قصة صرخة يتيمه الحلقه الثالثه

قصة صرخة يتيمه الحلقه الثالثه

صرخة يتيمة الحلقه الثالثه
الطفلة صابرين بتاكل عيش وجبنة عند عبير في شقتها البايظة..
بتاكل في صمت، بتبص على الحيطان حواليها، وعلى السقف..
عبير بتفتح كرتونة، بتحط فيها علب شاي، وأكياس سكر، وكبريت، وكوبايات شاي صغيرة، وأبريق شاي كبير جنبها..
بتقفل الكرتونة، وبتروح ناحية ثقب كبير في الحيطة، بتشيل فيه مفاتيحها..
بتربط راسها بالإيشارب، زي ربطة الصنايعية، وبتحزم الكرتونة، وبتبص على صابرين..
_ خليكي في البيت هنا متروحيش أي مكان، الفرشة نضيفة أهي، هتنامي عليها وهتتغطي .. إياك تروحي هنا ولا هنا.
_ حاضر.
_ أنا هاجي كل ساعتين مرة أبص عليكي، أشوفك صحيتي ولا لسة..
_ انتي هتقفلي الباب عليا بالمفتاح يا طنط عبير؟
_ لا يا حبيبتي .. بس انتي تنامي ومتخرجيش.
_ حاضر.
   عبير أخدت الكرتونة وأبريق الشاي الفاضي، وخرجت، وقفلت الباب وراها قفل عادي..
(صابرين بتبص حواليها، طفلة صغيرة، في شقة غير مجهزة، ولوحدها، وست متعرفهاش، أول مرة تشوفها .. وقبل ما تقعد معاها ساعة، كانت الست أخدت حاجتها ونزلت)..
عيون بريئة بتبص ع المكان .. إيدين رقيقة بتغمس العيش البايت في الجبنة .. أسنان صغيرة بتمضغ الأكل اللي مش عايز يتبلع..
روح البنت بتتألم من الوحدة، ونفسها بتعاني من اليتم، وصدرها بيتنفس خوف ورعب وقلق وفقدان للشعور بالأمان..
ايه المفرش اللي هتنام عليه ده؟
ايه الحيطان اللي مليانة ثقوب دي اللي هتنام تحتها؟
المكان فيه صمت رهيب .. صمت يقلق راجل كبير..
التليفزيون شكله بايظ، مش هيعمل لها مصدر صوت تتسلى بوجوده، ولا صورة تتآنس بيها وهي بتتفرج عليه..
دي في زنزانة؟
أيوة فعلا .. الطفلة صابرين عايشة في زنزانة مقفولة عليها لوحدها..
أمها اللي في السجن عايشة مع مساجين حواليها، ومدير سجن بيحميها، وسجانات بيدوروا عليها، ومطبخ سجن بيجهزلها وجباتها، وستات بتشتغل في السجن تجيب لهاا لأكل..
اليوم مليان كلام، مليان حركة في سجن أمها..
بس هي!
هي في سجن انفرادي .. في عالم صامت .. عالم مليان أشباح .. عالم ساكن .. مفيهوش حركة .. مفيهوش دوشة .. مفيهوش كلام .. مفيهوش ناس..
كل الأطفال في سنها عايشين حياة مختلفة..
صابرين خلصت الأكل اللي قدامها..
حست بآلام في بطنها بسبب الجبنة الدكاكيني..
بدأ المغص يضغط عليها .. بكت زي أي طفلة بتتوجع من الألم..
قامت تجري ناحية الحمام..
مش عارفاه فين؟؟
بتدور عليها في الشقة اللي عاملة زي خرابات الزبالة..
شافت الحمام، مقفول بلوح خشب .. مش باب..
بتحاول تبعد لوح الخشب ..
وقعت بيه على الأرض..
قامت المسكينة تنفض هدومها .. ودخلت الحمام..
بدأت تعيط في الحمام .. صوت البكاء يسمعه أي حد في الشقة..
بس ياريت الشقة فيها ناس..
ايه الأسى اللي انتي فيه ده يا صابرين؟؟
الشقة النضيفة اللي فيها ناس، وفيها أطفال، وفيها خالك اللي بيحبك ويصرف عليكي ... مش مناسبة ليكي علشان مرات خالك إلهام المجرمة..
