رواية الشيطان حينما يعشق الفصل السادس والعشرون

 

(الفصل السادس والعشرون)
التزم سيف الصمت ولم يجب على ما قاله معتز ،، في ظرف اخر ما كان ليسكت نهائيا على ما قاله ،، بل كان سوف يسارع لينفي تهمه كهذه عنه ،، نعم فالحب بالنسبة لرجل مثله تهمه يجب ان ينهيها قبل ان تبدأ ،، قبل ان تتوسد قلبه وتلقي به الى التهلكه كما يظن ... اذا لماذا يجد نفسه الان عاجزا عن الرد ونفيها عنه ...؟
تشدقّت شفتي معتز بابتسامه تهكمية وهو يتطلع الى سيف و ملامح وجهه التي سيطرت عليها التخبط والحيرة الواضحه ...
فضل تركه وحيدا ليترك له مساحة خاليه يفكر بها جيدا فيما قاله
ويحدد فيها قراراته القادمه وقد ادرك حدسه الداخلي ان سيف استوى كليا وبات على مشارف اعلان هزيمته ورفع راية استسلامه امام تلك الفتاة الفرنسيه كما وصفها دائما ...
خرج معتز من الغرفة بخطوات هادئة بطيئة حتى لا يصدر صوت منه تاركا سيف غارقا في افكاره وحيرته التي تزداد اكثر وأكثر ...
دقائق تليها ساعات وسيف ما زال جالسا في مكتبه يفكر جديا فيما يعيشه هذه الفتره ،، تشغل باله طوال الوقت ،، تحتل افكاره بشكل كلي ،، لم يهتم يوما بامرأة قط ،، ولا توجد امرأة شغلت باله على هذا النحو من قبل ...
هي فقط من استحوذت على افكاره بهذا الشكل ،، يريدها وبشده ،، يشتاق اليها كثيرا ،، يشتاق الى كلامها وعينيها ولمساتها ،، يشتاق الى ضحكاتها العذبه وروحها المرحه التي تبث فيه أحاسيس رائعه لم يجربها من قبل ... يشتاق حتى الى جنونها الذي يثيره اكثر ناحيتها ...
لأول مره يعترف بتلك الحقيقه ،، ولأول مره يشعر بالراحه بعد اعترافه لنفسه بهذا ... وكأنه كان يسبح في بحر عميق باحثا عن ظالته فيه ،، ظالته التي وجدها في هذه الحقيقه ...
بعد اعترافه الاخير كان عليه ان يحدد مساره ويتخذ قراره النهائي ،، هو يريدها ، يريد ان يعيدها الى حياته من جديد لكن كيف ...؟ هي لن ترضى ان تعود كما كانت ،، مجرد عشيقه له ،، وهو يعرف هذا جيدا ...
لحظات اخرى وكان قد اتخذ قراره النهائي ،، قرار سوف يرضيها بالتأكيد ويرضيه هو ايضا ،، لقد حدثت بينهما اشياء سيئه للغايه ،، وهي تعذبت كثيرا منه ،، وهذا القرار سوف يصحح كل شيء قد خربه هو بنفسه ،، وسوف يعيد اليها ما فقدته معه ...
**************************
خرجت يارا من الحمام وهي تلف جسدها العاري بمنشفة بيضاء اللون ،، سمعت طرقات على الباب فسحبت المنشفه لا إراديا نحو الاعلى وقد جال ببالها ان يكون قصي هو الطارق ...
سألت يارا الطارق عن هويته وهي تتقدم بتوجس وخطوات بطيئة ناحية الباب ليأتيها صوت الخادمه تخبرها ان العشاء سوف يكون جاهز بعد عشر دقائق ويجب ان تنزل في هذا الوقت الى الطابق السفلي لتتناوله معهم حسب أوامر قصي ...
تنفست يارا الصعداء عندما علمت ان الطارق لم يكن قصي وإنما الخادمه ثم أخبرتها بانها سوف تنزل الى الأسفل بعد عشر دقائق كما قالت ...
سارت بعدها نحو الخزانه وفتحتها لتظهر لها الفساتين التي اشتراها لها قصي ،، احتارت في خيارها خصوصا ان جميع الفساتين كانت جميله وانيقه للغايه ،، واخيرا وقع اختيارها على الفستان نفسه الذي سبق واعجبها فارتدته ...
تطلعت يارا الى نفسها في المرأة بابتسامه وقد أعجبها الفستان كثيرا ،، كان الفستان ذو لون رصاصي ناصع ،، ضيق من من الاعلى ومتسع قليلا من الأسفل يصل الى ما بعد ركبتها بقليل ...
