رواية سند الحلقة الثامنة

رواية سند
الحلقة الثامنة
ـ سلمى بخبث: بصراحة هو تقدر تقول كده اتنين في واحد؛ رشوة وتعويض.
ـ سليم بحيرة : امممم .. رشوة أيه ؟
ـ سلمى تلقائيا نبرة صوتها تغيرت وقاربت لغنج الاطفال : بصراحة أنا امبارح بليل كنت ناوية أطلب منك طلبين خاصيين لي ومهمين جدا بالنسبالي ( قطبت جبينها للحظة وزمت شفتيها ) بس الكائن اللي فوق ده مدنيش فرصة( وعاودت ابتسامتها وحماسها ) فقلت أعملك غدا مميز وأطلبهم على الغدا قبل ما يزعجنا بصوته أخر النهار زي كل ليلة.
ـ سليم ضاحكا على كلماتها الأخيرة : بصراحة رشوة تستاهل ( هدئت ضحكته ليهديها نظرة حنون ) بس أنتي مش محتاجة رشوة؛ أنتي تؤمري وأنا هانفذ لو هاقدر.
ـ سلمى بسعادة: ربنا يخليك يا سليم، أن شاء الله هتقدر.
ـ سليم بحنان: أن شاء الله، قولي بقى يا ستي عايزة أيه.
ـ سلمى مداعبة: طيب مش تستنى الغدا عشان تشوفه يستهل ولا لأ.
ـ سليم بابتسامة: لا أنا واثق فيكي، وبعدين بصراحة عايز أعرف أيه الطلبين دول، لأنك ولا مرة من يوم ما قابلتك طلبتي حاجة لنفسك.
ـ سلمى بلهفة وتمني : أول طلب، عايزة ابقى أخرج كل يوم شوية كده؛ الف حوالين بيت أخو سليم، يمكن المحه وهما خارجين ولا حاجة.
حاول سليم السيطرة على توتره، وتذكير نفسه بما عانته تلك المسكينة، وقسمه بالأمس، بأنه سيبذل أقصى جهده ليعيد لها حقها.
ـ سليم وهو يراقب اللهفة بعينيها انتظارا لقراره: لا طبعا مش هينفع ( رأى صدمتها وخيبة الأمل بعينيها فأردف بسرعة ) بس أنا عندي فكرة أحسن من كده بكتير.
ـ سلمى احيت البسمة على ثغرها بعدما كانت قد خبت قليلاً : فكرة أيه؟
ـ سليم موضحا وجهة نظره : أنت لو فضلتي تلفي حوالين البيت ممكن حد ياخد باله، ويفتكروا أنك عايزة تسرقي حاجة ولا تخطفي حد ويمسكوكي وساعتها أهل سليم هيعرفوا؛ وياخدوا حذرهم منك ويبعدوا الولد بعيد عشان متقدريش توصلي له تاني، فالمفروض يفضلوا فاكرين أنك لسه محجوزة في المستشفى.
ـ سلمى تتحمست لطريقة تفكيره وارهفت السمع : طيب لازم نعمل أيه؟
ـ سليم بسعادة لحماستها: أنت تروحي عند البيت في وقت هادي كده وكله في شغله، وتقابلي بواب العمارة تديله مية جنيه، وتقولي له أنك لسه ساكنة هنا جديد ومحتاجة واحدة تيجي تعملك الشقة يوم في الأسبوع، وكمان اسم نادي وحضانة كويسين وقريبين من هنا.
ـ سلمى بعدم فهم : ليه!
ـ سليم بدهاء : الشغالة غالبا هتبقى مراته أو واحدة من اللي شغالين في العمارة يوم اجازاتها، وسواء دي أو دي؛ هتلاقي أخبار العمارة كلها عندهم، وأنت بقى وشطارتك، تهديها بكذا حاجة وتكسبيها خالص، وتقفي على أيدها وهي بتنضف؛ وتبدأي رغي الستات لحد ما توصلي للي عايزاه.
ـ سلمى لمعت الفكرة برأسها : طيب و الحضانة والنادي.
ـ سليم بذكاء: الطبيعي أنه هينصحك بالأماكن اللي مشتركين فيها سكان عمارته، أنت تروحي الحضانة مرة كده تقولي لهم أنك عايزة تشتغلي أو بتطمني على مستوى الحضانة عشان هتجيبي ابنك فيها، فلو مرات أخو سليم بتشتغل وبتوديه حضانة ممكن تقابليه هناك، أما النادي فطبيعي أن ست بالمستوى ده ومعها طفل صغير؛ تروح ولو مرة في الأسبوع احنا نروح بدري ونقعد قريب من أقرب بوابة لبيتها عشان نلمحها وهي داخلة، وكمان لو قعدتي تلفي النادي كله دي حاجة طبيعية ومحدش هيشك فيكي.
