رواية سند الحلقة الثانية عشر

رواية سند
الحلقة الثانية عشر
بالطريق بإحدى القرى الريفية، بعد عدة أسابيع
يقود سيف سيارته بهدوء، مستنشقا الهواء النقي باستمتاع، لتنحبس انفاسه فاجأة، حينما وقع بصره على تلك الفتاة التي تحمل الكثير من الأغراض، متيقنا أنها ساكنة قلبه، نعم هو قد رأها من الخلف، ولكن وأن لم يشاهد وجهها الصبوح بعينيه، الا أن قلبه قد تعرف عليها، ليتأكد من حدس قلبه حينما تخطتها سيارته فرأى وجهها الحبيب بمرأة سيارته، التي أوقفها على بعد خطوات منها، وهبط اليها، ربما استطاع مجاذبتها حديث يروي ظمأه لصوتها.
ـ سيف متجها اليها بسعادة وهو يحيها بشوق: صباح الخير يا ندى.
ـ ندى وقد تخضب وجهها خجلا وقد ظهر فاجأة من كان عقلها يتلهى بتصوره عن الشعور بحملها الثقيل: صباح الخير يا دكتور، أزي حضرتك.
ـ سيف بحب يحاول إطالة الحديث آملة أن ترسم صورتها بعينيه: الحمد لله في أحسن حال، المهم أنت أخبارك أيه.
ـ ندى مرتبكة من نظراته الشغوفة: الحمد لله، عن أذن حضرتك.
ـ سيف متلهفا وهو يتقدمها ليعترض طريقها: طيب استني، ماهو مش معقول تمشي شايلة كل ده واحنا رايحين نفس المكان، وبعدين أزاي تشيلي كل ده لوحدك وتمشي كده.
ـ ندى خجلة وهي تحاول تخطيه بالالتفاف حوله: معلش يا دكتور، كل واحد وظروفه، أنا كنت باشتري شوية حاجات من المركز بابيعهم أون لاين، وطبعا مش هينفع أضيع المكسب على التاكسيات.
ـ سيف مترفقا وهو يمد يده يمنع تحركه لكن دون المساس بها: ربنا يعينك ويقويكي.
ـ ندى محرجة من محاصرته لها: ربنا يعين الجميع، عن أذنك.
ـ سيف متلهفا: طيب اركبي أوصلك.
ـ ندى بإباء وبداخلها يرتجف من مجرد تواجدهما سويا بالسيارة: لا طبعا ما يصحش.
ـ سيف مستنكرا وهو يتطلع مشفقا للحقائب العدة بيديها: اللي ما يصحش أني اسيبك تمشي شايلة كل ده واحنا رايحين نفس المكان.
ـ ندى متوترة وهي تنظر حولها بقلق: بجد مش ينفع كده حتى وقفتنا كده مش كويسة.
ـ سيف مترجيا مشفقا على ضعفها ورقتها من حمل كهذا: طيب أركن العربية وأشيل معكي وأوصلك مشي.
ـ ندى مضطربة وهي تلاحظ تطلع بعض المارة عليهما: لا طبعا ده كده العن، عايز نمشي المسافة دي كلها وحضرتك شايلي الشنط، ده أنا سيرتي هتبقى على كل لسان.
ـ سيف وهو ينظر لأحد المارين غاضبا: قطع لسان اللي يجيب سيرتك، [بإصرار] اخر كلام ومش هاسمح لك اصلا ترفضيه، هاتي الشنط هاسبقك بيها على البيت.
ـ ندى خجلة وقد ايقنت اصراره: بس كده هاتعب حضرتك معي.
ـ سيف بحب وهو يفتح باب الحقيبة الخلفية للسيارة : تعبك راحة، ياريت تتعبيني علطول، ده كفاية أني أسلم على خالتي نادية.
ـ ندى خجلة وهي تناوله الحقائب وهي حريصة الا يتلامسا: شكرا يا دكتور.
ـ سيف بحب وهو يتطلع إليها متشبعا من اللحظات الأخيرة للقاءهما: خلي بالك من نفسك.
*************
بمنزل ريفي بسيط
تدلف ندى بإجهاد وهي تلتقط أنفاسها وقد أحمر وجهها من شدة الحرارة وطول الطريق الذي قطعته.
ـ ندى بإرهاق موجهة حديثها لفتاة بنفس سنها وتشبهها كثيرا: نوليني كوباية ماية يا ليلى.
ـ ليلى متهكمة وهي تعطيها الكوب: يااا التعب ده كله، وأنت جاية فاضية، بعد ما بعتي الحاجة مع السواق الخصوصي.
