رواية نوح والامانة كاملة بقلم ميمي عوالى


 الفصل الاول

فى أحد الأحياء المتوسطة بالقاهرة وفى العشر الاواخر من شهر رمضان الكريم والذى يفرض جو من الروحانيات الجميلة
كانت هناك فتاة منتقبة تسير باتجاه منزلها باعتدال وهى منكسة رأسها وكأنها تحصى خطواتها حتى وصلت إلى بنايتها وصعدت حتى وصلت إلى إحدى الشقق وأخرجت مفتاحها ودلفت إلى الداخل وهى تقول : السلام عليكم ، انا جيت يامراة عمى
لكنها لم تسمع سوى صوت خرفشة يصدر من صالة الشقة وعندما تقدمت للداخل وجدت زوجة عمها التى تعدت الخمسون من عمرها تنحنى ارضا وهى تمسك بفرشاة وتقوم بحك سجادة ضخمة مليئة بالماء والصابون
أمانة : كده برضة يا مراة عمى ، مش قلتلك استنينى على ما ارجع وانا هعملها
نعمة وهى تلتقط أنفاسها : يا بنتى الدنيا صيام وانتى بتبقى راجعة من الشغل تعبانة
أمانة وهى تجذبها لتعتدل وتنهض من انحنائها : قومى طيب ، وانا هغير واصلى وهاجى اكملها على طول
نعمة : طب هدعكها على ماتصلى



أمانة : يانعمة هو حد بيجيلنا عشان السجاد يتوسخ ، دول شوية تراب ، وانا هخليهالك فلة ، روحى بس غيرى هدومك دى احسن تتعيي وماتعرفيش تعمليلى الكحك
نعمة ضاحكة : شوف الجزمة ...همها على بطنها
أمانة وهى تتجه إلى غرفتها ضاحكة : يعنى يرضيكى اعيد من غير الكحك والبسكوت
نعمة وهى تذهب هى الأخرى لتغيير ملابسها : لا ياحبيبتى مايرضينيش ...هعملهولك بكرة أن شاء الله
………………….
عند آذان المغرب كانت أمانة قد انتهت من كل شئ وجلست على مائدة صغيرة بجوار زوجة عمها لتناول الإفطار
أمانة وهى تدلك كتفها : الله يسامحك يانعمة ، كتافى وقعت ومش لاقياها
نعمة ضاحكة : ابقى اعمللك غيرهم وانا بعمل الكحك
أمانة وهى تضيق عينيها : انتى بترشينى
نعمة : حاجة زى كده ، وكلى ياللا عشان هموت على كوباية شاى
أمانة : ااه، وانا …. هشرب النسكافيه وهنزل بسرعة عشان هصلى العشاء والتراويح فى المسجد … هتيجى معايا
نعمة : مش قادرة يابنتى ، هصلى هنا
أمانة: ماشى
……………….
انتهت أمانة من الصلاة وعادت سريعا بعد أن قامت بشراء مستلزمات السحور وما أن دلفت من باب الشقة حتى سمعت صوت رجل رقص له قلبها وهو يتحدث مع نعمة بالداخل لتضع ما بيدها على أقرب منضدة وتطمئن على وضعية نقابها ثم تلقى السلام بشوق هادئ
أمانة : السلام عليكم ، حمدالله على السلامه يا نوح ….ايه المفاجأة الحلوة دى
نوح بنصف ابتسامة : اهلا يا أمانة ، تقبل الله ، ماما قالتلى انك بتصلى التراويح
أمانة : تقبل الله منا ومنكم صالح الاعمال ، كل سنة وانت طيب
نوح : وانتى طيبة
نعمة بسعادة : لما الباب خبط فكرتك انتى وماصدقتش لما لقيته قدامى
نوح : انا قلت أقضى الكام يوم اللى باقيين فى رمضان واعيد معاكى
نعمة : احلى حاجة عملتها ياحبيبى ، ماتتصورش بعدك عامل فيا ايه ، لولا أمانة الله يبارك لها كنت اتجننت من الوحدة
نوح : الف سلامة عليكى يا ماما ، وانبسطى بقى ياستى ، انا خلاص مش مسافر تانى
نعمة وأمانة فى نفس واحد : بجد
نوح ضاحكا : أيوة بجد ...خلاص اتنقلت فرع القاهرة تانى والترقية كبيرة كمان
نعمة بسعادة : الف حمد وشكر ليك يارب ، اخيرا يابنى
نوح : كل شيء باوان يا ام نوح
لتنهض أمانة وهى تقول : فطرت واللا اجهزلك فطار
نوح : لا ولا حاجة خالص ، انا بس جيت اسلم عليكم واتطمن على ماما وهمشى عشان عاوز انام
نعمة وهى تتلفت حولها : ااه صحيح ، هى فين شنطتك ، وتمشى تروح فين
نوح وهو ينظر بجانب عينيه باتجاه أمانة: انا هنزل فى اوتيل كده فى وسط البلد على ما اظبط امورى
نعمة بانزعاج : اوتيل ...اوتيل ايه يابنى اللى هتنزل فيه ده ، وليه
نوح ببعض التردد : اصلى مش لوحدى ياماما
نعمة بفضول : معاك حد من زمايلك واللا ايه



