الفصل الثاني
اقترب حسن بهدوء من باب الغرفة وهو يتمتم ف سره آيات من كتاب الله ثم فتح الباب بخوف ورهبة وبمجرد فتحه حدث ما لم يمكن توقعه بالمرة .......
قامت رغد من مكانها ونظرت إلى الشيخ الماثل أمامها بعنف وكره واضحين ثم انقضت عليه كما ينقض الوحش على فريسته وقبضت على عنقه بقوة وجبروت غير طبيعيين حتى كاد أن يموت بين يديها ... استنجد الشيخ بإيهاب:
.... الحقني يا إيهاب هتموتني
اندفعا كلا من إيهاب وسعيد تجاههم بسرعة فائقة... حاولا تخليصه منها بصعوبة كبيرة كأنها ليست البنت ذاتها بضعفها وهزلها بل كانت بقوة قبيلة من أشد الرجال وأقواهم .....
وفور تخليصه منها هرول مسرعا لخارج الغرفة تماماً .. رقبته كانت تؤلمه بشدة لذلك تحسس مكان الألم بيديه وهو يقول متوجعاً :
......أنا عمري ما شُفت جبروت كدا في حياتي .....دي مش لابسها جن واحد دول قبيلة بحالها
رمقه سعيد بخوف وقال :
...... طب وإيه الحل يا شيخنا
صمتْ الشيخ قليلا حيث بدا أنه يفكر ف حل ما ثم قال بحكمة:
...... الجوازة دي لازم تنتهي في الحال ..لازم إيهاب يطلقها لأن الجن اللي عليها مش متقبل زواجهم
قال سعيد بقهر:
.......مفيش حلول تانية غير الطلاق ...شوف أي حاجة تانية واحنا هننفذها بالحرف
تنهد الشيخ تنهيدة طويلة وقال :
........بعد ما تتطلق وتبقى حرة نبقى نشوف حل لكن دلوقتي صعب جدا .. أي خطوة هيبقى فيها أذية كبيرة وخصوصا على إيهاب
قال إيهاب مسرعاً :
...... لا الطلاق هيتم إن شاء الله في أسرع وقت أنا مش حِمل أذية
حدجه سعيد بحزن فأكمل إيهاب حديثه وهو يرمقه بأسف :
.....أنا آسف يا عم سعيد بس هو ده الحل الوحيد وبصراحة كدا بنتك شكلها ملهاش ف الجواز
قطع كلامهم منظر آمال وهي تهرول إليهم مسرعة وتقول بلهفة :
..... رغد اتكلمت يا سعيد تعالى بسرعة
اندفعا كلا من سعيد وإيهاب إلى الغرفة بينما هرول الشيخ سريعاً إلى خارج المنزل بأكمله وهو يتمتم بكلمات غير مفهمومة ... اقترب سعيد من ابنته وهو يقول بتوتر :
..... إيه اللي بيحصلك ده يا رغد فهميني
رفعت رغد كتفيها بتعجب وهو تقول :
........ ماما حكيت لي كل اللي حصل بس حقيقي أنا مش فاكرة أي حاجة خالص
حاصرها سعيد بأسئلته المتتالية :
....... ازاي مش فاكرة حاجة ..طب كنتِ مختفية فين من كام ساعة .... معقول مش حاسة بنفسك للدرجة دي
قالت بخوف:
..... صدقني يا بابا مش عارفة ... أخر حاجة فكراها إني كنت تعبانة جدا امبارح ونمت على طول .....
موجة من الصمت اجتاحتهم جميعا بعد جملة رغد الأخيرة ..... فهم لا يعلمون ما يجب قوله أو فعله في مثل هذه المواقف ولكن سعيد قطعها سريعاً بصوته وهو يقول لزوجته بصيغة آمرة :
........ يلا يا آمال نمشي احنا ونبقى نيجي بكرة
ترقرقت دمعة حزينة في عين آمال وهي تقول:
...... ازاي بس يا سعيد نمشي ونسيب بنتنا ف الحالة دي
قال سعيد مبررا موقفه:
......ما هي كويسة قدامك اهي. لازم نروح البيت دلوقتي عشان ماحدش يلاحظ غيابنا من أخواتي ..... أنتِ ناسية إننا ساكنين في بيت عيلة
قال إيهاب لآمال مطمئناً :
....... ماتقلقيش يا طنط أنا هخلي بالي منها ولو حصل أي حاجة هكلمك على طول
نظرت له آمال بعطف كبير فهي لم تتمنى يوما لابنتها زوجاً أفضل منه ...فهو رحيم ...طيب القلب على عكس امه تماما فهي غليظة القلب... خبيثة الطباع .... . كأنه وُلد من رحم امرأة أخرى ولكن هل من الممكن استمرارية هذا الزواج في ظل هذه الظروف المريبة. .... فزوج مثله لا يعوض ولا يكرر كثيراً ... فهو رقيق القلب وهذه الصفة قليلة في الرجال أو تكاد تكون معدومة وخير مثال على ذلك زوجها سعيد فهو شديد القسوة معهن ولا يفرق في المعاملة بين زوجة وابنة فلكل منهن نصيب متساوي من جرعات قسوته ومرراها ........