ـ ندى مستاءة من تليمحات أختها لحلمها المستحيل: ليلى بلاش الطريقة دي، الدكتور طول عمره ذوق، وبيساعد أي حد محتاج مساعدة.
ـ ليلى بخبث وهي تعلم مكنون قلب شقيقتها: وهو أنت برضو أي حد يا نودي، ده أنت اللي في القلب من جوه.
ـ ندى منفعلة مستاءة من تفكه شقيقتها بالامها: أنا جاية تعبانة ومش فايقة لك، شوفي لي لقمة أكلها وسيبيني في حالي.
ـ ليلى مترددة وهي تعرف رأي شقيقتها بما ستقول: معملتش أكل، اللي ماتتسماش طلعت عيني وهدت حيلي ولسه راجعة من عندها على مجية الدكتور.
ـ ندى غاضبة من تفريط شقيقتها بكرامتها: برضو روحتي لها، تستاهلي اللي بيعملوه فيكي وزيادة.
ـ ليلى ثائرة تصب غضبها على شقيقتها التي لا ترضى بواقعهما: وأنت عايزني أعمل أيه، أفضل مستنية زيك، لا ومن خيبتك مش مكفيكي كل الموانع اللي مابينكم رايحة تعرفيه أنك بتبيعي وتشتري عشان نعرف ناكل.
ـ ندى صادقة: الفقر مش عيب.
ـ ليلى بمرارة تجربتها مرارا من مجتمع ظالم: لا عيب، لو مكنش عيب مكنش اتوقف حالنا عشان فقرا ومنقدرش على مصاريف الجهاز، ومكنتش بقيت تحت رحمة اللي متتسماش.
ـ ندى مستنكرة بخضوع شقيقتها وراضها بالظلم: انت مش مجبورة، أنت اللي اختارتي.
ـ ليلى بقهر وقد انسابت دموعها دون إرادتها: لا أنا انجبرت، لما ابقى بين نارين، ياما اعنس، يا اتجوز ابن أمه، ابقى انجبرت.
ـ ندى حانقة على مجتمع قيمها بما تملك: قاعدة الخزانة ولا الجوازة الندامة، القاعدة ارحم من اللي بتعمليه، [بضيق] ده فارض عليكي تخدمي أمه وأنت لسه خطيبته، أمال لما تتجوزوا هيعملوا فيكي أيه.
ـ ليلى بمرارة: كل فولة ولها كيال، وهو ده الكيال اللي رضي بفولة مسوسة زيي، أنا ملزمة استحمل امه وجبروتها اللي كل بيت في البلد عارفه، وهو مش عايز مني جهاز وهياخدني بالهدمة اللي علي.
ـ ندى مستنكرة حسبة شقيقتها المعتلة: مش هتاخدي غير نصيبك ولو ملكيش نصيب في الجواز هتعنسي ولو بنت العمدة، [وكأنها تحدث نفسها بما تتمنى وصورة سيف تملأ قلبها] أنت تستاهلي تتحبي، تستاهلي حد يشيلك في عينيه مش يضحي بيكي ويسافر شغله ويطل عليك كام يوم كل شهر مع أنه عنده سكن جنب شغله بالقاهرة، عشان يراضي أمه وفاكر أن ده البر، ده واحد مش عارف حتى دينه، والحياة معه هتبقى جحيم.
ـ ليلى ساخطة بيأس اكتسبته من التجربة المريرة: العالم كله جحيم، بدل معاشريين شياطين بيقدروا الناس بالمال ويدوسوا على الغلبان.
*************
ببيت ريفي كبير
تحتضن سيدة مسنة سيف بشوق كبير
ـ السيدة بحب ولهفة أم مشتاقة: كده يا سيف، أسبوعين كاملين، ما وحشتكش.
ـ سيف مسترضيا: كده برضه يا حاجة شوق، ده أنا مرضيتش استنى لبكرة واخدت اجازة النهاردة، عشان اقعد تلات ايام بدل يومين.
ـ شوق عاتبة: امال ما جيتش الأسبوع اللي فات ليه.
ـ سيف بحنان: والله زي ما قولت لك، دكتور زميلي مراته ولدت، واستاذني احل محله، وطبعا كان لازم اقف جانبه.
ـ شوق برجاء وعتاب ذا مغزى: عقبال ما يوقف جنبك، ومراتك أنت اللي بتولد.
ـ سيف فاترا متهربا من حديثها المتوقع: بإذن الله، ربنا يسهل.
ـ شوق عاتبة محاولة أثناءها عن تشبثه بما لا تليق من وجهة نظرها: ربنا مسهلها، بس أنت اللي مش عايز تريح قلبي.
