رواية عشق يحيي الفصل الخامس عشر بقلم سلمي جاد
الصبح طلع على النيل...
نسمة خفيفة، صوت المياه حوالين اليخت، والجو كله هدوء ناعم.
ليلى فتحت عنيها الأول...
لقيت يحيى نايم جنبها، نفسه هادي، ملامحه مسترخيه٠
مدّت صباعها تلمس خدّه...
تمشي على خط دقنه الحاد...
تتأمل رسمة ملامحه كأنها بتحفظها.
لكن فجأة...
وهي لسه بتمسّد على وشه، سمعت صوته يقول بنعاس وضحكة خفيفة:
ـ ملامحي حلوة للدرجة دي؟
ليلى اتخضت...
سحبت إيدها بسرعة، لكن يحيى مسكه ايديها وقبلها بعشق
فتح عنيه ببطء وبصوت دافي:
ـ صباح الياسمين يا حبيبتي
هي ابتسمت بخجل:
ـ صباح النور.
قعدت على جنب وقالت بتوتر:
ـ إحنا... إزاي نامنا هنا؟! طنط منال أكيد هتقلق علينا عشان بيتنا برة القصر.
يحيى بص لها وهو مقرب وشه منها شوية:
ـ إنتي ما باتيش مع حد غريب...
سكت لحظة... وبعدين قال جملته اللي كسرت قلبها بدفاها:
ـ إنتي... مراتي.
الكلمة دخلت قلبها زي ضوء دافي.
ابتسمت من غير ما تقدر تخبي.
هو ضحك وقال:
ـ أول مرة أعرف إن كلمة "مراتي" بتبسطك كده.
هي ردت بصوت واطي، فيه خجل ناعم:
ـ علشان... دي أول مرة أحس إني فعلاً مراتك. قبل كده... مكانش الإحساس ده موجود.
يحيى وشه ارتخى بابتسامة راضية...
حس إن الكلام ده بيدخل جوّه ويلمسه.
قامت ليلى وقالت:
ـ لازم أروح الشركة النهاردة.
هو قام معاها وهو بيعدل هدومه:
ـ تمام... نقوم نلبس. وأنا هودّيك بنفسي.
ليلى:
ـ لا المفروض أروح القصر الأول ..أخد شاور وأغيّر هدومي
يحيى هز راسه:
ـ أوك... نرجع القصر نجهز ... وبعدها أوصلك.
بعد ساعة...
يحيى كان واقف قدام القصر بيتكلم في الموبايل، وزين واقف جنبه بيفتح العربية.
ـ زين:
"أنا كنت ف مشوار قريب من القصر... قلت أعدّي عليك ونروح سوا."
ـ يحيى وهو بيبص على ساعته:
"ماشي... بس المفروض كنت هوصل ليلى الأول."
زين :
" مفيش مشكلة، نوصلّها وبعدين نروح على شغلنا."
يحيى :
"تمام."
ليلى نزلت من الجناح بتقول ليحيى إنها جاهزة، وأضافت:
"وكملت ضحى ناخدها في طريقنا ."
يحيى هز راسه وقال و:
"زين هو اللي هيودينا."
ليلى وقفت لحظة... فكرت... نظرة سريعة في الأرض... وبعدين قالت:
"تمام... زي ما تحب."
زين كان واقف جنب العربية، أول ما شاف يحيى وليلى فتح الباب.
ليلى طلعت تقعد ورا...
وفجأة يحيى لف وفتح الباب وقعد جنبها.
زين بص له باندهاش:
" إيه يا ابني؟ مش هتقعد قدّام ولا إيه؟"
يحيى بكل برود الدنيا وحاوط ليلى بدراعه:
"عايز أقعد جنب مراتي."
زين ضحك ورفع إيده لفوق:
"اللهم يسهّلك... ارزقنا يارب."
يحيى بصله بنظرة جانبية، وقال جوّه نفسه:
"هيرزق إن شاء الله."
زين:
"بتقول إيه؟"
يحيى بسرعة:
"ولا حاجة. اسمع... هنعدّي على بيت ضحى صاحبة ليلى نخدها."
زين سكت شوية لكنه هز راسه بشرود:
"تمام..."
بعد نص ساعة...
وصلوا تحت عمارة ضحى.
ليلى اتصلت:
"يلا يا دودو... احنا تحت."
ضحى خرجت...
أول ما شافت العربية... وقفت.
ثم...
