رواية سند الحلقة السابعة عشر والاخيره

رواية سند
الحلقة السابعة عشر والأخيرة
بعد مرور شهرين بشقة سليم
ـ سلمى متلعثمة وهي تطالع تلك الأوراق بين يديها بصدمة: أنت زاي كده.
ـ سليم هائما وهو ينظر لها بشغف: عشان بحبك.
ـ سلمى ذاهلة بعدم تصديق: بس أنا مش مصدقة أن في حد ممكن ياخد حاجة من سعد، وأنت مش بس خليته يرجع حق الشقتين، ده أنت كمان رجعت لي ورثي من أبويا.
ـ سليم متنحنحامتمنيا لو كان هو من أعاد حقها بنفسه: هو الحقيقة أني معملش حاجة غير محاولة، حاولت أوصل للمحامي بتاعك وأعرفه حقيقة اللي حصلك، خصوصا أني فهمت من كلام سعد ليكي أنه أنسان شريف.
ـ سلمى مندهشة وهي تفحص الاوراق للمرة العاشرة: طيب الشقق وسكرتيره هو اللي ضحك علي، لكن أزاي عرف يرجع ميراثي.
ـ سليم سعيدا حامدا الله على تلاعب المحتالين ببعضهم ليرجع الحق لصاحبته: سكرتيره مضحكش عليكي أنت، هو أصلا ضحك على سعد وسلمه عقد مزور، وده الكارت اللي لعب عليه المحامي مع سعد، كده كده الشقق كانت لسه بتاعتك وكمان سعد باع الشقق لراجل تقيل قوي، لو عرف أن سعد نصب عليه ممكن يقتله، ومكنش قدامه حل غير التفاوض مع المحامي بتاعك، اللي صمم ياخد ميراثك على تمن الشقق عشان ميرفعش قضية التزوير، وكمان يسلمه عقد سليم منك يصحح بها وضعه مع الراجل اللي باع له.
ـ سلمى باكية وبصوت مرتجف: شكرا يا سليم.
ـ سليم مستنكرا لدموعها فحين أراد إسعادها: أنت بتعيطي، وأنا اللي افتكرت أنك هتطيري من الفرحة.
ـ سلمى مرتميتا باحضانه وقد علا نشيجها: فرحانة قوي يا سليم، قوي، قوي، مِش عشان الفلوس، عشان عمري ما كان لي ضهر يحميني ويدور على حقوقي، حتى لو أنا متنازلة عنها، عشان من يوم ما عرفتك وبقى لي سند وعزوة، ربنا ما يحرمني منك ويبارك لي في عمرك، عشان بحبك قوي .
ـ سليم منتشيا وهو يحتضنها بحب: ويخليكي لي يا حياة سليم وعمره كله اللي عاشه واللي ما عشهوش.
ـ سلمى بدلال وهي تريح رأسها على أقدامه: سليم أنا عايزة أطلب منك طلب.
ـ سليم صادقا: أنت تؤمري يا ساسو.
ـ سلمى مترجية بغنج: أنا مش عارفة هاعمل أيه بالفلوس دي كلها، ممكن تشغلها لي معك وبدل مكتب الرحلات نفتح شركة سياحة.
ـ سليم حاسما: أسف يا قلبي مش هينفع، أنا خلاص اشتريت العمارة وبوضب شقتنا والمكتب، ( صادقا مع نفسه وكلما بقدراته دون خجل) وبعدين شركة السياحة مشروع كبير قوي على ظروفي، لكن مكتب رحلات هيبقى على قد مجهودي ومش محتاج سفر وحركة كتير.
ـ سلمى عاتبة بدلال: يعني هتتخلى عني، وبعد ما استحرمت فوائد الودايع لنفسك هترضى لي بيها .
ـ سليم بحنان مداعبات شعرها وهو يذوب من دلالها الذي يشعره برجولته وتقديرها له: وأنا أقدر يا قلبي، طيب أيه رأيك بقى، أني من أول ما عرفت أن بإذن الله حقك راجع لكي، وأنا لاقيت لك فكرة هتعجبك جدا.
ـ سلمى مهتمة وهي ترفع رأسها لمواجهته: أيه.
ـ سليم مبتسما: فاكرة يا قلبي العمارة اللي كانت عجباني قوي، بس كانت أكبر من الفلوس اللي معي، فاشتريت اللي جنبها، أهي دي لسه ماتبعتش.
ـ سلمى مستاءة بطفولة: ده على أساس أن فلوس أنا هتكفي.
ـ سليم ببساطة: لا طبعا، بس اسمعي كلامي للأخر، أنت عارفة أن سيف، لسه بيدور على شقة، ونهى خلاص تقريبا خلصت إجراءات البيع وهتحتاج شقة، أيه رأيك بقى تشتروا العمارة دي سوا، والشقق تتقسم حسب حصصكم بالفلوس.
ـ سلمى سعيدة وهي تصفق كطفلة: اما حتة فكرة، وكده نهى تفضل جنبنا نراعيها، أنا كنت شايلة همها جدا،وكمان دكتور سيف يبقى جنبك.
ـ سليم مبتسما بحماسة وقد أسعده رضاها: ومش بس كده، عندي فكرة أجمد كمان.
ـ سلمى ضاحكة وهي تقبل وجنته بسعادة: قول يا عبقري.
ـ سليم بسعادة وحماس: أنت عارفة أنا كنت ناوي أأجر باقي شقق العمارة، عشان يبقى في دخل ثابت، بس لاقيت أن الأحسن أني افرشهم واستخدمهم سكن لرحلات القاهرة، هتبقى أوفر لنا من الفنادق وأكسب من التأجير العادي.
ـ سلمى منبهرة: فكرة ممتازة فعلا.
ـ سليم متحمسا: أيه رأيك بقى لو عملت لكم كده وأجرت شققك أنت ونهى لمكتب الرحلات عندي، ونبقى مطمنين أن نهى تلاقي دخل كويس.
ـ سلمى بتقدير وحب: أنت طيب قوي ياسليم، ربنا خلقك عون وسند لكل اللي حواليك.
ـ سليم سعيدا: وجعلك عكازي وسندي اللي أخرج بيهم من وحدتي.
****************************
****************************
وم الجمعة بالنادي بعد مرور ثلاثة أشهر
تقف سلمى بصحبة نهى وهدى وهن يتسامرن بينما يراقبن لهو سليم مع أطفال نهى وبصحبتهم فتاة صغيرة جميلة الملامح.