.... يلا يا آمال
عادت من شرودها على أثر صوته العنيف ....ودعت ابنتها بدموعها بعد أن تبادلن الاثنان نظرات ضعف وقلة حيلة ....... ثم أسرعت خلفه بعد أن سبقها إلى الخارج
طيلة الطريق وسعيد مستمر في تنبيه آمال عما يجب قوله أمام العائلة :
..... اوعي تقولي لأي مخلوق على اللي حصل ده ولو حد سألنا كنا فين هنقول إنك تعبتي فجأة واضطرينا نروح المستشفى حتى بناتك نفسهم لو سألوكِ هتقولي كدا برضه
هزت آمال رأسها في صمت ...نهرها سعيد قائلا :
...... فاهمة ولا مش فاهمة ...سمعيني صوتك
قالت بخوف
...... فاهمة يا أخويا فاهمة
وخلال صعودهم السلم قابلتهم نادية زوجة سعد أخو سعيد ...كانت ترش الماء أمام شقتها كعادة كل يوم وما أن رأتهم حتى اندهشت بشدة وقالت :
........كنتوا فين بدري كدا .. ده أنا قلت هتناموا للعصر بعد ليلة امبارح ....شكلكم جايين من عند العروسة
قال سعيد بسرعة :
...... لا عروسة إيه. ..هو ينفع برضه نروح لها بدري كدا في يوم صباحيتها ...احنا جايين من المستشفى أصل آمال تعبت شوية وروحنا نطمن عليها
نظرت نادية إلى آمال بقلق وقالت:
........ سلامتك يا آمال ده أكيد من إرهاق الفرح ...أنتِ يا حبيبتي تعبتي جامد الفترة اللي فاتت ... خلاص ارتاحي أنتِ وأنا هعمل النهاردة الغدا لرغد واروح بنفسي اطمن عليها
وقبل أن ترد آمال عليها سبقها سعيد قائلا بتهكم :
........شكرا يا نادية مش عايزين نتعبك معانا أنا اتفقت مع رانيا خلاص وهي اللي هتروح لأختها النهاردة
شعرت نادية بالحرج الشديد وقالت:
......على العموم لو احتاجتوا حاجة أنا موجودة
ابتسم لها سعيد بامتعاض وجر خلفه زوجته كأنها جماد. ..ثم صعد بها إلى شقتهم التي تقبع في الدور الأعلى. .... وبمجرد دخولهم الشقة قالت آمال :
..... ليه كسفتها كدا يا سعيد
قال سعيد بخنقة :
.... ست متطفلة بشكل أنا مش عارف أخويا مستحملها ازاي
ردت عليه والحيرة تكسو ملامحها :
...... أنا بس نفسي أعرف هي ليه بترش ماية في السلم ليل نهار
..... أكيد بتعمل أعمال دي ست قادرة ومش سهلة
قالت آمال ببراءة :
...... معقول
سرح سعيد بنظره بعيدا إلى أبعد من عشرين عاماً حين أصر سعد أخوه على زواجه من نادية رغما عن أهله ...فهم لم يتقبلوها يوما كزوجة .... فطباعها كانت مختلفة تماماً عن طباع نسائهم فهي كانت وما زالت صاحبة شخصية قوية ... رأيها من عقلها ولا يهزها ريح .. وهذه الصفات لا تستهوي تلك العائلة التي تحتقر المرأة ... فالمرأة يجب أن تكون ضعيفة دائما مثل آمال ... فهن خلقن ضعافاً وسوف يموتن بضعفهن ...فهكذا ترى عائلة سعيد طبيعة الحياة وقوانينها .....
