قضاء و نصيب ♥
الجزء الثاني من " أحببناها مـريـمـيـه" ♥️
بقلمـ : دنـيا آلـ شملول ♥️
الحلقه التانيه ♥️
كانت تتوسد صدره رافعه رأسها للأعلي تتأمل ملامحه بهدوء .. وأخذت تتدفق اليها ذكرياتها معه بعد أن عادا من العمره ..
دلفا للمنزل بهدوء وتوتر .. لا أحد منهما يعلم ما عليه فعله الآن .. حتي قطع هو هذا التوتر متمتمًا بهدوء : هدومنا هتفضل في اوضه واحده عشان بس الجماعه لو جم وكده ميبقاش فيه سين وجيم كتير .. انا هنام في الأوضه بتاعت جود .. وانتي هتنامي في اوضتنا عادي .
اماءت شهد بهدوء ليتحرك هو تجاه الغرفه وأخذ ثيابًا له ومنشفه ومن ثم دلف لغرفة جود لتتحرك هي وتدلف الي الغرفه وتغلق الباب وهي تتنفس بسرعه .. فركت يديها معًا متمتمه : استعنا ع الشقا بالله .
بدلت ثيابها لبنطال كحلي برموده ساده تمامًا بجيوب .. يعلوها تيشرت بينك بحمالات عريضه بالإضافه لحمالات اخري تسقط عن الكتف .. مكتوب عليه من الصدر بعض الكلمات الانجليزيه باللون الكحلي وبخلفيه بيضاء .. ومن ثم بعثرت خصلاتها السوداء ورفعتها للاعلي بعشوائيه .. وأزالت أي أثار لمساحيق التجميل .. فكانت هي كما هي فقط .. وخرجت من الغرفه وألقت نظره الي اليمين واليسار قبل ان تغلق الباب وتتحرك في المنزل بحرية لتستكشفه ..
انتهت من استكشاف المنزل ودلفت للمطبخ بهدوء .. وقد أسعدها كثيرًا أنها وجدت حليب ونسكافيه .. فبدأت بعمل كوب نسكافيه بعد صراع دام لدقائق علي ان تحضر كوبين لا واحد .. ولكنها أخذت قرارها سريعًا بأن تحضر لنفسها فقط .. وان خرج هو واراد ستحضر آخر من أجله .. أنهت تحضير النسكافيه وهمت بالخروج لكنها توقفت وهي تراه يدلف للمطبخ ببنطال برمودا أبيض وصدره عاري تمامًا الا من تلك المنشفه التي يضعها علي عنقه .. تسمر مكانه وهو يراها بتلك الهيئه .. كما توترت هي الأخري من هيئته ..
مروان وهو يخفض نظره سريعًا : اا .. اسف انا بصيت علي اوضتك كانت مقفوله فكرتك نمتي .
شهد وقد وجدت ان الحجه نفسها تليق بها : وانا كمان بصيت علي اوضتك شفتها مقفوله فكرتك نمت .. تحب اعملك نسكافيه معايا ؟
نظر لها مروان باستغراب قبل ان يتحدث بهدوء : اا .. مـ ماشي .. هدخل البس واجي .
اماءت شهد بخفه ليعود مروان ادراجه للغرفه وهو يتمتم في نفسه : اخوات ازاي بس !!!.. هي مش ناويه علي بر انا عارف .. ااااخ .
بينما عادت شهد وحضرت كوبًا آخر من أجله وخرجت تنتظره في غرفة الجلوس وبيدها الريمود الخاص بالتلفزيون ..
عاد مروان ليجدها تشاهد قناة سبيستون التي تعرض كارتون الفتيات الخارقات .. زم شفتيه وهو يتمتم في نفسه : اتاريها كانت بتقول متغيرش القناه اللي بتفرج عليها وخليك اخ متحضر .
جلس علي المقعد الآخر محاولا تجنب النظر لها .. ولكنه يشاهد التلفاز في ضجر .. لا يفهم ما الذي يجذب الفتيات التافهات في كارتونات كهذه .. نظر لها اخيرا ليجدها تبتسم للشاشه احيانا .. وأحيانا اخري تضم يديها وترفعها لصدرها في حماس واحيانا اخري تضم بين حاجبيها واخري تزم شفتيها .. باختصار كأنها هي من تحيا بداخل الكارتون .. ابتسم بداخله علي طفوليتها قبل ان يجذب الريمود بخفه من جانبها دون ان تشعر وقام بكتابة رقم ما علي الشاشه .. لتتغير القناه لـ CBC سفره .. نظرت له في غضب وهي تتمتم : انت بتغير القناه ليييه .. دي احلي حته في الكارتون .. هات الريمود .