اتجمّدت.
النظرة راحت من العربية...
للشخص اللي قاعد قدّام...
للرقّة اللي في عينه...
للزي العسكري اللي بيكمّل هيبته.
زين.
زين أول ما لمحها قلبه دق بعنف...
ضحى فضلت واقفة... حرفيًا مش قادرة تتحرك.
ليلى فتحت الشباك وكسرت الصمت:
"يا ضحااااا... يلا يا بنتي اتأخرنا! اركبي!"
ضحى اتحرّكت بخطوات متلخبطة...
فتحت الباب وقعدت جنب زين.
الجو سكت.
زين قال بنبرة هادية... مفيهاش ولا حاجة زيادة:
"إزيّك يا ضحى."
ضحى بلعت ريقها:
"الحمد لله... يا حضرة الظابط."
أول ما قالت "حضرة الظابط"...
زين شدّ إيده ع الدركسيون بملامح مضايقة شوية...
وشغّل العربية من غير ولا كلمة زيادة.
والعربية تحركت...
بس التوتر...
قعد معاهم لحد ما وصلوا الشركة.
_____________________________________
لينا كانت نازلة السلم بخطوات واثقة، لابسة جاكتة جلد سودة وفستان صوف لحد الركبة، شعرها مرفوع لفوق بطريقة شيك ومبين رقبتها، ومعاه أقراط فضيّة وإكسسوارات عاملة صوت خفيف مع كل خطوة.
وأول ما نزلت، عينها وقعت على عائشة قاعدة على ترابيزة الفطار، قدامها كباية شايح ،لينا ابتسمت بأدب وهي بتقرب:
- صباح الخير... إنتِ أكيد عائشة، صح؟
عائشة ردّت بابتسامة بسيطة: - أيوه... وإنتِ لينا؟
- أيوه أنا ..أنا الصراحه كنت عايزة أتعرف عليكي من وقت ماجيتي القصر بس مجاتش فرصه بسبب شغلي وإني معظم اليوم بكون بره ..مبسوطه إني اتعرفت عليكي يا عائشة .
عائشة ابتسمت بخجل بسيط: - ده شرف ليا.
لينا ضحكت بخفة، مدّت إيدها وخدت ساندوتش مربّى من على الترابيزة: - معلش هستأذن بقا... عندي شغل كتير النهارده.
وبعد ما قالت كده، عدّلت الجاكتة على كتافها ومشيت بخطوات سريعة ناحية الباب. فتحت باب القصر، والهوا البارد لفّها، وخرجت وهي بتحاول تخبّي القلق اللي ساكن جواها اليومين دول.
لكنها ما كانتش تعرف... إن اللي مستنيها برا القصر، مش مجرد يوم شغل. ده بداية حاجة أكبر بكتير.
__________________________________________
في شركة الشريف، ليلى وضحى كانوا قاعدين في واحد من المكاتب الجانبية، الورق مفتوح قدامهم بس الكلام كان أهم من الشغل.
ضحى كانت باين عليها الزعل، ماسكة القلم وبتلفّه بين صوابعها بعصبية: — زين اتعامل معايا عادي قوي… ولا كإن فيه حاجه ،انسان بارد ومستفز
ليلى بصّت لها بندم: — أنا آسفة يا ضحى، والله ما كنت أعرف إنه هو اللي هيوصلنا. لو كنت أعرف…
ضحى قاطعتها بهدوء حزين: — لا يا ليلى، أنا مش زعلانة منك. وبعدين يعني… كده كده كنا هنتقابل، الدنيا صغيرة.
سكتوا لحظة، وليلى سرحت ثواني، وبعدها رفعت عينيها وقالت بتردد: — ضحى… أنا محتاجة أحكيلك حاجة مهمة عن زين.
ضحى رفعت حاجبها: — حاجة إيه؟
ليلى خدت نفس طويل: — هقولك… بس اسمعيني للآخر.
وبدأت تحكي لها كل حاجة… عن زين، وعن خطيبته اللي اتقتلت، وعن اللي حصل بعدها، وإزاي الموضوع سابه مكسور ومتقفل على نفسه. كانت بتحكي بهدوء، وكل كلمة كانت بتقع تقيلة.
ولما خلصت، قربت منها وسألتها بقلق: — ضحى… إنتِ كويسة؟
ضحى كانت الدموع مالية عينيها، وصوتها طالع بالعافية: — عشان كده كان بيبعد عني… أنا كنت حاسة، بس عمري ما تخيلت ان جواه الوجع ده كله.
