الحلقة الثانية من #جريمة_الأنفاس_الحارقة
قرع الباب... وقفت لأفتحه لأجد أمامي محمود يقف امامي... وقد استرد شبابه وحيويته...وجدت قلبي يخفق من جديد.. اتدري حين يصبح نبض قلبك ضعيف من الأسي.. حين تظل تقنعي قلبك ان يستمر بالنبض حتي لو ببطئ خيرا من أن يتوقف نهائيا خلف الم فراق من تحب..
. حين رأيته فجأة دق قلبي بشدة... وجدتني اسأله بعيني هل أستطعت إقناعها؟ هل أتيت لتوقف زواجي؟ هل كنت تراقبني لتعلم تقدم أحدهم لي؟ هل يُعقل ان تكون مازلت تُحبني ولم تستطيع نسياني مثلما أفعل أنا؟ لم يخرجني من نظرتي إليه سوي نداء والدتي ووضعها يديها فوق ظهري من يا حبيبة؟ لتجد محمود امامها.. خير يا محمود نادية وأختك كويسين؟ في حاجة حصلت؟
محمود :لا ياخالتي لا تخافي ليس هناك مكروه اصاب أحد... انا فقط اريد التحدث معكِ ومع حبيبة قليلا... هل تسمحين لي بالدخول؟
رقية :طبعا أتفضل ياأبني ده بيتك...
محمود :شكرا ياخالتي...
وجلسوا ثلاثتهم وظلوا ينظرون لبعضهم البعض لبضع دقائق قبل أن تسأل رقية :خير يا محمود قلقتني... ما الموضوع؟
محمود :أرجو منكِ أن تسمعيني بصدر رحب... وألا تثوري علي حتي أنهي كلامي...
رقية :إذا كان كلامك سيجعلني أثور عليك فلماذا ستخرجه من فمك؟! إحتفظ به وأكتفي بعلاقتي بك أبن أختي الذي أفصله عن والدته...
محمود :لان هذا هو الحل الوحيد الذي وجدتني مجبورا عليه... لست محبا له ولكنه الحل الوحيد..
رقية :ماذا تريد وتكلم سريعا لم يعد لدي طاقة للكثير من الكلام
محمود حسناً... أحببت حبيبة وأحبتني منذ ثمان سنوات... وأنفصلنا خلال العام الماضي لعدم موافقة نادية كما تعلمين...
رقية :لم اكن أعلم ولكن كنت أشعر بذلك الألم في قلب أبنتي حين يأتي أسم خالتها... ونظرت رقية لحبيبة التي وجدتها تنظر ليديها لتقول لها أرفعي رأسك... فلم يخسرك أحدا سواهم... لأرفع عيني فلم أستطيع أن أتحكم في تلك القطرات من الدمع التي سقطت علي وجهي... لقد سمعت صوته من جديد بعد ثلاثمائة وخمس وثمانون يوما من الفراق... لقد بكيت ليلا كل ليلة وتمنين ان أجده أمامي لأبكي بين يديه ويقوم بتطيب قلبي وتهدئة روحي...
وجدت والدتي تصمت أمام دموعي... ليس كرقية التي كانت تثور من قبل ولكن كصديقتي التي شعرت بكم الألم الذي ظهر علي وجهي... صمتت ونظرت لمحمود الذي لم يكن حاله افضل بكثير من حالي... ولكنه كان متماسكا... قالت له رقية :أكمل... اسمعك...
محمود :شرط نادية أن تتزوج حبيبة وتنجب وبعد ولادتها لأول طفل ستعطيني مالي وأكثر لأبدأ حياتي...