ـ سيف متألما بإصرار أمه على موقفها من حبيبته: ماما أظن احنا اتكلمنا في الموضوع ده كتير، وأظن زي ما أنا محترم رأيك، ودوست على قلبي عشان مغصبكيش على حاجة مش حابها، فياريت أنت كمان متغصبنيش على اللي مش هاقدر عليه.
ـ شوق حزينة الأول مرة يخالفها ابنها وهو ما يؤكد لها من صحة موقفها ضد من استولت على قلب ابنها وقسته عليها: يعني بتلوي دراعي، لتتجوز ست الحسن يا تضرب عن الجواز.
ـ سيف مترجيا لا يجرؤ على رفض رجاءها ولا تنفيذه: أبوس أيديكي يا حاجة، مش كل مرة نفس الكلام، سيبيني على راحتي.
ـ شوق حزينة محاولة الضغط عليه: براحتك ما أنت خلاص بقيت دكتور قد الدنيا، وأنا حيالله، فلاحة ما بتعرف تفك الخط.
ـ سيف متوددا وهي يعلم طيبة أمه ورغبتها في التأكد من ثبات مكانتها لديه: كده برضو ياحاجة، ده أنت عقلك يوزن كلية الطب كلها، وبعدين والله أنا باقفل في الكلام من خوفي عليكي، كل مرة بنفتح الموضوع ده بتتعبي بعدها.
ـ شوق معاتبة بدلال: حوش يا واد الحنية، بتهمك صحتي قوي يا بكاش.
ـ سيف مدللا: هو أنا عندي أهم من صحة الحاجة شوق، طيب ده أنا حتى حجزت لك عند الدكتور اللي قولت لك عليه، وأول ما ينزل مصر هتكوني أول واحدة يكشف عليها.
ـ شوق بإستياء فهي تكره تلك الزيارات كثيرا: يووو برضو عملت اللي في دماغك، ما قولت لك كانوا شوية تعب وراحوا لحالهم، وأنا حلوة قدامك أهو.
ـ سيف مشاكسا: حلوة بس، ده أنت ست الحلوات كلهم، بس من ساعات التعب اللي فات وأنا حابب أطمن عليكي، ده أنت الحاجة شوق الغالية.
ـ شوق بسعادة من اهتمام وحيدها: يغلي مقدارك يا قلب شوق.
*************
غرفة الاستقبال بشقة سليم
ـ نهى سعيدة ومنتشية باستقباله المستحق: أنا مش مصدقة أنها بقيت هادية كده، ووافقت تسيبني في حالي.
ـ سلمى واثقة ومشجعة: يا بنتي ده حقك، هي ملهاش عندك حاجة، هي جدة ولادك وبس.
ـ نهى زافرة بتوتر: أنت ما شوفتيش كانت بتبص لي أزاي وهي بتمضي على التنازل أنا كنت مرعوبة منها، بس سمعت كلامك وعملت نفسي ولا هاممني.
ـ سلمى تبث العزم باوصالها: امال أنت تسدي القرض وهي تقش كل حاجة على الجاهز.
ـ نهى ممتنة لمساندتها وتبصيرها بنقاط قوتها: بجد يا سلمى أنا مش عارفة من غيرك كان ممكن أعمل أيه.
ـ سلمى بحنان: متقوليش كده احنا اخوات.
ـ نهى صادقة: والله في اخوات ما بيعملوا اللي انتم عملته معي، مين دلوقتي بيسلف حد مبلغ زي ده ومن غير فوايد كمان.
ـ سلمى ضاحكة: يعني هو استحرم أنك تدفعي الفايدة دي كلها للبنك، يقوم هو ياخد من فوايد.
ـ نهى محرجة خصوصاً وعلاقتهم مازالت ببدايتها: طيب هو ذنبه أيه عشان تدبسيه التدبيسة دي.
ـ سلمى صادقة وهي سعيدة برجولة سليم وشهامته التي يحضرها بها: والله هو اللي عرض من نفسه، أول ما عرف أنك قدرتي تجمعي سبعين ألف، قال حرام تدبس في الفوايد دي كلها، وهو اللي عرفني أن في حاجة اسمها خصم مكتسب لو رجعتي الفلوس كاملة، ومش هتخسري غير فوائد قليلة زائد شوية مصاريف إدارية.
ـ نهى ممتنة لمعروفهما: يعني هو أنا اللي كنت جمعت السبعين ألف، البركة فيكم برضو.