والشقة اللي مفيهاش حد بيضربك .. مفيهاش حد قاسي عليكي ... شقة قديمة .. خربانة .. مفيهاش ضروريات الحياة ... ومفيهاش ناس..
المسكينة طلعت من الحمام وهي بتبكي بصوت عالي .. بكاء لا إرادي .. غصب عنها..
هي كطفلة مش عارفة نفسها بتبكي البكاء ده كله ليه..
هل بتبكي من الألم؟
هل بتبكي من باب الحمام اللي وقع؟
هل بتبكي على أبوها اللي مات؟
هل بتبكي على أمها المحبوسة؟
هل بتبكي بسبب الوحدة في الشقة دي؟
هل مشاعرها كطفلة فاهمة يعني ايه الاحساس باليتم والوحدة والفقر وفقدان السند الحقيقي في الحياة؟
صابرين بتمشي ناحية المرتبة .. بتمسح دموعها بأطراف أكمام الهدوم اللي عليها.
نامت على المرتبة المفروشة على الأرض، وسحبت الغطا فوق منها..
عينها غمضت أخيرا بعد صراع ليلة مرعبة مع الكلاب والقطط والنوم على السلالم قدام شقة خالهاعبده.
نامت صابرين .. علشان ينام معاها الإحساس بالظلم والقهر والوحدة والأسى اللي عايشة معاها وجواها ... يمكن تعيش ساعة في نعيم الأحلام الوردية..
صابرين بتحلم حلم جديد .. حلم لذيذ .. حلم يونسها .. حلم يخفف عنها اللي بتشوفه.
شافت أبوها في المنام، بيخبط على بيت عبير ..
عبير بتفتح له الباب، بتفرح لما تشوفه، بتجري عليه وهي بتنادي على صابرين.
_ يا صابرين .. أبوكي رجع يا صابررررين.
صابرين بتقوم تجري على أبوها، وعبير بتبعد من قدامها علشان تفتح لها الطريق تنط لحضن أبوها.
صابرين بتحضن أبوها وتبوسه .. وهو بيسلم على عبير مبتسم..
عبير بتطبطب على كتف صابرين وبتشاور لها بإيديها.
_ باي يا صابرين..
_ باي يا طنط عبير..
أبو صابرين بياخدها ويمشي بيها، لحد ما يبوصل عند الميكروباص بتاعه اللي واقف في الشارع..
صابرين بترفس برجليها، مش عايزاه يركب الميكروباص.
_ لا لالا .. مش عايزين الميكروباص .. اأنا مش بحبه مش بحبه
_ ليه يا صابرين .. ده الميكروباص بتاعنا .. علشان نسوقه ونروح عند ماما نجيبها.
_ لالالالالا .. الميكروباص وحش .. انت كل مرة بتركب الميكروباص بتعمل حادثة وبتموت .. كل مرة كده .. لالالاللا..
_ متخافيش .. المرة دي مش هموت ..
ركبوا الميكروباص .. وانطلق بيهم بعيد، لحد ما وصلوا عند أول الشارع..
كانت أم صابرين واقفة منتظراهم، ركبت معاهم، وشالت صابرين على رجلها وهي بتحضنها..
_ بابا .. هو انت ليه كل مرة تموت .. وتسيبني عند إلهام تضربني.
_ متزعليش يا بابا .. المرة دي إلهام مش هتضربك .. علشان هنروح مكان بعيد منها، ومن خالو عبده .. وبعيد من كل الناس الوحشين.
_ هنروح فين؟
_ مكان فيه حاجات حلوة كتيرررر انتي بتحبيها.
_ ماما جاية معانا.
_ أيوة .. انتي هتروحي الأول .. وماما بعدك..
_ وانت هتروح فين؟
_ انا هستناكم في الجنة..
_ لالالالا .. تعالى معانا المكان الحلو
(صابرين بتبكي، وبتخبط أبوها على إيدها في الحلم على كتفه، علشان يروح معاهم)
من شدة ما بترفس بإيديها ورجلها في الحلم .. قامت صابرين من النوم..
صحيت المسكينة بعد ما خلص الحلم الجميل..
صحيت بعد ست ساعات من النوم المتواصل.. بتبص حواليها، تدور على أبوها.
_ يا بابا .. بابا .. رحت فين يا بابا..
