رواية سند
الحلقة الثالثة
استمعت لشجارهما بشرود وكأنها بعالم أخر، لا يهمها الأن سوى حماية ابنها، ونجدته من مصير كمصيرها بيد سعد أو أشقاءه، وستفعل ولو كلفها الأمر حياتها، فقد سبق وخسارتها بالفعل، أما ابنها فلا وألف لا، لذا فقد هبت نافضة عنها ثوب الشرود بعد سماعها له يشكك بنسب ولدها، باتهامه القذر، وطعنه بشرفها.
ـ سلمى ثائرة: أخرس يا حيوان، سليم ابن صالح، أنا أشرف منك ومن أهلك كلهم، صالح معتبش البيت من يوم طلاقنا الأخير، حتى أبنه كانت الدادة اللي بتدويه عنده يوم في الأسبوع يقضي اليوم وترجع به.
ـ سعد مذهولا: بتشتميني يا سلمى، طلع لك لسان وبتردي علي [بتهكم] وبدل أنت محترمة كده، مرجعتيش لأهلك ليه تعرفيهم اللي حصل، فضلتي لوحدك ليه سنة بحالها ياعالم هببتي فيها أيه.
ـ سلمى منفعلة: مش لما يبقي لي أهل أبقى أرجع لهم، كنت عايزني أرجع لمين، أرجع لك أنت، عشان تبيعني مرة تانية، ولا تتاجر بابني وتبتز أبوه بيه.
ـ سعد شامتا: وأديكي أنت وابنك رجعتم لي يا سلمى، وكلمتي هتمشي على رقبتك أنت وأبنك، خصوصا بعد ما أخواته ما تبروا منه وقالوا ملهوش علاقة به.
ـ سلمى مهتاجة لسماعها له يضع طوق تبعية ابنها له حول رقبته: بتحلم يا سعد، كلمتك دي تمشيها على عمتي هي أتعودت على كده، لكن أنا وأبني تنسانا للأبد، ولو متخيل أني عشان لسه قاصر هتتحكم في تبقى بتحلم، لعلمك أنا مش فاضلي أكتر من ثلاثة شهور وأوصل لسن الرشد، ولو فكرت أنك تستغلهم بأي شكل، مستغل خوفي على عمتي تبقي غبي، [بحسم وقوة] انا أبني عندي أغلي من الدنيا كلها، ولو حكمت أنا هبلغ بنفسي عن ورث أبويا، وهاقلب عليكم القديم والجديد [التفتت لترى وجه عمتها الشاحب والخوف مرتسم على جميع تقاسيمه لتقول بثقة] شكرا يا عمتي على وقفتك جنبي بس لو تمن الواقفة دي رجوع سعد يتحكم في، فالله الغني، أسفة بس ياريت تاخديه وتمشي [ ونظرت اليه بقوة] ولو فكر يرجع هنا تاني هبلغ البوليس أنه بيتهجم علي حتى لو كنتي معه.
*****************
بمكتب أحد المحامين
ـ المحامي واثقا: متقلقيش يا مدام سلمى، أنت موقفك سليم مايه في المايه، دي مش وصية ولا هبة عشان يطعنوا في صحتها، ده شرا للممتلكات بأسم ابنك مباشرة، وحتى مكنتش بأسم المرحوم أساسا، يعني هو أول ما اشتراها، اشتراها وسجلها بأسم سليم، خاصة وهو قبل وافته باع كل حاجة لولاده الكبار، يعني بديهي أنه هيكتب حاجة لسليم زي أخواته.
ـ سلمى قلقة: أيوه يا أستاذ، بس هما أول ما صالح مات الله يرحموا هددوني بأني أخرج من حياتهم نهائي، وحذروني من أن حد يعرف أن سليم أخوهم، ودلوقتي بعد ما فوجئوا بالثروة اللي الحاج كاتبها له وسايب ورقهم مع صديق عمره، رافعين قضية الوصايا.
ـ المحامي متهكما: سبحان الله حبوه فاجأة، حظهم الأسود بقى أن فاضلك شهرين بس وترشدي، كل اللي هنعلمه هنلاعبهم وتأجيل في تأجيل مرة للاطلاع ، ومرة أنا أتنحى وشريكي في المكتب يمسك القضية وهو كمان يطلب التأجيل مرة للاطلاع، لحد ما الشهرين يعدوا واحنا نطالب لك أنت بالوصايا.
ـ سلمى زافرة براحة: ربنا يطمنك يا أستاذ.
*****************
بشقة سلمى
استيقظت سلمى فزعة عندما تحسست الفراش فلم تجد ولدها نائم بجوارها، نهضت بسرعة لتبحث عنه؛ فهو قد أصبح مشاكسا للغاية بالفترة الأخيرة وتخشى أن يصيب نفسه بالأذي وهو يعبث بكل ما يقابله، نهضت مسرعة للبحث عنه، ولكنها صعقت برؤية سعد الجالس بأريحية على الأريكة المقابلة لباب غرفتها.
ـ سلمى منصدمة: سعد، أنت دخلت هنا أزاي!
ـ سعد ببرود: صباح الخير يا سلمى.
ـ سلمى مذعورة: فين سليم؟ [بصراخ] سليم، سليم.
ـ سعد هادئا: سليم في بيته يا سلمى.
سلمى بعصبية: أنت مجنون، هنا بيته، ده أنا هوديك في داهية، وديت ابني فين يا سعد؟
ـ سعد منفعلا: هو عشان سكت لك المرة اللي فاتت، لما قلتي يا سعد، من غير عمي استحلتيها ولا أيه.
ـ سلمى ثائرة بجنون ببحث محموم عن ابنها: بلا سعد بلا عمي، ابني فين، ودخلت هنا أزاي؟
ـ سعد متهكما: قولت لك ابنك في بيته، وبيته يعني بيت أبوه مع أخواته، اما هنا بقى ده بيتي أنا، بيتي اللي سبق وطردتيني منه وجه الوقت أردهالك أطلعي بره يا سلمى.
ـ سلمى مهتاجة: سليم مين اللي عند أخواته ، وبيت مين يا مجنون أنت.
ـ سعد متشفيا: لا ده مش جنان يا حلوة ، ده أدب، أدبي ليكي عشان تعرفي تتكلمي مع اللي رباكي أزاي، سليم ومش هتشوفيه تاني أبدا، كنتي فاكرة نفسك ناصحة أنت والمحامي بتاعك وبتضيعوا وقت في قضية الوصاية، عقبال ما أنت تكملي الواحد وعشرين سنة وتطالبي بها لنفسك، بس خلاص يا حلوة اللي خد الواد من جنبك كان تعبان شوية وريح جنبك علي السرير، وخد شوية صور للذكرى أنما أيه، أي قاضي هيشوفهم هيعرف بأنك مش مناسبة لتربية طفل وأنت أساسا مش متربية، [منتشيا] أما بقى الشقة دي واللي تحتها صحيح المحامي بتاعك عنده ضمير بس السكرتير بتاعه لا، والورق اللي مضاكي عليه على أنه إجراءات القضية والتوكيل، فهو في الحقيقة عقد بيع منك لي بالشقتين، وبكده ترجعي لقواعدك سالمة يا سلمى، وزي ما قولتي بالظبط لما اتجننتي وطردتيني، رجعتي لي تاني، عشان أبيعك مرة تانية، وأتاجر بابنك، وطلعت كسبان كمان ولسه..
لم تسمع سلمى من كل حديثه الشامت سوى جملة واحدة توقف عقلها عندها وظل يرددها لعشرات المرات { سليم مش هتشوفيه تاني أبدا} لن ترى سليم مرة أخرى، لن تراه أبدا، وسعد هو السبب هو من يمنعها من رؤية سليم، سليم طفلها الحبيب الذي قررت أن تحيا له ومعه بعد أن أضاع سعد حياتها السابقة، ولكن سعد يهدد أيضا حياتها المنتظرة مع سليم، لا هي لا يمكن أن تبعد عن سليم ، يجب أن يعود اليها، وسعد هو من يمنع عودته، إذن يجب الا يعود سعد لحياتها ثانية، يجب أن يختفي سعد ، ليعود سليم، واستجاب جسدها لقرار عقلها الأخير، وبسرعة فائقة وقوة هائلة لا تدري من أين اكتسبتها التقطت ذلك التمثال النحاسي الثقيل من فوق المنضدة وهوت به فوق رأسه ليسقط أرضا والدماء تنزف منه، لتزداد ثورتها وهي تنبش أظافرها بوجهه وهي تحاول خنقه وهي تصرخ قائلة: موت يا سعد، موت.