ـ سلمى بحنان محاولة رفع الحرج عنها: يعني هو احنا كنا أديناكي حاجة، الحمد لله، المحل اتأجر بخمس تلاف والرجل وافق يدفع سنة تأمين وفلوس ابتسام على السلفة، الدنيا اتلمت.
ـ نهى بابتسامة نقرة بجميلهما: ده على أساس أن مش أنتم اللي جيبتم المؤجر وأستاذ سليم هو اللي قعد معه وقدر يقنعه أنه يدفع التأمين ده، وكمان هو اللي جاب المحامي اللي قام بكل حاجة، يعني من غير أستاذ سليم كان زماني لايصة.
ـ سلمى مزهوة: سليم فعلا جدع جدا، وذكي جدا، أنت عارفة مشروع الرحلات ماشي بسرعة الصاروخ، بسبب الافكار اللي عاملها، [محرجة من قلة خبرتها] بصراحة لما قالي وقتها أنه هيجيب هدايا للمسافرين معنا وهيعمل مسابقات وتمبولة، قلت ده هيخسرنا، بس الحاجات دي خلت كل اللي طلعوا معنا عملوا لنا دعاية من نار، ورغم أننا بأول مناطق الزيارة ولسه بروجرم الرحلة ما خليصش، عندنا دلوقتي حجوزات جديدة، عايزة شغل سنة بحالها مش سيزون وخلاص.
ـ نهى سعيدة: ربنا يوفقكم وتبقى شركة سياحة قد الدنيا، و يخليكم لبعض ويرزقكم الذرية الصالحة.
ارتبكت سلمى ولم تعرف بما ترد، ليتنزعها من حرجها صوت اشعار وصول رسالة لهاتفها، لتتعجب عندما اكتشفت أن سليم هو من يراسلها مطالبا إياها بأن تدع نهى ترحل لأنه يريدها بأمر هام.
ـ سلمى مضطربة وهي تخفي الموبيل بيدها وكأنه رفيقتها تعلم بكذبها: ده المنبه أصل سليم قايلي أصحيه دلوقتي.
ـ نهى محرجة وهي تتجه للخروج: معلش عطلتك روحي صحي جوزك، وأنا كمان هاطلع للولاد.
ـ سلمى خجلة: نورتيني يا حبيبتي، البيت بيتك في أي وقت.
بمجرد خروج نهى هرولت باتجاه حجرتهم بلهفة، وقد خشت ان يكون قد أصابه سوء.
ـ سلمى متلهفة وهي تتفحصه بقلق: مالك يا سليم في أيه، أنت فيك حاجة.
ـ سليم مبتسما: إهدي يا سلمى مفيش حاجة، بس محتاج أخرج دلوقتي وكنت عايزك تساعديني البس، وكمان تلبسي بسرعة لأني طلبت عربية التطبيق وزمانها على وصول.
ـ سلمى قلقة لرغبته المفاجأة علاوة لقلقها المعتاد: نروح فين، أوعى تكون تعبان، ما تسيبش اعصابي وتوقع قلبي.
ـ سليم سعيدا لقلقها عليه ولهفتها الجلية: إهدي يا ساسو، هو لما يجيني مزاج اتفسح معكي، تتخضي كده.
ـ سلمى متوجسة وهي ترمقه بشك: نتفسح، فيه أيه يا سليم، وبعدين أنت عارف أني مبحبش الفسح والخروج.
ـ سليم منتشيا تعلو فمه ابتسامة غامضة ١: عشان خاطري ريحي قلبي المرة دي من غير مناقشة، و أوعدك أن الفسحة دي غير، بس بسرعة العربية تقريبا وصلت.
****************************
ركبت سلمى السيارة بقلق، فحالة سليم تحيرها بشدة ، فلأول مرة يكون بهذا الغموض، خاصة وقد رفض إخبارها بواجهتهم، وهذا ما جعله يطلب التطبيق من هاتفه، كما أن تعابير ملامحه غريبة للغاية، تجمع بين التوتر والحماسة الشديدة بنفس الوقت.
كانت تنظز للطريق الذي تقطعه السيارة بفضول، يرتجف قلبها بأمل تخشى تصديقه عندما وجدت السيارة تسير باتجاه النادي الذي طالما حاولت ملاقاة ابنها به دون جدوى، حتى علمت بسفره مع شقيقه وزوجته، توقفت السيارة بغتة أمام بوابة النادي، فتطلعت للخلف لترى إجابة تساؤلاتها بالايجاب بأعين سليم الحنونة، وهو يهزر رأسه بالإيجاب بسعادة، بينما يهبط كرسيه ببطء خلف السيارة، لتغادر السيارة متوجهة إليه، لتسمعها بإذنيها.
