رواية سند الحلقة الثالثة عشر

رواية سند
الحلقة الثالثة عشر
بعد عدة أيام
كانت سلمى تتحرك بهمة تعد الشقة كما تعد عدة أصناف من الطعام، بينما سليم يراقبها بحب وعلى وجهه ابتسامة خبيثة، ينتظر الفرصة ليدلي لها بما يفكر به وكأنه أمر طبيعي.
ـ سليم بصوت متحشرج محاولا تجاذب الحديث واصلا لهدفه: معلش يا سلمى تعبتك معي، بس أنت اللي صممتي أنهم ينزلوا عندنا.
ـ سلمى مرحبة: الدكتور سيف خيره علينا، والحاجة شوق ياما جاملتك، يبقى ما يصحش يوم ما تنزل تكشف يومين، تروح فندق، وهي أصلا مش هتعرف ترتاح هناك.
ـ سليم متحمسا: كلك واجب يا ساسو، [متجانبا النظر نحوها وبنبرة حاول أن تخرج تلقائية وكأنه أمر بديهي] أنت شيلتي حاجتنا من الدولاب دخلتيها أوضة النوم.
ـ سلمى حائرة: ليه
ـ سليم ببراءة ظاهرية وهو يراقب رد فعلها بينما ضربات قلبه تدوي خوفا من رفضها: يعني الست عارفة أننا متجوزين، و الطبيعي أننا ننام في أوضة النوم وهي وبنتها في أوضة اللي بسريرين، خصوصا أن حنان أخته حامل والحاجة تعبانة وكل واحدة فيهم محتاجة تاخد راحتها.
قلق عندما لاحظ توترها وشحوب وجهها، وخشى من رفضها.
ـ سليم بسرعة محاولا تخفيف وطأة الأمر عليها: عادي يعني يا سلمى، ما احنا كده كده بنام في أوضة واحدة، وسبق كمان ونمنا في أوضة زي دي في الفندق.
ـ سلمى بخفوت وحروف متلعثمة وقد اختفت وجهها من مجرد الفكرة رغم صوابها: عندك حق، هاخلص اللي في إيدي وأنقل حاجتنا.
كتم سعادته بموافقتها قدر الإمكان حتى لا تشك بنواياه، وحاول التلهي بمساعدتها قدر استطاعته، حتى آتى ضيوفهما واستقبلهما على خير وجه، لينصرف سيف لعمله تاركا والدته وشقيقته بضيافتهما.
كان جالسا بجوار التلفاز ولكن كل حواسه مع صوتها الصادر من غرفتهما وهي تحادث والدة صديقه وشقيقته، كانت ضحكاتها التي تصله من آن لأخر أنامل رقيقة تعزف على أوتار قلبه، حتى وصلت لأذنيه تلك الكلمات التي ظل ينتظرها بشغف وتوتر بآن واحد.
ـ سلمى مستأذنة بود: طيب يا جماعة، اسيبكم بقى ترتاحوا، تصبحوا على خير.
زفر بقوة وهي تخرج اليه بابتسامتها الجذابة التي أصبحت زاده بالحياة.
ـ سلمى بابتسامة متوترة كطفلة صغيرة تذهب للمدرسة لأول مرة يخالط ترقبها خوفها: اتأخرت عليك؟
ـ سليم مضطربا لا يصدق بأنه سيتم بجوارها بعد أن عذبته صورتها بالمرآة لشهور: لا أبدا، بس أنت اللي لازم ترتاحي، أنا تعبتك قوي النهاردة.
ـ سلمى مبتسمة: ولا يهمك، تعبك راحة.
ـ سليم متوترا وراجيا: ربنا يخليكي لي وما يحرمنيش منك أبدا.
ـ سلمى خجلة وبصوت مرتعش: شكرا، يالا ننام.
ـ سليم مرطبا شفاهه بلسانه توترا: يالا، دقايق وجي وراكي.
ابتسمت له وهي تسبقه لغرفة والده، فلا يصح أن يظل بمكانه بوجود ضيفتهما، التقط أنفاسه التي حبسها وهو يتسائل عن رد فعلها عما ينتويه.
ـ سلمى من الغرفة متوتر: جاي يا سليم.
انتزعه صوتها الرقيق من شروده بها، ليتجه للغرفة متوترا.
ـ سلمى باعتذار مبررة له استعمالها إياه حتى لا يفسره بشكل خاطئ: أنا أسفة لو عايز التليفزيون أدخله لك هنا، بس عشان لو واحدة فيهم حبت تستخدم الحمام ما يتحرجش.