ـ نهى مستأذنة وهي تشير للطاولة القريبة التي تجلس بها ابتسام: طيب خلي بالكم من أدم وأدهم، عقبال بس ما أقعد مع ماما ابتسام شوية عشان متزهقش.
هدى وسلمى بأصوات متداخلة مرحبين بمساعدتها
ـ متقلقيش يا حبيبتي في عنيا.
ـ براحتك واحنا شوية وهنحصلك نقعد معكم.
ـ هدى وهي وتتابع إنصرفها مراقبة سعادة ابتسام بها وبابناءها: طيبة قوي آنت ابتسام اللي يشوفها مع نهى وولادها ميصدقش أنها مش مامتها.
ـ سلمى مؤكدة وهي تتعجب لحال البشر: ولو شوفتي جدتهم الحقيقة لا يمكن تصدقي أنها حبيتهم في يوم، صحيح أنها كانت مدلعهم ومبينة أنها بتحبهم، بس حب مرضي مبني على الامتلاك، حتى لو هتفسدهم، لكن أول ما بقوا يسمعوا كلام مامتهم، مبقتش طايقهم، مع أنهم بقوا أحسن وأأدب من الأول بكتير.
ـ هدى وهي تزفر بحرقة وألم: في ناس كده، متعرفش تحب غير نفسها، وحتى وهي بتحب ولادها بيبقى حبها عامل زي حب القطط اللي عندها استعداد تأكل ولاها بس محدش ياخدوهم مها.
ـ سلمى بحرج وهي تعرف سبب ألمها: هي مدام شريفة لسه مهديتش؟
ـ هدى متأثرة بتأذي نفسية زوجها لسخط والدته عليه: بالعكس ده الموضوع زاد جدا، لدرجة أن عرفنا أن شادي اضطر يحدد اقامتها في الفيلا، ويمنع عنها كل وسايل الاتصال، بعد ما اتصلت بالشركة الأم، وعملت لهم مشكلة جامدة.
ـ سلمى مستنكرة أن يحدث ذلك لأم مهما فعلت: بس مش لدرجة أنه يحبسها.
ـ نهى مؤيدة بقلة حيلة: عارفة أنك صح، بس هي رافضة تقابله نهائي، ده غير أن شادي مصمم على رأيه بعد الخسارة اللي خسرها بسببها، وأساسا شادي مش بيسمع لسامر خصوصا وعلاقتهم
اتوترت بعد ما كفلنا زينة، وشادي عرف أنه وصى لها بتلت فلوسه.
ـ سلمى متعاطفة مع مشكلة صديقتها التي تشعر أنها كانت أحد مفجريها: أنا أسفة يا هدى، مكنتش اتمنى أن عيلة صالح، توصل الأمور بينهم لكده.
ـ هدى بتفهم رافعة الحرج عن صديقتها: و أنت ذنبك أيه، هما اللي ظلموكي، وجه الوقت ووقعوا ببعض،أنا بس باتمنى تسامحي سامر، [متراجية بقلب زوجة تعشق زوجها وترجو له الصلاح] والله هو أنسان كويس من جواه، موضع الخلفة بس هو اللي أثر عليه وخلاه لعبة في أيدهم، وعلى فكرة هو لسه عند وعده وبيقولك لو عايزة أملاك سولي هو هيجيبهلك.
ـ سلمى رافضة: لا خليها لشادي يشبع بيها، كده كده ثروة سولي عقارات لا يجوز التصرف فيها إلا بعد ما يستلمها هو على خير بإذن الله، ولو على عوايدها فشادي حاليا بيلف حوالين نفسه وصحح أوضاعه خايف نكون مرقدينله، واللي سبق وقبله على بيته من مال اليتيم فحسابه بيه عند ربنا.
****************************
بشقة سليم
عادت سلمى بصحبة صغيرها يمسك يدها بينما يده الأخرى تحمل لعبة جديدة ، ليترك يدها سريعا بمجرد رؤيته لسليم ليهرول سليم الصغير بلهفة ليجلس على قدم سليم وهو يحتضنه بحب عارضا عليه لعبته، ليقابله سليم بترحاب وهو يغمر وجهه بالقبلات وهو يحتضنه بشوق، معربا عن إعجابه بتلك اللعبة المميزة التي سيشاركه اللعب بها كسائر لعب الصغير.
ـ سليم مدلالا: سولي حبيب بابي وحشتيني قوي يا بطل، أيه اللعبة الجميلة دي، دي لعبة تجنن.
عادت سلمى التي كانت تركتهما لتحية بعضهما ودخلت للحمام؛ تعده ليستحم الصغير بعد كل هذا اللهو بالنادي.
ـ سلمى بحنو: سيب يا سولي اللعبة مع بابي، وتعالى تاخد شور، عشان تبقى جميل يا قلبي.
سليم مشاكسا ملوحا بالذكرى القديمة: لا طبعا أنا اللي هاحمي ابني، انت في الحمام ملكيش امان وممكن تفزعي الولد زي ما عملتي فيا.
ـ سلمى ضاحكة للذكرى، وقد التقطت تلميحه: لسه فاكر، أنا كنت عارفة أنك هتمسكها لي زلة، انسى بقى.
ـ سليم مشاكسا محاولا تلطيف الجو قبل أن يلقى بما بجبعته من أخبار محزنة: لا يمكن انسى، وهافضل فاكر كل تفصيلة في احلى يوم في عمري، اليوم اللي دخلتي في حياتي يا سلمى.
ـ سلمى بحب: ربنا يخليك لي يا قلبي، ده كان احلى يوم في عمري أنا كمان يا سليم، أول يوم يكون لي فيه بيت وعيلة بجد، ربنا يبارك لنا فيك.
ـ سليم محاولا إخفاء اضطرابه بمشاكسته: ربنا يبارك لنا كلنا في بعض، بس برضو مش هاسيب لك ابني تحميه، [مواجه كلامه للصغير] أدخل يا قلبي دخل اللعبة دي، واستناني في أوضتك لحد ما مامي تحضر الشور، وهانديك عشان أنا اللي هادخل أساعدك.
ـ سلمى مؤكدة طلب سليم لصغيرها بتوجس وقد تنبهت لإضطراب سليم: طيب أدخل أنت أوضتك يا سولي، وبابي هيناديك وقت الشور[تابعت انصراف الصغير لتلتفت مباشرة لسليم تسأله بتوتر] في أيه يا سليم.
