رواية سند الحلقة الثانية
بعد بضعة أشهر بالمصحة النفسية الخاصة.
ـ سيف بضيق: برضو عملت اللي في دماغك.
ـ سليم هادئا: أعملك أيه، ما أنت كل ما أفتح معاك الموضوع تتوه.
ـ سيف حانقا: تقوم تعمل اللي في دماغك وأسافر وأرجع الاقيك رجعت المستشفى.
ـ سليم مستاءا: كنت عايزني استنى أيه، لما ترجع وتهاديني بواحد تاني يطلع عيني.
ـ سيف باقنإع: كنت هاغير مكتب الخدمات، سألت علي كذا مكتب وطلعوا كويسين وعندهم ناس محترمة.
ـ سليم بيأس: المشكلة مش في المكاتب، المشكلة في الضماير، كل واحد جبته كان في الأول كويس، وأول مايحس أني مليش حد وباعتمد عليه في كل حاجة، يسوق الدلال ويتحكم في وكل واحد مشكلة غير التاني، اللي لسانه طويل، واللي أيده أطول، واللي بيتحرش ببنات الجيران وجابي لي مصيبة، زهقت يا سيف وعايز ارتاح بقى.
ـ سيف لائما: وأنت هترتاح لما تكمل باقية عمرك عايش في مصحة نفسية.
ـ سليم يائسا: عندك حل تاني، ما أنت عارف أني فكرت كتير وملاقيتش حل أنسب من ده، في الأول فكرت أعيش فى فندق لكن مفيش عندهم رعاية خاصة لحالة زى حالتي [بحزن] متفتكرش أنه سهل علي أرجع المستشفى، بس على الأقل كنت مرتاح للخدمة فى الفترة اللى أتعالجت فيها هنا وكمان أنا وأنت هنبقى مع بعض كل يوم.
ـ سيف مترددا: أنت عارف نظرة المجتمع للناس اللي في المصحات النفسية.
ـ سليم بسخرية: لا ماهو أنا كده كده اخدت اللقب من ساعة ما دخلتها المرة اللي فاتت ساعة الحادثة، وبعدين أنا مش فارق مع الناس عشان يفرقوا معايا.
ـ سيف مستاءا: المشكلة أنك قاعد فى أوضة مشتركة.
ـ سليم حائرا: وأيه المشكلة المستشفى غالية جدا، ودخلي من الوديعة ما يسمحش أني أقعد فى أوضة خاصة، ، خصوصا أني لازم يتبقى لي مبلغ لمصاريفي الشخصية وعلاجي وللطوارئ.
ـ سيف قلقا: المشكلة، أن كل احتكاكك هيكون بناس مش سوية، وده شيء يقلق.
ـ سليم عابثا محاولا تغيير دفة الحديث: بصراحة أنا اللي قالقني شخصيا احتكاكي بك كل يوم.
****************
انفطر قلب ابتسام وهي تستمع لصوت بكاء نهى الذي أقترب بشدة هذه المرة وكأنها تبكي خلف بابها مباشرة، لم تستطع كبح عواصفها أكثر من ذلك، ستخرج لها وليحدث ما يحدث، فتحت الباب لتجدها جالسة علي بعد عدة درجات، وقد تمزقت ملابسها وأمتلأ وجهها بالكدمات، فصعدت اليها فزعة تحتضنها بحنان، وهي تقول بقهر: سلامتك يا نهى يا حبيبتي، هي دعاء مش لحقتك النهارده وسيباكي على السلم ليه؟
ـ نهى منتحبة: خالتي النهارده بايتة عند سمر؟ وناصر حلف طلاق أني ما أبتش في الشقة قبل ما يعرف أن أمه مش هنا ومش عارفة أروح فين؟
ـ ابتسام حازمة لأول مرة تجاه معاملتهم الجاحفة لها: هتباتي عندي يا بنتي، امال هاسيبك بايتة على السلم.
ـ نهى مترددة خوفا من لتحذير حماتها لها بعدم الإقتراب من ابتسام: لا مش هينفع عشان ما أضايقش حضرتك.
أخرجتها ابتسام من أحضانها بهدوء وهى تقول : بصى أنا مش هزعل منك المرة دى لأنك متعرفيش انت عندى أيه، ومتخافيش من دعاء، ماظنش أن بياتك على السلم أهون من بياتك عندي، بعد يمين ابنها [أمسكت بيدها تسحبها تجاه شقتها لتستسلم نهى لها، فهي محقة ولا حل لديها غير ذلك] نورتينى يا نهى، أنت نسخة من الغالية شهد الله يرحمها، اتفضلي يا قلبي.