ـ سلمى بسعادة وهي تصفق بطريقة طفولية : الله عليك وعلى دماغك يا سولي ولا المفتش كرومبو في زمانه.
ـ سليم ضاحكا بسعادة لتدليلها له دون أن تشعر: كرومبو، روحي يا سلمى لفي حوالين البيت ولو قفشوكي انا معرفكيش.
ـ سلمى مشاركته اياه ضحكاته : الله بقى متزوءش ( وعلى غفلة انتبهت وعقبت ) بس الفلوس اللي هيخدها البواب والشغالة دي فلوسك أنت، وأنت ملكش ذنب.
ـ سليم بغيظ: اسكتي يا سلمى أحسنلك، وقولي طلبك التاني، اللي شكلي هرفضه قبل ما أعرفه بسبب غلاستك دي.
ـ سلمى بدلال : لا خلاص خلاص، أسفة.
ـ سليم بابتسامة : طيب قولي.
ـ سلمى بد التوتر جلياً على قسماتها : لي واحدة صاحبتي من النت، هتتجوز قريب، ونفسها في شهر العسل تلف محافظات مصر كلها، وكانت عايزة بروجرام حلو كده عن الأماكن اللي تزورها والفنادق اللي تقعد فيها ومطاعم مميزة بالأماكن دي، وتكلفة رحلة زي دي ممكن تبقى قد أيه وكده، وأنا بقى حبيت أفتخر بيك قدامها، وقلت لها أن جوزي أجمد مرشد سياحي أشتغل في مصر، وأنك هتعمل لها البروجرام ده عشان خاطري.
سليم بنشوة لكلمة زوجي منها، وأفتخارها به : طبعا عشان خاطرك أعمل لها كل اللي هي عايزاه بس في مشكليتين ما أخدتيش بالك منها يا أستاذة، أولا أن الموضوع محتاج كمبيوتر اكتب عليه لأن انت عارفة تليفوني صغير ومش هيساعد في الكتابة، ثانيا أني بقالي سنين مبطل شغل وأكيد الأسعار اتغيرت جدا، ومش هاقدر احدد ميزانية رحلة زي دي.
ـ سلمى ببساطة وهي تخرج جهاز كمبيوتر محمول من الخزانة : ده بالنسبة لأولا، اما ثانيا فسهلة اعمل أنت البروجرام الأول من غير أسعار، وبعدها ندخل على مواقع الأماكن اللي أنت اخترتها ونطلع على قوائم اسعارهم حاليا.
ـ سليم ممسكا بالحاسب الآلي متفحصا اياه : أنت جيبتي اللاب توب ده منين.
ـ سلمى بابتسامة : لاقيته وأنا بلم حاجاتك من شقتك.
ـ سليم ناظرا اليها وعلامات الرضى تطغى على روحه التي استعادت بريقها بوجود تلك الجنية : لا ناصحة، طيب وصاحبتك دي، يعني مستواها أيه بالنسبة للفنادق والمطاعم.
ـ سلمى مدعية الجهل : يا سليم بقولك صاحبتي من النت مش قريبتي؛ يعني طبعا معرفش حاجة زي دي، واتحرج أسألها عليها ( واقتربت منه بدلال ممسكتا بيديه ) البركة فيك أنت بقى يا قمر معلش هتعبك معايا ، اعملي البروجرام مرتين بنفس المزارات بس مرة بفنادق ومطاعم شيك، ومرة على قد الجماهير الكادحة، وهي اللي تنقي اللي يناسبها.
ـ سليم مطالبا بالرحمة منها ومن دلالها المهلك : خلاص يا سلمى هاعملهولك ثلاثه كمان، واحد على أعلى مستوى، وواحد للدخل المتوسط، وواحد للجماهير الكادحة عشان خاطرك أنت.
ـ سلمى وقفت مبتعدة بسعادة وما زالت تنظر اليه وترجع بظهرها خارجة من الصالة : تسلم لي يا سليم، واتوصى بقى عشان أنا ناوية قبل ما أديها البروجرام( مولية اياه ظهرها مكملة طريقها بحماس وحالمية ) هاروحه بخيالي حتة حتة.
ـ سليم هامسا: وتسلمي لي يا سلمى يا رب، تسلمي لي يا سندي.