كان سعد ينتظر ثورتها وهجومها عليه ، ولكنه لم يتصور أن يكون بكل هذا العنف والقوة الذي لا يدري من أين واتت تلك الهزيلة، امتص صدمته وحاول تفادي هجومها وهو يركلها بقدمه، بنفس الوقت الذي يزحف بجسده باتجاه الباب، وعند اقترابها منه دفعها بقدمه باقصى قوته لتسقط أرضا، لينتهز الفرصة ويهب فاتحا الباب ليخرج بنفس الوقت الذي أستعادت فيه توازنها وأعادت الهجوم عليه، ليفصل بينهم هؤلاء الذين تجمعوا على صوت صراخهما، ليحيطوا بها لتزداد ثورتها وتهاجم كل من تطاله يدها.
*****************
بشقة دعاء
ـ دعاء بشر: كل يوم من ده يا ست ابتسام اما أشوف أنا ولا أنت.
ـ نهى متلعثمة: كفاية كده يا مرات عمي، كل يوم والتاني محضر كيدي، وفي الأخر كله بيتحفظ ومش بتستفيدي حاجة.
ـ دعاء متجبرة: العيار اللي ما يصيبش يدوش، وكفاية رجل العساكر اللي رايحة جاية على شقتها كل يوم باستدعاء شكل، لا ولسه أنا ناوية المحضر اللي جاي يبقي على عنوان شغلها، وديني لأفضحها في كل حته.
ـ نهى متسرعة: حرام يا مرات عمي.
ـ دعاء منفعلة: حرمت عليكي عيشتك، أنت مالك أنت، خليكي في السجاد اللي بتغسليه خلصيني، والله لو مخلصتيش الشقة كلها النهارده، لأقعدك بكرة من الشغل حتى لو هيدوكي جزا، ده غير ما أخلي ناصر يشوف شغله معكي على كسلك ده.
صمتت وأكملت التنظيف، وهي تشعر بحزن على ما لحق بابتسام من مشاكل لمجرد تجرؤها على مساعدتها، أو تهديدا يمنعها بالبوح بما تعرفه عن والدتها، فبرغم تهرب ابتسام منها بالليلة التي قضتها لديها من أخبارها عن سبب الكراهية التي بينها هي وحماتها، الا ان الصدفة قد لعبت دورها لتعلم السبب من مصدر أخر غير متوقع، حيث قابلت بطريقها لعملها احدى جيرانهم القدامى التى انتقلت من حيهم منذ وقت طويل، ليتبادلا أطراف الحديث حتى وصل لتلك العداوة، فاخبرتها الجارة بأصل القصة.
فلاش باك
الجارة بشرود وهي تسترجع الماضي: ابتسام ساكنة في نفس شقتها دي قبل ما أمك تتجوز أبوكي، لأن دي شقة أهلها اللي أتولدت فيها، وكان ليها صاحبة واحدة بتعتبرها أكتر من أخت، شهد أمك يا نهى، كانوا مع بعض من ابتدائي لحد ثانوي ،عمرهم ما أفترقوا، وكانوا علطول بيزوروا بعض، وهما في ثانوي دعاء أتجوزت عمك [عند ذكرها لدعاء تلفتت حولها وكأنها تخشي رؤيتها مع كنتها التي عزلتها عن العالم] وكانت بتنزل تقعد مع ابتسام شوية تفك عن نفسها وتشتكي من معاملة حماتها اللي هي ستك.
ـ نهى مذهولة: طنط ابتسام كانت صاحبة أمي وصاحبة دعاء مرات عمي.
ـ السيدة مؤكدة: أمك اتعرفت على شهد عندها وبقوا أصحاب ويزوروا بعض، وبعد فترة شهد بعدت عن ابتسام شوية وبقيت تفضل تزور دعاء لوحدها وابتسام سابتها براحتها ومحبتش تفرض نفسها عليها، خلصوا ثانوى وأمك كانت متفوقة ودخلت هندسة وابتسام دخلت تجارة.
ـ نهى مندهشة: أنا ماما كانت مهندسة!
ـ الجارة بآسى: للأسف ده اللى كان مفروض يحصل، لكن اللى حصل كان حاجة تانية خالص.
ـ نهى حائرة: أيه اللى حصل؟
ـ الجارة مستاءة: معيد في الكلية حب شهد من أول ما شافها، وكان انسان ممتاز جدا، وطلب ايدها لكن رفضت بكل قوتها، وساعتها قالت الحقيقة لابتسام، [ أشارت لنهى بتكملة السير أثناء الحديث الذي يبدو أنه سيطول] شهد حبت محمد ابوكي اللي اتعرفت عليه وهي بتزور دعاء.
ـ نهى متفهمة: عشان كده بعدت عن طنط ابتسام وكانت بتزور مرات عمي كتير، عشان بابا.
ـ الجارة مومأة ايجابا: أيوهو وعدها أنه هيتقدم لها أول ما تخلص ثانوى، بس دخولها هندسة خوفه لأنه مش معه غير دبلوم، بس أمك وقفت قدام أهلها وصممت تتجوز أبوكي وهي في تانية جامعة، وأهلها حاولوا يقنعوها أن أمه ست شديدة، وأنه مش كفء ليها لا في التعليم ولا العيلة، بس قدام اصرارها خافوا تتصرف من وراهم ووافقوا وهما مش راضيين عن الجوازة دي.
ـ نهى مفكرة: عشان كده مرات عمي كل شوية تقولي هتعملي لينا فيها بنت ناس زي أمك.
ـ الجارة حانقة: دعاء طول الوقت كانت بتغير من أمك؛ خصوصا أن الظروف خليت ستك تفرق بينهم في المعاملة وده زود غيرة دعاء.
ـ نهى حائرة: ظروف أيه؟
ـ الجارة موضحة: دعاء لما أتجوزت عمك خلفت علطول وجابت سحر، ستك أم أبوكى قعدت تذل فيها عشان خلفت بنت والمصيبة بقيت أكبر لما جابت سمر، ستك مابقتش تناديها الا بأم البنات [باشمئزاز] وكأنها شتيمة، كانت ممرمطها فى خدمتها.
ـ نهى متسائلة: طيب ما ماما كمان خلفت بنت.
ـ الجارة مستاءة لتذكرها لذلك الظلم الذي كانت أحد الشاهدين عليه دون أن تستطع دحضه: حتى أمك كانت ممرمطها زيها وأكتر لما كانت فاكرها مبتخلفش وكنت دايما تقولها يا أرض بور، وغصبوا عليها تسيب كليتها لتكون مانعه الخلفة عشان تكمل تعليمها، لكن لما طلع أبوكى هو اللى مبيخلفش وأمك أستحملت وصبرت عليه، ستك حالها أتبدل وبقيت ما بترفع عينها فأمك ولا تخليها تشيل الياسمينة من الأرض بعد ما كانت موريها الويل، خايفة تزعلها زى زمان تسيب أبوكى.
ـ نهى مستنتجة: عشان كده كانت بتغير من ماما الله يرحمها. ـ الجارة زافرة بضيق: مش بس كده، لما دعاء حملت لتالت مرة كانت بتهددها، لو مكنش واد هتخلى عمك يتجوز عليها.
ـ نهى مستنكرة: بس هي وقتها خلفت ناصر.
ـ الجارة مصدقة لكلامها: فعلا ووقتها قالت أنها سميته كده عشان كنت حاسة أنه نصرها على حماتها، وأنها أخيرا جابت الولد اللى يشد ضهرها ويقويها قدامها، وبعدها بكام سنه أتولدتى أنت بعملية تلقيح صناعي، ودعاء أتغاظت جدا أن ستك كانت هتتجنن من الفرحة مع أنك بنت، بس عشان بعد شوقة وابوكى كان مش هيخلف اصلا، [بتهكم لما تراه من نتيجة لذلك التدليل] ومرت السنين وهي بتدلع فى ناصر زى ما كان السبب فى دلعها ورحمتها من الشقا أي حاجة مكنتش تحب تعملها تقول أنه تعبان أو عايزها تعمله حاجة، أي أكلة أو فسحة نفسها فيها تقول أنه طلبها منها، وطبعا طلباته كلها أوامر، بقى كل البيت تحت أمره حتى أخواته اللى أكبر منه، كان بيتكافأ عشان أتولد ولد وهما بيتعاقبوا عشان أتولدوا بنات، وكأن ده ذنبهم أو حاجة بأيدهم، رغم المفروض البنى الأدم بيتحاسب اللى بيعمله بارادته.