ليلى مسكت إيدها في صمت، قبل ما الباب يخبط خبطتين خفيفين.
السكرتيرة دخلت وقالت: — ليلى، آدم بيه عايز حضرتك في مكتبه.
ليلى استغربت: — دلوقتي؟
— أيوه.
قامت ليلى وهي حاسة بتوتر غريب، عدّلت هدومها، ومشيت ناحية المكتب. وقفت قدام الباب، خبطت، وبعد ثواني جاها الرد: — ادخل.
دخلت، لقت آدم قاعد ورا مكتبه، وأول ما شافها ابتسم: — أهلاً يا ليلى.
— حضرتك طلبتني؟
— اتفضلي اقعدي.
قعدت قدامه وهي متوترة شوية. آدم سألها بنبرة هادية: — مجتيش امبارح ليه؟
سكتت لحظة بتوتر وقالت: — كنت تعبانة شوية.
— ألف سلامة.
وبعدين غيّر نبرة صوته: — بصّي، في صفقة مهمة أنا داخلها، وعايزك تساعديني فيها.
ليلى رفعت عينيها باستغراب: — أنا؟ ليه أنا بالذات؟
ابتسم وقال: — عشان شايفك حابة المجال، وعندك شغف. ولو اشتغلتي معايا في الصفقة دي، هتستفيدي خبرة كبيرة.
ترددت ثانية، وبعدين قالت: — تمام.
ابتسامته وسعت: — نبدأ شغل على الصفقة من بكرة. ولازم تيجي معايا مقابلة بكرة عشان نكتب شروط العقد وتتعلمي.
ليلى هزّت راسها بموافقة لكن جواها خوف مبهم مش فاهماه.
_______________________________________
عمر دخل غرفته على مهله، كان المكان هادي إلا من نور الأباجورة الخافت. بص حواليه بعينه على عائشة، لحد ما لمحها نايمة على السرير، ورق مبعثر حواليها وفي ايديها كتاب، وملامحها هادية .
قرب منها بخطوات خفيفة، سحب الكتاب من بين صوابعها بهدوء، وحطه على الكومودينو. وقف لحظة يتأملها… شعرها مبعثر على المخدة، ونفسها المنتظم كان بيريّح قلبه غصب عنه.
مد إيده وغطاها كويس، وباس جبينها بلمسة خفيفة، كإنه بيعتذر من غير كلام.
طفي النور، وخرج من الأوضة وقفل الباب وراه بهدوء.
وقف في الممر شوية، ضهره للحائط، خد نفس عميق، كإن القرار اللي أخده أخيرًا تقيل بس لازم. طلع الموبايل من جيبه، ودور على اسم يحيى.
— ألو؟
صوت يحيى كان صاحي ومترقب: — عمر؟ في حاجة؟
عمر بلع ريقه وقال بصوت ثابت: — أنا… أنا خدت القرار.
— قرار إيه؟
— أنا موافق أتعالج… وأدخل المصحّة.
سكت الخط ثواني، قبل ما يحيى يقول بنبرة فيها ارتياح حقيقي: — أخيرًا يا عمر… القرار ده هيغيّر كل حاجة.
قفل عمر المكالمة، ولف وبص ناحية باب أوضته تاني، وابتسامة صغيرة حزينة ظهرت على وشه.
لأول مرة من سنين…
حاسس إن الطريق لسه ما انتهيش.
______________________________________
في شركة الريان جروب…
لينا كانت واقفة جنب مكتبها، عينيها متعلقة من بعيد بمكتب ريان.
جنى كانت واقفة عنده، ضحكتها عالية شوية، قريبة زيادة عن اللزوم، وإيدها بتتحرك وهي بتشرح حاجة على اللابتوب.
لينا قبضت على القلم في إيديها من غير ما تحس.
جنى مالت على المكتب وقالت بدلع: — طب شوف كده، الرقم ده مظبوط ولا أراجعه؟
ريان رد بهدوء مهني: — راجعيه تاني أحسن.
دخلت مكتب ريان من غير ما تخبط: — باشمهندس ريان، الملف اللي حضرتك طلبته جاهز.
ريان رفع عينه باستغراب: — ماشي يا لينا، سيبيه هنا.
جنى بصتلها بنظرة مستفزة وقالت: — شكراً يا حبيبتي.