*************
بعد مرور يومان
فزع سلمى وسليم على صرخات وطرقات دعاء المستنجدة
ـ سلمى بخوف وهي تفتح الباب: أيه في أيه؟
ـ دعاء بصراخ: والنبي الحقيني، البت فوق مغمى عليها، ومش راضية تفوق، اطلعي أقعدي مع العيال وحاولي تفوقيها عقبال ما أنادي دكتور من أول الشارع.
ـ سليم بحدة من خلف سلمى: ما جوزها يقعد معاهم.
ـ دعاء باكية: جوزها، ربنا يسهلله ويسامحه بقى، هو سافر بره من غير ما يقول لحد، وهي اغمى عليها لما عرفت.
ـ سلمى برجاء: ممكن اطلع لهم بعد أذنك يا سليم.
ـ سليم بتردد: اطلعي وخدي تليفونك معاكي، وأول ما المدام ترجع انزلي.
ـ سلمى بتوتر: حاضر.
خرجت من الشقة وفوجئت بسليم يهاتفها أثناء صعودها الدرج.
ـ سلمى مطمئنة نفسها الملتاعة : أيوه يا سليم.
ـ سليم مهدهدا على روحها : متخافيش يا سلمى، أنا عارف أنك قلقانة، خلي التليفون مفتوح في جيبك وأنا هافضل معاكي على الخط، لحد ما الست دي ترجع وتنزلي، ولو احتاجتيني هاطلعلك ولو طلعت زاحف.
ـ سلمى وقد استمدت القوة لإحساسه بها وفهمه لمكنون صدرها بهذه اللحظة : ربنا يخليك لي يا سليم، ربنا يخليك لي يا سندي.
ـ سليم بحب: ويخليكي لي يا سلمى ( واكمل هامسا ) يخليكي لي يا حبيبتي.
أكملت صعود الدرج وقد زال عنها قلقها، وهي تشعر بأنه اخير قد أصبح لها سند حقيقي يشعر بمخاوفها ومستعد لحمايتها مهما بذل من جهد
*************
بعد مدة في شقة سليم
ـ سليم قريبا منها يمسد على ظهرها : أهدي بقى يا سلمى، مينفعش كده، هاعمل أيه لو اغمى عليكي زيها.
ـ سلمى منهارة وعينيها جمرتا دم : تخيل الحيوان مخطط يحبس ولاده في الشقة لوحدهم.
ـ سليم اكفهر وجهه لذكر اللزج وما كان ينتويه : هو باين عليه من الأول أنه مش راجل.
ـ سلمى بغضب ودموع لا تتوقف ملوحة بيديها : لا ومامته حاولت تداري عليه، بس اضطرت تحكي لما الولد جاب الورق اللي شالته من أيد مامته وهي مغمى عليها.
ـ سليم بضيق : ربنا ينتقم منه، غار في داهية، بس أنا صعبان عليا ولاده، ربنا يستر وينسوا التجربة دي ومتأثرش على حياتهم.
ـ طالعته سلمى مشفقة على حال الولدين : ممكن الصغير ينسى، لكن الكبير ما اعتقدش، صحيح هو مدلع زيادة بس ولد ذكي جدا، أنت عارف أن هو اللي اتصل بنهى وخلاها تسيب الشغل وتيجي دلوقتي.
ـ سليم مستفهما : جابها ازاي!
ـ سلمى مكملة وصلة البكاء : أصل اللي أسمه ناصر ده، كان ناوي على الغدر ومظبط نفسه، أنه ياخد كل اللي يقدر عليه من الشقتين ويسافر من غير ما حد يشوفه، فاستنى لما نهى نزلت الشغل، وسابت ولادها عند حماتها كالعادة ودخل لمامته قالها أن أخته تعبانة قوي واتصلت على تليفونه عشان تليفون مامتها مقفول، فطبعا مامته جريت تطمن على بنتها، وسابت ولاده معاه، راح مقلب شقتها واخد دهبها وكل الفلوس اللي لاقها، وراح شقته يلم هدومه، وحبس ولاده في أوضتهم ، الولد كلم جارتهم من البلكونة وقالها كلمي ماما عشان أنا خايف، لان نهى كانت محفظاه نمرتها، وطبعا جات جري من غير ما تعرف في أيه ( مدت يدها تمسح اثار الدموع على خديها وغامت عينيها بغضب اعمى ) لقيت الزفت ده خلاص ماشي، طبعا فوجئ بيها وبدل ما يتكسف من نفسه، رمى في وشها قسيمة طلاقها والجواب اللي كان هيسيبهلها، واهانها جامد، ورغم انها انهارت واغمى عليها في وجوده، سابها مرمية على الأرض ومشي يلحق معاد طيارته.