نوح بتنهيدة قصيرة : لا ...معايا مراتى
نعمة شاهقة : ايه ، انت اتجوزت يانوح
نوح بتودد : ماتزعليش منى انى خبيت عليكى ، بس الغربة كانت صعبة عليا اوى وانا لوحدى ، وانتى عارفانى مابعرفش اعمل لروحى حتى كوباية شاى
نعمة بلوم : تقوم تتجوز من غير ماتقول ولا حتى تدينى خبر
نوح بمداهنة : مانا بقوللك اهوه ، حتى مارضيتش اجيبها معايا لغاية اما اعرفك
نعمة باستنكار : لأ فيك الخير يا ابن بطنى
نوح وهو يقبل يدها : خلاص بقى ياماما ، قلبك ابيض
نعمة : ومتجوزها من امتى بقى على كده
نوح وهو يحك رقبته من الخلف بحرج : من تلات سنين
لتضطرب نعمة على صدرها قائلة بحزن : تلات سنين يانوح ….تلات سنين وانت مش قايللنا حاجة وسايبنا كده
نوح ببعض الخجل : ظروفى جت كده يا ماما
نعمة وهى تنهض غاضبة من مكانها : أنهى ظروف دى اللى بتتكلم عنها ، ده انت بتكلمنى كل اسبوع ، وكل مرة اقوللك عامل ايه فى الغربة ..تقوللى ماشية ياماما ، أصحابى مابيسيبونيش
كنت بتكذب عليا طول المدة دى ليه يابنى ، ماقلتلناش ليه من ساعتها عشان خاطر حتى الغلبا…………….
لتقطع نعمة حديثها وهى تنظر باتجاه أمانة التى وان كان نقابها يغطى وجهها إلا أن دموعها قد بللته بشدة لينخلع قلب نعمة عندما رأتها على تلك الحالة ، لتلتفت إلى نوح مرة أخرى لتقول بنوع من الجمود والعتاب: خلاص يانوح ، اللى حصل حصل يابنى
نوح وهو ينهض من مكانه وهو يتحاشى النظر باتجاه أمانة : طب انا همشى دلوقتى وهجيلك بكرة أن شاء الله انا وهى عشان نفطر سوا واعرفك عليها
نعمة وهى على جمودها : أن شاء الله ، مع السلامة
وبعد أن أغلق الباب وراءه تتجه نعمة إلى أمانة لتاخذها بين أحضانها وهى تبكى قائلة : حقك عليا يابنتى ، حقك عليا ..انا اللى غلطانة ، ماكانش لازم ابدا اعشمك بيه من زمان من غير ماهو اللى يقول
أمانة وهى تشهق بخفوت : مش انتى بس اللى غلطتى يامراة عمى ...انا كمان غلطتى اكبر ، بس النصيب ، الحمدلله انها جت على قد كده
لتتركها أمانة وتذهب إلى غرفتها لتخلع عنها نقابها وتقف أمام المرآة لتنظر الى نفسها ، لتجد ملامحها الجميلة التى حسدها عليها الكثيرون وهى غارقة فى دموعها ، لم ولن تصبح من حقه ابدا و عادت بذاكرتها إلى عشر سنوات مضت
فلاش باك