كلمة حبيبتي كانت القشة اللي قصمت ظهر الصبر.
لينا بصتلهم بحزن وغيره وخرجت من المكتب بخطوات سريعه من الغضب.
___________________________________
عائشة كانت واقفة عند باب الجناح، عينيها متعلقة بعمر وهو بيقفل شنطته .
دموعها كانت بتنزل على خدها في صمت، لحد ما شهقة صغيرة خرجت منها غصب عنها.
عمر وقف فجأة.
لفّ وبصلها، وساب اللي في إيده وقرب منها بخطوات سريعة.
مسك إيديها وقعدها على طرف السرير: — ممكن أفهم… بتعيطي ليه؟
بصّتله ودموعها مغرقة عنيها: — عشان هتسافر… وتسيبني هنا.
تنهد وقعد جنبها: — يا عائشة، دي سفرة شغل مهمة ومينفعش تتأجل.
— وأنا؟
قالتها بصوت طفل خسر أمانه.
— أنا بحس بالوحدة هنا.
مد إيده ومسح دموعها بإبهامه: — انتي مش هتبقي لوحدك.
— ليلى موجودة، ولينا كمان اقعدي معاهم… وأنا هبقى أكلمك أطمن عليكي على طول.
سكتت شوية، وبعدين سألت بصوت مكسور: — هتقعد قد إيه؟
هز راسه بأسف: — لسه معرفش.
الوجع بان في عينيها أكتر.
عمر شدّها عليه، وحضنها بقوة كأنه بيحاول يسيب جزء منه معاها.
— هتوحشيني…
قالها بصوت واطي.
رفعت وشها له، وهو رفع دقنها بإيده، عينه في عينها، مليانة حنية وشوق.
قرب منها بحب صادق، لحظة صمت طويلة كانت أبلغ من أي كلام.
وبعدين بعد خطوة صغيرة.
وش عائشة احمرّ بخجل، ونفسها بقى سريع، قلبها كان بيخبط بقوة.
ابتسم بخفة وقال: — هرجعلك يا عائشة.
هزّت راسها بهدوء، وهي ماسكة في قميصه كأنها خايفة يختفي.
وهو، رغم قراره الصح، حس إن البُعد عنها أصعب بكتير .
عمر خرج من الأوضة، الشنطة في إيده، وملامحه ثابتة بس عينيه شايلة كتير.
أول ما لفّ، لقى يحيى واقف مستنيه، لابس جاكته وماسك مفاتيحه، باين عليه إنه جاهز من بدري.
يحيى : — جاهز؟
عمر هز راسه وقال بنبرة مختصرة: — جاهز.
يحيى قرب منه، خد الشنطة من إيده: — متقلقش… أنا هبقى معاك خطوة خطوة.
عمر ابتسم ابتسامة خفيفة: — عارف… وعشان كده وافقت.
وقفوا لحظة صمت، وبعدين عمر لفّ بنظره ناحية الجناح اللي سابه وراه، نفس عميق خرج من صدره.
يحيى حط إيده على كتفه: — اللي بتعمله ده صح… ليك وليها.
هز عمر راسه موافق، ومشيوا سوا في اتجاه السلم، وكل واحد فيهم شايل قرار تقيل…
بس المرة دي، القرار فيه أمل.
______________________________
في مكتب ريان…
ريان كان قاعد في الركن القريب من الشباك، اللابتوب مفتوح قدامه، وملفات المشروع متبعترة على المكتب.
قصاده كانت لينا، قاعدة مستقيمة زيادة عن اللزوم، عينيها مثبتة في الورق بس توترها واضح في كل حركة.
الصمت كان تقيل…
غير صوت تقليب الصفحات ونقر القلم على المكتب.
لينا رفعت راسها فجأة وقالت بنبرة مشدودة: — هي البشمهندسه الجديدة لازم تبقى في مكتبك طول الوقت؟
ريان رفع حاجبه بهدوء: — تقصدي إيه؟
— أقصد إن فيه حاجه اسمها حدود للشغل.
ابتسم ابتسامة جانبية فيها سخرية خفيفة: — من إمتى وإنتي بتحدديلي مين يدخل مكتبي؟
سكتت، رجعت تبص في الأرقام، بس إيديها كانت بترتعش وهي بترتب الورق.
الوقت عدى…
والساعة قربت على عشرة بالليل.
الشركة بقت فاضية تقريبًا، غير مكتب ريان اللي نورُه لسه منوّر.