ـ سليم مضطربا: عندك حق، أنا كمان عايز أنام.
ـ سلمى بحرج وهي تستلقى منكمشة على نفسها بطرف الفراش البعيد: تصبح على خير.
ـ سليم متوترا وهو يتطلع لاستلقاءها لتزداد مخيلته اشتعالا: وأنت من أهله.
تحرك بكرسيه حتى جاور الفراش وقام بتحويله لوضع النوم لتظنه سينام عليه كما كانا ينامان في الفندق ولكن لصدمتها وجدته يتقلب بحسده دافعا نفسه بجهد حتى انتقل لجوارها.
ـ سلمى متوترة وهي تنتفض جالسة: أيه ده هو فيه أيه.
ـ سليم بدهشة مصطنعة مدعيا عدم فهم سبب توترها: في أيه في أيه.
ـ سلمى متلعثمة وهي تنكمش على نفسها بخجل: أنت هتنام جنبي.
ـ سليم ضاغطا على حروفه كلماته وكأنه يؤكدها لنفسه قبل أن يؤكدها لها: عادي يا سلمى أنا جوزك.
ـ سلمى مضطربة: أيوه بس..[وهي تهم بالتحرك من جواره] طيب خلاص لو الكرسي بيضايقك في النوم هنام أنا عليه.
قبض على ذراعها بقوة منعتها من التحرك.
ـ سليم مصرا وهو ينظر بعينيها بثبات: محدش هينام على الكرسي أنت مراتي ومكانك الطبيعي جنبي فاهمة.
لم يدع لها مجالا للرفض أو القبول فقد انهى كلامه بتقبيله لوجنتها بحب، قبلة تمنى لو طالت، ولكنها كانت خاطفة وسريعة بسبب تخوفه من نفورها منه فتركها متطلعا لها باحثا عنه بين عينيه ولكنه لم يجد سوى صدمتها وخجلها.
ـ سليم متنحنحا محاولا استعادة ثباته: تصبحي على خير.
لاحظ خروجها من صدمتها على صوته ومحاولاتها التحرك من جواره، فأحكم يده على خصرها مثبتا أياها بجواره.
ـ سليم حازما: نامي يا سلمى.
رفعت وجهها تهم بالاعتراض ولكن اصمتتها تلك النظرات الغامضة بعينيه، وارتباكها من يده المحيطة بخصرها بتملك، فاكتفت بفك حصار يده لتنام منكمشة باقصى طرفها من الفراش دافنة وجهها بالوسادة، ليلاحظ هو أرتجافها لوقت طويل رغم تظاهرها بالنوم، ليهمس باسمها عدة مرات بعدما سكنت حركتها ليسحبها لحضنه برفق، حتى صارت باحضانه ليقبلها قبلة رقيقة على شفتيها، ليبتعد عنها بعدها زافرا بحنق وهو يلعن عجزه الذي حرمه من أن يعبر لها على رغبته باتمام زواجهما، صحيح أنه متأكد جدا من أن شلله لا يؤثر على قدرته تلك كما أخبره طبيبه سابقا، ولكنه بسبب ظروفه يحتاج لتجاوبها بل ومباردتها أيضا، وهو ما تأكد من استحالته حاليا فهي قد صدمت بنومهما متجاوران فكيف ينتظر منها تجاوبا ومساندة فيما يرغب، ورغم أحباطه وعذابه الحالي الا أنه تولد لديه أمل فهي لم تنفر منه بل وأطاعته ونامت بجواره رغم خجلها المفرط، وقد صمم أنه لا تراجع في علاقتهما بعد الأن، قد يعطيها بعض الوقت لتعتاد قربه ولكن لا بعد ثانية.
ظل يراقبها طوال الليل متأملا بملامحها الفاتنة، يتمنى أن تتقبل علاقاتهما سريعا، فلن يستطيع تحمل عذاب قربها البعيد كثيرا، خاصة وقد ذاق بعض من نعيم قربها، فماذا أن نهل منه حتى أرتوى، انتشى من مجرد الفكرة فزاد شوقه لوصالها، لينتزعه من شروده صوتها الخجل وهي تحاول الخروج من بين ذراعيه.
ـ سلمى بخفوت وقد استيقظت لتجد نفسها باحضانه، شاردة بتأملها: صباح الخير.
نظر اليها فرأى توترها بين يديه وتهرب عينيها من النظر اليه، فمال عليها يقبل وجنتها بتمهل.
ـ سليم زافرا بلوعة: صباح الجمال.
ـ سلمى مرتبكة بوجه محتقن: أنا هاقوم أحضر الفطار عشان الجماعة.