......... هنعمل إيه دلوقتي يا سعيد ... سعيد أنت روحت فين
عاد من شروده وقال واجما :
....... هنعمل إيه ف إيه
.... في موضوع رغد
تنهد وقال:
..... لازم أشوف حل للمصيبة دي بعيد عن الطلاق حتى لو هدفع عمري كله ...أنا ما صدقت جوزتها وارتحت
........حرام عليك أنت كدا بتدمر بنتك ...أنت عارف كويس أنها ملهاش في الجواز استفدت إيه لما داريت الموضوع وجوزتها ...اهو الموضوع اتطور وبقت تختفي
...... أيوة أنا عارف أنها غريبة الأطوار من زمان بس برضه دي عمرها ما وصلت للإختفاء أنا حاسس إن إيهاب وعيلته ليهم يد ف اختفائها ....حاسس إن الأذية المرة دي جاية من عندهم
قالت آمال بتأفف :
..... الشيخ قال أنها لازم تتطلق يبقى نطلقها ونرتاح من الهم ده ... أنت أصلا غلطان من الأول إنك جوزتها في السن ده دي لسا 18 سنة
رمقها بعصبية وقال :
......نصيبها وجالها لغاية عندها كنتِ عايزاني اعمل إيه يعني أرفض واسيبها تعنس جنبي ... ولا استرها زي أخواتها ...أنا معنديش بنات تقعد من غير جواز دي كارثة ماقدرش عليها .... مش كفاية إن خلفتك كلها بنات يا وش الفقر أنتِ. .. جايبالي 3 بنات بهمومهم ومشاكلهم وقرفهم
تنهدت بحسرة وقالت:
...... إحمد ربنا يا سعيد مالهم بناتك دول مؤدبين ومتربين أحسن تربية ... ورانيا ورحاب متجوزين وعايشين زي الفل اهو
ضحك بسخرية وقال:
...... عايشين زي الفل عشان أنا كسرتهم من البداية .... أنا السبب في الفل اللي هما فيه لو كل الرجالة يعملوا زيي كدا كنا اترحمنا من القرف اللي بنشوفوا في الشارع ليل ونهار
......... أيوة يا أخويا أنت مربي بناتك أحسن تربية ماحدش قال حاجة بس رغد ملهاش جواز دلوقتي غير لما نعالجها من اللي هي فيه
نهرها بقسوة قائلا:
........ بقولك إيه اكتمي خالص .... من امتى وأنتِ بتفكري معايا ...... أنا عارف كويس هعمل إيه
في هذا الوقت كان إيهاب يجلس شارداً أمام والدته التي كادت أن تحترق من بركان غضبها :
...... إيه اللي أنت هببته ده كان المفروض تبعتها مع أهلها وتخلص منها .... أنت مجنون يا ابني
نظر لها إيهاب بحزن ثم قال بيأس:
...... لا أنا هخليها شهر زي ما اتفقت مع أبوها بالضبط
عضت والدته على شفتيها بحسرة ثم قالت بقهر :
...... هتفضل طول عمرك غبي ...أنا ماغلطتش لما قلت إنك مابتعرفش تفكر
قال بسخرية:
...... كفاية أنتِ بتعرفي تفكري كويس.... واوعي تنسي إن أنتِ السبب الرئيسي في كل اللي بيحصل ده .... فيها إيه يعني لو كنت اتجوزت الإنسانة اللي بحبها ومش شايف غيرها
....... أنا كنت عايزالك واحدة محترمة ومن عيلة تحافظ عليك وعلى عرضك
قال بعصبية:
.......ومين قالك إنها مش محترمة ومش من عيلة .... ده كل اللي كان بينا نظرات ومن بعيد لبعيد ويوم ما تجرأت وكلمتها رفضت تكلمني واكتفت بوعدها ليا بأنها هتستناني لغاية لما اظبط أموري واتقدم لها رسمي وللأسف أنا اللي خليت بوعدي معاها بسببك
مصمصت الأم شفتيها وقالت باستنكار :
..... وأنت برضه يخيل عليك الحركات دي يا اهبل .... دي عايزة توقعك وتجيب رجلك... خبث بنات اسألني أنا
ثم اقتربت منه وربتت على كتفيه بحنان قائلة:
....... استنى بس عليا اخلص الأول من بنت سعيد وبعدها هشوف لك ست ستها
تنهد إيهاب بحزن دفين قائلا :
....... ولا ست ستها ولا ست أبوها خلاص أنا مش هتجوز تاني
ثم تحرك تجاه الباب وهو يقول بسخرية :
...... أنا طالع أشوف العروسة
امتعضت والدته من طريقة تفكيره .... فهي دائما ما تراه لقمة سهلة المضغ يلتهمها أي جائع بشراهة
في شقة أكرم أخو إيهاب ترقص رنا من فرط سعادتها .... فهي تشعر بحركة مضطربة تهز أرجاء البيت بأكمله ..... هل آن الأوان لتحقيق مرادها واخماد النار التي بداخلها ... وما أن شعرت بعودة أكرم من الخارج حتى اندفعت إليه بفرحة عارمة كادت أن تخلع قلبها من شدتها :
...... أنت مش حاسس باللي بيحصل في البيت من امبارح ولا إيه
قال لها أكرم بعدم مبالاة وهو متجها إلي غرفة نومه:
....... ايه اللي بيحصل إن شاء الله
لحقت به وهي تقول بسخرية :
..... عروسة الهنا شكلها كدا طلعت مقلب كبير أوي وأخوك شربه للأسف
صُدم أكرم من حديثها ثم سألها بإهتمام وقلق:
...... قصدك إيه مالها رغد
مصمصت شفتيها وقالت بكيد:
...... أبدا يا سيدي ... كل الحكاية إن أهلها كانوا عندها طول الليل ولسا ماشيين من شوية ده غير الشيخ حسن اللي كان موجود هو كمان ......
ثم وقفت أمام المرآة تمشط شعرها بدلع وأكملت ب لؤم :
.......... ياترى بقا كانوا موجودين ليه في ليلة زي دي
اندهش أكرم بشدة ثم تركها وهرول مسرعاً إلى شقة والدته لكي يفهم ما يحدث بالضبط
ضحكت رنا فور خروجه ضحكة شريرة ثم نظرت إلى صورتها المعكوسة في المرآة وقالت :
..... بركاتك يا شيخة كواكب ماكنتش أتوقع أبدا إن العمل يشتغل بالسرعة دي ......................