ـ سليم بمحاولة فاشلة للتظاهر بالهدوء: أيه يا قلبي، قلت سليم يدخل جوا، ونستعيد الذكريات براحتنا.
ـ سلمى وقد ازداد قلقها لمراوغته لها: سليم، أنا حفظاك، قلي في أيه ومتوترنيش.
ـ سلمى مستلسلما غير راغب بإزعاجها: حبيبتي مفيش حاجة، هو بس في خبر مش كويس سيف بلغهولي وأنت في النادي.
ـ سلمى بصوت مرتجف: الحاجة شوق كويسة؟
ـ سليم مترددا وهو يزوغ ببصره بعيدا عن مواجهتها: الحاجة شوق بخير، الموضوع بخصوص مدام داليا.
ـ سلمى صائحة بصدمة: عمتي.
ـ سليم محاولا امتصاص صدمتها، وتهوين الأمر: متقلقيش هي كويسة، بس يعني..، هي تعبانة شوية..، وكل اللي ربنا بيكتبه لنا خير.
ـ سلمى بنفاذ صبر: من فضلك يا سليم، قولي اللي حصل، من غير تزويق.
ـ سليم مترددا بصوت خافت وكأن ذلك سيخفف من وقع الخبر على اسماعها: الحقيقة أن سعد ضربها، ..أنت عارفة أنه متعود على كده، بس واضح المرة دي الحيوان أيده كانت تقيلة ومكنش مركز بيضرب فين، وده .... اتسبب لها بإصابة دايمة.
ـ سلمى متوجسة: أصابة أيه؟
ـ سليم متوترا يخشى عليها مما سيقوله: هي الضربة جات على رقبتها وأثرت على العصب البصري.
ـ سلمى مرددة بصوت خافت ذاهل: عمتي عميت.
ـ سليم كمن القي بحمل ثقيل: نصيبها يا سلمى، المهم دلوقتي أنها في مشكلة تانية، وطالبة مساعدتك.
ـ سلمى متوترة غير مستوعبة الخبر الأول لتفاجئ بوجود أمر أخر: مشكلة أكبر من اللي حصلها يا سليم.
ـ سليم مشفقا عليها من تلك الصدمات دفعة واحدة ولكن لا مفر: طبعا الحيوان اتقبض عليها واتسجن لأن القضية جناية، بس هو عمل توكيل لواحد يعرفه وطلقها وطردها من الشقة، واحدة من الجيران خليتها عندها أكتر من شهر، بس ظروفها متستحملش أكتر من كده، وعشان كده حولت تدور عليكي، وفكرت توصلك عن طريق الدكتور اللي ساعدك، زي عمتك ماحكتلها.
ـ سلمى مغمغة بإشفاق: رماها في الشارع بعد ما عماها.
ـ سليم محاولا إخراجها من صدمتها ومجاذبته الحديث: مش محتاج أقولك، أن البيت بيتك، وتقدري تعيشيها معنا زي ما أنت عايزة.
فوجئ بها وقد تنبهت له وكأنه انتزعها من صدمتها انتزاعا، لترمقه بنظرة تائهة ثم تنفجر بالبكاء وهي تخفي يدها بين كفيها.
ـ سليم بجزع: أهدي يا سلمى أهدي يا حبيبتي، هي هتبقى كويسة.
ـ سلمى بخزي وهي تزيد من دفن وجهها: أنا اللي أنسانة مش كويسة يا سليم.
زاد نحيبها وبدأها جسدها بالإرتجاف بعنف، فكف عن الكلام وامتدت يده تسحبها، مجلسا لها فوق قدميه وهو يحتضنها بقوة، مهدهدا لها كطفل صغير، حتى أفرغت ما بقلبها من ألم وهدأ نحيبها حتى اختفى.
ـ سليم برفق وهو يرفع وجهها لمواجهته: ليه بتقولي على حبيبتي كده.
ـ سلمى بصوت مرتجف خافت خزيا: معنديش استعداد أستقبالها يا سليم، معنديش طاقة أستقبالها في بيتي وأخدمها أو حتى أشوفها، مش شمتانة فيها بس مش قادرة أنسى كل مرة سبتني فيها تحت رحمته، مش قادرة أنسى، أنها ساعدته يحرمني من ابني، [معاودة الإجهاش بالبكاء] يمكن يجي وقت وأقدر أسامحها وأزورها، بس مش دلوقتي، مش قادرة أتحمل ده حاليا، ومش مصدقة أن قلبي طلع أسود قوي كده.
ـ سليم محتويا لها وهو يعاود هدهدتها: لا يا قلبي أنت قلبك مش أسود، بالعكس، زعلك على أحساسك ده من طيبة قلبك، تصرفاتها استنفذت اقصى طاقتك، ومش صح أننا نطلب منك تضغطي على نفسك، عشان حد عمره ما عملك حساب، أنت أنسانة مش ملاك، سامحتي كتير وأديتي، ولسه عندك استعداد تدي، بس على قد طاقتك وده مش غلط.
هدأت نفسها كثيرا بفعل كلماته الساحرة، فدفنت وجها بصدره تزيح برائحته العطرة أنفاس ثقيلة تجثم على صدرها برائحة ماضي عفن، فانتظمت أنفاسها وصفا ذهنها، بينما اكتفى بالمسح على شعرها وهو سعيد بسكونها بحضنه، لتقطع تلك اللحظة مخرجة رأسها من صدره، نظارة لعينيه بامتنان لإحتواءه لها بذلك الوقت.
ـ سلمى هادئة بفضل مساندته: بس مش معنى احساسي أني هتخلى عنها، ممكن أأجر لها شقة واجيبلها مرافقة، أو أدفع لها الإقامة لدار محترمة مختصة بحالتها.
ـ سليم مدللا: وبتقولي على حبيبتي قلبها أسود، ربنا يكرمك يا قلبي، وزي ما قولت لك مهما كان قرارك تجاهها أنت معندكيش غلط، الغلط على زرع الشوك ويشتكي وقت حصاد الألمـ.
**********************************
بشقة دعاء
تجلس دعاء أرضا وهي تضرب الأرض بكفيها بعنف وهي تصرخ بوجه ابنتيها ثائرة.