ـ سليم مبتسما: وأنا هنام عشان منمتش طول الليل وكمان عشان الجماعة يبقوا براحتهم، وصحيني قبل ما سيف يجي على الغدا.
ـ سلمى وهي تهرب من احضانه مهرولة لخارج الغرفة: حاضر.
****************************
حبست نفسها بالمطبخ متعللة بتحضير الطعام، بينما هي تحاول استجماع روحها المشتتة لا تعلم ما بها، تنتابها أحاسيس عدة متخبطة تخجل من مواجهة الحاجة شوق وابنتها وكأنهما شاهدتان على تقبيله لها، تخجل وترهب من رؤيته لا تعلم ما أصابه ولما يتصرف بتلك الطريقة، لا تستطيع انكار تأثرها بقربه، فبرغم زواجها السابق ألا ، أنها لما تشعر أبدا بما شعرت به بقربه، الذي حرك الأنثى بداخلها لتجد نفسها تفكر بما كانت تنفر منه سابقا، ليهاجمها فاجأة شعور بالذنب وتأنيب الضمير، لأفكارها تلك، و هي لا تعلم عن أمر ابنها شيئا، وكيف تشتاق لحضن رجل وقد حرمت حضن ابنها وحرم هو حنانها، سيطر عليها ذلك الأحساس الأخير فانتابها التوتر وصارت تتحرك بلا انتبه حتى كادت أن تصاب أكثر من مرة جراء شرودها أثناء استخدام المعدات الحادة، فحاولت طرد جميع أفكارها والتركيز على ما تقوم به لتكرم ضيوفها كما يجب.
*****************************
بعد عدة ساعات وبعدما علمت من ضيوفها بقرب قدوم الدكتور سيف، دخلت لغرفته بتردد، لتقف بقرب الباب محاولة ايقاظه.
ـ سلمى بنبرة مرتعشة وقد عاد لها نشأتها بدخولها لتلك الغرفة ثانية: سليم، سليم.
لم يصدر عنه أي فعل يدل على استيقاظه، فاضطرت للاقتراب عدة خطوات مع رفع نبرة صوتها، لكن دون جدوى، فاقتربت مربتة على كتفه برقة، لتفاجأة به وقد استيقظ فجأة قابضا على يدها المربتة عليها بيد بينما يده الأخرى تجذبها اليه، لتكن قبلته السريعة تلك المرة من نصيب شفتيها.
ـ سليم ملتقطا انفاسه منتشيا: صباح الفل.
ـ سلمى متظاهرة بالشجاعة رغم تخبطها الداخلي مابين الرضا والإنكار: هو فيه أيه يا سليم ما ينفعش كده.
ـ سليم مشاكسا: هو أيه اللي ما ينفعش، واحد وبيصبح على مراته
ـ سلمى بتسرع: ما أنت صبحت الصبح.
ـ سليم مشاكسا وهو يرى خجلها وندمها على ما تفوهت به: وكل ما أنام واصحى أو أنت تنامي هاصبح، واعملي حسابك أنا باقلق كتير وأنا نايم.
ـ سلمى متبرمة وهي تدفعه بعيدا عنها بخجل: هو أيه أصله ده، هو أيه اللي جرى له.
ـ سليم بجدية زائفة: علي صوتك، بتبرطمي ليه.
ـ سلمى حانقة متسائلة بداخلها عما اصابه استبدل بهذا الشكل: مش ببرطم باقولك دكتور سيف على وصول.
ـ سليم مبتسما بمشاكسة: أوك خلاص هاقوم عقبال ما تتأكدي أن مفيش حد في الحمام.
ـ سلمى متمتمة وهي تهرول محاولة التخلص من سحر نظراته: حاضر.
ـ سليم بخفوت: سلمى.
ـ سلمى ملتفتة اليه بخجل: نعم.
ـ سليم بهمس وهو يلقى لها بقبلة عبر الهواء: صباح السعادة.
ابتعدت مهرولة خشية ان يعيد الكرة، لتخرج من الغرفة مصحوبة بضحكاته المنتشية.
***************************
على الغداء
كان الجميع يمتدح الطعام وحسن ضيافتها وكانت ترد عليهم بابتسامة لطيفة وعبارات مجاملة، ورغم محاولتها للتماسك والتظاهر بالثبات الا أنه لم يغفل عن توترها وارتجافة جسدها خاصة عند حدوث أي تلامس عارضي بينهما مما أشعره بالسعادة لتأثيره عليها، واستجابة جسدها للمساته مهما حاولت السيطرة عليه ليزداد أمله في أن تحقيق ما تصبو إليه نفسه.