ـ سلمى بصوت مرتعش بينما جسدها كله يرتجف من هول المفاجأة: هو رجع.
ـ سليم مشفقا وهو يمسك يدها المرتجفة بحنان: أيوه، وموجود جوه دلوقتي وهتشوفيه.
التمعت عينيها بسعادة، وتحرك جسدها كله كقذيفة موجهة لمدخل النادي، تنوي اقتحامه، لتعتصر صغيرها بين ذراعيها وتفر به لمكان لا يصل لهما فيه أحد، لترتد بقوة بسبب تلك اليد التي تتشبث بيدها بقوة وتعوق إندافعها.
ـ سليم وهي يمسك بيدها الأخرى ويتمسك بها بمواجهته: أهدي يا سلمى، أنت كده هتضيعي كل حاجة.
ـ سلمى بدموع منسابة وصوت متهدج وهي تحاول تخليص يديها منه: سيبني يا سليم، ده سولي.
ـ سيلم بحنان رافضا ترك يديها: عشان هو سولي مينفعش اللي عايزة تعمليه ده، عشان هو سولي مينفعش تضيعيه منك للأبد.
ـ سلمى مذعورة لتصويرها تكرار تلك التجربة المقيتة: اضيعه.
ـ سليم محذرا ومنبها لتبعات تهورها: أيوه لما تنبهيهم لوجودك وتخليهم ياخدوا احتياطتهم ويقدروا يبعدوه في مكان ماتعرفيهوش، تبقي بتضيعيه، لما تدخلي تفزعيه منك أو تنهاري تاني ويثبتوا أنك محتاجة ترجعي المستشفى تبقي بتضيعيه.
ـ سلمى ببكاء هيستيري: يعنى مش هاشوفه.
ـ سليم مهدئا رابعا على يدها بحنان: لا طبعا هتشوفيه امال احنا جايين ليه، بس المهم تهدي وتسمعي كلامي.
ـ سلمى بضيق ونفاذ صبر: حاضر يا سليم حاضر بس خلصني وسيبني أدخل أبوس أيدك.
ـ سليم متفهما لمشاعرها: هندخل هاديين وهنقعد بعيد عنهم شوية، ومش نلفت نظرهم بأي تصرف مش مناسب.
أمأت برأسها ايجابا بقوة، فترك بيديها قلقا، لتصدق مخاوفه وهي تهرول منطلقة داخل النادي بلهفة، فيضطر أن يزيد من سرعة كرسيه ليلحق بها.
سار كرسيه محاذيا لها وهي تهرول بلهفة بينما نظرها يجول بجميع الأرجاء بحثا عن نبض قلبها المسلوب، حتى رأته من بعيد بملعب الأطفال، فتوقفت بصدمة وارتفعت ضربات قلبها بجنون وهي تراه أمام عينيها بعد كل ذلك الفراق، ليغيب عقلها وتذهب كل تعليمات سليم هباء، لتصرخ باسمه بلوعة، وهي تركض نحوه بجنون.
انتبه لفعلتها فأسرع بزيادة سرعة كرسيه حتى سبقها، ليتوقف بغتة أمامها وهو يقبض على يدها بقوة ساحبا لها بعيدا باصرار، بينما تقاومه بشراسة لم يعاهدها بها.
ـ سلمى بحدة وهي تحاول نزع يدها من يده بقوة: سيبني يا سليم، سيبني، هو مش ابنك عشان تحس بالنار اللي في.
توتر سليم وهو يراقب التفاف بعض رواد النادي لهم، ناظرا باتجاه سامر وزوجته حامدا الله على عدم انتباههم لما يجري بسبب ضجيج الأطفال بالملعب.
ـ سلمى وهي تجذب نفسها بهيستريا: سيبني وملكش دعوة أنت.
لما تفلح عصبيتها بانتزاع كفها منه لشدة تمسكه بها ولكن عوضا عن ذلك اجتذبته هو ليسقط أرضا، لينتشلها تأوهه من ثورتها، لتصدم من فعلتها.
ـ سلمى فزعة لفعلتها ورؤيته وجهه المحتقن الما رغم استمرار تشبثه بيدها: سليم.
التفتت منتبهة بذعر لتلك الهمهمات الساخطة تنعتها بانعدام الرحمة والتجبر، لتفاجأ بتلك الحلقة من البشر ترمقها بنظرات العدائية، بينما اقترب رجلان لمساعدة سليم، لتسترجع كل مخاوفها من التجمعات لتقترب محتمية بسليم، الذي احاطها بيديه بإحتواء.