مشطت شعرها الحريري الناعم وتركته منسدلا ليظهر طوله الكامل الذي يصل الى منتصف ظهرها ،، ووضعت القليل من الماكياج لتغطي الشحوب المسيطر على وجهها ...
هبطت يارا الى الطابق السفلي ،، تقدمت بعدها داخل غرفة الطعام لتجد قصي جالس لوحده يترأس المائدة ،، ما ان رأها قصي حتى ابتسم ابتسامه خفيفه لم تلاحظها يارا ،، كان قصي يتطلع الى فستان يارا بشغف كبير وقد فرح بداخله لكونها ارتدت هذا الفستان الذي اختاره بنفسه لها كونه يماثل لون عينيها الرصاصيتين ...
تقدمت يارا نحو مائدة الطعام بتوتر شديد ،، ما ان وصلت اليها حتى توقفت بجانبها وهي تشعر بالحيرة في اختيار مكان جلوسها ،، أشار لها قصي على الكرسي الذي بجانبه وقد فهم على الفور ما يدور في خلدها ،، جلست يارا كما أشار لها قصي بجانبه مخفضه نظراتها نحو الطبق الفارغ الموضوع امامها ...
استمر الصمت بينهما طويلا حتى قطعه رامي الذي دلف الى الغرفه وحياهم بهدوء ثم جلس في مكانه المخصص له ،،
جلس رامي في مكانه ثم تحدث قائلا بنبرة عاديه :- " لقد علمت منذ قليل بأمر زواجكما ،، مبارك لكما ..."
شكرته يارا بخفوت وشكره قصي ايضا ثم سأله قائلا :- " اين عمتي ...؟ "
اجابه رامي بجديه :- " انها متعبه قليلا ،، تشعر بدوار خفيف ..."
هز قصي رأسه بتفهم وبدأ في تناول طعامه وفعل يارا و رامي المثل ...
******************************

في صباح اليوم التالي
فزعت رغد من نومتها فجأة لتجد الساعة تعدت التاسعه صباحا وهذا يعني انها تأخرت عن عملها ،، تأففت بضيق وهي تنهض من سريرها متجهه ناحية كريستين النائمة بعمق ،، هزتها من كتفها محاوله إيقاظها الا انها كانت مستغرقه في نومها بشكل عميق للغايه ،، يأست رغد منها بعد عدة محاولات لإيقاظها فقررت تركها والذهاب الى الشركة بمفردها ،، ارتدت ملابسها على عجل ورفعت شعرها القصير بشكل ذيل الحصان ثم خرجت من منزلها متجهه الى الشركة ...
وصلت بعد حوالي نصف ساعة الى الشركة فدلفت الى الداخل واتجهت الى مكتبها بخطوات شبه راكضة ،، ما ان وصلت الى مكتبها وفتحت الباب حتى تصنمت في مكانها وهي تتطلع الى الرجل الجالس على مكتبها الخاص في كرسيها المعتاد واضعا قدما فوق الاخرى ويدخن سيجارته بكل أريحية ،، نفث دخان سيجارته ثم نظر الى ساعته وحدثها بلهجه عملية مصطنعه :_
" متأخره ساعه ونصف عن موعدك الأصلي ..."
ما زالت الصدمه مؤثرة عليها فلم تستطع ان تنطق بكلمة واحده في تلك اللحظه ،، ان تراه فجأة امامها جالسا بكل عنجفه وغرور يرميها بنظرات هادئة لكنها بارده ايضا لم يكن هينا عليها ابدا ،، تجمدت اوصالها باكملها من هول المفاجأة وشعرت بجفاف يكسو فمها منعها من الحديث ،، ازدردت لعابها بتوتر وهي تطالعه بنظرات متوجسه ،، حاولت استعادة رباطة جأشها والرد عليه فخرج صوتها مترددا متقطعا :-" هل وظفوك مدير هنا وانا لا اعلم ...."
قهقه بصوت عالي وهو ينهض من مكانه متوجها ناحيته ،، وقف امامها ووضع كف يده على وجنتها التي غدت حمراء من شدة التوتر ،، توقف اخيرا عن قهقهته وحدثها وهو محتفظ بابتسامة خفيفه :-" لو تعلمين كم اشتقت الى مشاغباتك هذه ..."
كانت نبرته صادقه وقد شعرت هي بهذا مما جعل قلبها ينبض بقوة وعينيها تلمع بنظرات متلهفه ،، سرعان ما استعادت وعيها من تلك المشاعر التي سيطرت عليها للحظات فابعدت كف يده عن وجنتها وقد تبدلت نظراتها من متلهفه الى اخرى نافره ..
تحدث اخيرا بصوت جامد :- " لماذا جئت ،، ماذا تريد ...؟ "
فأجابها بجديه قائلا :- " اريد الحديث معك ..."
" انت مشغولة الان ،، لدي اعمال كما ترى ..."