ـ سليم عاقدا حاجبيه غير مصدق ان هناك نموذج من الاباء على شاكلة ذاك اللزج : حسبي الله ونعم الوكيل فيه، كويس أن حماتها جات بسرعة ولحقتها.
ـ صمتت لبرهة تقيم موقف المدعوة جدة لطفلين والمفروض ام بديلة للمسكينة زوجة ابنها الا انها ابعد ما تكون عن هذين المسمين الساميين فزمت شفتيها علامة الرفض والاستنكار وردت محتدة : اه طبعا ما هي عارفة ابنها كويس، أول ما راحت لبنتها وعرفت أنها مفيهاش حاجة، فهمت أنه ناوي على مصيبة، وجات جري، لقيت الغلبانة مرمية على الأرض والغريب انها مش جريت تلحقها، لا دي الأول دخلت شقتها تدور على الحاجة اللي اتسرقت وبعدين خبت قسيمة الطلاق والورقة اللي معها، وفي الأخر افتكرت أن في بني أدمة مرمية على الأرض.
ـ سليم ضاما يده وضاغطا عليها بسبب انفعاله من خستهما ورد باشمئزاز : لاحول ولا قوة الا بالله، دلوقتي بس عرفت الزفت ده طالع كده لمين.
ـ سلمى مؤيدة لرأيه : موقفها كان محرج جدا، والدكتور بيسألها عن اللي حصل، وبتقول أنها متعرفش حاجة وأن أول ما لاقيتها مغمى عليها اتصلت بيه، والولد كدبها قدامنا، وحكى الحكاية كلها.
ـ سليم بغضب : ست عقربة وابنها تعبان كويس أنه غار.
ـ سلمى قابضة على يديه بقوة تستمد الطاقة والمؤازرة : يا الله يا سليم لو شوفت حالة نهى هتصعب عليك قوي، انا كنت هاتجنن علشانها.
ـ لف سليم يديه حول يديها لتصبحا سجينتي يديه مشددا على قبضه الثمين بين يديه وناظرا اليها : وأنا كنت هاتجنن عليكي، لما نزلتي من عندها منهارة.
ـ سلمى بلجلجة بصوتها ورعشة بيديها اثر كلماته فملصتهما لتحريرهما من سجنهما : اسفة يا سليم، القلق ده كله ، نساني أنك مفطرتش، دقايق والاكل هيكون جاهز.
فرت هاربة من امامه، محاولة الهرب من ذلك الخجل الذي اصبح ملازما لها في وجوده، خاصة مع رقته وحنانه وكلماته الغامضة التي توحي لها بأنه يعني أكثر مما يبدو، ونظراته التي لا تستطيع تفسيرها ولكنها تشعر بتأثيرها القوي على مشاعرها تجاهه.
*************
بعد أيام
ـ سليم بحماس : سلمى يا سلمى.
ـ سلمى مهرولة : نعم يا سليم.
ـ سليم بابتسامة ومدققا النظر بعينها ليستشف ردة فعلها ويلتقط ولادة ابتسامتها : اتفضلي يا ستي، بروجرام لأجمل أماكن في مصر، وبثلاث ميزانيات مختلفة.
ـ سلمى ملتقطة الاوراق بسعادة متفحطة اياهم : هو ده الكلام، ربنا ما يحرمني منك يا سليم.
ـ سليم بهيام : ولا يحرمني منك أبدا يا ساسو.
ـ سلمى بارتباك لتدليله لها : طيب أنا هانقله على التليفون عشان هابعته واتس.
ـ سليم بحنان: هاتي تليفونك وأنا هنقلهلك وابقي انت ابعتيه.
مدت يدها بهاتفها، لتتلامس اناملهما أثناء أخذه للهاتف، لينتفض كلا منهما وكانما اصيبا بشحنة كهربائية، لتهرول من امامه خجلا، وتتركه سعيدا بأحساسه بتأثيره عليها، ولكن سرعان ما تحولت سعادته لقلق وهو يتسائل هل كان اضطرابها خجل فتاة ام نفور.
