رواية نوح والامانة الفصل التاسع والعشرون


 الفصل التاسع والعشرون

كان نوح يحمل امانة ويجرى مهرولا فى طرقات المشفى وهو يتوسل من يساعده وسط بكاء امانة وتأوهاتها التى لم تتوقف حتى وضعوها على حامل الاشعة ، وقاموا بعمل اكثر من اشعة لكتفها وذراعها الايسر من اكثر من جهة وبعد ان فرغوا ساعد نوح امانة على الاعتدال ، ثم تركها واتجه خارجا ليتحدث مع الطبيب المختص وما ان وجده حتى سأله بلهفه عما يوجد بالاشعة والذى اجابه بعملية شديدة قائلا : كتفها اتعرض للخلع و محتاجة انى اعمللها رد لكتفها ولازم تعرف انها هتتوجع وبشدة من الاجراء ده
نوح : ارجوك اعمل اى حاجة وبسرعة واديها حاجة تسكنها ، كفاية اللى شافته
الطبيب : هو اللى حصللها ده ازاى
ليقص نوح ماحدث بالتفصيل للطبيب
الطبيب : طب حد كشف على ظهرها
نوح : لا ، احنا جينا على الاشعة على طول
الطبيب : بعد ما اردلها كتفها ، لازم حد من الجراحة يبص على ضهرها عشان يتاكد ان مخالب الكلب ما اذيتهاش ، لان ممكن تكون اتجرحت بس الم كتفها مغطى على الم الجروح
نوح : طب ممكن ابقى موجود وانت بتردلها كتفها
الطبيب : انت تقربلها ايه
نوح : انا جوزها
الطبيب : مافيش مشكلة ، هم حاليا ودوها على الاوضة اللى هعمللها فيه الرد ، تقدر تيجى معايا
وعندما وصلوا الى هناك وجدوا امانة تبكى بشدة وهى تنادى نوح ليهرع اليها ما ان سمع صوتها وهو يضمها اليه قائلا بحنان شديد : حبيبتى ماتخافيش انا معاكى اهوه ، انا بس كنت بورى الاشعة للدكتور
امانة بنحيب : موجوعة اوى يانوح
نوح وقد بدأت عينيه تموج بالدموع وهو يشعر بعجزه عن ايقاف ألمها : حبيبتى انتى كتفك اتخلع وعشان كده الوجع جامد فالدكتور دلوقتى هيردلك كتفك ويديكى مسكن ، وكلها كام يوم ان شاء الله وهتبقى زى الفل
امانة وهى تنتحب كالاطفال : لا مش عاوزة ...مش عاوزة لا ..هتوجع زيادة مش قادرة اتوجع اكتر من كده
نوح وقد شعر بان قبضة ما تعتصر قلبه اخذ يهمس بجانب اذنها : والله لو كان ينفع كنت خدت منك كل الوجع ده واتوجعته مكانك ، حقك عليا ، سامحينى
ليشعر بان امانة وكان كلماته جعلتها تسهو قليلا عن الامها لينظر للطبيب بان ينتهى من عمله بسرعة ، وما ان اشار نوح للطبيب وقام الطبيب بامساك كتفها وقام برده فى خطوة واحدة لم تتخطى نصف الدقيقة حتى صرخت امانة صرخة عالية انخلع لها قلب نوح فما كان منه الا ان كتم صرختها بشفتيه ضاما وجهها بيديه