ـ نهى باضطراب محاولة وقف بكاءها: ربنا يخليكى أنت طيبة قوي، بس مش عارفة ليه أنت وحماتى مبتحبوش بعض.
ـ ابتسام بمرارة: ربنا يهديها، هي دايما كده بتزعل من كلمة الحق مع أننا في يوم كنا أكتر من الأخوات.
ـ نهى مستنكرة: أنت وحماتي!
ـ ابتسام متعاطفة: خدي بس العباية دي وادخلي أغسلي وشك ونتعشى عشان تريحي شوية، وأكيد هيجي يوم أحكيلك كل حاجة.
استجابت نهى لأمرها بخجل، وهي تدلف للحمام لتغيير ملابسها الممزقة، تتبعها نظرات ابتسام المشفقة، تلوم نفسها على ضعفها، واستسلامها للخوف من الالسنة التي لاكت سيرتها قديما، مجبرة إياها عن التخلي عن ابنة صديقتها الغالية وأمانتها لها، لقمة سائغة بيد من لا يرحم.
****************
بصباح اليوم التالي
جلست ابتسام تفكر بحسرة بتلك المسكينة التي لم تنم طوال الليل، وهرعت بمجرد ارتفاع أذان الفجر إلى شقتها؛ مطمئنة لانقضاء الليلة التي أقسم زوجها عليها، وهي تلوم نفسها علي عدم أخبار زوجها بقضاء ليلتها لديها، معتقدة أنه قد يهتم لأمرها ويبحث عنها، زفرت بضيق على تلك الغافلة، التي لا تعلم أي شيئ عن طبيعة زوجها، فناصر لن يهتم أبدا بأحد سوى نفسه، ولن يهتم بالبحث عنها حتى لو نامت بالشارع، فهو تربية دعاء، نبتة فاسدة رويت أنانية، وهذه النتيجة، قطعت أفكارها تلك الطرقات العنيفة على باب شقتها، ففتحته مهرولة لتطالعها دعاء بهيئتها الغاضبة.
ـ دعاء غاضبة: عايزة مننا أيه يا ابتسام.
ـ ابتسام متحلية بشجاعة زائفة: أنا، وهاعوز منكم أيه!
ـ دعاء بشر: بيتي نهى عندك ليه؟ وقلتي لها أيه؟
ـ ابتسام بهدوء: اااه، متخافيش يا دعاء محكيتش لها حاجة، بس كمان ما ينفعش اسيبها مرمية على السلم مضروبة وهدومها مقطعة، دي برضو بنت الغالية شهد، ولا نسيتي.
ـ دعاء متحدية: لا أنا مبخافش يا ابتسام وأنت عارفة، وأعلى ما في خيرك أركبيه.
ـ ابتسام متهكمة: امال جيتي تجري ليه لما عرفتي أنها باتت عندي، كنت خايفة أحكي لها أزاي موتوا أمها بقهرتها.
ـ دعاء شامتة: لا يا ابتسام خوفت عليها من غلك، ما أنت معذورة؛ قد ولادك ومتستتة ومعها ولدين، وأنت عنستي وفاتك القطر، فأكيد هتحاولي تسممي ودانها وتخربي عليها.
ـ ابتسامة ضاحكة: زي ما أنتي ما بتتغيرش يا دعاء، زمان لما حاولت أرحمها من ذلكم فضحتيني في الشارع وقولتي أني واخدة نهى حجة، عشان الف على أبوها وأتجوزه، وبعد ما أبوها مات وحاولت أنجدها من جوازتكم السودة، قولتي أني غيرانة أن عيلة صغيرة هتتجوز وأنا عنست.
ـ دعاء محذرة وهي تصعد لشقتها: كويس أنك عارفة أني ما بتغيرش، وياريت كمان تكوني فاكرة اللي بيقف قدامي بعمل فيه أيه.
اختفت قوتها الزائفة، وهي تلوم نفسها على تداخلها فيما لا يعنيها، وماذا بيدها هي أن كانت نهى نفسها مستلسمة لقدرها بهذا الشكل، كان الأحرى بها قبل أن تنساق وراء مشاعرها، أن تفكر، برد فعل دعاء بعدما تعرف أنها قد تعدت أسوارها واقتربت من اسيرتها، والتي تعلم علم اليقين أنه لن يكون مسالما أبدا.
****************
بعض مرور عام وبضعة شهور
ببهو فيلا فاخرة يدخل صالح غاضبا ممسكا ببضعة أوراق يرميها أرضا تحت أقدام تلك السيدة التي تجلس بتعالي غير عابئة بحضوره أو غضبه.