مروان رافعا كتفيه بلامبالاه : اديكي بتقولي احلي حته في الكارتون .. يعني سمعتيه قبل كده .. اسمعي سي بي سفره واتعلمي حاجه مفيده .
شهد بتزمر : احنا هنبدأها من اولها كده .. هقوم اعضك لو مدتنيش الريمود يا مروان .
مروان بلامبالاه : اعتمدي علي اسلحتك وخديه .
شهد بتحذير : انا مبهزرش لعلمك .. هعضك بجد .
مروان بلامبالاه : شششش .
الحلقة الثالثه من هنا
تحركت شهد بخفه وبهدوء تام وهي تتحدث بتحذير : هات الريمود يا مروان .
نظر لها مروان وهي تتقدم منه ورمش عدة مرات وهو يفكر ان كانت ستفعلها حقًا .. لكنها فاجأته وهي تقفز فوقه مما جعله يتمدد الي الأريكه ويضع اليد التي تحمل الريمود تحت ظهره وهي ترفعه من ملابسه كي ترفع يده وتأخذ منه الريمود : هاااات .. قرب يخلص بقا هااات .
مروان بضحكه : اوعي يا مجنونه هموت تحت ايدك .
نظرت له شهد وهي تضيق عينيها ومن ثم رفعت الوساده ووضعتها فوق رأسه وهي تتحدث بضجر : هات الريمود .
مروان بالكاد يخرج صوته : هموت يخربيتك .. يامجنونه متخلنيش اتجنن عليكي .
وفجأه ترك الريمود من يده وقام بمحاوطتها وبحركه سريعه كانت هي الممدده الي الأريكه وهو في الاعلي ينظر لها بابتسامه ساخره : انتي مش قدي وانتي شبه الفراخ المبلوله كده .
صمت قليلا يتأمل ملامحها الهادئه بعينيها البنيه الداكنه وأنفها الصغير وبشرتها النقيه وخصلاتها المتمرده علي جبينها وفوق وجنتها .. ومن دون ان يشعر تحركت يده وأزاح خصلاتها عن وجهها لترمش هي بسرعه وقلبها يضرب طبولًا وتحدثت أخيرًا بخفوت : اا .. خـ خلاص مـ مش عيزاه .. اوعي كده .
دفعته عنها وهي تقول جملتها الاخيره قبل ان تركض للغرفه وهي تضع يدها فوق قلبها الذي يضرب بعنف وابتسامه عابثه اعتلت ثغرها قبل ان تلقي بنفسها فوق الفراش بسعاده .
بينما يجلس هو الي الاريكه وهو يحرك يده فوق وجهه بضيق متمتمًا في نفسه : اي الغباء اللي عملته ده !.. بس هي اللي بدأت .. اوووف بقا .. ياتري زمانها بتقول عليا اي دلوقتي .. وانا مالي ما تقول اللي تقوله .. يوووه بقا .. وسي بي سفرة اي دي اللي جيبهالها تستفاد منها .. هو اي عك وخلاص .
تنهد بقلة حيله وهو يرفع الاكواب عن الطاوله وقام بتنظيفهما ووضعهما في مكانهما وعاد لغرفته يتذكر تلك الدقيقه ويراجع شعوره مجددًا .. ومن دون ان يشعر ارتسمت ابتسامه خفيفه فوق ثعره قبل ان يسقط في نوم عميق .
عادت من ذكرياتها علي تململه بنومه وتصبب جبينه بالعرق وهو يهزي بكلمات لم تفهمها .. فرفعت نفسها سريعًا وهي تحاول ايقاظه حينما علمت انه بداخل كابوس كتلك التي تراوده كثيرًا منذ وفاة جود .
شهد بهدوء : مروان .. مروان حبيبي اصحي .. مروان .
فتح عينيه فجأه واعتدل سريعًا يلتقط أنفاسه ثم نظر حوله في الغرفه قبل ان يتنهد بتعب لتقرأ هي بعض ايات القرآن من أجله حتي هدأ وعاد مجددًا للنوم بعدما اعطته كوبًا من الماء ليرتشفه دفعة واحده .