حبيبة وهي تمسح دموعها وتنظر له :هل جئت لتقنعني بقبول العرض والزواج والأنجاب من غيرك لتسترد ميراثك؟
محمود :وحينها سأستطيع ان اكون ملكا لكِ بجميع مالي وأكون قادرا علي تحقيق متطلبات زواجنا بعد طلاقك من زوجك
حبيبة :ومن أخبرك أنني سأقبل بتيتيم أبني ووالده علي قيد الحياة لاعود لك؟
محمود :انا لم أطلب منك ان تقتليه... أنا فقط طلبت منك أن تتطلقي منه
حبيبة :وهي تشير بيدها له ليخرج خارج منزلها :أتفضل أطلع برة... لم اندم علي شيئ أكثر من بكائي كل ليلة لخسارتك... هل تخيلت لحظة انني أبتعدت لنقص المال بيديك؟! هل أعتقدت أنني أحببتك لأن والدك ترك لك مال؟! هل تعتقد أنني سأقبل بهذا الجنون الذي تتحدث به؟ لماذا سأقبل؟ هل أنت رجل فحت في الصخر مثلا وجئتني بمفردك بعدما أستطعت التحرر من قيود والدتك؟ انت ضعيف وأضعف مما كنت أتخيلك يوما حين تكون ضعيف... اتعلم أنت حتي لن أظلم الرجال لأجعلك منهم... أنت... أنت... هل تخيلتني في احضان رجلا غيرك لسنوات وتقبلت الأمر وتاتي لتقنعني بذلك وتتوقع مني أنا ورقية ان نفتع أذراعنا لك لنوافق علي ذلك الاتفاق الاخرق؟!
محمود :نعم خالتي رقية ستوافق خاصة إذا علمت أنني ساكتب لكِ نصف ثروتي حين أستردها كاملة من نادية... ستوافق لكي تأمن مستقبلك... ستوافق لتنتقم من نادية... ستوافق حتي لا تجعلكِ يوما مثلها بعد أفتراقها عن زوجها لا تملك بيدها شيئ لنفسها.... أنظري لصمتها وأنتي تعرفي جيدا أنها ستوافق.... وبداخلها تتمني لو تجد عرضا لرضوي يجعلها تطمئن عليكما معا
حبيبة وهي مشمئزة من محمود وكلماته التي تخرج كالسم في جسدها وتنظر لوالدتها التي لفت محمود نظرها لصمتها :لماذا تصمتين؟ هل حقا تفكرين؟!
محمود :السكوت علامة الرضا
حبيبة :أخرس أنت لم أعد أريد سماع صوتك بعد الآن... ونظرت لرقية تحدثي... ما الذي تفكرين به؟
رقية بعد تنهيدة كبيرة رفعت رأسها ليروا دموعا تنهمر بعينيها :لقد عشت معكم كل تلك السنوات ولم يشعر بي احد... تكلمت مع أختي كنفسي في المرآه وبالنهاية رأتني كشيطان يريد التفرد بأبنها ليُصلح ماجلبته لنفسي وأولادي من ألم وتعب... والآن أبنها يأتي وهو يرأني الخالة الجشعة المادية التي ستقبل بأي شيئ مهين لي ولبناتي وسأقلل منهم في مقابل إنتقام أو مال أو حتي تأمين مستقبل... وأبنتي الكبري تستعجب صمتي ومازالت تسأل عن رأيي في أنتظار أجابة وكأنها تشك ولو لواحد في المليون انني قد أقبل! لماذا أذا أحزن علي صلاح انه لم يفهمني يوما؟! إذا كان جميع من عاشرت وتعايشت معهم لم يفهَني بهم شخصا واحد... محمود... أخرج من بيتي ولا تجعلني أري وجهك الديوث هذا مجددا... بات امامك ثلاث عقبات الآن لتصل لحلمك... أنا وحبيبة وهذا البيت المحترم الذي لن يقبل أحد بوجودك فيه او بجواره بعد اليوم.... وسواء علمت والدتك بقدومك أو لا فلتخبرها أني لن أسمح لشخصا بعد اليوم أن يمس كرامتي وكرامة أولادي بسوء... ولن أسمح لك بالأقتراب من حبيبة مادمت حية.... هيا للخارج... وقامت رقية بأخراجه من المنزل
وأغلقت الباب خلفه لتلتفت وتنظر لحبيبة ورضوي التي خرجت بعدما وقفت وأستمعت لكل شيئ من خلف الستارة... وقفوا بعيونهم دموعا... وعلي شفاههم إبتسامة لرقية التي فتحت ذراعها لهم فأسرعوا وقاموا بأحتضانها... فطمأنتهم أنها لن تسمح لأحد أن يقلل من كبريائهم وكرامتهم... ثم نظرت لحبيبة وقالت لها :حزينة أنني لم أكن ذاك الحضن الذي كان بإمكانك اللجوء إليه يوم أن أنهيتي موضوعك مع محمود بأمر نادية... وحزينة أكثر لأننا وبرغم صداقتنا قريبة العهد إلا أنني لم أفز بثقتك لتحكي لي ألم ووجع مر عليه كل ذاك الوقت بداخلك ولكنك لم تنسيه للحظة واحدة