ـ صالح غاضبا: أيه ده يا ست هانم، فين البهوات ولادك؟
ـ السيدة متهكمة: مالك داخل حامي كده ليه، هدي أعصابك مش كويس كده عشانك يا صالح، ده حتى سليم ابنك لسه صغير ومحتاجك.
ـ صالح منصدما: سليم! [ بصوت مرتعش] أنت عرفتي.
ـ السيدة متهكمة: أيه كنت عايزني أفضل نايمة علي وداني، هو صحيح متأخر بعد ما المحروس بقى عنده ستة شهور، بس أكيد كنت هاعرف، أنا بس اللي مكنتش فاضيالك.
ـ صالح ثائرا: جاية تفضيلي دلوقتي يا شريفة هانم، عايز أقولك يا هانم أنك لو فاضية لي من الأول مكنش ده حصل.
ـ شريفة محتدة: هي دي حجتك اللي ناوي تداري بها على غلطتك.
ـ صالح بهدوء: لا يا هانم أنا مش هداري علي غلطتي؛ لأن غلطتي مكنتش في حقك، غلطتي كانت قي حق الغلبانة اللي أتجوزتها، غلطتي أني متجوزتش في النور من يوم ما سبتيني واحدة من سني؛ أعيش معها الأستقرار اللي حرمتيني منه.
ـ شريفة منفعلة: أوووف، يخرب بيت الأسطوانه دي {عمري راح في الغربة، شبابي ضاع من أغير ما أعيشه، أنت عايشة لولادك وبس} أيه يا أخي ما بتزهقش عملت أيه زيادة عشان كل شوية تذل فينا ويبقى من حقك تعمل اللي أنت عايزه، كل الأبهات بيعيشوا لولادهم ويضيعوا عمرهم عليهم، ولو أنت أستحملت شقى الغربة هناك، فأنا مكنتش بلعب هنا، أنا السبب في كل العز اللي أنت فيه، أنا اللي خليتك صاحب أكبر مركز صيانة وتوكيل عربيات بعد ما كنت مجرد مهندس ميكانيكا.
ـ صالح بانفعال: وأنت كمان السبب في أني أتحول لآلة، وأني أرجع مراهق وأظلم عيلة أصغر من عيالي، وأنت السبب أن ولادي بعد كل اللي عملته عشانهم يرفعوا علي قضية حجر.
ـ شريفة شامتة: لا قضية الحجر دي سببها جنانك، علي أخر الزمن رايح تجيب لهم شريك.
ـ صالح غاضبا: يعني كنت عارفة يا هانم ووافقتي أنهم يعملوا كده في.
ـ شريفة حاقدة: زي ما أنا هونت عليك وقدرت تعمل كده في.
ـ صالح مقهورا: أنت اللي عملتي كل حاجة يا شريفة، أنت اللي صممتي أني أسيب شغلي وأسافر أشتغل ميكانيكي وأنا مهندس عشان عايزة تعيشي زي أخواتك، أنت اللي سيبتيني لوحدي في الغربة أول ما شادي دخل ثانوي، [لائما] ياما اتكلمت معاكي وفهمتك أن الوحدة قتلاني، وأني محتاج مراتي جنبي تقويني وتحميني أن أقع في الغلط، كنتي تضحكي وتقوليللي لا أنا واثقة فيك، كنتي بتدبحيني ببرودك وأنا مش حاسس بشوقك لي زي ما أنا مشتاق لك، ياما فكرت أني أعاقبك وأصون نفسي بأني أعمل زي ما ناس كتير عملت وأتجوز من هناك، بس أول ما فكر أخد خطوة جدية أرجع وأقول حرام أرمي عليها مسئولية الولاد هناك وأعيش حياتي أنا هنا وأني على أخر السنة هارجع واتمتع بيكم ومعكم.
ـ شريفة محتدة: أنا مضربتكش على أيدك.
ـ صالح ببغض: بس كل سنة تضغطتي علي أني أفضل سنة بس كمان، وسنة تجر سنة وأنا بحط غلبي في الشغل عشان الهي نفسي وكمان أجيب فلوس أكتر يمكن ترضي عني وتفكيني من الساقية اللي ربطتيني فيها هناك وسيبتيني، لكن زيادة الفلوس طمعتك أكتر وقعدتي تشتري في أراضي بالقسط وكل ما فكر أرجع القيكي ورطيني في قسط جديد.
ـ شريفة بقوة: أنا ماخدتش حاجة لنفسي، أنا ياما حرمت نفسي عشان أعمل مستقبل لولادك.