: ـ دعاء بصرخ مصاحبة لطرقاتها القوية بالأرض: البيت ده بتاعي وهيفضل بتاعي، طول ما أنا على وش الدنيا، مش هترموني في الشارع على أخر أيامي، واللي يفكر يخرجني منه هاخرجه على نقالة.
_ شابة صارخة بوجهها بضيق: هو أنت مفيش فايدة فيكي، هتفضلي عايشها بالدراع، بنقولك بعنا وقبضنا، يبقى عايزة تفضلي هنا أزاي.
_الشابة الأخرى مستاءة: بس يا سحر، أنت هتزعقي لها ولا أيه، (موجهة كلامها لدعاء بلهجة هادئة) معاش ولا كان اللي يرميكي في الشارع يا ماما، أنا شوفت لك مطرح حلو قوي، وأنت اللي مش عايزة تشوفيه.
_دعاء مقرعة بسوقية: مطرح أيه يا ست سمر، الحق اللي ما بيشوفش الشمس، اللي عايزين تدفنوني بيه بالحيا.
_سحر بسوقية: كل برغوت على قد دمه، وبعدين احنا هندفع ايجار ولا شهرية لمصاريفك، كتر خيرنا، على الأقل أحسن من المحروس اللي قلبك وخلع.
_ دعاء بقهر: ماهو المحروس لما كان هنا، كان لاممكم، ومكنتش واحدة فيكم تعلي صوتها علي يا ست سحر.
_ سمر مهادنة: أهدوا بس يا جماعة الكلام أخد وعطا، (محاولة استعطاف والدتها) وبعدين ياما والله غصب عننا، ما أنت عارفة اللي فيها، ومحدش يلاقي باب رزق ويقول لا، والقرشين اللي كل واحدة فينا هتاخدهم، ربنا عالم احنا في عرضهم قد أيه، عشان نعرف نعيش.
_دعاء ساخطة: وهو عشان تعيشوا انتم وعيالكم ترموني أنا.
_ سحر حانقة: مش احنا اللي رميناكي، ده الحيلة اللي ياما فضلتيه علينا، اللي طول عمره على الحجر، واحنا اللي ولاد البطة السودة، كل ده عشان هو واد، مع أن دكر البط له فائدة عنه.
_ دعاء وقد استشاطت غضبا للإساءة لابنها المدلل: يا قليلة الأصل، يا عديمة الرباية، بقى أخوكي اللي عاملك قيمة في وسط الناس، ومحدش يقدر يجي عليكي وهما عارفين أنك لكي ضهر وسند.
_ سحر مستنكرة: ابنك عمره ما كان سند لحد، طول عمره عالة على غيره، وعمره ما فكر في نفسه، حتى لما المحل اللي تحت فضي واترجيتك تأجريه لجوزي نوسع رزقنا، مطلي فيها وطمع فيه لنفسه، وفي الأخر قلبه قهوة لأصحابه، وخربها وقعد على تلها.
_ دعاء بمكابرة: من حكم في ماله ما ظلم.
_ سحر حانقة بنفاذ صبر: ماختلفناش، وأنا دلوقتي باحكم في مالي، وبعت ورثي من ابويا، واللي اشترى مدينا مهلة شهرين نخلي فات منهم شهر، قدامك شهر تنقلي فيه، ياما منك ليه.
لتخرج غاضبة تتبعها نظرات والدتها اللاعنة، راجية أن توصل أسرة نشوى استغاثتها لابنها، متعلقة بخيوط أوهامها التي غزلها خيالها لرجل، لم يكن يحمل من الرجولة غير مسماه.
****************************
بشقة سليم الجديدة بعد مرور ثلاث سنوات
يجلس سليم على كرسيه بينما سليم الصغير يجلس باحضانه هو و طفل رضيع وهو يغمرهما بحبه
ـ سلمى مستنكرة: مش ينفع كده يا سليم، الاتنين تقال عليك، سولي كبير وعارف أن بودي لسه صغير، وأن هو ممكن يقعد جنبكم على كرسي.
ـ سليم وهو يزيد من احتضانه لسليم الصغير: لا يا مامي، سليم وعبد الرحمن هيفضلوا مع بعض في حضن بابي لحد ما يكبروا وبعدين يشيلوه الاتنين سوا.
ـ سلمى متلهفة: ربنا يبارك لنا في عمرك يا قلبي، بس كده غلط على رجلك حتى لو مش بتحس بيها، [بغيرة] وبعدين دول علطول في حضنك ولا كأني أمهم.
ـ سليم مشاكسا: دي غيرة بقى، مش حكاية رجلي، وبعدين احنا رجالة زي بعض، عايزة حد يونسك اسمعي كلامي وهاتي لنا بنوتة تلعبي معها.
تخضب وجهها خجلا وهي تشير له بالخفاء بعدم جواز ما يقوله أمام أطفالهما، وخاصة سليم، لينفجر هو ضاحكا فهو يعشق استنفار خجلها الذي لا ينتهي، ليضحكا الطفلان لضحكه، دون إدراك حقيقي لما يدور، لتنظر له حانقة للحظات ثم تنفجر هي الأخرى بالضحك.
****************************
بأحد المنازل المتوسطة
تجلس سمر شابة تتابع استذكار ابنيها.
ـ سمر بضيق: يا بني أفهم وجعت قلبي.
ـ الطفل متململا: ماهو أنا حليت أهو.
ـ سمر صارخة بنفاذ صبر: حليتهم غلط، بعد كل وجع القلب ده...
ارتفع رنين جرس المنزل ليقطع عليها ثورتها، وتقريع طفلها، لتنهض متذمرة لرؤية الطارق، ناوية صب غضبها عليه بحالة أن كان المزعجين من الجيران أو أحد الباعة الجائلين، لتتحول ملامحها من الغضب للصدمة برؤيتها للطارق.
ـ سمر منصدمة: ناصر.
ـ ناصر زافرا بحنق: سمر، أخيرا لاقيت حد في مكانه في أم البلد دي.
ـ سمر متوترة وهي تنظر للحقيبة بيده: حمد لله على السلامة يا ناصر، هو أنت لسه راجع.
ـ ناصر حانقا وهو ينظر لتخشبها: هو احنا هنتكلم على الباب، مش هتدخليني ولا أيه.
ـ سمر مضطربة وهي تفسح له الطريق: أه اتفضل، طبعا ياخويا بيتك ومطرحك.
ـ ناصر محتدا وهو يدلف لشقتها: أمك وعيالي فين يا سمر وأزاي البيت اتباع.