يدخل نوح من باب الشقة وهو ينادى أمه : يا ماما ، يانعمة
لتخرج نعمة من المطبخ وهى تجفف يديها : ايه يابنى ، مالك عامل الهيصة دى كلها ليه
نوح : نجحت يا ام نوح وبقيت الباشمهندس نوح على سن ورمح
لتطلق نعمة زغرودة طويلة وهى تحتضن نوح بشدة قائلة : اخيرا ...الف مبروك ياحبيبى الف الف مبروك
لتخرج أمانة من حجرتها بلهفة وهى تكاد تفتح عينيها من أثر النوم : خير ياجماعة هى نتيجة الثانوية طلعت واللا ايه
نوح باستهزاء : ثانوية ايه يافاشلة ...انا اللى نتيجتى طلعت ونجحت اخيرا واخدت البكالوريوس
أمانة بسعادة : الف مبروك يانوح عقبال الشغل أن شاء الله
نوح بعلياء : الف شركة تتمنانى ده انا طالع التانى على الدفعة
أمانة بتمنى : عقبالى يارب
نوح باستهزاء : انتى هتقارنى نفسك بيا واللا ايه
نعمة : بطل تكسير فى مجاديفها كل شوية ..اهى هى كمان نتيجتها يا النهاردة يا بكرة بالكتير وهتجيب مجموع يدخلها الكلية اللى هى عاوزاها
نوح : اما نشوف ، يمكن تكون السماء هتمطرلنا شهادات
لتدمع عينا أمانة فدائما ماكان يتعامل معها بجفاء، ولكنها لا تستطيع الشكوى ، ولمن تشكوه ، فقد وعت على الدنيا بأحضان عمها وزوجته ، فلم تعرف أباها أو امها ،وكل ماعلمته أن أباها قد طلق امها وهى لم تكمل بعد عامها الثانى واخذها وذهب بها إلى منزل أخاه ووضعها بحجر نعمة لترعاها أثناء غيابه فقد كان مهندسا للبترول بنويبع ،وبعد سفره وأثناء عمله سقط فوقه انبوب ضخم تسبب بوفاته فورا ، لتدفع الشركة تعويضا كبيرا لأخيه وابنته ومعاشا ليس بالضئيل لابنته ، ليقوم عمها بوضع كل ماتقاضوه بحساب شخصى باسم أمانة تحت وصايته ، وتكفل هو بكل احتياجاتها مع انقطاع اى خبر قد يكون خيرا او شرا عن أمها