ـ صالح بمرارة: وهما فين ولادي، ده أنا حتى بعد ما رجعت بعد غربة عشرين سنة، لاقيت نفسي غريب وسطكم، ضيف تقيل على حياتكم اللي أتعودتهم عليها من غيري، أول ما رجعت أحفادي محدش منهم عرفني ولا رضي يبوسني وولادك اتلموا زي ما اتعودوا يخدوا الهدايا وبعد كده المولد اتفض ،كل واحد من ولادك أو بناتك عايش في محافظة مختلفة لأن كل واحد منهم مسئول عن فرع للتوكيل.
ـ شريفة مستهزءة: أنت كنت عايزهم يسيبوا حياتهم ومشاغلهم، ويقعدوا يسلوك.
ـ صالح لائما: وأنت يا هانم، مراتي اللي المفروض نتسند على بعد في اللي باقي لنا، رجعت لاقيتك عايشة حياتك جوالة ما بينهم، أه كنت عارف أنك مقسمة شهور السنة وبتقضي كل تلات شهور عند حد من ولادك، بس كنت فاكر أن ده عشان أنا مسافر و أنك بتسلي نفسك،[منكسرا] لكن حتى بعد ما رجعت رفضتي تغيري نظامك، وأنت وولادك أتحدتوا ضدي واعتبرتوني أناني جاي أنكد عليكم عشان أسعد نفسي.
ـ شريفة معترضة: دلوقتي بقيت أنا السبب في كل المصايب، بعد ما كنت السبب في العز اللي بقيت فيه.
ـ صالح ثائرا: أنت فعلا السبب في اللي بقيت فيه بس مش العز زي ما بتقولي، أنت السبب في الحرمان والوحدة اللي عيشتهم طول عمري،أنت السبب أني لما بقى ينفع أعيش حياتي مبقيتش قادر أعيشها، أنت السبب في أني ظلمت بنت أضغر من ولادي، أنت السبب أني جيبت للدنيا طفل مش هالحق اربيه وهاسيبه لولادك اللي ورثوا منك الطمع والجشع.
ـ شريفة حاقدة: علشان أناني، فكرت تجدد شبابك، وماهتمتش بولادك ومنظرهم قدام نسايبهم.
ـ صالح بمرارة: وياترى مافكرتيش في منظرهم قدام نسايبهم وهما بيحجروا على أبوهم.
ـ شريفة متشفية بتعالي: أنا ممكن أقبل أعتذارك، وأحاول أقنع الولاد بس بشرط تطلق العيلة اللي أتجوزتها، وترمي لها قرشين وتخرجها هي وابنها من حياتنا للابد.
ـ صالح بعزم وقوة: مش هيحصل يا شريفة، مش ناوي أعيد غلطي تاني، غلطت زمان لما سمعت كلامك وأتخليت عن مسئوليتي تجاه ولادي، كان لازم أعرف أني مسئول أربيهم مش أصرف عليهم وبس، حولتيني من بابا، لبابا نويل اللي بيجي بهدايا كل سنة، يفرحوا بالهدايا والفسح لكن ولائهم لكي أنت وبس، بعد ما خرجتيني من حياتهم لحد ما أتعودوا علي بعدي وبقيت أنا غريب.
ـ شريفة مهددة: يعني راكب دماغك، ومصمم تكمل.
ـ صالح متحديا: مش هاكرر غلطي تاني وزي ما سيبت ولادي لكي زمان أسيب ابني للراجل اللي باع أمه، مش هيحصل يا شريفة ولو بتهدديني بالفضيحة، فالفضيحة مش هتكون لي وبس هتكون لولادك كمان، ده غير أنك عارفة أن اللي نقلنا النقلة دي توكيل العربيات، اللي أخدته من الشيخ قبل ما أرجع بسنتين، ورغم أنه وقتها كان أكبر من امكانياتي لكن الشيخ أدهوني ثقة في؛ بعد العمر اللي أشتغلته معه، ولو ولادك معقلوش هتصل بالشيخ وأخليه يسحب التوكيل، وأهو أديهم سبب للحجر علي.
تبادلا نظرات التحدي، وكلا منهما يعرف صاحبه، فهو يعرف غرورها وتعاليها وأن ثورتها لكرامتها وليس حبا له، بينما هي تعلم بأوته المفرطة التي طالما استغلتها للضغط عليه، ولكنها الأن فجرت ثورته ضدها، ويجب أن يصلا معا لحل يهدأ ثورته ويحفظ كرامتها، وإلا سيهدم المعبد على روؤس الجميع.