ـ نهى مشتتة: طيب ما المفروض أن الدنيا كلها اتظبطت أهو، بابا وقدر يخلف، ومرات عمي جابت الولد.
ـ الجارة حانقة: المشكلة أن ستك بعد ولادتك وعيب ابنها اللي انتهى رجعت تاني تفتري على أمك، وبقيت دعاء الكل في الكل؛ أم ناصر اللي هيشيل أسم العيلة وتستمر به الذرية.
ـ نهى مذهولة: وماما سكتت واستحملت كل ده ليه!
ـ الجارة متأثرة: في الأول لما بهدلوها، ومنعوها من الكلية، خافت تروح تشتكي لأهلها يقولوا لها اختيارك وتستاهلي خصوصا أن جدك كان دايما يقولها أن أبوكي مستحيل يسيبها تكمل تعليمها وتبقى أعلى منه وهي ما سمعتش الكلام، وبعدين لما أبوكي طلع عنده مشاكل في الخلفة أتعدلوا معها، وقالت ما تخربش على نفسها، وبعد ما خلفتك وقلبوا عليها تاني، كان خلاص أبوها وأمها ماتوا، وأبوكي كان بعدها عن كل قرايبها وبقى ملهاش حد، كمان هي ما استحملتش القهرة والظلم ومكايدة دعاء كتير، وربنا رحمها برحمته وهي في عز شبابها، الله يرحمها وينتقم من كل اللي ظلموها.
ـ نهى باكية: بابا كمان كان من اللي ظلموها.
ـ الجارة مواسية: أبوكي كان بيحب أمك بجد يا نهى، حزن عليها جامد، ومرديش يتجوز بعدها ابدا، بس هو شخصيته كانت ضعيفة قدام أمه، وحتى مقدرش يقف قدامهم بعد ما ابتسام وقفت لهم وعرفته اللي بيعملوه فيكي.
ـ نهى مندهشة: طنط ابتسام!
ـ الجارة موضحة: لما أمك خلفتك بعد دعاء ما خلفت ناصر، وقتها علاقة ابتسام بدعاء باظت بعد ما شافت ظلمها لأمك، وأنها بتعاملها بنفس الطريقة اللي هي كانت بتشتكي منها، وباظت علاقتهم أكتر؛ بعد موت شهد وأنت ست سنين، كان أبوكي بيسيبك عند عمك لحد ما يرجع من شغله، وكانت دعاء تخليكي تخدمي ابنها المدلع وتتحملي رخمته، كنتي بتصعبي عليها خصوصا وأمك موصيها عليكي؛ فبلغت أبوكي باللي بيحصل من ورا ضهره واستعبادهم ليكي.
ـ نهى بفضول: وبابا عمل أيه.
ـ الجارة مستاءة: دعاء هي اللي عملت، فضحت ابتسام في الشارع كله وقالت أنها وخداكي حجة، عشان تلف على أبوكي وتتجوزه، وأمها خافت على سمعتها ومنعتها تحتك بيهم تاني، بعدها بفترة أنا أتجوزت وسيبت الحي وفضلت على تواصل مع ابتسام كانت مقهورة عليكي وعلى معاملتهم لكي، وكنت فعلا لما أزورها بشوف هما مبهدلينك قد أيه، بس بعد كده أنا سافرت مع جوزي وانقطعت علاقتي بابتسام من وقتها.
فلاش باك
انتزعتها من ذكرياتها صرخات دعاء المعنفه وهي تقذفها بماء التنظيف.
ـ دعاء صارخة: سرحتي في أيه يا هانم، أنت بتحسسي علي السجادة ولا بتنضفيها، لا أنا أيه اللي يصبرني على الغلب ده، لما يجي ناصر يشوف له صرفة معكي.
ـ نهى مذعورة: بنظف أهو يا مرات عمي.
وأخذت تنهش السجادة بالفرشاة نهشا، صحيح أنها تحب ناصر، ولكنها تعلم بأنه حين غضبه يفقد سيطرته كليا.
*****************
الحلقة الثالثة
استمعت لشجارهما بشرود وكأنها بعالم أخر، لا يهمها الأن سوى حماية ابنها، ونجدته من مصير كمصيرها بيد سعد أو أشقاءه، وستفعل ولو كلفها الأمر حياتها، فقد سبق وخسارتها بالفعل، أما ابنها فلا وألف لا، لذا فقد هبت نافضة عنها ثوب الشرود بعد سماعها له يشكك بنسب ولدها، باتهامه القذر، وطعنه بشرفها.
ـ سلمى ثائرة: أخرس يا حيوان، سليم ابن صالح، أنا أشرف منك ومن أهلك كلهم، صالح معتبش البيت من يوم طلاقنا الأخير، حتى أبنه كانت الدادة اللي بتدويه عنده يوم في الأسبوع يقضي اليوم وترجع به.
ـ سعد مذهولا: بتشتميني يا سلمى، طلع لك لسان وبتردي علي [بتهكم] وبدل أنت محترمة كده، مرجعتيش لأهلك ليه تعرفيهم اللي حصل، فضلتي لوحدك ليه سنة بحالها ياعالم هببتي فيها أيه.
ـ سلمى منفعلة: مش لما يبقي لي أهل أبقى أرجع لهم، كنت عايزني أرجع لمين، أرجع لك أنت، عشان تبيعني مرة تانية، ولا تتاجر بابني وتبتز أبوه بيه.
ـ سعد شامتا: وأديكي أنت وابنك رجعتم لي يا سلمى، وكلمتي هتمشي على رقبتك أنت وأبنك، خصوصا بعد ما أخواته ما تبروا منه وقالوا ملهوش علاقة به.
ـ سلمى مهتاجة لسماعها له يضع طوق تبعية ابنها له حول رقبته: بتحلم يا سعد، كلمتك دي تمشيها على عمتي هي أتعودت على كده، لكن أنا وأبني تنسانا للأبد، ولو متخيل أني عشان لسه قاصر هتتحكم في تبقى بتحلم، لعلمك أنا مش فاضلي أكتر من ثلاثة شهور وأوصل لسن الرشد، ولو فكرت أنك تستغلهم بأي شكل، مستغل خوفي على عمتي تبقي غبي، [بحسم وقوة] انا أبني عندي أغلي من الدنيا كلها، ولو حكمت أنا هبلغ بنفسي عن ورث أبويا، وهاقلب عليكم القديم والجديد [التفتت لترى وجه عمتها الشاحب والخوف مرتسم على جميع تقاسيمه لتقول بثقة] شكرا يا عمتي على وقفتك جنبي بس لو تمن الواقفة دي رجوع سعد يتحكم في، فالله الغني، أسفة بس ياريت تاخديه وتمشي [ ونظرت اليه بقوة] ولو فكر يرجع هنا تاني هبلغ البوليس أنه بيتهجم علي حتى لو كنتي معه.
*****************
بمكتب أحد المحامين
ـ المحامي واثقا: متقلقيش يا مدام سلمى، أنت موقفك سليم مايه في المايه، دي مش وصية ولا هبة عشان يطعنوا في صحتها، ده شرا للممتلكات بأسم ابنك مباشرة، وحتى مكنتش بأسم المرحوم أساسا، يعني هو أول ما اشتراها، اشتراها وسجلها بأسم سليم، خاصة وهو قبل وافته باع كل حاجة لولاده الكبار، يعني بديهي أنه هيكتب حاجة لسليم زي أخواته.
ـ سلمى قلقة: أيوه يا أستاذ، بس هما أول ما صالح مات الله يرحموا هددوني بأني أخرج من حياتهم نهائي، وحذروني من أن حد يعرف أن سليم أخوهم، ودلوقتي بعد ما فوجئوا بالثروة اللي الحاج كاتبها له وسايب ورقهم مع صديق عمره، رافعين قضية الوصايا.