*************
أستمعت لصوت باب الشقة يفتح فانتبهت كل حواسها ثم عادت للتراخي عندما أنتبهت للاصوات بالخارج التي تنبأ بأن من أتوا أنما هم أبناءها بصحبة جدتهم كعادتهم يوميا منذ ذلك اليوم، والذي قد مر عليه أكثر من أسبوعين، أقتربت الضوضاء من باب غرفتها ليفتح ويدلفوا اليها، جلست دعاء على طرف فراشها وهي تنظر اليها بضيق ثم وجهت حديثها للولدين وهي تقول آمرة: أدم خد أدهم وأقعدوا في أوضتكم عشان عايزة أتكلم مع ماما، وخلي بالك منه، ومتضربوش بعض.
أدم بمشاغبة : ماما مش بتتكلم من يوم ما بابا مشي .
الجدة بحدة: أنا اللى هكلمها، يالا أسمع الكلام.
بعد خروج الطفلان عادت الجدة للنظر اليها وقالت بحدة : مش ناوية تطلعي من اللي أنت فيه ده بقى، بكفياكي حرام عليكي أنا اللي فيا مكفيني، مش هينفع كده هو غار في داهية، وساب لي نكدك وحمل عيالك، عامة أن مش هاستحملك أكتر من كده، مها زميلتك اتصلت بتقول كل اجازاتك خلصت وزمايلك مغطين غيابك بالعافية، تقدري تقوليلي هتعيشي ازاي انت وعيالك لو اترفدتي، فاتن جاراتنا الممرضة بتقول أنك محتاجة دكتور من اللي بيعالجوا النفسية، لو فضلتي على اللي أنت فيه ده هوديكي لدكتور ولا مستشفى مهو مش هينفع تفضلي كده، كادت أن تعترض فهي لم تجن بعد ولكنها صمتت لانها تأكدت أنها تهذي فلا يمكن أن يكون ما سمعته صحيح، فزوجة عمها وحماتها الغالية تهتم بأمرها بل وتخشى على صحتها لدرجة أن تسب أبنها الغالي وهي التي كانت فيما مضى تكاد تلوم عليها بكاؤها الذي تصدره بعد تعديه عليها حتى لا تزعجه بنهنهتها والا فهي الزوجة الكئيبة التي تنفّر زوجها منها، اذن فهي بالفعل قد جنت.
*************
بمدخل منزل دعاء
اثناء نزول دعاء قابلت سلمى عائدة من تسوقها
ـ دعاء متفحصة مشتريات سلمى: صباح الخير يا مدام، أزيك وأزي أستاذ سليم؟
ـ سلمى وهي تتحرك بسرعة: الله يسلمك، الحمد لله.
ـ دعاء بتردد بعد تخطي سلمى لها: باقولك أيه يا حبيبتي، بعد أذنك، قاصدكي في معروف.
ـ سلمى ملتفتة لها بتوجس: أؤمري.
ـ دعاء بارتباك: ما يؤمرش عليكي ظالم، بس نهى من يوم اللي حصل وهي ما بتتكلمش نهائي، وباقول يعني أنتم من سن بعض تقريبا، ويمكن لو طلعتي وحاولتي تتكلمي معها، يمكن ترد عليكي وتخرج من اللي هي فيه.
ـ سلمى بتردد: هسأل سليم، وأشوف لو ينفع هابقى اطلع لها.
ـ دعاء بحماسة: أن شاء الله يوافق، ولو عايزني أستأذن لك منه أجي أكلمه.
ـ سلمى بحزم: لا شكرا مافيش داعي، أنا هاكلمه وأرد عليكي.
ـ دعاء برجاء: بس والنبي حاولي معه على قد ما تقدري دي يتيمة وغلبانة.
ـ سلمى بسرعة وهي تدلف لشقتها: أن شاء الله.
دلفت للشقة لتجد سليم بانتظارها قريبا من الباب.
ـ سليم بضيق: الست دي عايزة منك أيه.
ـ سلمى بارتباك: عايزني اطلع لنهى واحاول اتكلم معها؛ لأنها من يوم اللي حصل وهي ما بتتكلمش نهائي، وهي بتقول أننا من سن بعض تقريبا وممكن نهى ترتاحلي وتتكلم معايا.
ـ سليم مستفهما ومراعيا ليشعرها ان امر الموافقة بيدها وامرها ايضا بيدها : وأنتي رأيك أيه؟
ـ سلمى بابتسامة لإحترامه لرأيها : بصراحة مش عارفة، طبعا أنا مش عايزة أقرب من حد ومش عايزة أعمل علاقات مع حد معرفهوش؛ خصوصا حد قريب من اللي اسمها دعاء دي وابنها، بس في الوقت نفسه نهى صعبانة عليا جدا، وحاسة قوي باللي هي فيه، وأن أكتر حد ممكن يساعدها حد جرب اللي مرت بيه، حاسة أني لو قدرت اساعدها هاكون باشكر ربنا انه بعتك ليا ( انتبهت لكلمتها وتوردت وجنتيها عقبها ) يعني أنت والدكتور سيف عشان تساعدوني وتغيروا حياتي.