*****************
فى مكتب سيف بالمصحة النفسية الخاصة
ـ سليم بضيق: كفاية بقى يا سيف أنت مبتزهقش
ـ سيف راجيا: بس اسمعني للاخر، ده أنا مرضيتش استنى ليوم السبت، جيت جري النهارده عشان أقولك، وجيبت الولد معي.
ـ سليم معترضا: مش هينفع يا سيف، أنا الحمد لله مرتاح هنا ومفيش أي سبب يخليني أتعب نفسي على الفاضي رايح جاي.
ـ سيف بعصبية: مش علي الفاضي يا سليم، لو أنت مش واخد بالك من حالة الأنطواء والوحدة اللي أنت فيها، فأنا قلقان يا سليم، أنت حتى صحابك اللي كنت بتتكلم معهم من وقت للتاني، بعدت عندهم وتليفونك بطلت تشحنه اساسا، ولولا أن أنا اللي موصي الممرضة تهتم بشحنه كان اتقفل من زمان.
ـ سليم حانقا: وأنا هاحتاج للموبايل في أيه؟ لا هاروح أزور حد [بتهكم] وطبعا مش هاعزم حد يزورني في مستشفي أمراض نفسية.
ـ سيف مصرا: هتكلم صحابك، وهيجوا يزوروك في بيتك، الموقف المرة دي مختلفة، الولد سبعتاشر سنة ابن الست اللي بتخدم الحاجة، أبوه ميت وأمه متجوزة راجل صعب على طول يطرده، والمرة دي حلف طلاق ما يرجع البيت، يعني الولد محتاج مكان ينام فيه وحد يصرف عليه؛ فلا هيسيبك ولا يتكبر عليك لما يعرف أنك لوحدك لأنه زيك، ومش هيجيب حد البيت ولا يسيبك ويلف في الشوارع لأنه ما يعرفش حد أو حاجة هنا، ويلا بقى أمضي ورق الخروج عشان منتأخرش عليه أكتر من كده.
اضطر للانصيلع على مضض، لا ينكر كرهه لوحدته وانعزاله، ولكنه يكره أكثر أن يجري وراء أمل كاذب بحياة طبيعية، بعدما قست قلوب البشر وخلت من الرحمة.
*****************
بشقة صالح
ـ سلمى مرتعدة: أنا خايفة يا صالح
ـ صالح محاولا طمأنتها: متخافيش يا حبيبتي، أنا مش هاسيبكم، صحيح مش هنبقى متجوزين، بس وضعنا مش هيختلف كتير عن دلوقتي.
ـ سلمى قلقة: طيب ما نفضل متجوزين وتحلف لهم أنك مش بتقرب لي.
ابتسم بمرارة لبراءتها وطفولتها رغم كونها أصبحت أم.
ـ صالح مشفقا: متخافيش يا سلمى أنا شرطت عليهم أنك تفضلي بشقتك واحنا اساسا محدش يعرف اننا اتجوزنا عشان يعرفوا اننا اطلقنا، وسعد بالذات مش هيعرف خالص أنك اتطلقتي، وكل ما اقابله هاتصرف عادي ولو جات سيرتك هتكلم كأننا لسه متجوزين، وأني مبسوط معكي كمان.
ـ سلمى باكية وهي ترتعد لمجرد تخيل عودتها تحت سطوة ذلك الهمجي: أنت متعرفوش، أكيد هيعرف أنك طلقتني، وهايخدني تاني ويتحكم في سليم زي ما كان بيتحكم في، كنت فرحانة وأنا باسميه على حروف أسمي، وهو خد حظي كمان، ياريته ما خد أي حاجة مني لا اسم ولا نصيب.
ـ صالح منفعلا وهو يرى عدم ثقتها بقدرته على حماية ابنه: ابني مش زيك ولا حد يقدر يقرب له، أنت كنتي يتيمة، لكن أنا موجود واللي يفكر يأذيه هيكون أخر يوم في عمره، أنا شرحت لك كل حاجة يا سلمى، والأتفاق ده أكتر حاجة قدرت أوصل لها معهم، صحيح انا حاولت أبين أني مش فارق معي موضوع الحجر، بس الموضوع مش سهل، [بمرارة] وبعدين احنا أساسا شبه منفصلين من بعد جوازنا بأيام، يعني كل اللي هيتغيير ورقة تشوفها شريفة تقول أننا اتطلقنا.
ـ سلمى وقد ازداد بكاءها: طيب ما أنت بتقول أنك طلقتني وأديك هنا دلوقتي.