مسدت صدره بحنان ثم تحركت من جانبه كي تلقي نظره علي طفليها .. وعادت لتتوسد صدره بهدوء .. وقد فاجأها وهو يضع يده يعبث بخصلاتها بهدوء ..
شهد : انت صاحي ؟
مروان بابتسامه : اها ... انتي منمتيش ؟
شهد بضحكه خفيفه وهي ترفع نفسها عنه لتنطر بعينيها داخل عينيه : لا منمتش .. كنت بتأمل ملامحك .
مروان بنصف عين : اممممم ولقيتي اللي ضايع منك في ملامحي؟
ضربته بخفه علي صدره وهي تتمتم : بطل غلاسه بقا .. لا بجد .. افتكرت اول يوم لينا مع بعض هنا .
ضحك مروان بخفه وهو يتمتم مُقلدًا صوتها : انت بتغير القناه ليه .. دي احلي حته في الكارتون .. هات الريمود .
شهد بغيظ : مبلاااش لحسن انت وقعت بلسانك. وقلتلي علي احاسيسك اللي اتبعترت يومها .
مروان وهوي دفعها لصدره : نامي يا شهد .. الواحد يندم انه بيفضفضلك .. نامي .
ضحكت شهد بخفه قبل ان يذهبان في سبات عميق .
كانت تجلس فوق الاريكه الاسفنجيه شبيهة تلك التي صنعها اسلام من اجلها .. وقد صنعها جود لها كذلك حينما اخبره اسلام بحبها للجلوس عليها عند القراءه .. تميل برأسها للخلف فتتحرر خصلاتها من ذاك المشبك لتلامس الأرضيه .. لم تجرؤ علي الاقتراب من خصلاتها وقصها لعلمها مسبقًا أن جود يحب للشعر الطويل .. كما انها لا تتركه منسابًا لأنه غير موجود معها الآن .. فقد كان يسحب مشبك شعرها ويتركه منسابًا لتتلاعب اصابعه بخصلاتها .. حتي اعتادت علي النوم مع تلك الحركه .. ومنذ ان رحل .. ووليد يفعلها من أجلها .. لقد كان فعل لا ارادي من طفل صغير لم يبلغ من العمر وقتها سوي ثلاث سنوات .. والآن أصبح عمره خمس سنوات وقد لازمته تلك العاده .. حتي هو لم يعد يستطيع النوم دون ان يلاعب خصلات والدته .
تنهدت بتعب وهي تُعيد خصلاتها من جديد الي مشبك شعرها .. ومن ثم رفعت هاتفها لتري تلك الصور التي جمعتها بجود .. وابتسمت بألم وهي تتذكر آخر يوم له معها قبل ان يأتيها خبر وفاته ..
وقتها كانت تقف في المطبخ وتقوم بتحضير وجبة الإفطار من اجله .. كانت تُقَلِّب الأومليت حينما أحاطها من الخلف طابعًا قبله رقيقه علي كتفها وهو يستنشق عبير خصلاتها بحب : بتعملي ايه يا اجمل صباحاتي ؟
مريم بابتسامه : بعملك الأومليت ياقدري .. وبعدين ابعد شويه .. دلوقتي وليد ينطلك هنا ويقولك بابا إيب ( بابا عيب ) .
ضحك جود بخفه وهو يتمتم : الواد ده يكبر بس شويه وانا هعزله في اوضه في الجنينه زي المنبوذين .. هو انا ناقص يا ختي .. لا عارف اتلايم عليكي صبح ولا حتي ليل !
لم يتمم جملته حتي اتاه صوت وليد من الخلف : بابا إيب .
ابتعد جود عن مريم التي تضحك عليه وذهب تجاه وليد متمتمًا بغيظ : انت يلا مش عايزلك اخ ولا اخت ياض ؟
انهي جملته وهو يحمل وليد من ثيابه تحت ضحكاته هو ومريم .. رفعه جود وقبله بقوه وهو يتمتم : خدودك بطعم خدود امك .. فراوله .
وليد ببراءه : ماما فلاوله .
جود : اه فلاوله فلاوله بصراحه .
مريم وهي تضربه علي كتفه بخفه : بس يا جود .. بتعلم اي للواد !
جود بضحكه : انا مااالي .
جلس ثلاثتهم حول مائدة الطعام ليتحدث جود بعد عدة دقائق من الصمت : حبيبتي انا احتمال اتأخر شويه النهارده .. عندي شوية حاجات هظبطهم عشان موضوع المصنع قديم .