ـ سمر متوترة بحروف متلعثمة: تعالوا يا عيال سلموا على خالكم، أنتم نسيتوه ولا أيه.
قام ابنيها يسلمان عليه بفتور قابلهما بمثله وهو متعجل لمعرفة ما يريد.
ـ ناصر بنفاذ صبر: أهلا يا حبيبي، العيال كبروا يا سمر، بس فين عيالي أنا بقى.
ـ سمر متوترة: معرفش، عيالك مع أمهم.
ـ ناصر ثائرا: نعم يا أختي، وأمهم دي بقى في أنهي داهية، طفشت بيهم ولا راحت فين، وبعدين أزاي البيت اتباع من غير موافقتي، وأمك أزاي تسيبها، وأمك فين أصلا.
ـ سمر محاولة التماسك: وأنا مالي يا ناصر، هو أنا كنت واصية عليها، واحدة قالت عايزة أخد حقي وأمشي، هاكتفها يعني، وبعدين هو مش أنت اللي رميتها هي والعيال وسافرت مع الست نشوى.
ـ ناصر بهيستريا: كسر حقك على حقها، ليه هو البيت كان بتاعكم عشان تبيعوه، ده أنا هوديكم في داهية.
ـ سمر بسوقية: ليه كنت شايفنا حرامية، كل واحد خد حقه بما يرضي الله، وحقك محفوظ بالمحكمة.
ـ ناصر بتهكم: حق أيه، وأزاي بعتم من غير امضيتي.
ـ سمر مضطربة: نهى اللي قالت أن المحامي بتاعها قالها، أن لو في ملكية على المشاع، وفرد مختفي أو رافض البيع، ممكن الباقيين لو يملكوا أكتر من التلات أربع، أنهم يبيعوا من غير موافقته أو حضوره، وبيحطوا نصيبه بالمحكمة.
ـ ناصر منصدما: نهى، وهي من أمتى نهى بتتكلم وليها رأي، وكمان أنتم تمشوا وراها.
ـ سمر محتدة: ومنمشيش ورا كلامها ليه بدل فيه مصلحة.
ـ ناصر متهكما: اه قولي كده بقى، يعني انتم جريتوا ورا مصلحتكم، وأولع أنا بقى، [متذكرا] وبعدين أمك فين، أنا جيت من المطار على البيت الجيران قالوا أن البيت اتباع و أمي مشيت من هناك مطرودة.
ـ سمر متلعثمة: لا مش مطرودة ولا حاجة، هي بس اللي ما سمعيتش الكلام، أنت هتوه عن أمك وعمايلها.
ـ ناصر مندهشا: كلام أيه اللي ما سمعتهوش.
ـ سمر متوترة: أصل لما جينا نبيع البيت، المحامي بتاع نهى قال أن العقد هيتحدد فيه الشقق الفاضية، وأن نهى هتفضي شقتها ولو عايزين نخلي أمك في شقتها، [ وهي تفرك يديها بتوتر] يبقى تمن الشقة هيتخصم من نصيبي أنا وسمر بما أنك مش موجود، ومحدش يقدر يجي جنب نصيبك.
ـ ناصر محتدا: فرميتوها في الشارع.
ـ سمر بسرعة: لا طبعا، احنا اتحايلنا عليها تسيب الشقة واحنا هنجيب لها مطرح على قدها وندفع ايجاره احنا، بس هي صممت تفضل في الشقة وهي فاكرة نفسها هتقدر تبلطج على الرجل اللي اشترى البيت، وتفضل في الشقة بالعافية.
ـ ناصر ثائرا: ولما هي مترضاش تقوموا تبيعوا وتسيبوها هي تتلفق وتترمي في الشارع.
ـ رجل بحدة وقد خرج لتوه من أحد الغرف: وأنت لما رهنت البيت وسافرت معملتش حساب ليه لفلقة أمك ورميتها في الشارع.
ـ ناصر محتدا: أنا كنت أقدر أبيعه، أو أخد قرض قد كده عشر مرات، بس أنا أخدت اللي محتاجه، وعارف أن أمي هتقدر تتصرف فيه.
ـ الرجل بسماجة: اعتبرها معرفتش تتصرف وأن البنك هو اللي باع البيت.
ـ ناصر محتدا: أنا باكلم أختي عايز أعرف مكان أمي، ما وجهتلكش كلام يا مدحت.
ـ مدحت ببرود: أنت بتزعق هنا في بيتي، و أنا راجل البيت هنا، يعني يا تقعد باحترامك، يا تمشي بالأدب.
ـ ناصر بمستنكرا وهو ينظر لشقيقته مستهجنا: عاجبك اللي جوزك بيقوله ده.
هربت باعينها من مواجهته وهي تنكس رأسها بخضوع، ذلك الخضوع الذي زاد من جبروت زوجها.
ـ مدحت شامتا: أظن الإجابة واضحة، ماهي مش هتخرب بيتها وتنزل معك الشارع بالشنطة اللي أنت جاررها دي، [بصفاقة] ولعلمك لولا أني عرفت بموضع التوكيل والقرض بعد ما خلاص خدت حقها، كان زمنها مشرفة معكم على الرصيف، ولو حجتك أمك، فهي في دار المسنين اللي في الميدان، بس يارب تكون جي تشيل همها، مش ترمي همك على خلق الله كالعادة.
****************************
بدار المسنين
ترتمي دعاء باحضان ابنها، وقد انهمرت من عينيها دموع القهر والخذلان.
ـ دعاء منتحبة وهي تشدد من احتضانه: شوفت اللي حصل لأمك يا ناصر، اترمي في دار مسنين زي المقطوعين من شجرة، ولا واحدة من أخواتك عبرتني.
ـ ناصر حانقا: لا أخواتي ولا أعرفهم، المحروسة بنتك سابت جوزها يطردني، من غير ما تفتح بوقها.
ـ دعاء ساخطة: حسبي الله ونعم الوكيل، خسارة تربيتي فيهم، طوعوا بنت شهد واتفقوا معها على أمهم.
ـ ناصر بغل: أه لو أطول رقبتها، والله ما هارحمها، هي البت دي جرى لها أيه.