ـ صالح وهو يحتضنها ويربت عليها بحنان: ماهو ده شرطها يا سلمي، أني أطلقك رسمي وأول ما أستلم قسيمة الطلاق أرجع أردك رسمي وأطلقك تاني رسمي وأرجع أردك رسمي وبعدين أطلقك الطلقة التالتة؛ وكده تضمن أني مستحيل أردك تاني، لأنها عارفة أني باخاف ربنا وعارف أن المحلل مجرد تحايل علي الدين، وأن ربنا لعن المحلل والمحلل له، والرسول وصف المحلل بأنه تيس مستعار.
ـ سلمى عاتبة بقهر: طبعا وأنت نفذت شرطها علطول وأي حاجة هتقول لك عليها هتعملها حتى لو قالت لك ترمينا لسعد من تاني.
ـ صالح ثائرة من شكها به: هي دي نظرتك لي يا سلمى، لو فاكرة أني وافقت على شرطها ضعف مني، تبقي ظلمتيني ، لو على قضية الحجر فأنا وهما عارفين أنها قضية خسرانة، أنا لو وافقت، وافقت عشان احميكي أنت وسليم من أذاهم.
ـ سلمى بذعر وهي تشدد من احتضان صغيرها الغافي باحضانها: أنا ماشي، بسهما ممكن يأذوا أخوهم؟
ـ صالح مقهورا: بعد موضوع الحجر ده أنا أتأكدت أني معرفتش ولادي في يوم، بعدت عنهم وأنا فاكر أني باضحي عشانهم وفي الحقيقة، طلعت ضحيت بيهم علشان أرضي ست مادية جاشعة، سيبت لها ولادي لحد ما طلعوا نسخ منها، خصوصا شادي ابني الكبير، واللي جشعه زاد بعد ما تأكد من عقم سامر أخوه وبعد ما أختار أجواز أخواته على مزاجه في غيابي.
ـ سلمى مستنكرة بحيرة: هو جوزهم من غير أذنك؟
ـ صالح بمرارة: كل مرة كان يكلمني يفهمني أن واحد من اصحابه كويس قوي طالب أخته وهي موافقة، وأنا أوافق وابعت في فلوس وواثق فيه وفي اختياره لأخواته، وأتاريه بيختار ناس ولائهم ليه وتحت أيده، وده للأخواته ولاد أمه وأبوه فما بالك بأبنك اللي هو رافض وجوده أساسا.
ـ سلمى مرتعدة وقد بدأت دموعها ترسم خطوطها بوجنتيها: يعني ممكن يعمل حاجة في ابني.
ـ صالح زافرا بنفذ صبر: أهدي يا سلمى، سليم ابني وأنا قادر احميه، ولو نفذت شرطهم فده لان حسيت أنه في مصلحتكم ، كده هارجع أعيش وسطهم ويبقوا تحت عيني وخصوصا أننا منفصلين فعلا، [بأبوة صادقة] لازم تبقي عارفة أنك أنت كمان مسئولة مني زي سليم بالظبط، وأني عمري ما هتخلي عنك بعد ما ظلمتك بانانيتي في لحظة ضعف مني.
ـ سلمى مستسلمة وهي تمسح دموعها بكفيها بطفولة: خلاص لو ده هيخليهم يسيبوا ابني في حاله، روح لهم، أنا مليش غيره في الدنيا دي، حرام يحرموني منه هو كمان.
ـ صالح يطمئنها بحنو: هما أتعهدوا لي بأنهم مش هيتعرضوا ليكم لو نفذت شرطهم، وأنا صممت أكتب الشقة بأسمك وحددت لك مبلغ كبير هيوصلك أول كل شهر، وكمان أشتريت الشقة اللي تحتك بأسمك وأجرتها بمبلغ كويس جدا مش هيخليكي محتاجة حد ، لو حصل لي حاجة.
ـ سلمي مرتعبة: أنا مش عايزة حاجة، أديهم كل حاجة خليهم يبعدوا عن ابني.
نظر للهلع بعينيها ولعن ضعفه للمرة المائة، فهو من ضعف وهي من تدفع الثمن، هي ووليده الذي لا ذنب له سوى أنه ولد لرجل أناني، أراد أن يعيد شبابه الذي ولي، بشباب طفلة لا حول لها ولا قوة.