ـ سليم حاسما وهو يشدد من احتضانه لها ليشعرها بالأمان رافعا يده رافضا لمساعدة أحد: بعد أذنكم يا جماعة محدش يتدخل، اتفضلوا لو سمحتم مراتي هتقومني، كان سوء تفاهم وهي مقصدتش توقعني.
تصاعدت الهمهمات المحتجة، المعبرة عن سخطهم لرفضه لمساعداتهم على هذا النحو رغم تعاطفهم معه.
ازداد انكماشها باحضانه، فهو امنها وحاميها حتى لو أسأت إليه، بينما أرضاه لجوءها إليه رغم ماحدث، ليربت عليها بحنان بينما نظره معلق باتجاه سامر وزوجته.
ـ سليم متألما وبنبرة جاهد أن تبدو متماسكة: خلاص يا سلمى أهدي، وخلينا نقوم بسرعة الحمد لله سامر مخدش باله منا.
اعتصر الندم قلبها وهي تلمس حرصه على مصلحتها رغم فعلتها معه، فارتفع صوت نحبيها وهي تخفض وجهها خزيا.
ـ سليم جامدا متجانبا النظر بعينيها حتى لا يرى عجزه بهما وانبطاحه ارضا: كفاية يا سلمى، الناس اتفرجت علينا بما يكفي، لو سمحتي ساعديني.
تحركت بحزن وجاهدا سويا حتى استقام على كرسيه.
ـ سليم بجمود وهو يشير لإحدى الطاولات البعيدة وهو يتحرك تجاهها رافضا مساعدتها: أول ما الناس يبطلوا بص علينا، هنروح نقعد هناك، قريبة من ترابيزتهم ومدرية في نفس الوقت.
أمأت رأسها بطاعة، وهي تلوم نفسها، تتبعه صامتة والدموع تلتمع بأعينها وهي تنظر له تارة ولابنها تارة أخرى لتنهمر دموعها وهي ترى لهو ابنها وارتباطه بغيرها من جهة، ومن جهة أخرى ماحدث وجمود سليم معها، بعدما جاهد لمصلحتها وقابلت إحسانه بإساءة.
تحرك بعد برهة باتجاه الطاولة التي سبق وأشار إليها، لتتبعه بصمت، جلست وأنظارها معلقة بطفلها، تبتسم لضحكاته وتتجهم لضيقه أو لجوءه لمرافقته.
كان يجلس بحزن لما حدث، ليس غاضبا عليها بقدر غضبه لعجزه، وكيف كان أرضا بلا حول ولا قوة، لا يستطع النهوض من غير مساعدتها، فكيف تراه الأن، وهل يستطيع الحلم بأن يكن له يوما رجلا تطيعه وتحترمه، وتعتمد عليه، أما غضبه منها فبرغم ثورتها فهو مقدر للضغط الواقع عليها وهي ترى ابنها ولا تستطيع إحتضانه بعد كل ذلك البعاد، يتابع كل خلاجاتها، انتفاض جسدها وتحركها المتوتر كلما تعثر صغيرها، وغيرتها من احتضان سليم لزوجة أخيه، ورغم غضبه منها، لم يستطع أن يتركها للنيران التي تحرق قلبها.
ـ سليم هادئا: احمدي ربنا أنه مبسوط ومع حد حنين عليه، بدل ما كانوا أذوه ولا فضل مع مرات أبوه تبهدله.
ـ سلمى نادمة لجحودها رغم فضل الله ورؤيتها لابنها اخيرا: أستغفر الله العظيم، عندك حق يا سليم، [معتذرة عن فعلتها] أنا أسفة والله ما حسيت بنفسي.
ـ سليم بصوت مختنق: ولا يهمك، مش ذنبك، أنا اللي نسيت أني عاجز وافتكرت أني هاقدر أسيطر على الموقف.
ـ سلمى باكية بندم: لا يا سليم أوعى تقول كده، أنت أحسن أنسان أنا قابلته في حياتي، أنا عمر حد ما عملي ربع اللي أنت عملته لي، ولولا أنت مكنش سليم يبقى قدامي دلوقتي، متحسسنيش قد أيه أنا ناكرة جميل.
ـ سليم بصوت خافت متألم: وعندي استعداد أعمل قد كده عشر مرات، أنا مكنتش باحاول امنعك عنه، ولا مش حاسس بيكي، أنا بس كنت باحافظ على اللي وصلنا له، ومش عايز عواطفك تضيع كل حاجة، وبإذن الله هارجع لك سليم قريب، [منكسرا] ووقتها تقدري تتخلصي من عبئي، وتعيشي مع ابنك براحتك.