ـ دعاء حاقدة: اللي جرى لا ينحكي ولا ينقرا، أنت سافرت من هنا وهي عاشت لي في دور المجذوبة، صعبت علي وحاولت اساعدها، لحد ما وقفت على رجلها، وفاجأة البت اتشقلب حالها، [بهمس وهي تنفس سمومها برأسه] شكلها شافت لها شوفة قوت قلبها، فجأة طلع لها لسان وبقيت تقول حقي ونصيبي وأنا حرة، وعيارها فلت على الأخر.
ـ ناصر بغل: كسر حقها الفاجرة، شوفة أيه اللي شافتها، ده أنا هاخرم لها عينيها، هي مش على ذمة راجل.
ـ دعاء متلهفة: هو أنت ردتها بعد ما سافرت.
ـ ناصر متعجبا: لا ليه.
ـ دعاء ساخطة: امال أيه على ذمة راجل دي يا مخبول.
ـ ناصر متعاليا: ليه هي كانت تتجرأ تبوص لغيري حتى لو طلقتها، أنا كنت رميها بس عشان الزفتة نشوى هي اللي شرطت كده علي، لكن يعني هي هتروح فين، ما هي مرمية وزي مراميتها، البسها في رجلي تاني.
ـ دعاء متهكمة: ده كان زمان، القطة المغمضة فتحت وكمان طلع لها خرابيش.
ـ ناصر واثقا: هاقصهم لها ومعهم لسانها اللي رد عليكي، بس قوليلي هي فين دلوقتي.
ـ دعاء حانقة: ما أعرفش عنها حاجة، أول ما البيت اتباع خدت نصيب الأسد ومشيت، حتى نصيبي بورث أبوك جبرتني اتنازل لها عنه عشان تسد القرض.
ـ ناصر منصدما: نهى عملت ده كله، وبعدين أنت أزاي سبتيها تبيع البيت وفين نصيبي.
ـ دعاء مقهورة: بعد ما اتنازلت لها عن نصيبي غصب، بقى نصيبها هي والبنات أكتر من تلات أرباع، وبيقولوا كده يبقى من حقهم يبيعوا.
ـ ناصر غاضبا: وفلوسي أنا.
ـ دعاء منكسرة: نصيبك من البيعة كان حوالي مايتين وعشرين ألف، عشان البيت صغير وفي شقتين ايجار قديم.
ـ ناصر متلهفا: والفلوس دي فين.
ـ دعاء غاضبة: الباقي منها محطوط باسمك في المحكمة.
ـ ناصر مستنكرا: الباقي.
ـ دعاء مقهورة: بنت شهد بعد ما حطيت لك الفلوس في المحكمة حجزت عليهم.
ـ ناصر منصدما: ليه.
ـ دعاء بغل: أشي قايمة ومؤخر ومتعة ومتجمد نفقة من يوم طلاقها، ده غير أنها طلبت بقيمة وصل الأمانة اللي أنت ماضيته ، وقت جوازكم ضمان لحقها على شرط الحج مهدي، لما العقربة ابتسام قومته.
ـ ناصر ساخطا: يعني أنا فاضل لي أيه.
ـ دعاء غاضبة: هي بعد اللي خادته ده كله بقالها تلات سنين بتصرف منهم نفقة العيال كل شهر، على نفقتي أنا كمان، اللي باقي مش هيكملوا خمسين ألف.
ـ ناصر منصدما: نفقتك.
ـ دعاء بخفوت: يعني أنا كنت هاعمل أيه يا ناصر، أخواتك كانوا عايزين يرموني في أوضة تحت السلم، ورموا لي قرشين وقالوا هما دول اللي هنقدر عليهم كل شهر.
ـ ناصر ثائرا: تقومي تنهشي في زيهم، وتاخدي اللي تقدري عليه وأرجع أنا يا مولاي كما خلقتني اترمي في الشارع.
ـ دعاء مذعورة: ليه هو أنت مش كنت بتشتغل بره.
ـ ناصر منكسرا: كنت باشتغل دادة ياما وبلقمتي كمان.
ـ دعاء بصدمة وهي تلطم صدرها بقوة: يعني أيه.
ـ ناصر مقهورا: الست نشوى اللي عملت لي البحر طحينة، واشترطت علي لازم اخرب بيتي عشان ترضى بي، وفهمتني أني هاروح أغرف ريالات من هناك، [بذل] طلعت محتاجة محرم عشان تعرف تسافر، وواخدني معها عشان كده وبالمرة فلبينية تقعد بالواد ابنها من جوزها الأولاني، وبعد ماظبطت أمورها مع واحد كبير قوي في المستشفى نقلها فرع دبي، وهناك بقى مليش لازمة، ورجالته اجبروني اطلقها ورحلوني.
ـ دعاء منصدمة: بنت الكلب، ياما نصحتك يا ناصر، وأدي النتيجة بعد ما كان لك عيلة بيت مفتوح، أدي أخرتها.
ـ ناصر واثقا: وهو البيت والعيلة رحوا فين يعني، مهم موجودين.
ـ دعاء قلقة: طيب هو أنت تعرف مكانهم.
ـ ناصر بخبث: لو مش عارف مكان البيت دلوقتي، فبكرة الصبح هاروح لها الشغل.
ـ دعاء بشك: وهي هترضى ترجع لك.
ـ ناصر هازئا: ليه هو أنا رايح استأذنها، [بخبث] لو مجاتش بمزاجها، تيجي ورا عيالها، أصل مش أنا اللي اسيب عيالي لواحدة ست تربيهم.
****************************
ببيت سيف
تتحرك ندى تتهادى بصعوبة، فهي بأخر أيام حملها، فيهم سيف إليها لمعاونتها بالجلوس بجواره.
ـ سيف عاتبة: حرام عليكي يا ندى، أنت تعبانة والدكتورة مانعة الحركة، وأنت مش راحمة نفسك.
ـ ندى مبتسمة: ويعني أنا بأعمل أيه ما أنت صممت وجيبت أم شوقي، وهي اللي شايلة البيت كله.
ـ سيف بحب: أيوه يا قلبي، بس أنت مصرة أنك تخدمي ماما بنفسك وده مجهود عليكي، خلي أم شوقي هي اللي تدخل لها اليومين دول.
ـ ندى مستنكرة: لا طبعا، أنت ناسي أول ما حنان سافرت مع جوزها، كانت محرجة مني قد أيه، وأنا ما صدقت أنها بقيت ما بتتكسيفش مني، لو حد تاني خد باله منها هتضايق، وتفتكر نفسها تقيلة.