مريم بتساؤل : المصنع قديم ؟.. طب وانت محتاج تشغل مصنع قديم في اي ؟
جود : لا لا مش محتاج اشغل المصنع كمصنع .. انا محتاج موقع المصنع .. في مشروع صغير كده في بالي بفكر فيه من فتره طويله .. وان شاء الله لو المهندسين قالوا انه ينفع هنشترك انا ومروان واسلام في المشروع ده .. وربنا ييسرها .
مريم بابتسامه : ربنا يكتبلك الخير يا حبيبي وتحقق اللي بتتمناه يارب .
قبل جود يدها بحب قبل ان يتحرك لدورة المياه كي يغتسل ويرتدي ثيابه للذهاب الي العمل ..
خرج من غرفته ليجد مريم تركض خلف وليد ويضحكان بصوت عالي فابتسم بحب لهذا الجمال الذي لم يكن ليتخيله يومًا .. لتقترب منه مريم وتتعلق بعنقه وهي تتمتم : متتأخرش كتير عليا .. عشان بتوحشني اوي .
جود بنظرة عبث : حركه واحده كمان وهقولك بلا شركه بلا مشروع .. وانا اصلا بتلكك .
مريم بضحكه خفيفه : لا لا روح شغلك يا حياتي ومتتاخرش عننا .
قبلها جود قبله خاطفه ومن ثم احتضنها بقوه .. لينقبض قلبها علي الفور مع هذه الضمه .. كأنها تدرك بداخلها ان تلك هي الضمه الاخيره منه اليها ..
تحرك جود بهدوء وقبَّل وليد واحتضنه كذلك قبل ان يلقي قبله في الهواء لمريم التي التقطتها بدراميه ووضعتها تجاه قلبها ليبتسم لها بحب ومن ثم أغلق باب المنزل لتجلس مريم الي الاريكه وهي تشعر بانقباضة قلبها التي تكاد تجعله ينفجر .
ولكنها تركت وليد يلعب وتحركت سريعًا تجاه دورة المياه وتوضأت وخرجت تصلي وهي تبكي بقوه ولا تعلم سببًا لبكائها هذا .. لكنها تبكي وتدعو من صميم قلبها ان يحفظ الله لها زوجها ويحميه من كل سوء ..
وبقيت في توتر تام طوال النهار حتي أتاها اتصال من جود فـ تنفست بعمق قبل ان تُجيب ليأتيها صوته الذي يُطيِّبُ قلبها ويُهدِّئُ نفسها : وحشتيني .
مريم بابتسامه : وانت كمان وحشتني اوي .. عامل ايه ؟
جود وهو يأخذ شهيقًا طويلًا : الحمد لله ماشي الحال .. ظبطت كل حاجه علي قد التنفيذ الحمد لله .. شكلها خطوه كويسه اوي يا مريم .. ادعيلي ربنا يكرمني واحقق اللي بتمناه في المكان ده .
مريم بحنان : طول ما انت قريب من ربنا هيحققلك الخير كله يا قلب مريم .. ربنا يكتبلك الخير حبيبي .. الخير وبس .
جود بصوت خفيض : بحبك .
مريم وضربات قلبها قد ازدادت .. ليس تنغمًا بعذوبة الكلمه منه كالعاده .. بل ازدادت اضطرابًا .. قلقًا .. خوفًا من مصير مجهول .. ومن دون شعور تساقطت دموعها وهي تتحدث بتأتأه وضعف : وانا .. وانا بحبك .. بحبك اوي يا جود .. بحبك اوي .
جود بقلق : مريم حبيبتي مالك ؟.. انتي تـ ..
لم يتمم جود كلمته .. فإذا باصوات غريبه وكأنها صعقات كهرباء وفجأه انقطع الخط لتصرخ مريم باسمه : جوووود .
انزلت الهاتف واعادت الاتصال به لعدة مرات ولكن لا يأتيها سوي إجابة واحده فقط ( الهاتف الذي طلبته غير متاح الآن ) .
هاتفت اسلام لتجد هاتفه قيد الانتظار لكنه اجاب علي الفور بصوت يشوبه القلق : مـ مريم ؟
مريم ببحه : جـ جود فين ؟.. جود يا اسلام كان بيكلمني وفجأه الخط قطع .. اسلام جود فين .