*****************
في منزل سليم
صعد سيف الدرج مهرولا ليجد ذلك الشاب واقفا أمام شقة سليم، التقط سيف أنفاسه بصعوبة، وهو يلهث محدثا الشاب بصوت مرتجف:أنت اللي كلمتني؟ فين سليم؟ حصله أيه؟
ـ الشاب متوترا: معرفش أنا مأجر الشقة اللي فوقه، من سنة تقريبا ومعرفهوش، وشقته مقفولة من أول ما جيت، بس الصبح سمعت صوته عمال ينادي ويقول {حد سامعني}، بصيت ملقيتش حد واقف في البلكونة، بس لما نادى تاني ركزت لاقيته نايم في أرض البلكونة بيعيط، وقالي أنه مشلول وأنه عايزني أتصل له بك واقولك تعالى بسرعة وهات مفتاح الشقة معاك، وواقف من ساعتها ومقالش غير جملة واحدة {خلي سيف يدخل لوحده} حاولت أكلمه بس ما بيردش وشكله بيعيط جوه.
ـ سيف ممتنا بقلب ينتفض رعبا على صديقه: متشكر جدا، اتفضل حضرتك.
أخرج المفتاح من جيبه وهو يدعو الله الا يكون قد أصابه سوء، فتح الباب بأيدي مرتجفة، لتستقبله تلك الرائحة الكريهة التي تفوح من المكان، انتابه الفزع وهم بالصراخ باسم سليم، ولكن أستوقفه صوت سليم الصارم الذي يأتي من وراء باب غرفة أبيه الشبه مغلق يطلب منه الثبات بمكانه.
ـ سيف قلقا: في أيه يا سليم، فين عامر، وأيه الريحة دي؟
ـ سليم بصوت مرتعش حاول أن يجعله متماسكا قدر استطاعته: من فضلك يا دكتور أنا مش مستعد أتكلم، ممكن تساعدني وبس؟
ـ سيف بدهشة: دكتور! في أيه يا سليم؟
ـ سليم مهتاجا: من فضلك يا دكتور.
ـ سيف مستسلما محاولا احتواء ثورته حتى يعلم ماحدث: حاضر يا سليم، ممكن أساعدك أزاي؟
ـ سليم زافرا محاولا استعادة هدوئه: أدخل أوضتي وافتح الدولاب، عايز طاقم كامل، داخلي وخارجي وفوطة ونزل الكرسي بتاعي من فوق الدولاب.
ـ سيف منصدما: فوق الدولاب!
ـ سليم محتدا: من فضلك يا دكتور.
ـ سيف مهادنا: حاضر يا سليم.
ذهب للحجرة ليفاجأ برائحة الفضلات التي تملأ المكان، علاوة علي الفوضى العارمة التي أحدثها شخص يبحث عن شئ ما، أستطاع سيف العثور علي طلب سليم بصعوبة بتلك الفوضى، خاصة وهو يكتم أنفاسه؛ بسبب تلك الرائحة القذرة، خرج مسرعا من الغرفة متجها للغرفة الأخرى ليجد سليم يطلب منه عدم الدخول و قذف ما بيده من بعيد خلال الجزء الصغير المفتوح من الباب، نفذ طلبه بدون نقاش فقد استشعر حدوث أمر جلل من مظهر الشقة ورائحتها.
ـ سليم خجلا: لو سمحت املا لي ازازة ميه سخنة من السخان، و الصيدلية في الحمام فيها كريم هاته.
أتي سيف بالمطلوب ودفعه من خلال الباب، مضى أكثر من نصف ساعة لم يحاول سيف خلالها التحدث اليه، خاصة وهو يسمع صوت نحيبه مختلطا بلهاثه نتيجة مجهوده غير العادي لتغيير ملابسه دون معاونة، ولكنه كون بعقله تصور عن ماهية ما حدث خاصة وأنه لم يجد أي أموال بمكانها المخصص على الرغم من أنه منذ عدة أيام قد أحضر لسليم مبلغ ثمانية آلاف جنيه من عائد وديعته؛ لاستخدمها كمصروف شهري، كما بحث عن موبايل سليم ولم يجده.
قطع أفكاره فتح الباب ومحاولة سليم للخروج زحفا، فهب لمساعدته، وهو يدفع الكرسي اليه، محاولا تجنب النظر الي الملابس الملطخة بالفضلات والملاقاة أرضا حتى يجنبه الحرج فيكفيه ماهو فيه، خاصة وهو يري أثر البكاء الطويل بعينيه والشحوب والاجهاد بوجهه، وحزن وقهر بالاثنين جعله يبدو أكبر سنا في خلال أيام فقط.
زفر سليم بقوة بعد استواءه على كرسيه، ليشير بصمت لسيف لاخراجه من الشقة ليطيعه سيف صامتا وهو يعلم أن موضوع عودة سليم لشقته سيغلق مع غلق الباب خلفهما لأجل غير مسمى.