كاد أن يطير فرحا وهي تقول بأن وجوده بحياتها نعمة تستوجب الشكر، لتكسر اجنحة سعادته حين قرنت اسمه باسم سيف وذكر مساندتهما لها معا، فهل هذا كل ما يعنيه لها، مجرد شخص شهم تشارك هو وصديقه معاونتها، حاول اخفاء خيببة أمله وهو يحاورها هادئا.
ـ سليم بجدية : تحبي تعرفي رأيي؟
ـ سلمى بحماسة : أكيد.
ـ سليم باهتمام: بصراحة فكرة أنك مش عايزة تقربي أو تعملي علاقات مع حد متعرفهوش دي فكرة صح جدا، بس لما يكون هدفها الاقتصار مش الخوف؛ يعني يكون عندك القدرة على الأختلاط بس أنت مش حابة، لكن أنت بتعملي ده لأنك خايفة، وده غلط؛ ممكن يجي وقت تحتاجي تتعاملي مع أي حد، عشان كده أنا شايف أن دي فرصة حلوة تواجهى خوفك وفي نفس الوقت تقفي جنب واحدة محتاجكي ؛خصوصا وأنت زي ما بتقولي حاسة قوي باللي هي فيه وأنك أكتر حد ممكن يساعدها، اما بالنسبة للي اسمها دعاء فهي اللي طلبت مساعدتك وابنها غار في داهية، ولو ربنا كرمك وقدرتي تساعديها هيبقى ثواب كبير قوي عند ربنا، وحكاية أن أنا وسيف نعمة في حياتك، فبالنسبة لسيف فدي وظيفته ( مؤكدا على الفارق بينه وبين ذاك السيف ليلفت نظرها إليه ) اما عني فالمفروض أنا اللي اشكر ربنا انه بعتك ليا، لأنك مش متخيلة أنت بقيتي بالنسبالي أيه.
ـ سلمى متلعثمة ومغيرة مجرى الكلام فهو يوترها ولا تستطيع مجارته : يعني أنت عايزني أتكل على الله وأطلعلها.
ـ سليم بحزن لمحاولتها تلك التي وصلته شفافة واضحة كصاحبتها : براحتك يا سلمى، أهم حاجة عندي راحتك، وعمري ما هاغصبك على حاجة.
*************
في شقة نهى
أستمعت لصوت باب الشقة يفتح فانتبهت كل حواسها خاصة والخطوات لحماتها مصاحبة لخطوات أخرى بالتأكيد ليست لأبناءها ولكنها أيضا ليست الخطوات المنتظرة، ولكنها تحفزت فلربما تحمل أخباره اليها، ولكن اصابتها خيبة الأمل حين دلفت اليها حماتها بصحبة الساكنة الجديدة.
ـ دعاء بترحيب: أهلا، أهلا يا مدام سلمى، اتفضلي يا حبيبتي، شوفتي يا نهى مين جات تطمن عليكي.
ـ سلمى بحنان: أزيك يا نهى، عاملة أيه دلوقتي.
لم تهتم بالرد، فما شأن تلك بها ، فهما لم يتقابلا سوى مرات قليلة للحظات محدودة تتجنبها فيها، فلما تدعي الاهتمام بها الأن.
ـ دعاء بمجاملة: البيت بيتك يا حبيبتي، أقعدوا براحتكم، أنا هدخل شقتي عشان العيال.
نظرت سلمى لنهى بشفقة، وتنحنحت باضطراب, وهي تحاول تركيز افكارها لايجاد كلمات تبدأ بها الحديث مع تلك الشاردة.
ـ سلمى بتعاطف: متزعليش يا حبيبتي، بكرة ربنا يعوض صبرك على المفتري ده خير، طيب ده والله ربنا نجاكي ده أساسا أنسان مش كويس.
صدمت سلمى بنظرات نهى العدائية اليها وكأنها قد أسأت اليها رغم أنها كانت تحاول مواساتها، جالت ذكرى بخاطرها ولكنها استبعدتها، وأرجعت غضب نهى لتذكيرها بمأستها، وحاولت مجاذبتها الحديث مرة أخرى لعلها تفلح هذه المرة.