حبيبة :ليس الأمر كما تظنين... أنا فقط لم أريد ان أزيد الجفاء بينك وبين نادية... خاصة وأني لم اراكِ حزينة منها مثل تلك المرة... ثم أنني لم أكن أستطيع التحدث في الأمر... كنت أعتقد أن محمود سيأتي ليطلبني منكِ بعدما يقف علي قدميه ويبتعد عن تسلط والدته عليه... ولكنني أكتشفت انه سيظل مدلل والدته وأبنها الذي لا يستطيع ان يعيش بدون شماعة الظروف التي سيلقي عليها أسباب فشله في كل شيئ الحب والعمل والنجاح... ونادية ارتضيت بأن تكون تلك الشماعة شرط تواجده بجوارها وتحت نظرها... اليوم أكتشفت كيف كانت خالتي وأولادها ينظرون إلينا... ليس فقط لقلة المال بيدينا عنهم ولا لكثرة مشاكلك مع والدي... ولكن لشعورهم أنهم أفضل... والأفضل يتوقع لنفسه الأفضل لا الأقل... لا تحزني علي عمرك الذي قضيتيه تغضبينا لأجلها... ولا الأيام التي تغاضيتي فيها عن ما ضايقك منها مخافة خسارتكِ لها.... يبدو انكِ أشتريتي عائلة لنا لا تنتمي إلينا... فعلتي ما بوسعك ونقدر ذلك الان حتي لو كان يضايقنا بالأمس.... لقد كبرنا يا أمي وبإمكانك الأعتماد علينا...
رقية :إذا سأخبر والدك برفضك لماهر... قاطعتها رضوي: لا يا أمي... سيقوم والدي بالسؤال عنه... وإذا ثبت جديته وقوامته وحُسن سلوكه سنجلس ونقرر وتجلس حبيبة معه مرة وأثنين وعشرة حتي تحكم عليه وتري ماتريد...
حبيبة :معكِ حق... محمود صفحة بداخل كتاب حياتي وتم كتابة نهاية قصته بيده... لن أضيع من عمري ليلة أخري في البكاء عليه...
الطبيبة النفسية :وهل أستطعتي الا تبكي عليه مجددا؟
حبيبة وهي تشرب سيجارتها وتخرج انفاسها بتنهيدة حارقة وأبتسامة ساخرة :للأسف ظللت أبكي كل يوم يبدو انني أعتدت علي الأمر وأصبحت هذه هي طريقتي للخلود إلي النوم...
الطبيبة النفسية :ماذا حدث بعد ذلك؟
حبيبة :قابلت ماهر عدة مرات خارج العمل... كان يتعامل معي بإحترافية
الطبيبة النفسية :مامعنى إحترافية؟
حبيبة :شخص يعرف كيف يعزف علي أوتار قلب ومشاعر الأنثي... يحركها لتذوب بين يديه... يؤلمها فتطلب المزيد فقط إذا كان الألم سيكون من يديه... أحببته بشدة... حتي أنني أعتقدت أنني لم أذق حلاوة الحب قبله... كنت سعيدة لدرجة مخيفة... كان يأخذني لعالم مثالي خيالي ويتركني أفرح به وهو يشاهدني من بعيد... لم نسهر في أماكن هادئة قط... أصبحنا نأكل ونشرب ونخرج ونلهو معا في فترة الخطوبة... كنت أظن أنني أملكه وأملك قلبه مثلما ملك قلبي وأستطاع أن يجعلني أنسي من أحببته قبله... حتي تزوجنا بعد ستة اشهر... وقامت رقية بدعوة أخيها فطلب منها دعوة نادية لحفل زفافي... وأن قطيعة الرحم ليس مطلوب منها مسايرتها... فقط دعوتها في ذاك اليوم ويبتعد كلا في طريقه... ووافقت رقية وأتصلت بنادية وقامت بعزيمتها... ولم أبالي بالتفكير بها ستأتي أم لا... ولكنها جاءت... وخلال الحفل كان يظهر ماهر بدور العاشق لذاك التراب الذي أسير فوقه... كان يقبل يدي في الدقيقة مرتين... وكنت عروسا جميلة للغاية... أصبحت أثق بنفسي بشدة وكأنني ملكة متوجة.... تزوجت بشقة كبيرة وفارهة... وأثاثها من أفخم الانواع... ماهر كان مديري في الشركة وعائلته كبيرة وذو نفوذ... كانت زيجتي فخرا لرقية... ولكني رأيت في عين نادية نظرة لم أفهمها أبدا...