كانت تتحدث وهي تشهق من كثرة دموعها واطرافها ترتعش رعبًا .. حتي اتاها صوت اسلام : اهدي عشان خاطري .. اهدي عشان وليد .. انا .. انا في الطريق .. جايلك حبيبتي اهو .. اتماسكي واهدي عشان وليد .. جود هيبقي بخير متخافيش .. ادعيله ماشي .. مريم .. مريم خليكي معايا .. مريم .. مريم ردي عليا .. الو .. مريم .. مرييييم .
كان يصرخ في الهاتف لتجيبه في حين كانت تنظر هي لنقطه واحده فقط وعقلها قد توقف تمامًا عن كل شئ حولها .. ولم تعُد للواقع الا علي لمسة صغيرها الذي ينظر لها بعيون تتجمع بها الدموع لتحمله وتضمه بقوه لفتره لم تعرف مداها حتي أتاها صوت الباب وطرقاته العاليه .. ليجفل وليد وتحركت هي تجاه الباب لتفتحه ويظهر اسلام من خلفه وهو في حالة يُرثي لها .
ازدرد اسلام ريقه محاولا استجماع شجاعته ولكن لا شئ .. قدماه لا تحملاه .. لسانه لا يطاوعه كي يخبرها بخبر كهذا .. قرأت مريم زعر عينيه وتوتره وتردده لتتحدث بخفوت : جـ جود كويس ؟
صمت اسلام مزدردًا ريقه يبحث عن صوته لتُجفله مريم بصرخه بإسمه فيتحدث بعدها ببحه : كـ كان في الموقع و .. و حصل مـ ماس كـ كهربا و ..
مريم وهي تنتفض : و اي ؟.. جود فين ؟.. انطق جود فيييين ؟
انتشلها اسلام لصدره وأخذ يضغط عليها داخل أحضانه حتي لا تسقط منهاره .. الأمر ليس سهلًا عليها أبدًا ..
انهارت مريم بين ذراعيه لتسقط في أحضانه فاقده للوعي .. ليميل اسلام حاملًا إياها بسرعه ودلف لغرفتها واخرج لها ملابس وألبسها اياها سريعًا كي يأخذها الي المستشفي ..
نظر تجاه باب الغرفه ليجد وليد يبكي بصمت وعينيه معلقه علي مريم فركض تجاهه وحمله متمتمًا : متخفش يا وليد .. متخفش حبيبي ماما كويسه .. يلا يا بطل عشان نمشي سوا واجيبلك بسكوت وشاي ؟
اماء وليد تباعًا وهو يمسح دموعه ليقبله اسلام بخفه ومن ثم وضعه الي الارض وتحرك وحمل مريم بين ذراعيه وتحدث الي وليد كي يتحرك معه .. وقد تبعه الصغير بلا تردد او حديث .. حتي خرج اسلام ووضع مريم بالسياره ووليد بجانبه وانطلق الي اقرب مستشفي .. واستقبلوها سريعًا ..
في حين اتصل اسلام بأروي وطلب منها الحضور لأخذ وليد .
خرج الطبيب بعد بعض الوقت ليركض اسلام تجاهه : هتبقي كويسه مش كده ؟
تحدث الطبيب بروتينيه : هي تعرضت لصدمه نفسيه جامده .. وحاليًا احنا في انتطارها تفوق عشان نحدد مدي تأثير الصدمه عليها .. بس لازم تبعد الفتره الجايه عن اي ضغوط نفسيه او عصبيه .. الف سلامه .
تحرك الطبيب ليجلس اسلام الي المقعد بجانب وليد ويضع رأسه بين يديه .. في نفس الوقت الذي وصلت به اروي وركضت تجاه اسلام ببكاء : اي اللي حصل ؟.. مريم مالها ؟.. في اي يا اسلام ؟
اسلام ببحه : جود .. راح المصنع عشان يبدأ يأسس للمشروع اللي بيفكر فيه من زمن .. بس حصل ماس كهربا و .. وحريق جامد .. ومروان راح بس .. بس كل حاجه كانت رماد .
شهقت اروي وهي تضع يدها علي فمها وهي تردد : لا اله الا الله .. لا اله الا الله .. لا لا لا ان شاء الله هو كويس .. ان شاء الله كويس محصلوش حاجه .. يارب يارب متوجعش قلبها بيه يارب .. يارب يارب .
