الفصل الثالث
تقابل كلا من إيهاب وأكرم على السلم ... بدأ أكرم الحديث بلهفة :
...... صح الكلام اللي سمعته ده يا إيهاب... أنا كنت لسا رايح لماما أسألها
رد عليه إيهاب بتوتر:
..... كلام إيه
.... إن في مشاكل بينك وبين رغد ... هو أنت لسا لحقت يابني ...
تنهد إيهاب بحزن ثم حكى لأكرم الحكاية بأكملها .... صُدم أكرم مما سمع وقال مندهشاً:
.... معقول الكلام ده ... يا حبيبي يا إيهاب... ده إيه الواقعة السودة دي.... طب وهتعمل إيه
..... هستحمل شهر وبعد كدا هطلقها زي ما اتفقت مع أبوها
.... أنت اتجننت عايز تقعد شهر مع واحدة ملبوسة ... لا طبعا استحالة أوافقك على الحكاية دي ...
رد عليه إيهاب بلا مبالاة وقال :
..... عندك حلول تانية
فكر أكرم قليلا ثم قال بحماس :
..... أيوة عندي .... أنا ورنا هنيجي نقعد معاكم الشهر ده ... ومش هنسيبك لوحدك معاها نهائي ......
قال إيهاب بسرعة :
..... ملهاش لازمة يا أكرم ...صدقني الموضوع مش مستاهل كل ده
رد عليه بحزم :
.... حياتك عندي تستاهل أكتر من كدا يا إيهاب ...
صمت إيهاب واستسلم في الحال فهو يعلم جيداً شخصية أخيه وقراراته الحازمة ...
جلس سعيد وحيداً في غرفته يفكر في مصيبة ابنته الصغرى رغد ولكن دون فائدة...فقد كاد يجن ويفقد عقله من كثرة التفكير... لا يستطيع أن يجد مخرجاً يوقف به طلاق ابنته ... فهو لن يتحمل فكرة طلاقها إطلاقاً .. فموتها بالنسبة له أرحم وأهوّن مائة مرة من هذا الطلاق ......
فاق من شروده على صوت صرخات عالية آتية من الخارج ....خرج على إثرها من غرفته مفزوعاً ... ليجد ابنته الكبرى رانيا تُضرب وتُهان بشدة من قبل زوجها ...اندفع نحوهم بعصبية :
..... إيه اللي بيحصل ده ...انتوا جيتوا امتى وبتضربها ليه
رد عليه زوج ابنته بغضب:
.....أنا جاي اشهدك يا عم سعيد... بنتك قليلة الأدب وبترد عليا الكلمة بألف. .. يرضيك كدا
قطعت رانيا كلامه وقالت وهي تبكي بحرقة:
..... كداب يا بابا ماتصدقوش ..هو اللي مفتري ومش بيراعي ربنا فيا
اقترب سعيد من ابنته ثم قام بصفعها على وجهها بعنف أمام زوجها قائلا :
.... مفيش بنت متربية تكدِّب جوزها ... يلا اعتذريله حالا بدل ما أشوف شغلي معاكِ
تحسست رانيا خدها التي شعرت أنه قد تورم من أثر الصفعة ثم قالت منكسة الرأس :
.... أنا آسفة
ظهر الإنتصار على ملامح زوجها في الحال ثم قال لها باستعلاء :
... اعتذارك هنا مش كفاية لازم تعتذري قدام أهلي كمان زي ما رديتي عليا قدامهم
أكد سعيد على كلامه قائلا :
..... طبعا لازم تعتذر ... أنا ماعنديش بنات تقول لأ
كانت آمال تنظر إليهم من بعيد ...منهكة الروح ...خائرة القوى ... لا تستطيع التدخل والدفاع عن ابنتها .... ولا تتحمل مشهد الإهانة والذل الذي أمامها .. ولكنها كانت تجيد البكاء ببراعة ... لذلك اكتفت بالبكاء من بعيد كما تعودت طيلة حياتها لعلّ دموعها تطفئ قليلا من النار المشتعلة في قلبها ....