" لقد اخذت الإذن من كريستيان وهو يسمح لك بالخروج معي الان ...." قالها بتهكم واضح ،،
زفرت بضيق وهي تشعر بانها محاصره منه ولا تستطيع الرفض فحجتها الوحيده قد ذهبت سدى ،، قررت الذهاب معه و سماع ما يريد قوله ،، خصوصا انها لم تجد سببا مقنعا لرفضها هذا اضافه الى فضولها الزائد لمعرفة ما يضمره حديثه لها ...
بعد حوالي نصف ساعة كان الاثنين يجلسان على طاولة مربعة الشكل تسع أربعة أشخاص في احد المطاعم الراقيه ...
" تحدث ...."
نطقتها رغد بجمود محاولة قدر الإمكان السيطره على انفعالاتها امامه ...
صب سيف القليل من الماء له في الكأس الموضوع امامه وشربه على دفعه واحده ...
اخذ نفسا عميقا ثم حاول ان يصوغ كلماته بشكل جيد حتى لا يخطأ بكلمة قد تثير غضبها ...
لا يعرف منذ متى وأصبح مراعيا هكذا ،، لكنه فجأة وجد نفسه مضطرا الى مراعاتها في جميع تصرفاتها ...
تحدث أخيرا بصوت هادئ بث الخوف في نفسها ،، الخوف من الاستسلام ،، هي تخاف ان تضعف امامه ،، تخاف ان يخونها قلبها مره اخرى وتسلم نفسها اليه من جديد ،، ان تعود الى نفس النقطه السابقه هو ما لن تتحمله ابدا ...
" رغد ،، اعرف ان ما حدث بيننا كان صعبا جدا بالنسبة لك ،، لقد آذيتك كثيرا ،، اعترف بهذا ..."
" انت دمرتني ..." قاطعته مصححه ،،
اومأ برأسه مؤكدا ما قالته ثم استطرد في حديثه قائلا " معك حق ،، اعلم انني جرحتك كثيرا و ...."
قاطعته مره اخرى قائلة " لماذا جئت يا سيف ،، ماذا تريد مني ،، قل ما لديك بصراحه ..."
لحظات صمت بينهما مرت جعلتها تتأفف بضجر بينما يجلس هو مقابلها يعقد كفي يديه امامه وعينيه تجولان حول وجهها المتجهم ...
تحدث اخيرا بصعوبه " لقد جئت لاعتذرك منك عن جميع ما سببته لك ،، انا أسف حقا ..."
" اعتذارك غير مقبول سيد سيف ..." قالتها وهي تنهض من مكانها بنية تركه والخروج من المكان الا انه سارع وقبض على يديها مانعا اياها من النهوض ...
" رغد ،، انتظري ارجوك ..."
" ماذا تريد ..؟ تحدث من فضلك ..."
رفع سيف حدقتيه الى الاعلى بنفاذ صبر ،، يشعر برغبة كبيره في ان يصرخ بوجهها ويأمرها بطاعته لكنه لا يريد ان ينفرها منه من جديد ...
قرر ان يدخل في الموضوع مباشرة ويقول ما لديه وينهي هذه الجلسه التي باتت تخنقه ...
" اريد ان نعود سويا ،،"
" هكذا بكل سهوله ،،"
" انا ما زلت اريدك يا رغد ..." قالها سيف بنبرة صادقه أرسلت رجفه احتلت جسدها باكمله وجعلت قلبها ينبض بعنف ...
شعر سيف بها وابتسم بداخله بخبث وهو يشعر بان كل شيء بدأ يتدحرج لصالحه ...
أردف موضحا ما قاله " انا اريدك معي دائما يا رغد ،، اريد الزواج منك ..."
صوت ضحكاتها العاليه التي تبعت ما قاله أغضبه بشده حتى شعر برغبة قويه في لكمها على فمها الذي يبث تلك الضحكات اللعينه ،، توقفت اخيرا عن الضحك بينما بدأت الدموع تنساب على وجنتيها بحراره ،، دموع فشلت في منعها من الهطول او ايقافها ،، تحدثت اخيرا من بين دموعها بنبرة متحسرة :- " أتعلم ،، لو قلت هذا الكلام من قبل لكنت اسعد امرأة على هذه الارض ..."
صمتت للحظات ثم اكملت بابتسامه هازئة لكنها مكسورة :- " اما الان فلم يعد ينفع ..."
عقد حاجبيه الثخينين ثم همس متسائلا " ماذا تعنين ...؟ "
فاجابته بنبرة جاده وهي تمسح دموع بظاهر كف يدها :- " ما أعنيه انني ارفض طلبك يا سيف ..."
