الفصل الاول
طرقات قوية ومتتالية على باب منزل "سعيد" الذي أستيقظ من نومه على اثرها مفزوعا... فرك عينيه بقوة ثم همس بصوت ناعس:
....... مين اللي بيخبط بالشكل ده ...يارب استر
استيقظت زوجته "آمال " على صوته وقالت بخوف :
...... افتح بسرعة يا سعيد ....يارب سلم
فتح سعيد الباب بسرعة غريبة ثم نظر بدهشة إلى الشخص الماثل أمامه والذي كان إيهاب عريس ابنته رغد ولم يمر على زواجهم سوى بضع ساعات .... رمقه بدهشة :
....... إيهاب. ..خير يا ابني رغد كويسة
إيهاب صامت ...منكس الرأس ...لم ينطق ببنت شفة. .. لم تتحمل آمال صمته العجيب لذلك قالت له بنبرة محفزة :
...... ماتنطق يا ابني في إيه. .بنتي حصلها حاجة
تنهد إيهاب بحزن وجمع حروفه المبعثرة بصعوبة:
......رغد مش موجودة ف البيت كله اختفت وملهاش أثر
شده سعيد من يديه سريعا لداخل المنزل بعد أن تأكد من عدم شعور الجيران بهم ثم قال له بعصبية واضحة:
......يعني إيه اختفت... أنت فاكر نفسك بتتكلم عن إبرة ف كوم قش. ..احنا مش لسا سايبنكم من كام ساعة
قالت آمال وهي تبكي بحرقة :
......... قولي يا ابني حصل ايه بالظبط ماتخبيش عليا النهاردة كانت دخلتكم ...بنتي حصلها ايه
قال إيهاب بحيرة مختلطة بالحزن :
...... صدقيني يا طنط ماعرفش حاجة ... بعد ما وصلنا البيت قالت لي أنها تعبانة ومحتاجة تنام وبالفعل نمنا على طول .... وف نص الليل قُمت عشان أشرب مالقتهاش جنبي ...دورت عليها ف الشقة كلها ومش موجودة نزلت تحت عند امي وبرضه ملهاش أثر نهائي والغريب إن بوابة البيت الرئيسية مقفولة بالقفل من جوا يعني استحالة تكون خرجت برا البيت
وضعت آمال يديها فوق رأسها وقالت وهي تندب حظها :
...... يا مصيبتك السودة يا آمال يا ترى روحتي فين يا رغد
ثم وجهت نظراتها نحو سعيد الذي يجلس بجانبها قائلة بسخط:
...... أنت السبب يا سعيد ...أنت السبب ... لو بنتي حصلها حاجة أنا مش هسكت
حدجها سعيد بنظرة طويلة كلها غضب ووعيد ثم نقل نظره لإيهاب قائلا :
...... ثواني هغير هدومي واجي معاك
دخل سعيد غرفته في صمت ... لحقت به امال بخوف فهي تعلمه جيدا لن يمرر فعلتها وردها عليه بهذا الشكل بسلام ...... ناولته الملابس بضعف وهي تقول:
...... أنا هاجي معاك عايزة اطمن على بنتي
........ لو هتيجي يبقى تتكتمي خالص وماسمعش صوتك ده نهائي
..... كان لازمتها إيه بس الجوازة دي من الأول ما أنت عارف اللي فيها
رمقها بنظرة شر وقال:
...... بقولك مش عايز كلام ف الموضوع ده تاني وإلا والله هرمي عليكِ اليمين
وضعت آمال يداها على فمها وصمتت تماما وفي غضون بضع دقائق كانا جاهزان ومستعدان للرحيل مع إيهاب الذي كست الحيرة ملامحه هل سمع حديثهما ام أنها أمر طبيعي بسبب اختفاء زوجته المفاجئ....