أخبر أكرم رنا بقرار إقامتهم لدى إيهاب الفترة القادمة بعد أن حكى لها كل التفاصيل .. قالت له بغيظ :
..... وأنا مالي يا أخويا. .. ليه اقعد مع واحدة ملبوسة
..... ومين قال إنك هتقعدي لوحدك أنا وإيهاب هنقعد معاكِ .... أنا هاخد أجازة من الشغل لمدة شهر ......
قالت له بضيق :
..... واحنا أصلا مالنا بالموضوع ده يا أكرم ما تخلي امك هي اللي تقعد معاها ... مش هي اللي اخترتها وفضلت تقول رغد راحت رغد جت .......
..... لا ما خلاص امي قلبت عليها ... دي بتتحايل عليه عشان يطلقها بس هو اللي مش راضي
كادت رنا أن تطير من فرط سعادتها ولكنها تظاهرت بالحزن أمام أكرم حتى لا يكشف أمرها. ... فقالت له بطيبة مصطنعة :
..... خلاص ماشي .. اللي تشوفه يا أكرم
رحلت رانيا برفقة زوجها وهي مكسورة القلب والخاطر ... ولكن ما الجديد فهذا حالها منذ نعومة أظافرها ... كبرت على القسوة والإهانة ف بيت أبيها وتعودت على الذل وقلة القيمة في بيت زوجها ... لماذا خُلقت أنثى ومن ضلعٍ أعوج.... كم تمنت أن تُولد ذكراً قادراً على رد الإهانة والقسوة أضعافاً. .... ولكن للأسف القدر اختارها أنثى ضعيفة ولم يستوصى أحدا بها خيراً. ...
وفور دلوفهم من البوابة الرئيسة ... وقف زوجها أمامها قائلا بتهكم :
...... احنا هنعدي الأول على امي. .. تعتذري لها هي وأخواتي وتعتذريلي أنا كمان قدامهم
قالت بحزن وألم :
..... بس أنا ماغلطتش فيهم أعتذر لهم ليه
...... بقولك إيه هو ده اتفاقي مع أبوكِ .. لو ماعملتيش كدا هرجعك ليه
قالت بخوف :
..... خلاص خلاص هعتذر
وبالفعل وقفت رانيا أمامهم جميعاً وقالت بصوت مبحوح :
..... أنا آسفة ليكم كلكم ....
ثم وجهت نظرها نحو زوجها الذي تكسو السعادة ملامحه وقالت بوجع :
.... واسفة ليك أنت كمان
ردت عليها أم زوجها باستنكار :
..... مش قادرة أقبل اعتذارك ... قلبي قفل منك وبصراحة مش طايقة أشوفك قدامي
مسحت رانيا دموعها بألم ثم هرولت سريعًا إلى شقتها .... وفور خروجها قال زوجها لأمه وهو يقبل كفيها :
..... متزعليش نفسك يا ست الكل ... أنا علمتها الأدب وأبوها كمان ضربها حتة قلم إنما إيه .....
عدّلت امه من جلستها ووضعت رجل فوق الأخرى قائلة بتحدي :
..... أبوها بيعمل كدا عشان عارف أنها قليلة الأدب مفيش أب هيضرب بنته غير لما يكون عارف اللي فيها عشان كدا لازم تخلي بالك
ظهر القلق على ملامحه قائلا بتوجس :
...... قصدك إيه يا امي
..... قصدي إنك لازم تكسرها زي أبوها ما بيعمل بالضبط ... هو أدرى ببنته وعمرك ما هتبقى أحن عليها منه ....