ـ المحامي متهكما: سبحان الله حبوه فاجأة، حظهم الأسود بقى أن فاضلك شهرين بس وترشدي، كل اللي هنعلمه هنلاعبهم وتأجيل في تأجيل مرة للاطلاع ، ومرة أنا أتنحى وشريكي في المكتب يمسك القضية وهو كمان يطلب التأجيل مرة للاطلاع، لحد ما الشهرين يعدوا واحنا نطالب لك أنت بالوصايا.
ـ سلمى زافرة براحة: ربنا يطمنك يا أستاذ.
*****************
بشقة سلمى
استيقظت سلمى فزعة عندما تحسست الفراش فلم تجد ولدها نائم بجوارها، نهضت بسرعة لتبحث عنه؛ فهو قد أصبح مشاكسا للغاية بالفترة الأخيرة وتخشى أن يصيب نفسه بالأذي وهو يعبث بكل ما يقابله، نهضت مسرعة للبحث عنه، ولكنها صعقت برؤية سعد الجالس بأريحية على الأريكة المقابلة لباب غرفتها.
ـ سلمى منصدمة: سعد، أنت دخلت هنا أزاي!
ـ سعد ببرود: صباح الخير يا سلمى.
ـ سلمى مذعورة: فين سليم؟ [بصراخ] سليم، سليم.
ـ سعد هادئا: سليم في بيته يا سلمى.
سلمى بعصبية: أنت مجنون، هنا بيته، ده أنا هوديك في داهية، وديت ابني فين يا سعد؟
ـ سعد منفعلا: هو عشان سكت لك المرة اللي فاتت، لما قلتي يا سعد، من غير عمي استحلتيها ولا أيه.
ـ سلمى ثائرة بجنون ببحث محموم عن ابنها: بلا سعد بلا عمي، ابني فين، ودخلت هنا أزاي؟
ـ سعد متهكما: قولت لك ابنك في بيته، وبيته يعني بيت أبوه مع أخواته، اما هنا بقى ده بيتي أنا، بيتي اللي سبق وطردتيني منه وجه الوقت أردهالك أطلعي بره يا سلمى.
ـ سلمى مهتاجة: سليم مين اللي عند أخواته ، وبيت مين يا مجنون أنت.
ـ سعد متشفيا: لا ده مش جنان يا حلوة ، ده أدب، أدبي ليكي عشان تعرفي تتكلمي مع اللي رباكي أزاي، سليم ومش هتشوفيه تاني أبدا، كنتي فاكرة نفسك ناصحة أنت والمحامي بتاعك وبتضيعوا وقت في قضية الوصاية، عقبال ما أنت تكملي الواحد وعشرين سنة وتطالبي بها لنفسك، بس خلاص يا حلوة اللي خد الواد من جنبك كان تعبان شوية وريح جنبك علي السرير، وخد شوية صور للذكرى أنما أيه، أي قاضي هيشوفهم هيعرف بأنك مش مناسبة لتربية طفل وأنت أساسا مش متربية، [منتشيا] أما بقى الشقة دي واللي تحتها صحيح المحامي بتاعك عنده ضمير بس السكرتير بتاعه لا، والورق اللي مضاكي عليه على أنه إجراءات القضية والتوكيل، فهو في الحقيقة عقد بيع منك لي بالشقتين، وبكده ترجعي لقواعدك سالمة يا سلمى، وزي ما قولتي بالظبط لما اتجننتي وطردتيني، رجعتي لي تاني، عشان أبيعك مرة تانية، وأتاجر بابنك، وطلعت كسبان كمان ولسه..
لم تسمع سلمى من كل حديثه الشامت سوى جملة واحدة توقف عقلها عندها وظل يرددها لعشرات المرات { سليم مش هتشوفيه تاني أبدا} لن ترى سليم مرة أخرى، لن تراه أبدا، وسعد هو السبب هو من يمنعها من رؤية سليم، سليم طفلها الحبيب الذي قررت أن تحيا له ومعه بعد أن أضاع سعد حياتها السابقة، ولكن سعد يهدد أيضا حياتها المنتظرة مع سليم، لا هي لا يمكن أن تبعد عن سليم ، يجب أن يعود اليها، وسعد هو من يمنع عودته، إذن يجب الا يعود سعد لحياتها ثانية، يجب أن يختفي سعد ، ليعود سليم، واستجاب جسدها لقرار عقلها الأخير، وبسرعة فائقة وقوة هائلة لا تدري من أين اكتسبتها التقطت ذلك التمثال النحاسي الثقيل من فوق المنضدة وهوت به فوق رأسه ليسقط أرضا والدماء تنزف منه، لتزداد ثورتها وهي تنبش أظافرها بوجهه وهي تحاول خنقه وهي تصرخ قائلة: موت يا سعد، موت.
كان سعد ينتظر ثورتها وهجومها عليه ، ولكنه لم يتصور أن يكون بكل هذا العنف والقوة الذي لا يدري من أين واتت تلك الهزيلة، امتص صدمته وحاول تفادي هجومها وهو يركلها بقدمه، بنفس الوقت الذي يزحف بجسده باتجاه الباب، وعند اقترابها منه دفعها بقدمه باقصى قوته لتسقط أرضا، لينتهز الفرصة ويهب فاتحا الباب ليخرج بنفس الوقت الذي أستعادت فيه توازنها وأعادت الهجوم عليه، ليفصل بينهم هؤلاء الذين تجمعوا على صوت صراخهما، ليحيطوا بها لتزداد ثورتها وتهاجم كل من تطاله يدها.
*****************
بشقة دعاء
ـ دعاء بشر: كل يوم من ده يا ست ابتسام اما أشوف أنا ولا أنت.
ـ نهى متلعثمة: كفاية كده يا مرات عمي، كل يوم والتاني محضر كيدي، وفي الأخر كله بيتحفظ ومش بتستفيدي حاجة.
ـ دعاء متجبرة: العيار اللي ما يصيبش يدوش، وكفاية رجل العساكر اللي رايحة جاية على شقتها كل يوم باستدعاء شكل، لا ولسه أنا ناوية المحضر اللي جاي يبقي على عنوان شغلها، وديني لأفضحها في كل حته.
ـ نهى متسرعة: حرام يا مرات عمي.
ـ دعاء منفعلة: حرمت عليكي عيشتك، أنت مالك أنت، خليكي في السجاد اللي بتغسليه خلصيني، والله لو مخلصتيش الشقة كلها النهارده، لأقعدك بكرة من الشغل حتى لو هيدوكي جزا، ده غير ما أخلي ناصر يشوف شغله معكي على كسلك ده.
صمتت وأكملت التنظيف، وهي تشعر بحزن على ما لحق بابتسام من مشاكل لمجرد تجرؤها على مساعدتها، أو تهديدا يمنعها بالبوح بما تعرفه عن والدتها، فبرغم تهرب ابتسام منها بالليلة التي قضتها لديها من أخبارها عن سبب الكراهية التي بينها هي وحماتها، الا ان الصدفة قد لعبت دورها لتعلم السبب من مصدر أخر غير متوقع، حيث قابلت بطريقها لعملها احدى جيرانهم القدامى التى انتقلت من حيهم منذ وقت طويل، ليتبادلا أطراف الحديث حتى وصل لتلك العداوة، فاخبرتها الجارة بأصل القصة.
فلاش باك
الجارة بشرود وهي تسترجع الماضي: ابتسام ساكنة في نفس شقتها دي قبل ما أمك تتجوز أبوكي، لأن دي شقة أهلها اللي أتولدت فيها، وكان ليها صاحبة واحدة بتعتبرها أكتر من أخت، شهد أمك يا نهى، كانوا مع بعض من ابتدائي لحد ثانوي ،عمرهم ما أفترقوا، وكانوا علطول بيزوروا بعض، وهما في ثانوي دعاء أتجوزت عمك [عند ذكرها لدعاء تلفتت حولها وكأنها تخشي رؤيتها مع كنتها التي عزلتها عن العالم] وكانت بتنزل تقعد مع ابتسام شوية تفك عن نفسها وتشتكي من معاملة حماتها اللي هي ستك.
ـ نهى مذهولة: طنط ابتسام كانت صاحبة أمي وصاحبة دعاء مرات عمي.