ـ سيف شاكرا وهو يأكل مستمتعة بالمذاق: بجد مش ممكن الأكل تحفة.
ـ سلمى خجلة: بألف هنا يا دكتور.
ـ الحاجة شوق بحب وهي تنظر سلمى بتقدير: مش نفسها في الأكل هو بس اللي حلو، كمان روحها وقلبها ملهومش زي.
ـ حنان مؤكدة: أه والله يا ماما، أنا حاسة أني عارفها من سنين مش من امبارح بس.
ـ سيف ممازحا وهو ينظر لسليم مشاكسا: عشان بس تعرفوا ذوقي، سلمى دي هديتي لسليم.
ـ شوق بسرعة: طيب مش كنت نقيت لنفسك حاجة حلوة زيها.
ـ سليم بغيرة وهو يرفع يده محيطات كتفي سلمى بتملك: ما هو نقى، وربنا هيكرمه بإذن الله، وبعدين مش مهم مين هدى مين لمين، كل واحد من يوم ما بيتولد بيتكتب له نصيبه، وسلمى نصيبي.
ـ سلمى محاولة تغيير مجرى الحديث وقد تخضب وجهها خجلا: المهم الدكتور قالك أيه يا ماما.
ـ شوق ساخطة: أهو كلامه ملخبط وكل لما أسأله على حاجة يقولي لما نتيجة التحاليل والاشعة تظهر، أنا مليش صالح بكلامه ده، أنا هاعمل باقي التحاليل بكرة وأرجع بيتي وسيف بقى ياخد له التحاليل لما تظهر ويشوف هيقول أيه.
ـ سلمى معاتبة: ليه بس يا ماما، زهقتي مننا بالسرعة دي.
ـ شوق بود وقد عادت لها ابتسامتها: أنت ما يتشبعش منك أبدا، بس أنا مربية حاجات ياما ودي أرواح متعلقة في رقبتي، أه أنا موصية جارتي عليهم تحط لهم الأكل بس برضه لازم أرجع لهم بسرعة، كل واحد وراه مشاغله.
ـ سيف متراجيا قلقا على وعنها الواضح: يومين بس يا ماما عشان نطمن عليكي.
ـ الحاجة شروق باصرار: لا يومين ولا ساعتين هاخرج من المعمل على بيتي.
ـ سليم معاتبا بود: كده يا حاجة، يعني للدرجة دي مضايقينك، حتى مش هتسلمي علينا.
ـ الحاجة شوق باصرار: معلش يا سليم بس أنت عارف أني لو علي ما كنتش جيت أصلا، بس أنا قولت أريح صاحبك، فياريت أنتم كمان تريحوني وتسيبوني براحتي.
ـ سلمى مترجية: طيب على الأقل ترجعي من المعامل تريحي شوية عقبال ما حنان تشتري حاجات البيبي اللي كانت بتقول عليها ونتغدى سوا وبعدين هنسيبك على راحتك.
ـ حنان مستعطفة: أه يا ماما، ماهو احنا مش بنيجي مصر كل يوم، يرضيكي النونو يزعل من تيتا.
ـ الحاجة شوق ضاحكة: كله إلا زعل النونو [باستسلام] خلاص عشان خاطرك يا سلمى هارجع نتغدى سوا ونمشي على أخر النهار.
ـ سلمى سعيدة: يسلم خاطرك يا ماما.
كانت تشعر بالارتياح فبرغم حبها لوالدة سيف وشقيقته، ألا أن رحيلهما يعني عودة الأمور لما كانت عليه، وعودتها للنوم بفراشها المنفرد، بعيدا عن قربه المهلك لمشاعرها المثير لمشاعر كامنة لم تدرك في خضم صراعاتها بوجودها من الأساس، انتبهت من شرودها على تنبيه صادر من هاتفها يعلمها بوصول رسالة من جهة ما، لتصدم برسالته تلك التي تكشف قراءته لخبايا نفسها {يمشوا يقعدوا، مش هاخرج من الجنة بعد ما دخلتها، مكانك في حضني وبس}، رفعت نظرها لمواجهته لترتبك لمرئ تلك الابتسامة الشغوف على فمه، ليزداد توترها وهي تراه يكتب رسالة أخرى سرعان ما وردها اشعار باستلامها لتجد فحواها {ولا هتحرميني من أني أصبح وأمسي براحتي} فغص فمها بما فيه بقوة ليلتهف قلبه عليها وتمتد يده تربت ظهره باهتمام تحت نظرات سيف السعيدة.