سرح يفكر في كلام امه الذي يُثقل بالذهب فهي محقة تماماً ... إذا كان الأب يقسو على بناته بهذا الشكل فمن الذي سوف يحنو ويطبطب .... الزوج ... بالتأكيد لا
صعدت رانيا إلى شقتها بصعوبة بالغة ... وبمجرد دلوفها انهارت تماماً.... جلست على الأرض وظلت تبكي بقهر وألم.... ترى نفسها صورة طبق الأصل من امها ... نفس الضعف والسلبية ....تتوجع مثلها في صمت وتبكي بحرقة ولا تتكلم نهائياً ....و لكن ماذا عساها أن تفعل...هل تطلب الطلاق وتهرب من هذا الجحيم ذاهبةً إلى جحيم والدها.... ام تتحمل من أجل ابنتها الصغيرة ذات العامين .... وف الأخير اختارت ابنتها مثلما اختارتها امها هي وأخواتها سابقاً ...فهي حقاً صورة طبق الأصل منها .....
استعد كلا من أكرم ورنا للذهاب إلى شقة إيهاب ...جمعا أشياءً بسيطة للغاية فهم يسكنون في بيتٍ واحد وكل ما يفصلهم عن شقتهم دور واحد فقط لذلك يسهل عليهم إحضار احتياجاتهم بسهولة ....
استقبلتهم رغد فور وصولهم بترحاب وابتسامة كبيرة ...رمقها أكرم بخوف وقلق بينما رنا اقتربت منها وقالت بخبث دفين:
...... سلامتك يا عروسة .... دي أكيد عين وصابتك
قالت لها رغد بحرج :
.... الله يسلمك ....
قال أكرم بتوتر :
.... إيهاب قالك أننا هنقعد معاكم
نظرت له بود وقالت بأدب :
..... أيوة يا ابيه. .. اتفضلوا
تعصبت رنا للغاية من جملة رغد الأخيرة رمقتها بغيظ قائلة :
.... ابيه إيه دي كمان .... أنتِ فاكرة نفسك نوغّة ولا إيه
..... مش قصدي والله بس حضرته أكبر مني بكتير
تدخل أكرم بسرعة قائلا :
..... خلاص بقا اسكتوا ... لو سمحت يا رغد بلغي إيهاب أننا وصلنا
دخلت رغد للداخل لكي تبلغ إيهاب بوصولهم بينما جلسا أكرم ورنا في غرفة الضيوف .... نظرت له رنا قائلة بعصبية :
..... هي فاكرة نفسها طفلة ولا حضرتها شايفانا عواجيز قدامها
..... على فكرة البنت ماغلطتش ... فعلا فرق السن بينا كبير ....أنا 35 وهي 18 سنة .. يعني أنا أكبر منها ب 17 سنة ... يعني عمرها تقريبا
تضايقت رنا من كلامه وقالت شزرا:
..... ما إيهاب عنده 30 سنة على كدا بقا بتقوله يا عمو
.... ده جوزها ... إنما أنا لازم تحترمني افهمي بقا
..... لما نشوف بقا هتقولي إيه أنا كمان مش بعيد الاقيها بتقولي يا طنط
ضحك أكرم قائلا:
..... ما أنتِ فعلا طنط بالنسبة لها
تعصبت رنا وقامت من مكانها على الفور وقبل أن تخرج من الغرفة كانا كلا من إيهاب ورغد قادمين عليهم .... نظر لها إيهاب متعجباً :
..... رايحة فين يا رنا
قالت له وهي ترسم إبتسامة خبيثة على وجهها:
....رايحة اعمل شاي لأكرم اعملك معاه
قال لها إيهاب بود :
..... ياريت والله
تكلمت رغد وقالت :
.... طب خليكِ مرتاحة وأنا هعمله
قالت رنا بعطف مُزيف :
.... ودي تيجي برضه ... أنتِ عروسة ولازم احنا اللي نخدمك
قالت رغد بصوت هادئ :
.... خلاص يبقى هقف معاكِ وأنتِ بتعمليه
وبالفعل دخلا كلا منهن المطبخ لإعداد الشاي وفور ذهابهن همس أكرم لأخيه :
..... ما البنت طبيعية اهي ومافيهاش حاجة
قال إيهاب بحيرة :
..... فعلا من ساعة ما الشيخ مشي وهي بتتصرف طبيعي خالص كأنها اتبدلت وبقت واحدة تانية
أقترب أكرم منه أكثر ثم قال محذراً:
.... اوعى يكون حصل بينكم حاجة يا إيهاب
..... لا طبعا مفيش حاجة حصلت
تنهد أكرم براحة :
.... الحمد لله ..... احنا عايزين الشهر ده يعدي على خير وكل واحد يروح لحاله من غير خسائر .... خد بالك الغلطة هنا معناها إنك هتتدبس فيها العمر كله
وقبل أن يرد إيهاب عليه سمعا صوت صراخ مرعب قادم من المطبخ ...أدرك أكرم في الحال أنه صوت رنا زوجته .... وقبل أن يذهب إليها ظهرت هي أمامهم ولكن في حالة لا يرثى لها فقد كانت ترتعش بطريقة مفزعة وتردد :
...... أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ... أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ... يلا يا أكرم نمشي من هنا بسرعة ....