ـ السيدة مؤكدة: أمك اتعرفت على شهد عندها وبقوا أصحاب ويزوروا بعض، وبعد فترة شهد بعدت عن ابتسام شوية وبقيت تفضل تزور دعاء لوحدها وابتسام سابتها براحتها ومحبتش تفرض نفسها عليها، خلصوا ثانوى وأمك كانت متفوقة ودخلت هندسة وابتسام دخلت تجارة.
ـ نهى مندهشة: أنا ماما كانت مهندسة!
ـ الجارة بآسى: للأسف ده اللى كان مفروض يحصل، لكن اللى حصل كان حاجة تانية خالص.
ـ نهى حائرة: أيه اللى حصل؟
ـ الجارة مستاءة: معيد في الكلية حب شهد من أول ما شافها، وكان انسان ممتاز جدا، وطلب ايدها لكن رفضت بكل قوتها، وساعتها قالت الحقيقة لابتسام، [ أشارت لنهى بتكملة السير أثناء الحديث الذي يبدو أنه سيطول] شهد حبت محمد ابوكي اللي اتعرفت عليه وهي بتزور دعاء.
ـ نهى متفهمة: عشان كده بعدت عن طنط ابتسام وكانت بتزور مرات عمي كتير، عشان بابا.
ـ الجارة مومأة ايجابا: أيوهو وعدها أنه هيتقدم لها أول ما تخلص ثانوى، بس دخولها هندسة خوفه لأنه مش معه غير دبلوم، بس أمك وقفت قدام أهلها وصممت تتجوز أبوكي وهي في تانية جامعة، وأهلها حاولوا يقنعوها أن أمه ست شديدة، وأنه مش كفء ليها لا في التعليم ولا العيلة، بس قدام اصرارها خافوا تتصرف من وراهم ووافقوا وهما مش راضيين عن الجوازة دي.
ـ نهى مفكرة: عشان كده مرات عمي كل شوية تقولي هتعملي لينا فيها بنت ناس زي أمك.
ـ الجارة حانقة: دعاء طول الوقت كانت بتغير من أمك؛ خصوصا أن الظروف خليت ستك تفرق بينهم في المعاملة وده زود غيرة دعاء.
ـ نهى حائرة: ظروف أيه؟
ـ الجارة موضحة: دعاء لما أتجوزت عمك خلفت علطول وجابت سحر، ستك أم أبوكى قعدت تذل فيها عشان خلفت بنت والمصيبة بقيت أكبر لما جابت سمر، ستك مابقتش تناديها الا بأم البنات [باشمئزاز] وكأنها شتيمة، كانت ممرمطها فى خدمتها.
ـ نهى متسائلة: طيب ما ماما كمان خلفت بنت.
ـ الجارة مستاءة لتذكرها لذلك الظلم الذي كانت أحد الشاهدين عليه دون أن تستطع دحضه: حتى أمك كانت ممرمطها زيها وأكتر لما كانت فاكرها مبتخلفش وكنت دايما تقولها يا أرض بور، وغصبوا عليها تسيب كليتها لتكون مانعه الخلفة عشان تكمل تعليمها، لكن لما طلع أبوكى هو اللى مبيخلفش وأمك أستحملت وصبرت عليه، ستك حالها أتبدل وبقيت ما بترفع عينها فأمك ولا تخليها تشيل الياسمينة من الأرض بعد ما كانت موريها الويل، خايفة تزعلها زى زمان تسيب أبوكى.
ـ نهى مستنتجة: عشان كده كانت بتغير من ماما الله يرحمها. ـ الجارة زافرة بضيق: مش بس كده، لما دعاء حملت لتالت مرة كانت بتهددها، لو مكنش واد هتخلى عمك يتجوز عليها.
ـ نهى مستنكرة: بس هي وقتها خلفت ناصر.
ـ الجارة مصدقة لكلامها: فعلا ووقتها قالت أنها سميته كده عشان كنت حاسة أنه نصرها على حماتها، وأنها أخيرا جابت الولد اللى يشد ضهرها ويقويها قدامها، وبعدها بكام سنه أتولدتى أنت بعملية تلقيح صناعي، ودعاء أتغاظت جدا أن ستك كانت هتتجنن من الفرحة مع أنك بنت، بس عشان بعد شوقة وابوكى كان مش هيخلف اصلا، [بتهكم لما تراه من نتيجة لذلك التدليل] ومرت السنين وهي بتدلع فى ناصر زى ما كان السبب فى دلعها ورحمتها من الشقا أي حاجة مكنتش تحب تعملها تقول أنه تعبان أو عايزها تعمله حاجة، أي أكلة أو فسحة نفسها فيها تقول أنه طلبها منها، وطبعا طلباته كلها أوامر، بقى كل البيت تحت أمره حتى أخواته اللى أكبر منه، كان بيتكافأ عشان أتولد ولد وهما بيتعاقبوا عشان أتولدوا بنات، وكأن ده ذنبهم أو حاجة بأيدهم، رغم المفروض البنى الأدم بيتحاسب اللى بيعمله بارادته.
ـ نهى مشتتة: طيب ما المفروض أن الدنيا كلها اتظبطت أهو، بابا وقدر يخلف، ومرات عمي جابت الولد.
ـ الجارة حانقة: المشكلة أن ستك بعد ولادتك وعيب ابنها اللي انتهى رجعت تاني تفتري على أمك، وبقيت دعاء الكل في الكل؛ أم ناصر اللي هيشيل أسم العيلة وتستمر به الذرية.
ـ نهى مذهولة: وماما سكتت واستحملت كل ده ليه!
ـ الجارة متأثرة: في الأول لما بهدلوها، ومنعوها من الكلية، خافت تروح تشتكي لأهلها يقولوا لها اختيارك وتستاهلي خصوصا أن جدك كان دايما يقولها أن أبوكي مستحيل يسيبها تكمل تعليمها وتبقى أعلى منه وهي ما سمعتش الكلام، وبعدين لما أبوكي طلع عنده مشاكل في الخلفة أتعدلوا معها، وقالت ما تخربش على نفسها، وبعد ما خلفتك وقلبوا عليها تاني، كان خلاص أبوها وأمها ماتوا، وأبوكي كان بعدها عن كل قرايبها وبقى ملهاش حد، كمان هي ما استحملتش القهرة والظلم ومكايدة دعاء كتير، وربنا رحمها برحمته وهي في عز شبابها، الله يرحمها وينتقم من كل اللي ظلموها.
ـ نهى باكية: بابا كمان كان من اللي ظلموها.
ـ الجارة مواسية: أبوكي كان بيحب أمك بجد يا نهى، حزن عليها جامد، ومرديش يتجوز بعدها ابدا، بس هو شخصيته كانت ضعيفة قدام أمه، وحتى مقدرش يقف قدامهم بعد ما ابتسام وقفت لهم وعرفته اللي بيعملوه فيكي.
ـ نهى مندهشة: طنط ابتسام!
ـ الجارة موضحة: لما أمك خلفتك بعد دعاء ما خلفت ناصر، وقتها علاقة ابتسام بدعاء باظت بعد ما شافت ظلمها لأمك، وأنها بتعاملها بنفس الطريقة اللي هي كانت بتشتكي منها، وباظت علاقتهم أكتر؛ بعد موت شهد وأنت ست سنين، كان أبوكي بيسيبك عند عمك لحد ما يرجع من شغله، وكانت دعاء تخليكي تخدمي ابنها المدلع وتتحملي رخمته، كنتي بتصعبي عليها خصوصا وأمك موصيها عليكي؛ فبلغت أبوكي باللي بيحصل من ورا ضهره واستعبادهم ليكي.
ـ نهى بفضول: وبابا عمل أيه.
ـ الجارة مستاءة: دعاء هي اللي عملت، فضحت ابتسام في الشارع كله وقالت أنها وخداكي حجة، عشان تلف على أبوكي وتتجوزه، وأمها خافت على سمعتها ومنعتها تحتك بيهم تاني، بعدها بفترة أنا أتجوزت وسيبت الحي وفضلت على تواصل مع ابتسام كانت مقهورة عليكي وعلى معاملتهم لكي، وكنت فعلا لما أزورها بشوف هما مبهدلينك قد أيه، بس بعد كده أنا سافرت مع جوزي وانقطعت علاقتي بابتسام من وقتها.
