وخلى نيللى تبعتللى معاك هدوم ليا وانت ابقى هات غيارين معاك لنوح من حاجته
أسامة : ماشى ..حاضر وهجيبلك الغيارات الليلة دى ، اكيد مش هتفضلى كده للصبح
أمانة : معلش ياحبيبى هتعبك
أسامة : ولا تعب ولا حاجة ، ياللا مش هتاخر عليكى ، ولو احتاجتى اى حاجة تانية كلمينى اجيبهالك
ليتركها أسامة عائدا إلى الموقع ، لتنظر إلى نوح لتجده مازال غائبا عن الوعى لتحدثه قائلة : ليه يانوح ...ليه عملت كده ، ليه طوقتنى من رقبتى .. ماكنت خدت قرار البعد ..ليه
وليه خدعتنى من البداية ، هو ظلمك ليا ده مالوش اخر ، وانا اللى صدقتك وسلمتك عصمة امرى ، طب اعمل ايه واقوللهم ايه لما يسالونى ليه عاوزة اسيبك
ليأتيها صوت نوح وهو بين النوم والاستيقاظ : حاسبى ...حاسبى يا أمانة
لندنو منه واضعة كفها على رأسه وهى تنادى باسمه بهمس ، ليفتح عينيه بضعف شديد وعندما تلاقت أعينهم وجدته يبتسم لها قائلا : سامحينى ويغمض عينيه ذاهبا إلى نوم عميق مرة اخرى