كان النقاب حاجزا بين شفتيهما ولكن نوح عندما رفع شفتيه بحث عن عينيها من خلف نقابها ولكنه وجدها مغمضة العين مأخوذة الانفاس ومازالت انفاسها تتهدج من اثر نحيبها ، ليضمها نوح الى صدره وسط غمزات وهمسات التمريض ولكنه لم يأبه باحد اخذ يردد بعض ايات الذكر الحكيم بصوت هادئ محبب الى النفس حتى هدأت امانة لتسمع صوت الطبيب قائلا : هنحتاج نديها حقنة مسكنة
ليقول نوح مسرعا : لا ، اديها اقراص ، بتخاف من الحقن
لترفع امانة عينيها وهى تنظر اليه محدثة نفسها : لسه فاكر
لينظر اليها نوح وهو يقول : وكمان الحقن بتفضل معلمة فى جسمها وبتوجعها فترة
الطبيب بعملية : خلاص تمام ، يبقى تجيبلها الاقراص دى انا كتبتلها على دهانات لازم تستعملهم بانتظام ، وهتحتاج لعلاج طبيعى بعدها بس لازم اشوفها الاول كمان مرة بعد عشر ايام ونعمللها اشعة تانى عشان نتاكد ان الرد كان مظبوط
نوح وهو يساعد امانة على النهوض : انا متشكر جدا يا دكتور
الطبيب : لا شكر على واجب وماتنساش تعدوا على الجراحة زى ماقلتلك
امنة بخوف : الجراحة ...ليه
نوح وهو يومئ للطبيب ويصطحب امانة للخارج : ماتخافيش ياحبيبتى ، انا بس لما حكيت للدكتور على اللى حصل قاللى ان لازم دكتور جراحة يبص على ضهرك لا يكون الكلب جرحك بمخالبه وانتى لسه مش حاسة بيه بسبب وجع كتفك
امامة : طب خلى واحدة من الممرضات تبصلى عليه بلاش دكتور
ليقبلها نوح من رأسها قائلا : حاضر
ليجلسها على احد المقاعد ويذهب ليدبر امر تلك الممرضة ليعود اليها ومعه الممرضتان اللتان كانتا بصحبتها مع طبيب العظام واصطحباها الى غرفة اخرى ليطمئنا على ظهرها وسألها نوح ان كانت تحتاج اليه معهما لتسرع بالرفض وسط اندهاش الممرضتان وعند اغلق الباب بدأت الممرضتان فى الكشف عليها اثناء هذا الحوار
الممرضة ١ : الا هو انتى اسمك ايه
امانة : اسمى امانة
الممرضة ٢ : امانة… اسمك حلو اوى وجديد
الممرضة ١ : هو اللى معاكى ده يبقاللك ايه
امانة : خطيبى
الممرضة ١ بشهقة عالية : كل ده ولسه خطيبك اومال نقاب ايه ده بقى
امانة وقد فهمت مقصدها : هو كاتب كتابى على فكرة ، وابن عمى ومتربيين طول عمرنا سوا من صغرنا
الممرضة ٢ : بس باين عليه بيموت فيكى ، ده الود وده يشيل عنك الوجع ، ربنا يخليكم لبعض
لتشعر امانة بلسعة برودة على ظهرها لتنكمش على نفسها وهى تقول : ايه ده
الممرضة ١ : ماتخافيش دى خرابيش بسيطة وانا هتطهرهالك بس وهحط لك عليها بلاستر وهتحتاجى تغيرى عليه مرة او اتنين وخلاص
وبعد ان خرجوا من الغرفة ذهبت الممرضة ١ الى نوح وشرحت له ماعليه فعله ليقترب نوح من امانة وهو يعطيها قرص مسكن ويناولها زجاجة مياه قائلا : خدى يا امانة القرص ده المسكن هيسكنلك الالم ان شاء الله
لتلتقطه امانة من يده وتتناوله من فورها وهى تقول : انا عاوزة امشى بقى حاسة انى عاوزة انام
نوح وهو يلتقط يدها الغير مصابة : ياللا ياحبيبتى
…………………
وصل نوح وامانة الى الموقع ليجد الهدوء التام ولم يجدا غير الغفر وهم مجتمعين حول بعض النيران يلتمسون الدفء ، ليساعد امانة على الصعود الى غرفتها وانار لها الغرفة ثم قال : ها ياحبيبتى عاوزانى اعمللك ايه
امانة : ولا حاجة انا هنام
نوح وهو يتجه الى حافظة الملابس : طب اطلعلك حاجة تلبسيها
امانة : انا مش هقدر اغير حاجة ، انا هنام زى مانا كده
نوح بتنهيدة : تحبى افضل معاكى على ماتنامى
امانة : لا يانوح ، انا هشغل القرآن جنبى وان شاء الله هنام على طول
ليتجه نوح اليها ليقوم بخلع نقابها عنها وسط اعتراضها ولكنه استمر فيما يفعله قائلا : بلاش مقاوحة يا امانة لو سمحتى ، مش هتعرفى تقلعيه لوحدك ولا النقاب ولا الخمار سيبينى اساعدك لو سمحتى ، وبعدين ما انا اللى غيرتهولك قبل مانروح المستشفى
امانة بامتعاض : انا ماكنتش مركزة مع حاجة من الوجع
نوح بابتسامة : طب ياستى معلش تمى جميلك وخليكى مش مركزة ، والحمدلله انها جت على كده ، ثم نظر اليها لبرهة وهو يركز بعينيها دون ان يتحدث ، لتعلو الحمرة وجنتى امانة لتتنحنح قائلة : فى ايه ، بتبصلى كده ليه
نوح بفضول : لو قلتلك هتصدقينى
امانة : جرب
نوح بتنهيدة : انا مش عارف اجيبهالك ازاى ، بس …. لما حصل اللى حصل وشوفتك قدامى وانتى موجوعة وانا مش قادر اشيل منك الوجع ده ،حسيت بالعجز ، ولاول مرة فى عمرى ده كله اكتشف انى …….
وعندما طال صمته قالت امانة وهى تحثه ان يكمل حديثه : انك ايه
نوح وهو يمسك بكف امانة الغير المصاب بيسراه واخذ يخط كلمة ما على باطن كفها بيمناه وعندما تاهت امانة مع ماخطه نوح رفع وجهه اليها وهو يلثم باطن كفها برقة قائلا : بحبك
ليسود الصمت بينهم لمدة من الزمن لم يحتسباها او يعلما عنها ولكن فجأة انتفضت امانة من مكانها وهى تغمض عينيها وتسحب كفها من بين كفى نوح لتقول : انا تعبانة اوى يانوح ومحتاجة انام
ليتنهد نوح ويقول : عندك حق نامى انتى ياحبيبتى وانا هخبط عليكى وقت الدواء بتاعك
امانة : ماتتعبش نفسك انا ….