ـ سلمى بتوتر: طيب أنتي عارفة أنا قلبي كان بيتقطع عليكي في كل مرة باسمع فيها صريخك وهو بيضربك، وسليم كان بيبقى عايز يخانقه بس كنت بامنعه عشان عارفة أن جوزك مؤذي، وهيزيد افتراه عليكي.
نظرت لملامح نهى العصبية، ونظرات العداء الشديد بعينيها، وجسدها المتشنج، فعاودتها الذكرى فقررت التأكد من حدسها.
ـ سلمى بخبث: بس الصراحة كمان أنا كنت بقول، يعني أنه جوزك ومن حقه يتصرف زي ما يحب، ويمكن تكوني عملتي حاجة ضايقتيه (راقبت انبساط ملامح نهى وارتخاء جسدها المتشنج) طيب أنتي عارفة أنا كنت بحس أنه بيحبك قوي، يعني أكيد كل اللي بيعمله ده كان من غيرته عليكي ( لاحظت ذلك الوميض بعيني نهى فأكملت بحماس ) أنا متأكدة أنه مش هيقدر يبعد عنك كتير وأكيد هيرجع بسرعة جدا ( تابعت متفحصة ومتلاعبة بكلماتها فوجودها بمستشفى كالتي كانت فيها يخدمها اليوم ) بس المشكلة أنه لما يرجع أكيد هيتجنن ويمكن يمشي تاني لما يعرف اللي أنت عملتيه في غيابه؛ أنت متخيلة أنه هيسكت لما يعرف أنك ممكن تترفدي من الشغل، ولا أنك سايبة الولاد لأمه ومش بتساعديها، يا خبر ده أكيد هيزعل منك قوي (لاحظت توترها وعرفت انها تسلك طريقها الصحيح معها فاكملت ) ولا شكلك أكيد هيضايق لما يلاقيكي أهملتي في نفسك وخسيتي قوي كده ( انحنت لتلتقط أحمر شفاه ملقى على الأرض ) الله لونه حلو قوي، أنت عارفة أن حماتك قلتلي قبل كده أن ناصر بيموت في الروج ده عليكي، بيقول أنك بتبقي قمورة قوي لما تحطيه، وريني كده بيبقى عامل عليكي أزاي ( اقتربت منها فوجدتها هادئة مستسلمة فبدأت بصبغ شفاهها) الله كده أحسن كتير ( انتابها الحزن على تلك المسكينة بعدما قاربت شكوكها على التأكيد من ان هناك خلل نفسي لديها ) وبكره هتبقي أحسن وأحسن بإذن الله.
*************
على مائدة الغداء بشقة سليم
جلسا يتناولا غذاءهما بصمت، كلا منهما شارد بعالمه الخاص، فسلمى مصدومة لأكتشافها ما تعانيه نهى، تعلم أن الأمر أكبر من قدراتها المتواضعة، وفي نفس الوقت لا تقوى على تركها دون أن تبذل أقصى جهدها لمساعدتها، بينما سليم حزين منذ نقاشهما الصباحي وتهربها منه حين ود الأفصاح عن مكانتها لديه، ليزداد حزنه منذ عودتها من زيارتها لنهى وشرودها وانقباض ملامحها الذي فسره بأنه رد فعلها على كلامه ومحاولة للتعبير عن نفورها من مشاعره تجاهها.
ـ سلمى ترددت الكلمات على لسانها ولكنها أخيرا تجاسرت : سليم هو دكتور سيف جي بكرة؟
ـ سليم ببرود : أيوه في حاجة ؟
ـ سلمى مشتتة مرتبكة : كنت بأستاذنك، بعد الغدا اقعد اتكلم معه شوية، محتاجة أخد رأيه في حاجة على انفراد.
كاد أن يصيح بوجهها معترضا على طلبها الغير المقبول ولكن ماتت الكلمات بحلقه حين تذكر أن سيف هو طبيبها الخاص، فهل تراها تعاني من خطب ما أو انتكست حالتها بشكل أو بأخر جعلها تحتاج لاستشارته مرة أخرى.
ـ سليم بلهفة وقد تغلب اهتمامه بها على غيرته عليها: مالك يا سلمى، أنت تعبانة ولا حاسة بأي حاجة مضايقكي.
ـ سلمى بغموض: لا مش تعبانة بس محتاجة اتكلم معه في موضوع كده يعني.
شحب وجهه وضاق صدره فجأة وكأنما تسحب روحه وهو يتخيل بأنها ستشتكيه لأنه يتخطى اتفاقهما بحدود علاقتهما سويا، وربما تطلب من سيف توفير مكان أخر لها وأخذها من هنا، بعدما أصبح لا يتصور حياته بدونها.