" لماذا ...؟ اريد ان افهم ... لقد اعتذرت منك ،، وها انا اعرض عليك الزواج ايضا ،، ماذا يجب ان افعل ايضا ...؟"
"هل تظن انك بكلامك هذا سوف تصلح كل شيء بيننا ،، وتعيد علاقتنا الى سابق عهدها ... انت مخطئ للغايه سيد سيف ،، ما بيننا لا يمكن اصلاحه بهذه السهوله ... هناك اشياء كثيره تدمرت بيننا ،، انا لن أنسى بسهوله ما حدث وما فعلته بي ،، لن أنسى خيانتك لي مع تلك المهندسه ،، ولن أنسى ضربك لي اكثر من مره ،، وإهاناتك المتكرره والتقليل من شأني ،، حتى محاولة انتحاري بسببك لن أنساها ... "
كلماتها اخترقت قلبه كالرصاص ،، لم يستطع ان يتحدث بكلمة واحده حتى ،، لم يعرف ماذا يقول ،، شعر ببرود غريب يسري في جسده جراء كلماتها اللاذعه ،، وندم كبير يطغي عليه ،، لقد سبب لها كل تلك الالم والجراح له ،، لقد أذاها كثيرا ...
نهضت رغد من مكانها وتركته غارقا في افكاره واتجهت خارجه من المطعم باكمله ،، ما ان خرجت من المطعم حتى شهقت بالبكاء وهي تشعر بالم شديد يغزو روحها وقلبها ،، وسؤال واحد يتكرر داخلها " لماذا تأتي الأمنيات في الوقت الخطأ ،، في وقت تفقد فيه قيمتها ..."
***************************
بعد مرور أسبوع
دلف قصي الى داخل قصره واتجه الى غرفة الجلوس ليجد مونيا جالسه هناك تقلب في احدى المجلات كما توقع ...
شعرت بوقع اقدام تقترب منها فرفعت رأسها عن المحبه لتجد قصي يتقدم منها ...
اقترب منها قصي وقبلها من جبينها وهو يهتف بها قائلا :- " الم يأن الوقت لتباركي زواجي يا عمتي ..."
أشاحت مونيا بوجهها باضطراب شديد ،، لطالما كان لقصي معزه خاصه لديها ،، فهي من ربته منذ ان كان صغيرا وتعتبره في مكانة رامي ابنها ...
تحدثت اخيرا بنبرة صادقه :- " انت تعرف انني اتمنى لك السعاده والخير من اعماق قلبي ،، لكن ...."
قاطعها بسرعة قائلا :- " صدقيني يارا جيده ،، وانا متاكد انني سأكون مرتاحا بهذا الزواج ..."
ابتسمت مونيا على مضغ ثم نهضت من مكانها و ضمته بقوه وباركت له بصدق بالرغم من رفضها الداخلي لهذه الزيجه ...

ارتاح قصي كثيرا لموافقة زوجة عمه اخيرا ،، صعد الى الطابق العلوي متوجها الى غرفة يارا ،، طرق على الباب عدة مرات ليأتيه صوت يارا سامحا له بالدخول ...
دلف قصي الى داخل غرفتها ليجدها واقفه على الشرفه موليه ظهرها له تنظر الى حديقه القصر ...
ما ان شعرت به حتى استدارت له على الفور ،، عقدت ذراعيها امام صدرها وهتفت به بجمود قائله :- " خير ماذا تريد ...؟ "
اجابها قصي بتهكم :- " هل هذه الطريقة المناسبه للتحدث بها مع زوجك ..."
" ارجوك لا تبدأ الان ،، قل ما لديك ..."
اخذ قصي نفسا عميقا ثم زفره ،، تحدث بصوت جدي قائلا " اريد ان نتحدث جديا بشأن حفل زفافنا ...."
" اذا انت ما زلت مصر على اقامة حفل زفاف ..."
" بالتأكيد ،، مصر للغايه ايضا ..."
" حسنا ،، وماذا تريد مني الان ...؟ "
" اريد اخبارك بان الزفاف سوف يكون بعد شهرين من الان ،، اضطررت الى تأجيله قليلا حتى حتى يمر بعض من الوقت على وفاة ابي ..."
" اجله او الغيه حتى ،، ما علاقتي انا ..." قالتها يارا بحنق واضح جعل قصي يتقدم ناحيتها ويقبض على ذراعها بقسوه قائلا " اسمعيني جيدا ،، لا تختبري غضبي أفضل لك ،، اشكري ربك اني ما زلت مراعيا لك واعاملك بشكل جيد ،، لا تستفزيني أفضل لك ..."
ترك قصي بعدها ذراعها وخرج من الغرفه باكملها وهو يشعر بغضب شديد يسيطر عليه بسبب يارا وتصرفاتها

تعليقات



×