رحبت بهم والدة إيهاب فور وصولهم ولكن ملامحها كانت تظهر عكس ذلك...فقد كانا الضيق والاستهزاء يسيطران عليها بشكل واضح ... قالت لهم بحزن مصطنع:
..... قلبي عندكم ...إن شاء الله هنلاقيها. ..أكيد هتتصل بينا دلوقتي وتطمنا عليها
رمقها سعيد بقسوة فقد كان يعلم جيدا ما ترمي إليه لذلك رد عليها بحزم :
...... بنتي ماهربتش يا أم إيهاب. ..بنتي متربية واستحالة تعمل كدا
قالت له بخبث:
......طبعا يا أستاذ سعيد أنا بقول يمكن راحت لواحدة من صاحباتها ولا حاجة
تدخلت آمال ف الحال :
...... بنتي ماطلعتش من البيت ده ...إيهاب قالنا إن البوابة الرئيسية كانت مقفولة من جوا
لوت والدة إيهاب شفتيها بغيظ ثم حدجت ابنها بنظرة طويلة هو فقط من فهم معناها لذلك حاول تغيير مجرى الحديث قائلا :
........ تعالى يا عمي نطلع الشقة عشان تتأكدوا بنفسكم
وبالفعل صعد كلا من إيهاب ووالدته وسعيد وآمال وبمجرد ولوجهم لداخل الشقة اندفع سعيد وآمال مثل المجانين للبحث عن ابنتهم المفقودة .... وعندما وصلوا إلى باب غرفة النوم المغلق. ... خفق قلب آمال بشدة ... وما أن فتحت الباب حتى كاد قلبها أن يُخلع من هول ما رأت. ..... فقد كانت رغد جالسة على السرير بفستان زفافها وتنظر إلى الفراغ في صمت مطبق. ... جريت آمال عليها ثم احتضنتها بكل قوتها وقالت :
....... يا حبيبتي يا بنتي عملوا فيكِ إيه... ردي عليا يا رغد
اقترب سعيد أيضا منها ولكن دون ذرة حزن أو عطف... أمسك يداها بعنف قائلا:
.....كنتِ فين يا رغد ... لازم تقولي كنتِ فين وإلا أنتِ عارفة ممكن أعمل إيه
كل هذا ورغد شاردة تماما ....لا تشعر بوجودهم نهائيا .... كأنها في عالم آخر حتى نظراتها كانت موجهة إلى الفراغ الماثل أمامها
وقفا إيهاب ووالدته عند باب الغرفة في ذهول تام .... كيف تظهر أمامهم الآن ومنذ ساعة فقط كانت مختفية تماما ... مالت امه إليه وقالت بصوت مهموس حتى لا يسمعها غيره :
...... شكلنا اتسرعنا في الجوازة دي ... البنت دي شكلها مش طبيعي خالص
نظر لها إيهاب بحزن دفين .... تذكر موقفها واصرارها على هذه الزيجة بالذات ورفضها لحبيبته التي يعشقها حد الجنون وظلمها لها حين أمرته بتركها وتزويجه من أخرى وها هو الآن يدفع الثمن
حاولا سعيد وآمال مع رغد كثيرا ولكن دون فائدة ....اقترب سعيد من إيهاب قائلا بتوتر :
..... عايزك لوحدك يا إيهاب
رفعت أم ايهاب إحدى حاجبيها ثم قالت باستنكار :
..... مفيش حاجة اسمها لوحده... لازم كلنا نقعد مع بعض ونشوف حل للمصيبة دي
غلي دم سعيد قهرا على هذا الوضع المهين ولكنه صمتْ وتحامل على نفسه فموقفه كان الأضعف بينهم ويجب عليه أن يلملم هذه الخيبة سريعا قبل فوات الأوان فهو يعلم جيدا علة ابنته السرية
اجتمع سعيد معهم في غرفة الضيوف وظلت آمال بجانب ابنتها المسكينة ... قالت ام إيهاب بادئة الحديث:
........بصراحة كدا يا أستاذ أنت خدعتنا بالجوازة دي ... بنتك مش طبيعية أبدا وأكيد أنت عارف من زمان وساكت
رد عليها سعيد بتوتر :
....قصدك إيه يا أم إيهاب ما أنتِ كنتِ بتشوفيها أيام الخطوبة بنفسك ...عمرك لاحظتي فيها حاجة غريبة
.......لا يا اخويا .... أنا ماشفتهاش غير مرتين تلاتة على بعض... ده الخطوبة كلها على بعضها ماكملتش خمس شهور حتى الواد الغلبان كان مسافر ويادوب رجع قبل الفرح ب أيام يعني لا لحق يفهمها ولا حتى يقعد معاها