*****************
بغرفة سليم بالمصحة النفسية
وقف سيف يتحدث لأحد المرضى بالغرفة وهو ينظر الي سليم الذي أدار وجهه بمجرد دخوله، أنهى حديثه مع المريض وأقترب بخطوات مترددة من فراش سليم.
ـ سيف بحزن: كده يا سليم كل ما أجي تودي وشك الناحية التانية [لم يتلقى رد فأكمل مستعطفا] يعني أنت متخيل أني كنت ممكن أعرضك لحاجة زي دي لو أعرف أن الولد ممكن يعمل كده، طيب ما أنا بعد ما رجعتك المستشفي بهدلت الدنيا، وخليت مأمور المركز شد أمه وجوزها وضغط عليهم ، لغاية أمه ما قرت أنه أتصل بيها في نفس اليوم اللي سابك فيه، وقالها أنه طمع لما شافني جايب لك الفلوس، وأنه سرق فلوسك والموبايل وكل حاجة عشان يدفع للي هيسافروه بره البلد، والحمد لله عرفوا يمسكوه قبل ما يسافر،وفلوسك رجعت لك [لم يلتفت اليه سليم طوال حديثه فقال معاتبا] يعني أنا جيبتوه لك لحد عندك ، وأنت اللي أتنازلت عن المحضر لما قعد يحلف أنه عمل كده من غلبه، وأنه كان هيبعت لك فلوسك من أول مرتب، وأنه كان متأكد أني هجيلك أطمن عليك بعد كام يوم قبل ما تخلص الأكل والمايه اللي سابهم جنبك، وأنت سامحته وأتنازلت عن المحضر، ومش عايز تسامحني أنا، طيب بذمتك ماوحشتكش، طيب ما وحشاكش خيرات الحاجة اللي زعلت لما عرفت أنك رفضت تأخد منابك، وحلفت أنها الأجازة الجاية هتيجي معايا تيجبلك منابك بنفسها، وأنت عارف أنها متستحملش السفر.
ـ سليم بخفوت: خلاص يا سيف قول للحاجة ما تتعبش نفسها وأنا هاخد اللي هتبعته.
ـ سيف بسعاده: يافرج الله ، أخيرا سمعتني صوتك.
ـ سليم بلوم: المهم أنا اللي ماسمعش صوتك بتتكلم في الموضوع ده تاني.
ـ سيف مصرا: لا يا سليم لما ينفع أتكلم هتكلم لأنك صاحبي ومصلحتك عندي أهم من زعلك، بس مش هاتكلم الا وانا مالي ايدي.
نظر له سليم بغيظ لتتحول نظرته لابتسامة لتعبيرات وجه سيف المشاكسة.
*****************
بشقة سلمى
تبكي سلمى منهارة وهي تحتضن طفلها
ـ سعد مقرعا: بتعيطي، ليكي عين تعيطي عليه بعد عاملتك السودا.
ـ داليا مستعطفة: سيبها يا سعد، أنت مش شايف حالتها.
ـ سعد ثائرا: أنت اللي مش حاسة بعاملتها، هي دي اللي كنتي زعلانة عليها وأنا باجوزها له وبتقولي بيعتها له، على الأقل أنا كنت مجوزها له على سنة الله ورسوله، لكن الهانم راحت أطلقت منه وعاشت معه في الحرام، لا وأنا اللي قلت أبقى راجلها وأحافظ على حقوقها وأول ما العزا خلص رحت لابنه أعرفه بجوازهم واكلمه في ورثها، رمى في وشي قسيمة طلاقها اللي باقلها أكتر من سنة، [بغيظ وهو يلكز كتف سلمى بغلظة] أكتر من سنة وهما مغفليني، وكل ما أسأل المجحوم عليها يقولي فيها شعر، أتاريهم ما أتفقوش الا في الحرام، لا وكملت بأنه قبل موته بأيام باع لولاده كل أملاكه بيع وشرا، وحرم المحروس ابنها؛ تلاقيه شاكك في نسبه، ما هي اللي زيها تعمل أكتر من كده، بعد ما استغفلت أهلها وعاشت معه بعد ما طلقها.
استمعت لشجارهما بشرود وكأنها بعالم أخر، لا يهمها الأن سوى حماية ابنها، ونجدته من مصير كمصيرها بيد سعد أو أشقاءه، وستفعل ولو كلفها الأمر حياتها، فقد سبق وخسارتها بالفعل، أما ابنها فلا وألف لا.
الحلقة الثالثه من هنا