فلاش باك
انتزعتها من ذكرياتها صرخات دعاء المعنفه وهي تقذفها بماء التنظيف.
ـ دعاء صارخة: سرحتي في أيه يا هانم، أنت بتحسسي علي السجادة ولا بتنضفيها، لا أنا أيه اللي يصبرني على الغلب ده، لما يجي ناصر يشوف له صرفة معكي.
ـ نهى مذعورة: بنظف أهو يا مرات عمي.
وأخذت تنهش السجادة بالفرشاة نهشا، صحيح أنها تحب ناصر، ولكنها تعلم بأنه حين غضبه يفقد سيطرته كليا.
*****************
فى المصحة النفسية الخاصة.
يجلس سيف بمكتبه، ينهض مبتسما عندما يدلف إليه أحد الممرضين وهو يدفع أمامه كرسي متحرك يجلس عليه سليم.
ـ سيف بترحاب: أهلا، أهلا يا أستاذ سليم، روح أنت يا محمد، أنا هوصل الأستاذ بعد ما أخلص معه.
ـ سليم عابثا: أزى حضرتك يا دكتور.
ـ سيف ضاحكا: حضرتك ودكتور، الأتنين! قلبتها رسمي قوى كده ليه.
ـ سليم ضاحكا: مش أنت اللى عمال، يا أستاذ، يا أستاذ، من ساعة ما شوفتنى.
ـ سيف ضاحكا: لا أنت كده عندك حق، أزيك يا سولي، كنت باحاول أحترامك قدام التمريض.
ـ سليم ضاحكا: بتحاول تحترمني، وكمان قدام التمريض بس.
ـ سيف ضاحكا: يا سلام عليك وأنت رايق يا سولي، أزيك وحشتني يومين الاجازة دول.
ـ سليم مبتسما: الحمد لله فى أحسن حال.
تحرك سيف ممسكا بالكرسي يدفعه حتى أوقفه مواجها لأريكة أتجه هو للجلوس عليها.
ـ سليم ضاحكا: أيه ده، هو أنت اللى هتقعد على الكنبة؟ مش المفروض، تقولى أتمدد، وأسترخى، وتستدرجنى فى الكلام, على الأقل تحلل الفلوس اللى بتلهفوها منى.
ـ سيف جادا: أهو ده بقى بيت القصيد، أنا فعلا جايبك عشان موضوع الفلوس اللى بنلهفها منك.
ـ سليم مستاءا: تانى يا سيف، أنت مش هتبطل كلام فى الموضوع ده.
ـ سيف هادئا: سليم،أحنا أصدقاء، واللي بينا مش علاقة مريض ودكتور، لأنك أصلا مش محتاج دكتور.
ـ سليم نافذ الصبر: أرجوك يا سيف، أنهى الموضوع ده، كل مرة بأسمع كلامك وفى الأخر برجع تانى، والمفروض أنك وعدتني بعد أخر مرة أنك مش هتفتح الموضوع ده تاني.
ـ سيف متحمسا: المرة دى غير.
ـ سليم ساخرا: ساعة عامر قلت كده برضوه، ورجعت بعد ما شفت الويل.
ـ سيف راجيا: حتى لو كلامك صح، أنت محتاج الفترة دى ولو على سبيل التغيير, ولما تفشل أبقى أرجع براحتك ، بس صدقنى المرة دى غير فعلا، المرة اللي فاتت أنا سمعت عن الولد وظروفه لكن المرة دي معرفة شخصية لي أنا.
ـ سليم هازئا: ولازمتها أيه المشوارة رايح جاى.
ـ سيف قلقا: أنا مش بهزر يا سليم، أنا فعلا بقيت خايف على صحتك النفسية، وخصوصا أنك مضطر تقعد فى غرفة مشتركة، صحيح أنا باحاول دايما أن الأتنين اللى يبقوا معك فى الأوضة، حالتهم تبقى مستقرة لحد ما، لكن مش دايما بانجح، طبعا لأن ادارة المستشفى كل اللى يهمها الربح، ومش هيسمحولى أنى أسيب سرير فاضى عشان خايف عليك.
ـ سليم منكسرا: متخافش يا سيف قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا.
ـ سيف مشجعا: ونعم بالله, بس كمان ربنا أمرنا بالسعى, وصدقنى المرة دى الموضوع مختلف لأن البنت محتاجك زى ما أنت محتاجها.
ـ سليم مصدوما: هو كمان الموضوع فيه بنت، أنت أتجننت يا سيف.
ـ سيف حازما: ممكن تسمعني للأخر من غير ما تقاطعنى، وبعدين تبقى تقول رأيك.
ـ سليم حانقا: أتفضل.
ـ سيف بهدوء: أنت عارف أنى الصبح شغال فى المستشفى الحكومى, وهى موجودة هناك فى قسم النسا.
ـ سليم مندهشا: مجنونة يا سيف! جايب لى واحدة مجنونة.
ـ سيف محتدا: أنا قلت أنها مجنونة؟
ـ سليم هازئا: مش بتقول واحدة فى مستشفى المجانين.
ـ سيف منفعلا: وحضرتك فين دلوقتى؟ معنى كده أن أنت كمان مجنون؟ قولت لك ما تقاطعنيش وسيبنى لما أخلص وبعدين أتكلم.
ـ سليم حانقا: أنا أسف، أتفضل.
ـ سيف محاولا استجمع أفكاره وتجاهل نبرة سليم المستفزة: هى اسمها سلمى, بنت يتيمة أمها ماتت وهى بتولدها، وباباها مات وهى ثلاث سنين، اتربيت مع جوز عمتها، رجل معندوش ضمير، أستولى على ميراثها وأول ما كملت تمنتاشر سنة، باعها بقسيمة جواز لرجل عنده خمسة وخمسين سنة، ومتجوز وعياله كلهم أكبر منها، ده غير أن الجواز في السر.
ـ سليم مستنكرا: وهي أزاي رضيت بده.
ـ سيف متعطفا: ملهاش حد تلجأ له، فالمسكينة اضطرت ترضى بنصيبها، خصوصا بعد ما ربنا رزقها بسليم، ابنها ونور عينها وكل حاجة لها فى الدنيا، وقررت أنها تستحمل كل حاجة وتعيش بس عشان تربيه، لكن تقدر تقول، رضيت بالهم والهم مرضيش بها.
ـ سليم مستنكرا: وهو ممكن يبقى في أسوأ من كده.
ـ سيف زافرا بألم لحال سلمى: ضرتها عرفت وأجبرت جوزها يطلقها، لكن هو اصر انها تفضل في شقتها وجوز عمتها ميعرفش أنهم اتطلقوا عشان ابنه ما يتبهدلش، لكن طليقها مات وجوز عمتها عرف وبهدلها، وكمان ولاد المرحوم بعد شهر من الوفاة أكتشفوا أن جوزها كاتب لابنها أملاك بأسمه بيع وشرا. لأنهم كانوا اجبروه يقسم الميراث مابينهم في أخر ايامه، و تقريبا هو كان عارف أن ولاده مش هيدوا أخوهم نصيبه من الميراث.
ـ سليم حائرا: طيب وفين المشكلة، بالشكل ده هي تقدر تعيش حياتها من غير ما تحتاج لحد.
ـ سيف متأثرا لحال مريضته: المشكلة أن ولاد المرحوم أول ما عرفوا أن كتب ممتلكات للولد، أفتكروا أن لهم أخ وحاولوا يرفعوا عليها قضية عشان يتولوا هما الوصاية على الولد، طبعا هى رفضت ووكلت محامى، لأنها عارفة هدفهم الأساسي من الموضوع ده، لكنها فوجئت بعد شهر لما صحيت ملاقيتش ابنها في حضنها، وجوز عمتها بيهددها بأن معهم صور تمنعها من الوصاية على الولد أو حتى رؤيته، [محتقرا] وأتضح أن جوز عمتها باعها لتانى مرة ودخل شقتها بنسخة مفتاح كان مع عمتها، ده غير أنه مضاها على ورقة تنازل عن شقتها في وسط الورق اللي مضيته عشان تعمل توكيل للمحامى.
ـ سليم بانفعال: لا حول ولا قوة إلا بالله, هو في ناس كده، والمسكينة دى عملت ايه.