(صابرين زعلت إن أبوها مش موجود، قعدت تبكي، وتضرب المخدة بإيدها ضربات متتالية، وهي بترفس بطفولتها البريئة)
_ اهو مشي تاني .. مشي تاني .. كل يوم يمشي تاني آآآآآء.
_ يا بابا ... يا بابا .. يا بابا
( صابرين هتنفجر من العياط في وحدتها)
_ يا طنط عبير تعالي .. يا طنط عبيررررر .. انا عايزة أمشي.
عبير في حتة بعيد عن الحارة، واقفة على طريق عمومي، عاملة ترابيزة صغيرة، وعليها بوتوجاز صغير، وأبريق الشاي الكبير مليان مية بتغلي..
وحواليها كوبايات الشاي، وبتعمل شاي ع الطريق، وبتبيع للعربيات اللي ماشية..
بتبيع للسواقين، والمغتربين، وعمال النظافة، وأي حد في الطريق بيحتاج شاي.
شاب في العشرينات جاي بيجري من بعيد..
_ يا عبير يا عبير .. شيلي الحاجات بتاعتك واجري من هنا.
_ ليه؟ حصل ايه؟
_ الراجل الرخم اللي اتخانقتي معاه امبارح الضهر.
_ ماله؟
_ نزل من مكتبه، وجاي بالعربية بتاعته، وفي اتنين عربية جيب حراسة ماشيين وراه.
_ يا نهار اسود .. طيب شيل معايا أنبوبة البوتوجاز دي، والسكر والشاي، واجري بينا.
_ أنبوبة ايه؟ هو احنا لسة هنفك الأنبوبة، يلا ناخد السكر والشاي بدل ما يرموه لنا في الشارع، وسيبي الأنبوبة مكانها.
(قبل ما يخلصوا كلامهم، كانت العربية السودة الفخمة، والعربيات اللي وراها وقفوا عند عبير بتاعت الشاي.. الشاب الصغير شافهم، وأخدها جري بعيد من المكان خالص)
 راجل مهندم نزل منها، باين عليه في أواخر الخمسينات.
_ بص يا باشا .. كله إلا أكل العيش يا باشا .. وحياة عيالك من غير أذى يا باشا.
(الراجل حط إيده في جيبه، وطلع مبلغ مالي كبير، وقدمه لها)
_ امسكي يا بنت.
_ ايه ده يا باشا؟
_ انتي بنت جدعة، واللي زيك هو اللي يستحق الدعم.
_ أنا مش فاهمة حاجة يا باشا.
_ مش شرط تفهمي .. خدي الفلوس دي، وكل شهر في نفس الميعاد ليكي زيهم.
(عبير بتبص له من فوق لتحت بنظرة استنكار)
_ والمقابل ايه يا باشا لا مؤاخذة؟
(الباشا بيزعق لها)
_ امسكي يا بنت بلا مقابل بلا زفت.
_ لازم أفهم.
_ دي دعم مشروعات صغيرة .. لأنك أجدع من شوية الشباب اللي بيقرفونا تسولات في إشارات المرور.
(الباشا رمى الفلوس على ترابيزة الشاي، وركب عربيته ومشي)
عبير بتبص على الفلوس، أخدتها، وحطتها في جبيها .. وكانت الفرحة هتفط من عينيها..

_ يا ما انت كريم يارب ...
(عبير افتكرت فجأة ان صابرين في البيت)
_ يا بنت المحظوظة يا صابرين .. انتي وش السعد والله يا بنت طليقي.
عبير شافت الشاب الصغير جاي من بعيد .. نادت عليه، وقالت له يوقف بدالها لحد آخر اليوم، ويخلص لها الشغل وهتدفع له اللي عايزه.

عبير أخدتها جري ع البيت، ودخلت لقت صابرين بتبكي، وحضنتها وفضلت تبوس فيها، وتهديها، وتقول لها مش هسيبك تاني، وانها هتخرج معاها باقي اليوم كله، تفسحها، وتجيب لها كل اللي نفسها فيه..
وكأن الحلم اللي شافته وحكى لها عنه أبوها هيتحقق
_ انتي وش الخير عليا، كأن ربنا باعت لك الفلوس يا بنت.
الحلقه الرابعه من هنا

SHETOS
SHETOS
تعليقات



×