ـ سيف مشفقا: ما أنت هتخرجي من الولادة على والدتك، وبرضه أم شوقي هتخدمها.
ـ ندى متحمسة: لا خلاص أنا أقنعت ماما هي اللي تيجي تقعد معي.
ـ سيف مستنكرا: أزاي بس يا ندى، دي دخلة ليلى أخر الشهر ده، وده تقريبا وقت ولادتك.
ـ ندى هادئة: متقلقش أنا موضبة كل حاجة مع ماما، هي وليلى هيجوا وهيفضلوا معانا لحد تلات أيام قبل الفرح، وبعدين يرجعوا البلد وماما هتجيني بعد الدخلة بيومين.
ـ سيف مستنكرا: لا طبعا ما يصحش.
ـ ندى موضحة: هو أيه اللي ميصحش، هما مش هيعملوا حاجة أم شوقي شايلة البيت هما هيبقوا جنبي، وماما شوق، أنت اللي هتخدمها لحد ما أقف على رجلي تاني .
ـ سيف مستاءا: بعدين ليلى تزعل وتحس أنك سرقتي منها مامتها في وقت زي ده.
ـ ندى واثقة: لا طبعا، أولا أنت عارف هما بيحبوا ماما شوق قد أيه، وكانوا زعلانين عليها جدا لما تعبت[بصدق] حتى ماما اتحايلت علينا نسيبها براحتها بالبلد وهي هتشيلها بعنيها، بس احنا اللي صممنا ناخدها.
ـ سيف ممتنا: عشان أنتم ولاد أصل، وخالتي نادية الحنية كلها وأنتم طلعين لها.
ـ ندى مشاكسة: وبعدين ماما شوق مرات عم العريس ولازم ليلى تعاملني على أني سلفيتها الكبيرة، وخصوصا أن حماتها خطبتها عشان تقلد ماما شوق زي ما بتقلدها في كل حاجة.
ـ سيف معتزا بزوجته وأخلاقها: مرات عمي طلبت أيد ليلى عشان غارت من كلام ماما عليكي، وأنها ماشفتش في تربيتكم وأخلاقكم.
ـ ندى خجلة: تسلم لي ماما شوق، وابن ماما شوق.
ـ سيف بحب وهو يداعب بطنها بيديه: وتسلم لي الغالية، أم الغالي.
****************************
صباحا بأحد المصالح الحكومية.
جلست نهى تمارس عملها باهتمام، وتشتت انتباهها للحظات وقد أستمعت لصوت لتلك الخطوات الغاضبة، التي لطالما انتظرتها ولكنها لم تعود أبدا، لترتجف بتوتر وهي تستمع لتلك الأنفاس الغاضبة التي تكاد تحرقها بعدما توقفت تلك الخطوات بمواجهتها مباشرة، لترفع رأسها ببطء ليصدق حدسها وهي تتطلع باضطراب لتلك الأعين المشتعلة.
ـ نهى بصدمة: ناصر.
ـ ناصر واثقا وقد طمأنته صدمتها واضطرابها: مفاجأة مش كده، أيه الهانم كانت فاكرة أني مش هاعرف أوصلها.
ـ نهى ضاحكة بتهكم وقد خرجت من صدمتها متذكرة كل ما فعله بها: ده على أساس أنك كده شبح وجيبتني من بوق الأسد، أنا في شغلي يا ناصر، يعني لو عايزة اختفي، أكيد ما كنتش هبقى هنا.
ـ ناصر وقد اربكته جرأتها التي يراها لأول مرة: وكنت هتختفي أزاي بقى يا قطة، وتاكلي منين.
ـ نهى متحدية: لا متقلقش، هو أنت متعرفش أني بقيت مليونيرة، [هازئة] وحتى من غير ورث أنا ميتخافش علي، باعرف اتصرف، ياما أكلت نفسي وغيري كمان.
ـ ناصر ثائرا باندفاع: أكلتي مين يا بنت الكلب يا رمة، أنت نسيتي نفسك.
ـ نهى بهمس وهي تتطلع حولها بقلق ملاحظتا تحفز زملاءها بعد انتباههم لما يدور: أنت اللي ناسي أنت فين، أنت في مصلحة حكومية، واللي بتعمله ده يعتبر تعدي على موظف أثناء تأدية وظيفته.
ـ ناصر متهكما: لا خوفتيني.
ـ نهى صارمة: من خاف سلم، مش هو ده برضه مبدأك اللي فرضته علي طول عمري.
ـ ناصر متهورا وهو يقترب ليمسك بحجابها: بس ما اتعلمتيش كويس، ومحتاجة تندقي على دماغك زي زمان، عشان تحفظي الدرس المرة دي.
لما يكد يصل إليها حتى فوجئ بالعديد من الرجال يحيلوا بينهما ويشلوا حركته.
ـ ناصر بسوقية: محدش يدخل، مراتي وهربانة ومحتاجة تتربى.
ـ نهى بسرعة: كداب احنا مطلقين من يجي أربع سنين وأنت اتجوزت وعيشت حياتك.
ـ ناصر محاولا التماسك وتجاوز صدمته، وهو الذي توقع انهيارها بمجرد اقترابه منها، لا مجابهته وتكذيبه أمام الجميع: أيوه بس واخدة ولادي وحرماني أشوفهم.
ـ سيدة وقورة وهي تحتضن نهى الباكية حرجا من تلك الفضيحة التي أحدثها لها بمكان عملها: هو أنت ناصر طليقها.
ـ ناصر بقوة: أيوه أنا، أنا أبو أدم وأدهم اللي الهانم خاطفهم وحرماني منهم.
ـ السيدة ساخرة: وأنت كنت هاتشوفهم أزاي وأنت مسافر، وبعدين خاطفهم وحارمك منهم وبتيجي شغلها كل يوم عادي، مجيتش هنا من الأول ليه.
ـ ناصر مرتبكا وهو يحاول الإفلات من ممسكيه: هو أنت المحامية بتاعتها.
ـ السيدة حاسمة: لا أنا مديريتها، وأنا اللي هاعرفك أزاي تتهجم على الإدارة بتاعتي بالشكل ده، ومباقش مدام نهلة مرات اللوا المسيري، أن ماوريتك المحامية دي ممكن تعمل أيه وتوقفك عند حدك أزاي.
ـ ناصر متراجعا وقد أصابه الذعر: يعني، هي تحرمني من ولادي، وحضرتك كمان بتنصريها علي، بدل ما تعرفيها غلطها وأني ابن عمها قبل ما أكون أبو عيالها.