ـ سلمى مستنكرة: لا يا سليم، أنت أزي تقول كده، أنت عمرك ما كنت عبء، بالعكس..
ـ سليم منكسرا رافضا لكلمات تفتح باب أمل ما هو إلا سراب: متضيعش الوقت في كلام فراغ، اشبعي من ابنك على قد ما تقدري، ولما نروح نبقى نتكلم.
أطاعته بصمت فهي بالفعل مشتاقة لصغيرها، وبنفس الوقت لا تقدر على مواجهته بعد ما فعلته به، بينما اشتعلت النيران بقلبه، ظنا بموافقتها بأن ما بينهما هراء، مقارنة بابنها، ليزداد حزنه ويضعف أمله بأن تكون له يوما
***************************
ساد الصمت برحلة العودة، يجلس سليم على كرسيه بخلفية السيارة بوجه واجم وأعين حزينة، بينما سلمى أمامه يتآكلها الندم، لا تصدق ما فعلته به، بعد كل ما يفعله لها، حزن عينيه يدمي قلبها خاصة وهي تعلم أنها المتسببة به، فكرت أن تجاذبه أطراف الحديث ربما يخرج من حزنه ويستعيد ابتسامته التي تفتقدها بشدة.
ـ سلمى متلعثمة: شكرا يا سليم، ربنا ما يحرمني منك.
ـ سليم ببرود: العفو.
ـ سلمى محتقنة حرجا لصده لها: هو أزاي عرفت أنهم رجعوا، وموجودين النهاردة في النادي.
ـ سليم جامدا ناظرا بكل الاتجاهات عداها: هما خلاص رجعوا، وكمان مش هيسافروا تاني حاليا، هما بيسافروا تلت شهور الصيف بس لأن مراته مدرسة، ولازم ترجع شغلها، وكمان هي متعودة تقضي يوم الجمعة كامل في النادي، يعني هتقدري تشوفيه باستمرار
ـ سلمى مندهشة من أين له بمعرفة ذلك: أنت عرفت ده كله أزاي، [مداعبة لعلها تخرجه من حالة الجمود تلك] قولت لك زمان أنك كرومبو مصدقتنيش.
ـ سليم جادا متجاهلا دعابتها: لما مرات البواب قالت لك أنهم مسافرين من فترة طويلة، بعت واحد من طرفي لسايس النادي سأل على سامر أخو سليم، وفهمه أنه عايز يعمل معه شغل، بس محتاج يقابله هنا في النادي وكأنها صدفة؛ لأنه مش عارف يقابله في الشركة، وساب له مبلغ محترم ووعده هيديله زيه لما يتصل يبلغنا وصوله، والحمد الموضوع جه بفايدة.
ـ سلمى بحرج وحزن لمعرفتها بما يبذله لإسعادها، بينما هي تقابل ذلك بالجحود: شكرا يا سليم، شكرا على كل حاجة حلوة عملتها لي وأسفة على أي حاجة ضايقتك بيها
****************************
بعد عدة أيام بمنزل سليم
ـ نهى حزينة لحال صديقتها المضطرب: هو أنا حسدتكم ولا أيه يا بنتي.
ـ سلمى عابسة تتذكر تجاهله لها منذ انهيارها وتصرفها الشائن: على أيه بس يا بنتي، قولت لك مفيش حاجة.
ـ نهى مصرة: مفيش حاجة أيه، أنت باقى لك كام يوم علطول مخنوقة، والدموع مالية عينيكي، ده غير واضح أن أستاذ سليم كمان متغير، الولاد قالو لي أنه علطول بقى ساكت ومش بيلاعبهم زي الأول.
ابتلعت ريقها بحزن، وهي تعلم أنها المتسببة بحالته تلك وعودته للعزلة، والحزن المرسوم بعينيه دائما
ـ سلمى محاولة تغيير مجرى الحديث: وهما عاملين أيه دلوقتي، ومجيبتهمش معكي ليه.
ـ نهى بارتياح: هما عندهم واجب وسيباهم بيعملوه، [سعيدة بما وصل له ولديها] مش متخيلة جلسات تعديل السلوك فرقت معهم قد أيه، والدكتورة قريبة صاحبكم دي أكتر من ممتازة، دي ساعات كتير بتقعد معي لوحدنا وتتكلم معي كتير، باحس أنها وخداني معهم فوق البيعة.
ـ سلمى مضطربة خشية أن تعلم بأن سيف هو من اطلع الأخصائية على ظروفها، وطلب منها مساعدتها وتوجيهها دون لفت انتباهها: طبيعي يا نهى، بما أنك أنت اللي بتربي الولاد، فلازم تتأكد أنك عندك الوعي الكافي لده، [مشتتة انتبهها] المهم عاملة أيه مع دعاء.