نوح : ياريت تسيبينى اتعب ...ممكن
امانة باستسلام : اللى يريحك
نوح : طب ياللا اتعدلى عشان اغطيكى
امانة باعتراض : روح يانوح لو سمحت وانا هتعدل وانام
نوح باصرار وهو يساعدها على اخذ وضع النوم : اتعدلى بالراحة ..ايوة كده ياللا عشان اغطيكى
وظل يعدل من وضع نومها حتى لا تتالم اثناء نومها حتى استقرت على وضع مريح بالنسبة لها فقام بتدثيرها وهو يداعبها قائلا : شفتى انك لمضة على الفاضى ، ولا كنتى هتعرفى تعملى حاجة من غيرى
امانة بابتسامة صغيرة ،: تعبتك معايا ..متشكرة
ليجلس نوح بجوارها وهو يقول بقلق : متاكده انك مش هتحتاجينى جنبك الليلة دى على الاقل
امانة : لا ماتقلقش ، ان شاء الله هنام على طول
ليقوم نوح بوضع هاتفها فى مرمى يدها قائلا : طب خلى تليفونك جنبك لو حسيتى باى وجع او احتاجتى اى حاجة كلمينى على طول
امانة بامتنان : ماشى
لتتفاجئ امانة بنوح وهو يميل عليها ليقبل جبينها ثم يعتدل قائلا : تصبحى على احسن حال ان شاء الله
امانة : وانت من اهله
ليذهب نوح مغلقا الباب من خلفه ليفتح بابا اخر فى نفس امانة ، وظلت تسأل نفسها : حبك بجد يا امانة ، واللا بس بيقوللك كلمتين ينسيكى بيهم الكلام اللى سمعتيه ، بس انا كنت حاسة انه خايف عليا بجد ، شفت دموعه اللى عمرى ماشفتها قبل كده غير وقت موت نعمة ، حتى ماشفتهاش فى موت عمى
معقول عشان صعبت عليه بس ، لا نوح مشاعرة عمرها ماكانت لحظية ، طب هصدقه واللا لا ، هسلمله واللا لا ...يارب دلنى على الصح واللى فيه الخير
لتغفو امانة وتذهب فى نوم متقطع فكانت تصحو على الم كتفها كلما حاولت التقلب اثناء نومها ثم تعود للنوم مرة اخرى وظلت هكذا حتى الصباح
اما نوح فبعدما ذهب الى غرفته ذهب الى الشرفة ليدخن سيجارته وهو لا يشيح نظره عن باب شرفة امانة وهو يحاول فهم ماحدث منه تلك الليلة وهو يحادث نفسه : امتى يانوح ...فجأة كده حبتها !! ، ده انت كنت هتموت من قلقك عليها



اللى حسيته ده حب اكيد مش حاجة تانية ، حاجة عمرك ماحسيتها ولا دوقتها ، ازاى افتكرت انها بتخاف من الحقن ، دى حاجة عدت عليها سنين طويلة اوى، وازاى افتكرت انها بتعلم فى جسمها وبتوجعها ، دى كانت لسه فى ثانوى لما تعبت وحصل الكلام ده ، بس فاكره ومخزنه جوه دماغك ، يعنى تهمك يانوح ومن زمان ، طب كنت بتكابر المكابرة دى كلها ليه ، ليه كنت بتتعمد تضايقها ، وتوجعها رغم انك طول عمرك عارف انها بتحبك وبتعشقك كمان ، ونعمة اكدتلك ده يوم ماطلبت منك تتجوزها
طب لما انت كمان كنت بتحبها ليه ماعترفتش حتى لنفسك بده ، كنت هتوفر على نفسك كتير اوى ، يمكن حتى ماكنتش سافرت ، كنت بتهرب منها ليه يانوح ، مش كان زمانك نفذت الوصية وصنت الامانة من زمان
طب هتصدقنى وتسامحنى واللا هتفضل فاكرة اللى سمعته بس ، لينظر الى السماء داعيا الله ان يلهمه الصواب وان تتآلف القلوب
ثم يذهب الى الداخل مغلقا الشرفة ليضع نفسه بالفراش بملابسه كما امانة ليتدثر وهو ممسك بهاتفه حتى يجيب امانة سريعا اذا حدثته وذهب فى نوم عمييق لم يصحو منه الا فى التاسعة صباحا على صوت الهاتف

تعليقات



×