احتضنها اسلام بهدوء وهي تردد دون توقف بالدعوات ودموعها تسيل بصمت حتي انتبهت لوليد الذي يجلس متحجرًا بمكانه ينظر لهما بعيون مستفهمه باكيه .. فابتعدت عن اسلام وقامت بحمل وليد ومن ثم جففت دموعه واخبرت اسلام انها ستذهب به الي جدته وستعود من اجل مريم .
وبالفعل غادرت اروي تاركه اسلام في ألمه وتخبطه وخوفه .
ولم يمر الكثير من الوقت حتي اخبرته الممرضه بأن مريم ستستعيد وعيها بعد دقائق .. وغادرت لتأتي اروي وتسأله عما جد .. فتحدث بخفوت : مروان هناك .. وقلتله علي حالة مريم وقالي متسيبهاش .. وهناك لقيوا كذا جثه .
اروي ببكاء : جود منهم ؟؟؟
اسلام بألم : في واحده منهم مشكوك انه جود .. فراحوا المستشفي وهناك هيعملوا تحاليل .
اروي وهي تتنهد بألم : ياربي يا مريم .. هتعمل اي يا اسلام ؟.. مريم مش هتتحمل خبر زي ده ؟
اسلام بقلق : مش عارف يا اروي مش عارف .. الممرضه قالت انها هتفوق بعد شويه .
لم يمر الكثير من الوقت حتي اتي الطبيب ودلف لغرفة مريم لنصف ساعه تقريبًا ومن ثم خرج وعلامات الاستياء علي وجهه .
اسلام بتساؤل : في اي ؟.. مالها ؟.. هي كويسه صح ؟
الطبيب بحزن : للأسف .. صعوبة حالتها وصلتها انها تفقد النطق .
اسلام بعدم فهم : قصدك اي ؟.. يعني اي فقدت النطق ؟
الطبيب : فقدت النطق جزئيًا .. هي محتاجه ناس تكون واثقه فيها وبتحبها بجد يكونوا حواليها ويحاولوا معاها عشان ترجع تتكلم تاني .. فقد النطق ده برغبتها .. هي محتاجه تفوق بس .
وضع اسلام يده علي وجهه ليربت الطبيب علي كتفه بخفه : مهما كانت الصدمه قويه .. هتقدر تتعايش معاها .. بس عايزه الدافع لكده .. الف سلامه عليها .
غادر الطبيب تاركًا اسلام الذي ضمته اروي الي صدرها باكيًا واخذت تربت علي ظهره تقويه متمتمه : لازم تكون قوي عشانها .. لازم تقوي يا اسلام .. انت اقرب الناس ليها .. لازم تفوقها وتقويها .. هي محتاجالك حبيبي .
بقيت تتحدث اليه حتي استعاد بعضًا من شجاعته ودلف اليها وجلس الي جانبها في حين تجلس هي ناظره الي الشرفه بصمت تام .. ضمها اسلام الي صدره لتنفجر باكيه .. دموعها تنساب فقط .. دموع فقط .. لا نحيب ... لا شهقات .. فقط دموع .
هدأت وانتظمت انفاسها ليعلم اسلام فورًا انها ذهبت في سبات عميق .
وقد بقيت علي حالتها هذه ليومين متتاليين .. وقد ظهرت ايضًا نتيجة التحليل خلال هذين اليومين ايجابيه مع مروان ..
فكان الجميع في حالة يُرثي لها حقًا .. فالفقيد غالٍِ .
تم دفن جثمان جود .. وأخذ مروان وبجانبه اسلام ومعاذ العزاء .. ولم تترك مريم منزلها وكذلك والدتها لم تتركها ابدا ..
حتي مر أكثر من اسبوعين علي دفن جود .. وصمت مريم وذبولها بسبب عدم تناولها للطعام .. وتحيا فقط علي تلك المغذيات التي يعطيها لها الطبيب .
دلف اسلام اليها ذات يوم ليجدها تنظر لتلك العلبه التي تحوي قلما وكبك وسبحه وساعه بني اللون .. وقد علم انها نفس الهديه التي احضرتها له احتفالا بمرور عام علي تعرفها عليه .. تنظر للعلبه بصمت تام .. لا دموع .. لا حراك .. لا رد فعل .. لا شئ أبدًا .
جلس الي جانبها بهدوء لتتحول نظراتها اليه ..
اسلام بابتسامه : حبيبة قلبي عامله اي ؟
مريم : ............