***************************
بغرفتهما بالمساء
دخلت للغرفة بحرج تقدم ساق وتأخر آخرى تحت نظراته المتفحصة
ـ سليم بخبث: مش هتنامي.
ـ سلمى مضطربة وهي تتطلع لجوانب الغرفة هربا من نظراته المسلطة عليها: أه شوية بس كده وهنام.
ـ سليم مهتما ومتعاطفا: طيب تعالي أفردي ضهرك، عقبال ما يجيلك نوم، أنت واقفة طول النهار.
ـ سلمى مندفعة وقد احتقن وجهها: لا نام أنت الأول، أنا مش تعبانة ومش عايزة أنام دلوقتي.
ـ سليم بخبث وقد فطن لما تفكر به: طيب ممكن كوباية ماية لو سمحتي.
تحركت باهتمام جالبة له طلبه لتفاجأ به يقبض على ذراعها بمجرد اقترابها منه، بينما يده الأخرى تحاصر خصرها.
ـ سليم مشاكسا وهو يضع الكوب بجواره دون أن يمسه: بس لو أنت مش عايزة تنامي، أنا عايز أنام، وميصحش أنام من غير ما أقولك تصبحي على خير.
حاولت التفوه باعتراض ما، ولكن كل ما صدر عنها هو شهقة ذهول، بعدما التفت يده حول خصرها رافعا اياها كريشة بلا وزن، حتى وضعها بحضنه برفق، لينال قبلته بثبات هذه المرة.
ـ سليم متمتما بنشوة: تصبحي علي خير، ولو مش جالك نوم هبقى هاقولها لك تاني لما تيجي تنامي.
انكمشت على نفسها بخجل تواليه ظهرها بينما تدفن راسها بين الوسائد.
ـ سلمى بصوت متحشرج: لا أنا هنام خلاص.
ـ سليم ضاحكا وقد داعب خجلها رجولته: تصبحي على خير.
كما الأمس ظل مستيقظا يراقبها طوال الليل، يعلم أنه سار بطريق بلا عودة، أما أن يمتلكها بالكامل أو يخسرها كاملا أيضا، ولكن لا حيلة له يتمنى أن تتقبل رغبته بها وتبادله أيها، أملا أن تبادله مشاعره نحوها بالمثل، معترفا رغم ضيقه بأن كونها قد سبق لها الزواج أن ذلك قد يساهم بأن تتفهم رغبته بسرعة وتتجاوب معه بجرأة أكثر من لو كانت بكرا، ورغم غيرته من أمر زواجها هذا ألا أنه يراه بصالحه بكل الجوانب، فكونها كانت متزوجة بكهل سيعوض ذلك أي قصور منه بسبب أعاقته، فبرغم كل ظروفه فهو شاب بكامل عنفوانه. فاق من شروده على همهماتها التي تصدرها لاستيقاظها توا، ليفتح عينيه وهو يدرك محاولتها للتسلل من جواره هروبا من تحية الصباح ظنا منها لنومه.
ـ سليم بصوت متحشرج وعيون لامعة: رايحة فين يا سلمى.
ـ سلمى بتلعثم: أنا هاقوم أحضر الفطار عشان الجماعة.
اقترب منها ببطء لتصدمها نظراته الراغبة، لتنتفض وهي تهرول بلا وعي لخارج الغرفة.
ليزفر بضيق صدر، لاعنا غباءه، وعجزه أن يلحق بها لينال تحية الصباح.
****************************
حمدت الله على نومه الصباح كله فقد انهكها قربه، ولا تريد أن تلاحظا ضيفتهما أي شيئ بينهما، انهمكت في إعداد الهدايا التي ستهديها لهما وقت إنصرافهما، حتى أنها لم تشعر بمرور الوقت حتى عودة شوق، بعدما انتهت من فحوصاتها الطبية، ليستيقظ هو على صوت ترحيبها بها.
ـ سلمى بترحيب واهتمام: حمد الله على السلامة، أخبار التحليل أيه، [بحيرة] امال فين حنان؟
ـ شوق بإستياء: أهو من مركز الإشاعة لمعمل التحاليل، اما طلعوا عيني، وست حنان ما صدقت أني خلصت وهتجنن وتجيب لبس المولود من مصر، خليت سيف يروح معها وطلب لي العربية اللي بالنت دي.
ـ سلمى بمحبة: ربنا يجعله بفايدة ويطمنا عليكي يا ست الكل، وربنا يسعدها وتفرحي بأولادها.
ـ شوق محبة: ربنا يفرحك ويسعد قلبك بالذرية الصالحة يارب.