ـ نهلة باحتقار: وأنت معملتش حساب ده كله ليه، لما راميتها وحالتها حالة، ده احنا مصدقنا أنها فاقت ورجعت لحياتها، أنت اللي زيك لازم على الرجالة غلط.
لم يجرؤ على مجابهتها والرد عليها بعد معرفته بمكانتها فاتجه بانظار راجية مستعطفة، تجاه ذبيحته التي طالما استمتع بكسرها.
****************************
بشقة نهى الجديدة
جلست نهى تبكي باحضان سلمى، بينما طفليها يلهوان بصحبة ابني الأخيرة بغرفة مجاورة.
ـ نهى بنحيب: مش هاين عليه يسيبني في حالي، مستخسر في أني أعيش بكرامة وسط الناس؛ جه وفضحني في شغلي.
ـ سلمى مواسية وهي تشدد من احتضانها: مفيش فضايح ولا حاجة، كل اللي في الشغل عارفينك من زمن، وهما اللي وقفوا جنبك في موضوع القرض.
ـ نهى بضعف: عرفوا أنه سابني، بس محدش شافه وهو بيمد أيده علي، حاسة أنا مش هاقدر أروح الشغل تاني ولا أرفع عيني في حد منهم.
ـ سلمى مستنكرة: أيه اللي بتقوليه ده، أزاي تسمحي أنك تضيعي تعبك كله عشان بني أدم زي ده، أنت كلها سنة ونص وتتخرجي ويبقى معكي بكالوريس تجارة، ووضعك في الشغل هيتحسن كتير.
ـ نهى بخفوت: مش عارفة حاسة أني متلخبطة، وجزء مني لسه بيخاف منه.
ـ سلمى مشجعة: خايفة من أيه بس، جوز مدام نهلة بعت بوكس ياخده وهو كان ناقص يبوس أيدك عشان تخليهم يسيبوه، وأنت اترجتي مدام نهلة أنها تكتفي بمحضر عدم تعرض، يبقى هو اللي المفروض يخاف مش أنت.
ـ نهى متلعثمة: يمكن عشان أتعودت دايما أني أخاف منه.
ـ سلمى حازمة:كان زمان يا نهى، أنت دلوقتي مش ضعيفة ولا تحت رحمته، [بشك] أوعي تكوني لسه بتحبيه.
ـ نهى مستنكرة: حب أيه بس يا سلمى، مش لما أكون حبيته من الأول.
ـ سلمى قلقة: يعني أنت فعلا مفيش مشاعر من نحيته في قلبك.
ـ نهى شاردة: أنا عمري ما عرفت أحدد مشاعري ناحيته زمان كنت بابقى مرعوبة منه بس باحب ابقى معه، ولو رضي عني بأحس أني ملكت الدنيا بحالها، [زافرة بحزن] وبعد ما سابني عمري ما زعلت منه، وكنت حاسة أني أنا اللي ماقدرتش املا عنيه.
ـ سلمى متعاطفة: بعد كل اللي عمله.
ـ نهى منكسرة: أنا زمان وقتها افكاري كانت مشوشة ومش طبيعية، كنت عايزه يرجع لي بأي تمن، كنت بافضل قاعدة مكاني كل اللي مستنيه، أني يرجع لي.
ـ سلمى متحفزة: وأهو رجع.
ـ نهى زافرة بضيق: بس أنا مبقيتش مستنياه، يمكن لحد امبارح من وقت والتاني كنت بافتكره، وأسأل لنفسي احساسي هيبقى أزاي لو لاقيته قدامي بس الغريب أني أول ما شفته، كل احساس طيب ناحيته اتبخر، أول ما شوفته حسيت قد أيه كنت غبية، ازاي كنت شايفه في يوم راجل [بسخرية متذكرة تعاليمه ببداية الزيارة] خصوصا وهو جي بنفس الجبروت، وبعدين احتقرته لما كان بيعيط من الخوف بعد ما كان مسترجل علي، وهو فاكرني نهى القديمة المكسورة .
ـ سلمى بارتياح: يبقى تنسي الهم ده كله وتركزي في مستقبلك ومذكرتك.
ـ نهى مشاكسة: طبعا أنت مش شايلة هم مذاكرة، ما أنت صممتي تدخلي أرشاد سياحي عشان عندك مدرس خاص.
ـ سلمى ضاحكة وهي تصنع تعبيرات ولهة: مش هاخانقك زي كل مرة، لو هتفوقي علي فأنا موافقة المهم، تفوقي وترجع لك ضحكتك الحلوة.
ـ نهى بابتسامة حزينة: ربنا يخليكي لي وما يحرمني منك أبدا.
ـ سلمى مهتمة وهي تنظر للباب المغلق بتوجس: أنت هتقولي للولاد أنه رجع.
ـ نهى حزينة: أقول لهم أيه، أنه كان جي واخدهم حجة عشان يتحكم في تاني، وأول ماعرفش جري من غير ما يطمن عليهم، ولا يطلب يشوفهم، أو يعرف مكانهم حتى.
ـ سلمى بابتسامة مشجعة: ربنا يخليكي ليهم ويقدرك على تربيتهم.
ـ نهى مترجية: أمين يارب العالمين.
ـ سلمى مترددة: هو اللي حصل ده ممكن يخليكي تغيري موقفك من موضوع زميلك اللي متقدملك.
ـ نهى ساخرة: ده على بمبدأ المستجير من الرمضاء بالنار ، يعني اللي تخاف من راجل تتحمى في راجل تاني، من غير ماتكون متأكدة هيكون لها حماية ولا هتدور على حد يحميها منه هو كمان.
ـ سلمى منزعجة: يعني أيه، هتوقفي حياتك على تجربة فاشلة.
ـ نهى مبتسمة: مين قال أن حياتي واقفة، أنا سعادتي بالتغيير اللي حصل لولادي عندي بالدنيا كلها، وكمان مبدأ الجواز نفسه مش مرفوض، المرفوض أني اتجوز والسلام، لكن أنا عشان اتجوز لازم الراجل اللي أحس أني هاكمل بوجوده، أني أقدر أحس أني في حماه وتحت حمايته وقبلها حنانه، [بحماس وهي تضغط على الحروف] رجل أحس أنه سند.
تمت
SHETOS
SHETOS
تعليقات



×