اسلام بتنهيده : مريم حبيبتي .. وليد محتاجك .. وانا محتاجك .. واروي محتاجاكي .. كلنا محتاجينك .. لازم تحاولي تخرجي من الحاله دي يا مريم .. جود عمره ما هيكون مرتاح في تربته وانتي بتعذبي نفسك وتعذبي ابنك كده .. ابنك امانه يا مريم لازم تحافظي عليها حبيبتي .. وفي سنه ده محتاجك اكتر من اي وقت تاني .. متحرمهوش منك يا مريم .
تنهد ببعض الألم وهو يجذبها لأحضانه لتحاوطه هي الأخري بصمت تام .. تعلم صدق كلماته .. تشعر بكل شئ يدور حولها .. تعلم ان وليد يحتاج اليها .. تعلم ان جود لن يكون سعيدًا او مرتاحًا ابدًا وهي بهذه الحال .. اسلام محق .. يجب ان تكون الام والاب لوليد الان .. ستسعي لان يكون وليد هو جود آخر .. انتظمت انفاسها ليضعها اسلام بهدوء الي فراشها ويخرج بهدوء .
مر يومين آخرين وبدأت مريم تتحرك .. وبدأت تأكل .. بدأت تحاول التحدث حتي تمكنت من ذلك .. لم يتركها احد منهم .. كانوا جميعا بجانبها .. حتي تمكنت من العوده للحياه .. خارجيًا علي الأقل .. فروحها فارقتها مع زوجها .. هي تحيا الآن جسدًا لا اكثر .. لكن قلبها يخبرها دومًا بشئ آخر .. لا تعلم صحته ..
بدأت تندمج مع الجميع مجددًا ولكن بتحفظ كبير .. ورفضت رفضًا قاطعًا ان تترك منزلها لأي سبب كان .
استفاقت من ذكرياتها علي يد وليد الذي يتثاءب واضعًا يده اليمني علي فمه واليسري علي فخذها .. امالت مريم اليه واخذته الي احضانها بقوه .. ومن ثم اخذته بهدوء وبدلت ثيابه وجعلته يتوضأ بتأني ومن ثم اخذته وبقيت تعلمه كيفيه الصلاه .. ومن ثم بدأت في تحضير فطور من اجلهما .. حتي دق الباب وخرج وليد صارخًا : خالو وريجو جم .
ضحكت مريم بخفه ليفتح وليد الباب ويجد اسلام بمفرده .
وليد بضجر : ريجو فين ؟
اسلام زامًا شفتيه : ما تحترم نفسك يا عم انت .. دا انا ابوها ومبقولهاش ريجو دي .
مريم من خلف وليد : ابني يقول اللي هو عايزه .
اسلام وهو يدفع وليد للداخل : اوعي يابني دخلني كده .. واريج راحت لتيتا .
وليد وهو يجذب يد مريم : ماما عايز اروح لتيتا .
اسلام رافعًا احدي حاجبيه : لا يا حبيب امك هي مش عند تيتا بتاعتك .. هي عند تيتا التانيه .
تنهد وليد قبل ان يدلف للمطبخ مجددًا .. لتضحك مريم علي فعلته واقترب اسلام محتضنًا اياها وهو يتمتم : قولي لابنك يبعد عينه عن بنتي لاخرمهاله .
مريم وهي تضربه علي ظهره بخفه : ملكش دعوه بيهم .
اسلام رافعًا يديه باستسلام : انا ساكت ومستسلم اهو .
دلف معها لبعض الوقت ثم غادر متجهًا للشركه وقد اتخذ قراره اخيرًا .
كان يجلس في مكتب جود بالشركه يراجع بعض الأوراق حينما دلف اسلام سريعًا وهو يتمتم : لقيتها يا برنسسسس .
مروان : يابني آدم بطل جنانك ده .
اسلام : ياعم فوكك .. المهم .. احنا هنطلع طلعه اسكندريه اسبوووع كامل .
مروان : اشمعنا اسكندريه ؟
اسلام بهدوء : مش عارف بس تقريبا مرحناهاش قبل كده انا ومريم .
مروان : ماشي مفيش مشكله .. اي الوقت المناسب برأيك ؟
اسلام : نخلص بس من شحنة المواد الجديده دي .. وبعدها نطلعلنا اسبوع .. انت هتخلص فيها امته ؟
مروان وهو ينظر للأوراق امامه : يومين وهتخلص .