توترت سلمى وحمدت الله على نومه، لا تعلم بذلك الذي انتفض قلبه عندما استمع لدعاء شوق، ليؤمن عليه بنفسه، وهو يرجو أن يستجيب الله لها، وترضى به معشوقته زوجا وابا لأبناءها.
ـ سلمى خجلة وقد مست الدعوة أمل خفي بداخلها لطالما قاومته: ربنا يخليكي لينا، ربنا يقوم حنان بالسلامة، وتفرحي بدكتور سيف وتشيلي أولادهم.
ـ شوق متلهفة: من بوقك لباب السما، [بآسى] اهي حنان ربنا يسعدها، كلها كام شهروتقوم بالسلامة بإذن الله، لكن المشكلة في سيف اللي مش عايز يريح قلبي ويفرحني.
ـ سلمى مندفعة: طيب ما تريحي قلبه، وتفرحينا كلنا، وتوافقي على البنت اللي بيحبها [معتذرة بندم] أنا أسفة أني اتدخلت بحاجة متخصنيش، بس والله ده من غلاوتك و غلاوة دكتور سيف عندنا.
اضطرب سيف بشدة عندما استمع لإندافعها، خوفا من خسرانه لصديقه العزيز، الذي أفشى سره بلحظة غيرة عمياء، ولكن هدأ بعد الشيئ؛ عندما استمع لرد شوق الهادئ الحنون.
ـ شوق بأمومة: ربنا يغلي مقدارك يا بنتي، والله ربنا حط معزتك في قلبي زي حنان بالظبط، ولا يمكن أزعل منك أبدا.
ـ سلمى مترددة وقد شجعها هدوء شوق على مناقشة الأمر: طيب ده يجرأني أسألك، هو حضرتك كل اعتراضك على العروسة الجهاز بس فعلا، ولا في اعتراض تاني لأي سبب.
ـ شوق مستنكرة: أعوذ بالله، أنا عندي ولايا، والبنت سمعتها زي الجنيه الدهب، وعمرنا ما سمعنا عنها حاجة وحشة.
ـ سلمى مندهشة برغم سابق علمها ولكنها تخيلت أن سليم تفهم الأمر بشكل خاطئ: يعني فعلا عندكم البنت ممكن متجوزش لأن أهلها مش بيقدروا يجيبوا جهاز بشكل المبالغ فيه ده.
ـ شوق مؤكدة: مش بلدنا احنا بس يا بنتي بلاد كتير أوي كده، وعوايد ولازم نحترمها.
ـ سلمى مستنكرة: بس لما العوايد تخالف شرع ربنا تبقى حرام.
ـ شوق مستاءة محركة يديها بعصبية: هو فين الحرام ده يا بنتي، دي عوايد وأصول، وكل واحد على قد توبه، ربنا يسهل لها بعيد عننا.
ـ سلمى مترفقة وقد فكنت بأن اللين والاقناع هو الأسلوب الأمثل مع سيدة بقوتها: طيب بعد أذنك ممكن تسمعيني، وهاكد لحضرتك أن العوايد دي ظالمة ومترضيش ربنا.
ـ شوق مستسلمة وقد استعانت لنبرة الرجاء بصوتها: قولي يابنتي.
ـ سلمى بود وأدب: ربنا الزم الراجل أنه يجهز بيته من كله، وكمان يدفع مهر للعروسة، وهي تيجي تنور بيته وتسعده وبس، لكن مع ظروف الشباب، أهل البنت اضطروا يساهموا في الجهاز، فمينفعش أن لما حد يتطوع يساعدنا في حاجة نحولها لإلزام وكمان نفتري عليه.
ـ شوق مستنكرة: أنا مفتريتش على حد، كل الناس لى دي الحال.
ـ سلمى بأدب محاولة امتصاص انفعالاتها: لا طبعا أنا مش بتكلم على حضرتك، أنا باتكلم على الناس اللي بتغلب العادة عن العبادة، ربنا وصانا على اليتيم والمساكين، وهما قهروا اليتيم وذلوا المسكين.
ـ شوق بلين: والله يا بنتي هي صعبانة علي، بس أنا مش بإيدي حاجة أعملها لها، دي الناس تاكل وشي لو اتجوزها ومتجهزتش جهاز عليه القيمة، وده مش جهاز أي حد، ده جهاز زينة شباب البلد.
ـ سلمى وهي تنهض لتجلس بملاصقتها: وعشان هو كده، وابن ست البلد كلها، لازم جوازته تبقى غير، لازم تبقى جوازة ترضي ربنا وتفرح قلبه، قبل ما تفرح الأهل و الأحبة.