ـ نهى زافرة بارتياح وببسمة انتصار:صباح الخير يا جاري، أنت في حالك وأنا في حالي، الصحيح هي مبتيأسش وبتحاول ترجع الوضع زي مكان، بس أنا مش بديها فرصة، ده غير أن أخر مرة الحاج مهدي هددها أن حسابها هيبقى معه هو لو خالفت الأتفاق، وأنه هيأجر شقتي للعمال بتوعه، ويسكني في عمارته.
ـ سلمى باحترام: والله الرجل ده محترم وابن حلال، ربنا يجازيه خير.
ـ نهى ممتنة: أمين ويخليكم لي، وما يحرمنيش منكم.
****************************
أغلقت الباب خلف نهى بشرود، وهي تفكر به وبندمها الشديد لإساءتها إليه، وتسببها في قراره بالعزلة الذي لا تقوى على احتماله، لتجفل على صوت فاجأة.
ـ سليم فاترا: هي ما جبيتش الولاد معها ليه.
ـ سلمى سعيدة لمحادثته لها: بتقول عندهم واجب وسيباهم بيعملوه، [محاولة إطالة الحديث بقدر ما تستطيع] بتشكر قوي في الدكتورة اللي رشحها سيف، وحاسة أنها مهتمة بيها زيها زي الولاد، بس أنا توهتها في الكلام.
ـ سليم جامدا: قولي لها تعمل حسابها يروحوا معاكي النادي الجمعة الجاية، وقولي للولاد أنهم لو فضلوا مؤدبين وبيسمعوا الكلام هيروحوا معكي كل جمعة.
ـ سلمى فزعة وبسرعة دون أن تعي ما تقوله: هو ده عقابك يا سليم، أنك بتتخلى عني، [ بدأ جسدها بالإرتجاف، ودمعها بالإنهمار] بس أنا والله ما أقدر أبعد، والله ما زقيتك ولا كان قصدي توقع، ده وأنا موقعاك اتحميت فيك من الناس، لأني عمري ما حسيت بالأمان غير معك، [جلست على ركبتيها أمامه تنظر له برجاء] لو عايز تعاقبني، بلاش تسيبني، وأنا مش هاروح النادي الأسبوع ده، وأعتقد أن مفيش عقاب أقوى من أني احرم نفسي أني أشوف سليم وماروحش أشوفه ولو من بعيد، بس المهم أنك تسامحني.
فغر فاه بذهول، لا يصدق ما قالته، هي تضحي بيومها المنتظر من أجل إرضاءه، انتشى بالأمل وهو يتذكر كلمات سيف له { لازم تحس بوجودك في حياتها وأنها مش تقدر تستغنى عنك، وأنها زي ما بتحب ابنها وعايزه ده ما يمنعش أنها محتاجة لك أنت كمان} انساته كلماتها الرائعة وتمسكها بوجوده كل غضبه منها.
ـ ليضحك وهو يتكلم بتعالي مصطنع: نادي أيه ده اللي هسيبك تروحيه لوحدك يا مدام، معنديش حريم تخرج من غيري.
ـ سلمى حائرة: بس أنت قلت أني أخد نهى معايا!
ـ سليم بغموض: لا أنا قلت هتاخدي نهى وولادها معكي، منها الولاد يفرغوا طاقتهم وسلوكهم يتحسن، [بابتسامة جذابة] وكمان تقدري تدخلي منطقة الالعاب من غير ما تلفتي النظر، بس البسي نظارة الشمس، ونزلي الحجاب على جبينك شوية.
فغرت فمها بصدمة، فبينما هي قد جرحته، كان هو يفكر بها وبإسعادها، وايجاد طريقة تقربها من ابنها، حاولت التحدث فخذلتها الكلمات، فارتمت بحضنه وهي تقبل وجنته، لتنسحب من بين يديه مهرولة بعدما استوعبت ما فعلته، ليبتسم بدهشة وهو يتلمس مكان قبلتها بسعادة.
****************************
بعد عدة أيام
كانت سلمى تتحرك بهمة تعد الشقة كما تعد عدة أصناف من الطعام، بينما سليم يراقبها بحب وعلى وجهه ابتسامة خبيثة، ينتظر الفرصة ليدلي لها بما يفكر به وكأنه أمر طبيعي.
****************
ياترى سلمى معذورة في رد فعلها، وسليم بيدبر أيه.
SHETOS
SHETOS
تعليقات



×