...... وأنتِ جاية تقولي الكلام ده دلوقتي .. وعلى فكرة بقا أنا اللي ليا الحق اتكلم مش أنتِ ...البنت دخلت بيتكم سليمة والله أعلم بقا عملتوا فيها إيه
قالت بتحدي :
...... خلاص نُفضها سيرة وكل واحد يروح لحاله
رد عليها بقهر:
.... أنتِ عايزة الناس تاكل وشنا يا أم إيهاب ازاي بس بنتي تتطلق يوم صباحيتها
ثم نظر لإيهاب قائلا برجاء :
...... ماتتكلم يا إيهاب
تلعثم إيهاب قليلا ثم قال بتوتر :
..... خلاص احنا نستنى شهر وبعد كدا كل واحد يروح لحاله
قالت امه وهي ترمقه بغيظ :
..... وف الشهر ده بقا مين اللي هيقعد معاها إن شاء الله دي شكلها ملبوسة
خرجت آمال من الغرفة على صوت أم إيهاب الحاد ثم قالت بحزن دفين:
....أنا هقعد معاها... استحالة اسيب بنتي وهي في الحالة دي
رمقها سعيد بحزم:
.... وكلام الناس يا هانم
نظر إيهاب بحزن إلى آمال التي تكسو الخيبة قسماتها ثم قال :
...... أنا هفضل جنبها وحضرتك يا طنط أبقي تعالي كل يوم لغاية لما الشهر يعدي
لم تتقبل أم إيهاب هذا الاتفاق الماسخ من وجهة نظرها ...ولكنها لا تستطع التحدث فهي من اجبرته على هذا الرابط فقد كانت ترى في هذه العائلة مرادها من إحترام ونسب وزيجة مثالية. .. كما رأت في رغد الزوجة الهادئة المطيعة لأوامرها وشروطها... فهي ما زالت يافعة ولا تتعدى الثمانية عشر من عمرها على عكس رنا زوجة ابنها الأكبر أكرم. . فهي متمردة ....حية على هيئة زوجة ابن
دخلت آمال ثانية إلى رغد التي لم يتبدل حالها إطلاقا .... جلست بجانبها وظلت تبكي بحرقة ثم احتضنتها بقوة وقالت :
..... حقك عليا يا بنتي .... سامحيني
في هذا الوقت كانا سعيد وإيهاب يجلسان وحدهم بعد نزول والدة إيهاب وهي متذمرة
قال إيهاب :
........ إيه رأيك لو نجيب لها شيخ ونشوف هيقولنا إيه
التوتر كان واضحا على ملامح سعيد الذي ابتلع ريقه بصعوبة بالغة ثم قال:
.......مش مستاهلة شيوخ يا إيهاب هي بس صغيرة وخايفة من الجواز
........ دي بتختفي يا عم سعيد الموضوع أكبر من الخوف بمراحل
قال سعيد بذات التوتر:
...تلاقيها كانت مستخبية منك ف أي مكان ... أنت بس اللي مادورتش كويس
......لا طبعا أنا دورت عليها كويس جدا وبعدين دي غيرت فستانها قدامي ونامت بهدوم البيت ازاي لبست الفستان تاني وليه... بص أنا هكلم الشيخ حسن ده صاحبي وأنا يثق فيه جدا
اضطر سعيد أن يصمت غصب عنه ... يجب عليه مجاراة إيهاب وإلا غدت ابنته مطلقة وهذا ما لا يستطيع تحمله البتة
اتصل إيهاب بصديقه الشيخ حسن وفي خلال بضع دقائق كان موجودا بينهم وبمجرد دلوفه للشقة اصفّر وجهه وبدأ جسمه يرتعش ولسانه يردد :
..... أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ... إيه ده ....إيه ده
قال إيهاب بتوجس:
......فى إيه يا شيخ حسن
..... في طاقة سلبية محاوطة البيت من كل ناحية ...في روح شريرة قاعدة وسطكم وناوية على الخراب
سعيد مفزوع مما سمع للتو ... تمالك إيهاب أعصابه وقال:
.... وإيه العمل يا شيخنا
نظر حسن ناحية باب الغرفة المغلق على رغد ثم أشار إليه وقال بصوت مرعب:
..... الأوضة دي هي سبب المصايب ...هي مصدر الطاقة السلبية
قال إيهاب بهلع :
..... أيوة هي قاعدة فيها يا شيخ أرجوك أدخل شوفها وعرفنا إيه اللي فيها
اقترب حسن بهدوء من باب الغرفة وهو يتمتم في سره آيات من كتاب الله ....ثم فتح الباب بخوف ورهبة وبمجرد فتحه حدث ما لم يمكن توقعه بالمرة