ـ سيف متعطفا: جالها نوبة هيستريا واتهجمت عليه وحاولت تقتله، وجوز عمتها جابها المستشفى عندنا.
ـ سليم هازئا: لا والله كتر خيره.
ـ سيف بآسى: مش دى المشكلة، المشكلة الحقيقية أنها خفت بعد ست شهور, وأنها المفروض كانت خرجت من حوالى سنة، بس هى موجودة لغاية دلوقتي في المستشفى، لأن قوانين المستشفى متسمحش أنها تخرج إلا بعد ما يمضى المسئول عنها إقرار بإستلامها وإلا تفضل في المستشفى، وطبعا جوز عمتها رافض يستلمها، لأن من مصلحته هو وأهل جوزها أنها تفضل كده, بدل ما تخرج وتعمل مشاكل، لأنها أكيد هتحاول تشوف ابنها، أو تثبت التلاعب اللى حصل.
ـ سليم باهتمام: هو ليه جوز عمتها هو المسئول عنها.
ـ سيف وهو سعيد باهتمامه: لا هو رسميا عمتها هى المسئولة عنها، لكن أول ما أبوها مات وهى وعمتها ورثوه، جوزها كان عامل فيها الحمل الوديع، ولأن عمتها كانت وصية على سلمى، هو ضحك عليها وفهمها أنه هيعمل مشروع كبير، هيتنقلوا به نقلة تانية, وخلاها تسلمه فلوسها وفلوس البنت، وطبعا ده مخالف لقانون الوصاية, ده غير أنه ماضاها ضامنة على ديون هو خدها من ناس، وبعد ما بقيت تحت رحمته ظهر على حقيقته، [ضاربا على المنضدة بجواره بغضب] بقى بيهددها بالسجن لو أعترضت على أى حاجة بيعملها، أو أنه يطلقها ويرميها فى الشارع وهى ملهاش دخل ولا مكان تانى بعد ما نهبها، وهى اللى حكيت لى الموضوع كله لما سلمى دخلت المستشفى وكمان ساعات بتيجى تزورها من ورا جوزها.
ـ سليم متأثرا: طيب واحنا نقدر نساعد البنت دى أزاى؟
ـ سيف متحمسا: أنت الوحيد اللى يقدر يساعدها وفى الوقت نفسه تساعد نفسك.
ـ سليم بحيرة: أزاي!
ـ سيف مترددا: ورقة عرفى بتاريخ قديم، بعد عدتها, وقبل دخولها المستشفى، تروح تسجلها فى الشهر العقارى أو حتى تثبت تاريخ، وساعتها تبقى جوزها رسمى، وتقدر تستلمها من المستشفى.
ـ سليم محتدا: أنت أتجننت يا سيف، أنت عايزنى أتجوزها وكمان عرفى!
ـ سيف هادئا: وأيه الجنان فى كده, هى محتاجة حد يخرجها، وأنت محتاج حد يعيش معك ويراعيك.
ـ سليم منفعلا: حد يراعينى ويخدمنى مش زوجة، وأنت عارف رأيى فى الموضوع ده كويس جدا وأنى مستحيل أتجوز.
ـ سيف تلقائيا: وده سبب تانى يأكد نجاح فكرتي, رغم أنى لسه ما كلمتهاش ومعرفش رأيها أيه، بس اللى متأكد منه أن هى كمان رافضة فكرة الجواز بشكل نهائي, ومش عايشة غير لهدف واحد, توصل لأبنها, حتى لو هتسيب لهم فلوسه، وتأخده وتشتغل وتربيه، يعنى محدش منكم منتظر من التانى حاجة, أنتم مجرد سند لبعض، كل واحد هيتسند على التانى ويسنده فى نفس الوقت.
ـ سليم بحزم: نظريا فكرتك مقبولة، لكن انا أسف، أنا مرتاح هنا، وتعبت من التجربة، ولو تفتكر أخر مرة أنا أترميت كام يوم من غير ما حد يسأل في [والتمعت عينه بالدموع وهو يقول] ده طبعا غير النظافة الشخصية ودخول الحمام، من فضلك عايز أرجع أوضتى.
ولأكثر من أسبوع ظل سيف يطارد سليم محاولا أقناعه بفكرته، الى أن رضخ له أخيرا، متمنيا أن يتمكن من مساعدة تلك البائسة وإخراجها من محبسها، ليستفيد أي منهما من تلك الصفقة، أو أن يتم الرفض من جانبها حتى يتخلص من هذا اللحوح.
****************
يا ترى سلمى هتوافق، ورأيكم أيه في حكاية نهى.
****************
يجلس سيف بمكتبه، ينهض مبتسما عندما يدلف إليه أحد الممرضين وهو يدفع أمامه كرسي متحرك يجلس عليه سليم.
ـ سيف بترحاب: أهلا، أهلا يا أستاذ سليم، روح أنت يا محمد، أنا هوصل الأستاذ بعد ما أخلص معه.
ـ سليم عابثا: أزى حضرتك يا دكتور.
ـ سيف ضاحكا: حضرتك ودكتور، الأتنين! قلبتها رسمي قوى كده ليه.
ـ سليم ضاحكا: مش أنت اللى عمال، يا أستاذ، يا أستاذ، من ساعة ما شوفتنى.
ـ سيف ضاحكا: لا أنت كده عندك حق، أزيك يا سولي، كنت باحاول أحترامك قدام التمريض.
ـ سليم ضاحكا: بتحاول تحترمني، وكمان قدام التمريض بس.
ـ سيف ضاحكا: يا سلام عليك وأنت رايق يا سولي، أزيك وحشتني يومين الاجازة دول.
ـ سليم مبتسما: الحمد لله فى أحسن حال.
تحرك سيف ممسكا بالكرسي يدفعه حتى أوقفه مواجها لأريكة أتجه هو للجلوس عليها.
ـ سليم ضاحكا: أيه ده، هو أنت اللى هتقعد على الكنبة؟ مش المفروض، تقولى أتمدد، وأسترخى، وتستدرجنى فى الكلام, على الأقل تحلل الفلوس اللى بتلهفوها منى.
ـ سيف جادا: أهو ده بقى بيت القصيد، أنا فعلا جايبك عشان موضوع الفلوس اللى بنلهفها منك.
ـ سليم مستاءا: تانى يا سيف، أنت مش هتبطل كلام فى الموضوع ده.
ـ سيف هادئا: سليم،أحنا أصدقاء، واللي بينا مش علاقة مريض ودكتور، لأنك أصلا مش محتاج دكتور.
ـ سليم نافذ الصبر: أرجوك يا سيف، أنهى الموضوع ده، كل مرة بأسمع كلامك وفى الأخر برجع تانى، والمفروض أنك وعدتني بعد أخر مرة أنك مش هتفتح الموضوع ده تاني.
ـ سيف متحمسا: المرة دى غير.
ـ سليم ساخرا: ساعة عامر قلت كده برضوه، ورجعت بعد ما شفت الويل.
ـ سيف راجيا: حتى لو كلامك صح، أنت محتاج الفترة دى ولو على سبيل التغيير, ولما تفشل أبقى أرجع براحتك ، بس صدقنى المرة دى غير فعلا، المرة اللي فاتت أنا سمعت عن الولد وظروفه لكن المرة دي معرفة شخصية لي أنا.
ـ سليم هازئا: ولازمتها أيه المشوارة رايح جاى.
ـ سيف قلقا: أنا مش بهزر يا سليم، أنا فعلا بقيت خايف على صحتك النفسية، وخصوصا أنك مضطر تقعد فى غرفة مشتركة، صحيح أنا باحاول دايما أن الأتنين اللى يبقوا معك فى الأوضة، حالتهم تبقى مستقرة لحد ما، لكن مش دايما بانجح، طبعا لأن ادارة المستشفى كل اللى يهمها الربح، ومش هيسمحولى أنى أسيب سرير فاضى عشان خايف عليك.
ـ سليم منكسرا: متخافش يا سيف قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا.
ـ سيف مشجعا: ونعم بالله, بس كمان ربنا أمرنا بالسعى, وصدقنى المرة دى الموضوع مختلف لأن البنت محتاجك زى ما أنت محتاجها.
ـ سليم مصدوما: هو كمان الموضوع فيه بنت، أنت أتجننت يا سيف.