أكرم وإيهاب مذهولان تماماً من منظرها العجيب ... أقترب أكرم منها قائلا :
..... مالك يا رنا ف إيه. ....
في هذا الوقت أتت رغد إليهم ثم وقفت أمامهم ببراءة .... وبمجرد أن لمحتها رنا حتى صرخت بشكل هيستيري وهرولت مسرعة إلى باب الشقة ثم فتحته وخرجت ف الحال......
نظر أكرم إلى رغد بخوف قائلا :
.... إيه اللي حصل يا رغد ... رنا مالها
رمقته بدهشة :
..... ماعرفش يا أبيه. ... أنا لاقيتها فجأة بتبص لي جامد وبتصوت
تركهم أكرم أيضا وذهب سريعاً لكي يلحق بزوجته التي بالتأكيد رأت أمر جلل. .. وبمجرد وصوله إلى شقتهم صُدم من منظرها فقد كانت جالسة على الأرض وتنتفض بشدة
اندفع أكرم إليها قائلا بلهفة :
..... مالك يا رنا ... إيه اللي شُفتيه وفزعك بالشكل ده
رنا لا تستطيع التحدث ... جسدها يرتعش بقوة
احتضنها أكرم لتهدئتها .. ربّت على ظهرها بحنو وحب قائلا :
..... اهدي يا رنا متخافيش أنا جنبك
هدأت قليلاً ثم قالت له بتوتر:
.....البنت دي خطر علينا كلنا يا أكرم وخصوصا على أخوك إيهاب. ...
.... احكي يا رنا شُفتِ إيه. ..
قالت برعب:
..... واحنا واقفين عادي لاقيتها فجأة بتقرب مني وبتبرق لي جامد جدا .... وبعدين ضحكت بطريقة شريرة وعينيها بدأت تنزف بشكل مقزز ومخيف ده غير الخيال اللي لمحته واقف وراها
قال أكرم بخوف:
.... خيال .. خيال إيه
...... خيال كبير وطويل جدا على هيئة وحش
أكرم مرعوب مما سمع ولكنه تظاهر أمامها بالثبات فهي بها ما يكفي ... أبتسم لها مطمئنا وسرح بنظره بعيدا .... أخذ يقلب كلامها في عقله ويفكر فيه بحكمة ... فهذا الوضع أصبح خطيراً للغاية وموقف أخيه يزداد سوءً يوماً بعد يوم لذلك يجب إيجاد حل جذري في أسرع وقت ممكن .... وبينما هو يأخذه التفكير كانت رنا تجلس نادمة وحزينة .... فهي تعلم أنها السبب الرئيسي في هذا الحال .... ولكنها لم تكن ترغب أبدا في تحضير العفاريت بل ما أرادت إلا خراب هذا الزواج فقط .... ماذا عساها أن تفعل الآن والخطر يداهمهم جميعاً .....
قفل إيهاب باب شقته بدقة فور نزول أكرم ثم شرع في الضحك بشكل هيستيري... حتى ظهرت رغد من خلفه وشاركته نفس الضحكات ....ضحكا كثيراً سوياً حتى أدمعت عيناهم .. ثم حدجها إيهاب بنظرة فخر وقال بحماس :
....... برافو يا رغد ... ده أنتِ تستاهلي الأوسكار على التمثيل ده. .................