الطبيبة النفسية :نظرة غل أم ألم؟
حبيبة :لا نظرة ندم... كيف أنني مرحة وسعيدة وجميلة ومتألقة وأخذت من هو أفضل من ولدها... لقد نسيت أن أخبرك أنني علمت بالصدفة بعد زفافي بشهر أن محمود وقت زفافي كان بمصحة نفسية... عاني من الإكتئاب الحاد وأدمن نوعا من عقاقير الهلوسة فأضطرت نادية لإدخاله المصحة... وطلبت من نادية من رقية أن تسامحها... وسامحتها رقية لكنها لم تعد تستطيع التحدث معها مثلما قبل...
الطبيبة النفسية :دعينا نعود لليلة زفافك... ماذا فعلتي بعد عودتك لشقتك من حفل الزفاف؟
حبيبة :عشت أياما مبهجة... ولكن بها أوقات غريبة مقلقة... كنت أنام وأستيقظ لأجد ماهر يجلس بغرفة مُظلمة ويشاهد شيئا علي جاهزه الحاسوبي...اقتربت منه لم يشعر بوجودي... ولا أهتم لتحركي... كأنه كان ينتظرني لأعلم ولكنني تأخرت في الرؤية... أقتربت لأجده يتحدث مع الكثير من الرجال الذين يطلبون مواصفات عدة لفتيات وسيدات... ويخبرهم ماهر بأن طلباتهم متوفرة... لم أستطع أن أفهمه بشيئ سيئ فسألته هل تعمل بتزويج الرجال والفتيات؟
ماهر :شيئ مثل ذلك.
حبيبة :زواج أم لا
ماهر :أنا أعرف الطرفان علي بعضهما البعض... وهما أحرار في تنفيذ غايتهم بطريقتهم... فقط أخذ عمولتي ولا صالح لي بالطريقة
حبيبة :أنت قواد أذا!!
صفعني ماهر علي وجهي فسقطت علي الارض ونزفت شفتي من إرتطام أسناني بها... فسقط فوقي ليمسك بشعري بيده ويقول لي :ولم تفكري للحظة في كل تلك الأموال من أين أتت؟ لم تسألي نفسك مرتب الشهر الذي نصرفه في خروجتين فقط من أين نكمل باقي المصاريف والخروجات والهدايا والحفلات والفرح والترتيبات؟! حتي انتي ستنزلي للشغل خلال أيام... هل أعتقدتي أنني سأتزوج مثلك حبا بكِ؟ انتي لا مال ولا عائلة
حبيبة :انا عائلتي أشرف منك ومن ألف عائلة من عائلتك.... ليصفعني مجددا ويقول لي :يبدو أنكِ تُريدين معرفة كل شيئ الليلة... أباكِ المحترم من زبائني... متزوج عرفيا ست مرات... خلاف المرات التي تم الأمر بها دون زواج... لا أحد يعرف مع من يتعامل... الجميع يجهلني... حتي والدك... لا أحد يجروء علي التحدث عني
حبيبة :أنا سأفضحك... ستري ماذا سأفعل... قام بضربي بقدمه في بطني عدة ركلات لأصرخ من الألم بمكاني حتي ذهب وجلس علي حاسوبه مجددا ليفتح شيئ ثم قام بإدارة الشاشة وقام بتشغيل شاشتين عرض التلفاز الكبير ذو الخمسة وستون بوصة ليظهر أمامي تصويري معه في ليلة زفافي والليالي التي تليها... لم يظهر في الفيديو سوي وجهي أنا... اما هو فلا يظهر سوي بظهره.... ثم أبتسم لي وقال قبل أن تخرجي من هذا الباب سيكون فيديوهاتك علي الإنترنت صوت وصورة...
الطبيبة النفسية وفي عينيها دموع وأشمئزاز من الحديث وأسي علي حبيبة :وماذا فعلتي بعد ذلك؟
حبيبة :السؤال لا يكون هكذا... بل يكون وماذا أكتشفتي بعد ذلك؟
الطبيبة النفسية :وهل هناك شيئ أخر؟
حبيبة :الأسوء لم يأتي بعد... وبعد صمت طويل وتنهدات خرجت معها أنفاس حارقة... سأخبرك...
الحلقة الثالثة من هنا