ـ سليم قاطعاً عليها طريقاً ظاناً انها ستخطيه : أنا مضايقك ؟ لو عايزة تشتكيني، أنا أسف، بجد مش هضايقك تاني، أي حاجة عايزاها هاعملهالك.
ـ سلمى ممسكة بذراعه تهدئ من روعه فما ان نظرت اليه هالها الذعر المرسوم على محياه : في أيه يا سليم، وأنا هشتكيك ليه، أنا أسفة لو قلقتك بس الموضوع ما يخصنيش عشان احكيهولك، الحقيقة أني شاكة بحاجة بخصوص نهى وحابة أعرف رأيه فيها ؛ لأن لو احساسي صح الموضوع هيبقى أكبر مني بكتير وهتكون محتاجة رأي متخصص.
ـ سليم براحة: يعنى أنت كويسة، ومفيش حاجة مضايقاكي.
خجلت من لهفته عليها وتأكدت لديها ظنون كانت تدور برأسها منذ فترة.
ـ سلمى مداعبة محاولة أخفاء حرجها: وبعدين أنا كمان اللي هاشتكي، ده أنت اللي من حقك تشتكي، يعني بتخرج معايا علطول نروح النادي وأنا عارفة أنك مبتكونش مستريح هناك، وبتدفع فلوس مرات البواب اللي بتيجي تنضف يمكن أعرف منها حاجة عن سولي، ده غير أنك بتسمح لي أخرج من وقت للتاني الف في الشارع يمكن اقابلهم صدفة، ودلوقتي كمان وافقت أن أساعد نهى رغم أن ده هيشغلني عنك بس عشان تديني ثقة في نفسي وتساعدني أتغلب على خوفي، كل اللي بتعمله ده عشان خاطري، وكمان أنا اللي هشتكي.
ـ سليم مربتا على يدها التي بكفه: وعشان خاطرك، مستعد أعمل أكتر من كده مية مرة بس تكوني راضية ومبسوطة.
ابتسمت بخجل ولم تستطع الرد، وذاب هو بابتسامتها سارحا بخياله متمنيا أن يأتي يوم تكن له زوجة وسكن لا رفيقة سكن.
*************
باليوم التالي
جلست سلمى وسيف بغرفة الأستقبال تقص عليه كل ما علمته عن حياة نهى من الجيران وحماتها وشكوكها حول ما تعانيه.
ـ سيف ضاحكا: دكتور أيه بقى، ده أنت اللي دكتور يا دكتور ؛ تشخيصك صح مية في المية، دي فعلا أعراض متلازمة ستوكهولم.
ـ سلمى ضاحكة: لا مش لدرجة تشخيص، أنا بس افتكرت حوار كان بيني وبين سمر الممرضة بعد لما حضرتك لحقتني من اللي كنت فيه، وكنت وقتها مستغربة نفسي أزاي استسلمت بالشكل ده وهي وقتها قعدت تواسيني وتقولي أني أحمد ربنا أن حالتي مكنتش أكثر من صدمة، وأن حد غيري كان بقى زي القطط اللي متحبش الا خناقها زي بتوع متلازمة ستوكهولم، واتكلمت بشكل سطحي عن الموضوع من غير تفاصيل، بس لما حسيت بضيقة نهى وأنا باشتم على
ناصر شكيت وأتأكدت لما لاقيتها ارتاحت لما حاولت الاقي له اعذار، بس أنا طبعا معنديش أي معلومات علمية عن المرض ده.
ـ سيف باهتمام: متلازمة ستوكهولم حالة نفسية المصاب بيها بيتعاطف ويتعاون مع الشخص اللي مضطهده، أوخاطفه، أو بيضربه بشكل عنيف، أو حتى يغتصبه، أو بيعتدي عليه بأي شكل، ورغم أنه ضحية لكن ولاءه بيبقى للمجرم، يعني مثلا لو مجموعة من الأشخاص في موقف معين ميقدروش يتحكموا بمصيرهم، وحاسين بخوف شديد من التعرض للعنف، وحاسين أن السيطرة في يد الخاطف أو المضطهد لهم، فالمجموعة دي بتفكر بطريقة للنجاة معتمدة على طاعة المضطهد، وممكن تتطور لتعاطف ومساندة مع المضطهد.
ـ سلمى بفهم : هو ده تقريبا اللي قالته سمر بس أنا أستغربت من اسم المرض نفسه، لأن عارفة أن ده المفروض أنه اسم بلد مش مرض.
SHETOS
SHETOS
تعليقات



×