لينمو شعور بالغيرة من نوح تجاه ابنة عمه التى استحوذت على اهتمام والديه لصغر سنها ويتمها ولكنه لم يستوعب سوى أنها قد أخذت جزء من نصيبه فيهما
حتى مات عمها هو الآخر وهى ما زالت فى أول عام بالثانوية العامة ، ولكن نعمة لم تجعلها تشعر باليتم للمرة الثانية ، فاحتوتها وجعلت من كل منهما سندا للاخرى
وعند ظهور نتيجة أمانة يتفاجئ الجميع بحصولها على ترتيب من العشر الاوائل لتكرمها الوزارة والإعلام أيضا عندما استضافتها إحدى البرامج بالتلفاز لتفاجئ الجميع بارتدائها النقاب ، والذى كانت تعارضه نعمة فى البداية لصغر سنها ، ولكنها بعد ذلك وافقتها عندما كانت تخاف عليها وقتما كانت ترى نظرات الإعجاب من الشباب والرجال ،
ورغم تهكم نوح الدائم عليها إلا أنها كانت تقابل تهكمه بابتسامة من تحت نقابها عندما تتذكر قول زوجة عمها بأنها لن تكون إلا زوجه لنوح
واستطاعت أمانة الدخول الى كلية الهندسة مثلما نوح الذى كان دائما ما ينظر إليها بتجاهل
ثم حدث أن جاء يوم وهى بالعام الثانى بالجامعة ، ليدخل نوح وهو يصيح كعادته على امه ويقول : انتى فين يانعمة
نعمة من غرفتها : انا فى اوضتى يا نوح تعالى
ليدخل نوح مسرعا إليها وهو يقول بسعادة : انا مسافر
لتزوى نعمة مابين حاجبيها باستغراب قائلة: وعلى فين العزم أن شاء الله
نوح بسعادة : دبى يا ام نوح ...دبى ، الشركة رشحتنى انى اتنقل هناك
نعمة ببهوت : تتنقل ، يعنى هتفضل هناك على طول يابنى
نوح : دى فرصة ماتتعوضش يا ماما ، خبرة وفلوس ومستقبل وكل حاجة ، وبعدين كلها كام سنة وارجع تانى
نعمة : وهتقدر على الغربة يابنى وانت لوحدك ، ياريتك يا أمانة كنتى مخلصة يابنتى ، كونتوا اتجوزتوا واخدتها معاك
ليتهكم وجه نوح قائلا : أمانة مين دى اللى اتجوزها



نعمة بغضب : وانت تطول ، جمال وأدب واخلاق ودين ، هتعوز ايه اكتر من كده
نوح يتهكم : جمال ، فين ده
نعمة بذهول : فين ده ، لاهو انت نسيت شكلها فى السنتين دول ، واللا دلوقتى اللى ماشاء الله كل مابتكبر كل مابتحلو زيادة
نوح بجمود : بقولك ايه ياماما شيلى الموضوع ده من دماغك خالص لو سمحتى ، انا يوم ما اتجوز مش هتجوز غير عن حب واكيد مش هتبقى أمانة
كانت أمانة فى تلك اللحظة بخارج الغرفة تستمع إلى كل كلمة لتنهال دموعها فى صمت وتتجه إلى غرفتها لتختبئ بداخلها
ويسافر نوح ويتركها مع أمه على مدار ثمان سنوات ، انتهت فيهم أمانة من دراستها بتفوق لتلتحق بشركة مقاولات عملاقة يمتلكها والد إحدى زميلاتها ، لتثبت كفائتها فى وقت قصير
عودة
أمانة وهى لازالت تنظر بصورتها بالمرآة : من زمان وانتى عارفة أنه مابيحبكيش ويمكن يكون كارهك كمان ، زعلانة ليه بقى ….انسيه وشيليه من قلبك وبصى لحياتك بقى ..كفاية كده
………………….
باليوم التالى قبل اذان المغرب بساعة واحدة ، كانت أمانة ترتدى نقابها وتقوم بتحضير بعض العصائر فى حين كانت نعمة تعد الطعام وهى متجهمة ، لا تتحدث الا اللمم ،حتى قالت لها أمانة : انا غالية عندك ؟
نعمة باستغراب شديد : انتى جاية تسألينى السؤال ده النهاردة يا أمانة
أمانة : أنامش بسألك ، أنا بس بفكرك
نعمة : بتفكرينى بإية يابنتى
أمانة : انى غالية يا مراة عمى ، وعشان خاطرى ..بلاش ترخصينى
نعمة وقد فهمت مقصدها : عمرى ما اقدر يابنتى ، ماعشت ولا كنت
أمانة بصدق : الف بعد الشر عنك , افرحى بجواز ابنك وباركيله وشيلى اى حاجة تانية من دماغك ، وماتفكريش غير فى سعادته وبس ، وادعى ربنا أن مراته تطلع بنت حلال تحبيها وتحبك
لتومئ نعمة برأسها قائلة : التسأهيل على الله يابنتى ، ربنا يكتب لنا الخير من عنده
ليستمعوا إلى جرس الباب ، لتذهب أمانة لاستقبالهم وما أن فتحت الباب حتى لجمت الصدمة لسانها


تعليقات



×