ـ شوق باستنكار ونفور: أزاي بس يا بنتي، ده مش بس مش هتجهز، ده عديله هيبقى رجل محدش طايقه هو وأمه في البلد.
ـ سلمى متسائلة: ده عديله اللي أمها اتحبست في جهازهم.
ـ شوق موضحة: لا دوكها ابن ناس طيبين، لكن أختها الصغيرة بعد حبس أمها وبعد ما أتأكدت أن مفيش عرسان هتخطي عتبتهم تاني، وافقت تتخطب، لعيل كده أمه حرباية سبق وطفشت منه عروستين وكله بيتكلم عن جبروتها وأنه دلدول لها.
ـ سلمى متأثرة وقد احتبست الدموع بعينيها: طيب وده يرضي ربنا، أن بنت يكون قدامها يا تعنس يا توقع واقعة سودة عشان شوية هلاهيل واطباق كسر.
ـ شوق متأثرة تحمد الله على نعمه وقد تصورت ابنتها بنفس الوضع: والله يا بنتي مش ذنبي، أنا حتى قبل ما أختها تتخطب، فكرت اجهزها في الخفا جهاز يشرف وكأنها هي اللي جهزت، بس بعد النسب ده، الموضوع اتقفل من كله.
ـ سلمى منفعلة فلا ذنب لندى لزواج شقيقتها لتدفع ثمنه من حياتها كما دفعت هي عمرها كله ثمنا لزواج عمتها من سعد: طيب وهي ذنبها أيه، حتى لو الأنسان ده بقى عديله، هو هناك وهما هيعيشوا هنا، [محاولة استدرار عطفها] أنتم كده بتجبروها تتجوز جوازة سودة زي أختها، وبتحكموا عليها بالتعاسة هي وسيف، طبعا كتر خير حضرتك أنك فكرتي في أنك تجهزيها في السر، بس أنت تستهلي ثواب أكتر من كده بكتير.
ـ شوق حائرة: ثواب أيه ده!
ـ سلمى مخاطبة تدينها الذي لمسته بايام ضيافتها لها: ثواب السنة الحسنة، أنت مش بس هتاخدي ثواب عن ستر بنت زي دي، لا ده كمان لكي ثواب عن كل اللي يقلدك، البنت دي لو الدكتور اتجوزها وجهازها بشكل مشرف، لأن ده شرع ربنا، ممكن حد تاني ظروفه تسمح يتقدم لبنت زيها، خصوصا وهي اتجوزت زينة شباب البلد وابن ست البلد كلها.
ـ شوق مترددة مكبلة بعادات وتقاليد بالية ولكنها تراعي قيدها تخشى تمزيقه: بس الناس و كلامهم..
ـ سلمى مستعاطفة: وهو كلام الناس أهم من الأجر، ده غير الشر اللي هيبعد والخير الكتير اللي هيهل.
ـ شوق منزعجة: شر أيه و خير أيه؟
ـ سلمى بإغراء وترهيب: يعني هو الدكتور لو يأس من الجوازة دي وخطب بنت واحد من اساتذته هنا، وجابت الجهاز أن شالله من بلاد بره، بكره تبعده عن البلد وتستقل بناسها، ويمكن تقنعه يسافروا بره.
ـ شوق مذعورة وهي تلطم صدرها بقوة: يالهوي.
ـ سلمى بدهاء وقد لمست مخاوفها: وساعتها الجهاز مش يعوضك عن حرمانك من ابنك، لكن لو اتجوز اللي بيحبها، هتشالها لك جميلة، وتحطك في عينيها، ولو ماجتش البلد عشانك هتيجي لأهلها.
ـ شوق مفكرة: ماهو ممكن يتجوز من البلد برضو، واحدة تود أهلها، مش لازم يعني ندى.
ـ سلمى وهي تتحدث وكأنه افضراتها وقعت بالفعل: وتبقى عارفة أنه بيحب ندى، وتنكد عليه عيشته كل ما ينزل البلد عشان خايفة يقابلها، وبرضه تبعده عنك.
ـ شوق محدثة نفسها بصوت مسموع: أنا أزاي محسبتهاش كده قبل كده، وأنا اللي كان نفس يتجوز واحدة من بنات الكبارات، وعمري ما فكرت أنها ممكن تستعر من البلد وناسها.