اسلام : ميه ميه .. يبقي نرتب للأسبوع الجاي .
مروان : افرض مريم رفضت ؟
اسلام بغمزه : سيب الموضوع ده عليا .. انا هظبطه ولو معرفتش هكلمك تخلي شهد تكلمها واروي هخليها تكلمها برضو .. هتوافق متقلقش .
مروان بهدوء : ع البركه .. هننزل في فندق ولا هنقعد فين الاسبوع ده ؟
اسلام بضجر : ياعم فندق اي وبتاع اي بس .. احنا ناخدلنا شقه مفروشه ايجار .. تبقي فيها اربع اوض نوم وكل واحد بعياله .
مروان : انت متأكد ان الموضوع ده هيبقي فيه خير لمريم مش وجع زياده ؟
اسلام بتنهيده : هنحاول نلهيها يا مروان .. انا مش قادر اسامح نفسي علي قعدتها دي وانا مش قادر اعمل عشانها حاجه .
مروان بتنهيده ألم وحزن : اللي راح يستاهل يا اسلام .. المهم .. خد منهم الأكيد وانا في خلال اليومين دول هسأل علي مكان مناسب .
اسلام : علي البركه .. يلا هطير انا .. محتاج حاجه ؟
مروان بابتسامه : تسلم يا حبيبي .
دلف من باب الكافيه بهدوء وهو ينظر للمكان بتفحص .. انه مكان ساحر حقًا .. هدوء تام .. لا يقطعه سوي صوت الأمواج التي ترتطم بقوه مع هذا الحاجز عند الشاطئ ..
الطاولات الخشبيه والمقاعد البندقيه .. ذات الوسائد الإسفنجيه البيج ويحاوط الكافيه زجاج كامل يطل علي البحر مباشرة .. كما ان لون المكان يتمتع بالعسلي الهادئ المحبب والمريح ..
تنهد براحه وهو يدلف للمكان قبل أن يأتيه صوت محمود مبتسمًا : عجبك المكان ؟
تحدث بخفوت : انا ازاي بقالي سنتين هنا ومفكرتش اجي معاك طول الفتره دي ؟
محمود بابتسامه : ياحبيبي انت كنت في اي ولا اي ؟.. وبعدين اديك هنا اهو يا سيدي .
ابتسم بهدوء متمتمًا : انا والله مش عارف اشكرك ازاي ياراجل يا طيب .
ربت محمود علي كتفه بهدوء متمتمًا : المكان مكانك يابني .. مكان ما تحب اقعد .. اشكي للبحر هيسمعك .. واسرح في ملكوت ربنا هتلاقي الامور بسيطه .. مصيرها هتتعدل يا بني .
ابتسم بهدوء قبل ان يتحدث : انا هساعدك هنا الاول واخر اليوم ابقي اقعد براحتي .. بس بقولك اي .. تعمل حسابك اني بعد ما اخد ع الشغل هنا هتجيب رحمتك وترَجَّع ايام زمان وتحيِي الحب من جديد .
ابتسم محمود بحب وهو يتمتم : ربنا يسعدك يا بني .
اماء بخفه قبل ان يتحركا للداخل وبدأ محمود بتعريفه علي كل شخص وكل ركن بالمكان وقد باشر العمل معه حيث يخرج احيانا ليوصل المشروبات لطالبيها .. واحيانا يذهب لشراء ما ينقصهم .. واحيانا اخري يساعد ذاك الذي يُلَمِّع الزجاج كل فتره .. صادَق الجميع .. بل وبعض الزوار كذلك .. اصبح لديه أصدقاء واحباب في وقت وجيز لا يتعدي الايام القلائل .
اندمج سريعًا مع المكان واصبح جزء لا يتجزأ منه .. يعمل به صباحًا .. ويجلس ليلًا الي الشاطئ .. يتأمل تلاطم امواجه .. او يتأمل الغروب الساحر .. او يتمتع بتلك الأضواء الخافته التي تعطي للمكان روح وبهجه .. ولكن افكاره الدائره حول حقيقته تجعل سعادته وراحته لا تدوم كثيرًا .
فمن ذاك الذي يجهل هويته واصله ويحيي قرير العين مرتاح البال ؟!!
وهو غير جاهل لهويته وأصله فقط .. بل ويمتلك خلفيه سيئه جدًا عما حدث معه كذلك .. وبداخله ظن يكاد يفتك به !
يتبع