ـ سيف حازما: ممكن تسمعني للأخر من غير ما تقاطعنى، وبعدين تبقى تقول رأيك.
ـ سليم حانقا: أتفضل.
ـ سيف بهدوء: أنت عارف أنى الصبح شغال فى المستشفى الحكومى, وهى موجودة هناك فى قسم النسا.
ـ سليم مندهشا: مجنونة يا سيف! جايب لى واحدة مجنونة.
ـ سيف محتدا: أنا قلت أنها مجنونة؟
ـ سليم هازئا: مش بتقول واحدة فى مستشفى المجانين.
ـ سيف منفعلا: وحضرتك فين دلوقتى؟ معنى كده أن أنت كمان مجنون؟ قولت لك ما تقاطعنيش وسيبنى لما أخلص وبعدين أتكلم.
ـ سليم حانقا: أنا أسف، أتفضل.
ـ سيف محاولا استجمع أفكاره وتجاهل نبرة سليم المستفزة: هى اسمها سلمى, بنت يتيمة أمها ماتت وهى بتولدها، وباباها مات وهى ثلاث سنين، اتربيت مع جوز عمتها، رجل معندوش ضمير، أستولى على ميراثها وأول ما كملت تمنتاشر سنة، باعها بقسيمة جواز لرجل عنده خمسة وخمسين سنة، ومتجوز وعياله كلهم أكبر منها، ده غير أن الجواز في السر.
ـ سليم مستنكرا: وهي أزاي رضيت بده.
ـ سيف متعطفا: ملهاش حد تلجأ له، فالمسكينة اضطرت ترضى بنصيبها، خصوصا بعد ما ربنا رزقها بسليم، ابنها ونور عينها وكل حاجة لها فى الدنيا، وقررت أنها تستحمل كل حاجة وتعيش بس عشان تربيه، لكن تقدر تقول، رضيت بالهم والهم مرضيش بها.
ـ سليم مستنكرا: وهو ممكن يبقى في أسوأ من كده.
ـ سيف زافرا بألم لحال سلمى: ضرتها عرفت وأجبرت جوزها يطلقها، لكن هو اصر انها تفضل في شقتها وجوز عمتها ميعرفش أنهم اتطلقوا عشان ابنه ما يتبهدلش، لكن طليقها مات وجوز عمتها عرف وبهدلها، وكمان ولاد المرحوم بعد شهر من الوفاة أكتشفوا أن جوزها كاتب لابنها أملاك بأسمه بيع وشرا. لأنهم كانوا اجبروه يقسم الميراث مابينهم في أخر ايامه، و تقريبا هو كان عارف أن ولاده مش هيدوا أخوهم نصيبه من الميراث.
ـ سليم حائرا: طيب وفين المشكلة، بالشكل ده هي تقدر تعيش حياتها من غير ما تحتاج لحد.
ـ سيف متأثرا لحال مريضته: المشكلة أن ولاد المرحوم أول ما عرفوا أن كتب ممتلكات للولد، أفتكروا أن لهم أخ وحاولوا يرفعوا عليها قضية عشان يتولوا هما الوصاية على الولد، طبعا هى رفضت ووكلت محامى، لأنها عارفة هدفهم الأساسي من الموضوع ده، لكنها فوجئت بعد شهر لما صحيت ملاقيتش ابنها في حضنها، وجوز عمتها بيهددها بأن معهم صور تمنعها من الوصاية على الولد أو حتى رؤيته، [محتقرا] وأتضح أن جوز عمتها باعها لتانى مرة ودخل شقتها بنسخة مفتاح كان مع عمتها، ده غير أنه مضاها على ورقة تنازل عن شقتها في وسط الورق اللي مضيته عشان تعمل توكيل للمحامى.
ـ سليم بانفعال: لا حول ولا قوة إلا بالله, هو في ناس كده، والمسكينة دى عملت ايه.
ـ سيف متعطفا: جالها نوبة هيستريا واتهجمت عليه وحاولت تقتله، وجوز عمتها جابها المستشفى عندنا.
ـ سليم هازئا: لا والله كتر خيره.
ـ سيف بآسى: مش دى المشكلة، المشكلة الحقيقية أنها خفت بعد ست شهور, وأنها المفروض كانت خرجت من حوالى سنة، بس هى موجودة لغاية دلوقتي في المستشفى، لأن قوانين المستشفى متسمحش أنها تخرج إلا بعد ما يمضى المسئول عنها إقرار بإستلامها وإلا تفضل في المستشفى، وطبعا جوز عمتها رافض يستلمها، لأن من مصلحته هو وأهل جوزها أنها تفضل كده, بدل ما تخرج وتعمل مشاكل، لأنها أكيد هتحاول تشوف ابنها، أو تثبت التلاعب اللى حصل.
ـ سليم باهتمام: هو ليه جوز عمتها هو المسئول عنها.
ـ سيف وهو سعيد باهتمامه: لا هو رسميا عمتها هى المسئولة عنها، لكن أول ما أبوها مات وهى وعمتها ورثوه، جوزها كان عامل فيها الحمل الوديع، ولأن عمتها كانت وصية على سلمى، هو ضحك عليها وفهمها أنه هيعمل مشروع كبير، هيتنقلوا به نقلة تانية, وخلاها تسلمه فلوسها وفلوس البنت، وطبعا ده مخالف لقانون الوصاية, ده غير أنه ماضاها ضامنة على ديون هو خدها من ناس، وبعد ما بقيت تحت رحمته ظهر على حقيقته، [ضاربا على المنضدة بجواره بغضب] بقى بيهددها بالسجن لو أعترضت على أى حاجة بيعملها، أو أنه يطلقها ويرميها فى الشارع وهى ملهاش دخل ولا مكان تانى بعد ما نهبها، وهى اللى حكيت لى الموضوع كله لما سلمى دخلت المستشفى وكمان ساعات بتيجى تزورها من ورا جوزها.
ـ سليم متأثرا: طيب واحنا نقدر نساعد البنت دى أزاى؟
ـ سيف متحمسا: أنت الوحيد اللى يقدر يساعدها وفى الوقت نفسه تساعد نفسك.
ـ سليم بحيرة: أزاي!
ـ سيف مترددا: ورقة عرفى بتاريخ قديم، بعد عدتها, وقبل دخولها المستشفى، تروح تسجلها فى الشهر العقارى أو حتى تثبت تاريخ، وساعتها تبقى جوزها رسمى، وتقدر تستلمها من المستشفى.
ـ سليم محتدا: أنت أتجننت يا سيف، أنت عايزنى أتجوزها وكمان عرفى!
ـ سيف هادئا: وأيه الجنان فى كده, هى محتاجة حد يخرجها، وأنت محتاج حد يعيش معك ويراعيك.
ـ سليم منفعلا: حد يراعينى ويخدمنى مش زوجة، وأنت عارف رأيى فى الموضوع ده كويس جدا وأنى مستحيل أتجوز.
ـ سيف تلقائيا: وده سبب تانى يأكد نجاح فكرتي, رغم أنى لسه ما كلمتهاش ومعرفش رأيها أيه، بس اللى متأكد منه أن هى كمان رافضة فكرة الجواز بشكل نهائي, ومش عايشة غير لهدف واحد, توصل لأبنها, حتى لو هتسيب لهم فلوسه، وتأخده وتشتغل وتربيه، يعنى محدش منكم منتظر من التانى حاجة, أنتم مجرد سند لبعض، كل واحد هيتسند على التانى ويسنده فى نفس الوقت.
ـ سليم بحزم: نظريا فكرتك مقبولة، لكن انا أسف، أنا مرتاح هنا، وتعبت من التجربة، ولو تفتكر أخر مرة أنا أترميت كام يوم من غير ما حد يسأل في [والتمعت عينه بالدموع وهو يقول] ده طبعا غير النظافة الشخصية ودخول الحمام، من فضلك عايز أرجع أوضتى.
ولأكثر من أسبوع ظل سيف يطارد سليم محاولا أقناعه بفكرته، الى أن رضخ له أخيرا، متمنيا أن يتمكن من مساعدة تلك البائسة وإخراجها من محبسها، ليستفيد أي منهما من تلك الصفقة، أو أن يتم الرفض من جانبها حتى يتخلص من هذا اللحوح.
****************
يا ترى سلمى هتوافق، ورأيكم أيه في حكاية نهى.
****************