انتقل سليم لكرسيه أثناء حديثهما مقتربا استعداد للتدخل لو أسأ تهورها لعلاقة صديقه بوالدته، ولكنه فوجئ بمدى ذكائها وإدارتها للحديث بهذا القدر من الدهاء، لتمتزج دهشته بالصدمة وهو يسمع باقي حديثها خاصة وقد ذكرته فيه بما لم تصدقه أذناه.
ـ سلمى بابتسامة تلقائية وهي تسترجع مواقفه الرجولية معها واستقرارها النفسي منذ زوجهما : وهتعمله أيه بنت الاكابر وهو مش عايزها، أنا جوزي الأولاني كان مليونير، وكنا ساكنين في فيلا، بس عمري ما عرفت معنى الراحة والأمان غير هنا مع سليم، [زافرة بارتياح] أنا عمري ما عشت أصلا غير لما عرفت سليم.
ـ شوق داعية: ربنا يسعدكم يابنتي وما يحرمكيش منه أبدا.
ـ سلمى مترجية بصدق وهي تتمنى أن يخمد صراعها الداخلي: آمين يارب.
لتصتدم عينيها بعينيه المحدقة بذهول مختلط بحب وشغف لا حدود لهما عبر فتحة باب غرفتهما، لترتبك من نظراته تلك وسمعه لها وهي تتحدث عنه بتلك الحميمية.
ـ سلمى مرتبكة وهي تهرول بعيدا عن مرمى بصره: ربنا يكتب له الخير، زمان حنان راجعة، هادخل أحضر الأكل.
ـ شروق بشرود: خير، بإذن الله خير.
****************************
ظل يراقبها وهو يرى حرصها على الا تتلاقى اعينهما أو تتلامس اجسادهما بأي شكل، ولكن ذلك لم يكن ليضايقه بل اعطى له الفرصة، للتفكير والهدوءو التصرف بحكمة دون أن يتهور فيثير خوفها أو نفورها، بعدما ثارت مشاعره تجاهها بعد سماعه لحديثها عنه، استمع للجميع بهدوء وحاول التفاعل معهم بقدر الامكان حتى حان موعد تبادل التحيات ثم الرحيل، ليلاحظ توترها وارتجافة جسدها الواضحة، حمد الله على عدم حضور سيف فلم يكن ليغفل عن تلك المؤشرات لكليهما.
حضر السائق واصطحب الحاجة وابنتهما ليبقيا وحيدين وسط تلك الشحنات التي يمتلئ بها جو الغرفة.
ـ سلمى بصوت متحشرج متهربة من البقاء معه بهذا الجو المشحون: أنا هادخل أشطب المطبخ قبل ما أنام.
ـ سليم مضطربا شاكرا تلك الفرصة لتجميع شتات نفسه: وأنا هادخل أريح على السرير، خلصي وتعالي جنبي.
وصل للفراش واستلقى ينتظرها، ولكن طال انتظاره وهو يستمع لتلك الاصوات التي تدل على فراغها من تنظيف الأواني والبدء بتنظيف الشقة، ثم السكون التام الذي يدل على فراغها من كل ما تتعلل به ومع ذلك لم تأتي.
ـ سليم مناديا: سلمى، سلمى.
ـ سلمى مضطربة شاعرة بأن اللحظات التالية ستكون فاصلة بحياتها: نعم يا سليم.
ـ سليم حاسما وقد أخذ قراره بهدم كل الحواجز بينهما: تعالي نامي يا سلمى، كفاية كده الدنيا بقيت زي الفل.
تحركت بتثاقل مقتربة من الفراش من الجهة الأخرى، لتستلقي منكمشة على نفسها، محاولة الا تقترب منه قدر الامكان.
ـ سليم بصوت متحشرج وهو يطالعها بشغف: سلمى.
ـ سلمى رافعة رأسها من فوق الوسادة: نعم.
ـ سليم واضعا يديه فوق كتيفيها مثبتا اياها بمواجهته: سلمى أنت مضايقة أنك عايشة معي، [أومات برأسها نفيا فازداد وجهه أقترابا وصوته انخفاضا] طيب أنت بتتضايقي لما باقرب منك ولا بتتكسفي، [أخفضت رأسها بحياء فكد يلامس وجهها وصار صوته اشبه بهمس حميم] أنا بحبك يا سلمى، بحبك قوي، مش قادر أستحمل بعدك أكتر من كده، أنا محتاجك قوي، [ازداد انكماشها وانخفاض رأسها وتسارع أنفاسها المتلاحقة، فأردف بتهور بصوت متهدج من الأثارة] سلمى أنا عايز نتمم جوازنا.
******************
ياترى سلمى هتوافق ولا هتكسر قلبه
***************
SHETOS
SHETOS
تعليقات



×