لينا كانت قاعدة قصاده، بتراجع أرقام المشروع بعصبية واضحة.
ريان قال وهو بيقفل الملف: — إحنا بقالنا ساعة بنلف في نفس النقطة.
— عشان حضرتك مش شايف المشكلة. قالتها من غير ما ترفع عينيها.
— لا… قرب الكرسي شوية. — عشانك متوترة من غير سبب.
وقبل ما ترد…
النور قطع فجأة.
اللابتوب فصل، الشاشة سابتهم في ضلمة مفاجئة، والمكتب غرق في عتمة شبه كاملة غير نور خافت داخل من الشباك.
لينا شهقت بخضة: — في إيه؟!
قامت بسرعة وراحت ناحية الباب، مسكت المقبض وشدّت… مافتحش.
— الباب قافل؟!
ريان قام من مكانه بهدوء غريب وسط التوتر: — أيوة…
— النظام هنا حديث. لو الكهربا قطعت، الأبواب بتقفل أوتوماتيك.
لفّت تبصله بقلق: — يعني إيه؟ هنفضل محبوسين؟
— لحد ما النور يرجع أو الأمن يلاحظ.
سكتوا.
الضلمة… القرب… وصوت أنفاسهم اللي بقى واضح.
لينا كانت واقفة جنب الباب، ضهرها ليه، بتحاول تهدى رعشة إيديها.
ريان قرب خطوة… وبعدين وقف، سايب مسافة صغيرة، بس كفاية تخلي وجوده محسوس.
قال اسمها بهدوء خلّى قلبها ينقبض: — لينا…
— لو سمحت، ابعد احنا في شغل. قالتها بصوت مهزوز رغم محاولتها تبان ثابتة.
— ما ينفعش. رد بسرعة. — عشان اللي بينا عمره ما كان شغل وبس.
لفّت تبصله، عينيها لمعت في العتمة: — إنت فاهم غلط.
— لأ. نبرته كانت واثقة بشكل يخوّف. — أنا شايف غيرتك…
في كل مرة جنى تقرّب، في طريقتك، في عصبيتك، حتى في سكوتك.
بلعت ريقها، وصوتها طلع مبحوح: — وغيرتي دي تهمك في إيه؟
قرب خطوة تانية، بقى قدامها مباشرة: — تهمني… سكت لحظة، وبعدين قالها باعتراف صريح: — عشان أنا كمان بغير.
اتجمدت مكانها: — بتغير…؟
— أيوة. — من أي حد يلفت نظرك، من أي حد يخليك تضحكي وأنا مش السبب.
ضحكت ضحكة قصيرة مكسورة: — وبتقول كده عادي؟
— لأ، مش عادي. — أنا بقالي فترة بحارب ده… بحاول أقنع نفسي إنك مجرد مهندسة شاطرة لافته نظري مش أكتر.
قرب أكتر، المسافة بينهم بقت أنفاس: — بس كل مرة تبعدي، تحطي رسميتك بينا… بحس إني بخسرك.
عينها دمعت غصب عنها: — وأنا؟ — فاكرني كنت بعمل كده ليه؟
صوته هدي: — قولي.
— عشان خوفت ... خوفت أبقى واحدة زيادة في حياتك… وخوفت أكتر إن إحساسي يبقى من طرف واحد.
مد إيده، بس وقف قبل ما يلمسها: — إحساسك غلط .. إنتي مش مجرد واحده بالنسبالي .
سكت لثواني قبل ما يكمل : لينا .. أنا بحبك
وفجأة… النور رجع ، وكشف نظرة الذهول والصدمة اللي مرسومة على وش لينا
________________________
في شركة آدم الشريف…
آدم كان واقف قدام الشباك الزجاج، ضهره للمكتب، سيجارته مطفية بين صوابعه من غير ما ياخد باله.
الراجل بتاعه دخل بتردد وقال: — الأخبار الأخيرة وصلت يا آدم بيه.
آدم لفّ ببطء: — قول.
— الصورة اللي اتبعتت لمرات يحيى الصياد…
سكت لحظة.
— ما عملتش أي نتيجة. علاقتهم ماشية طبيعي جدًا.
فكه اتشد، عينيه لمعت بضيق: — إزاي؟!
— واضح إنها متجاهلة الموضوع أو واثقة فيه.
آدم ضغط على أسنانه: — طيب… كده لازم نغير الخطه
وبعدين فتح عينه بشر من الفكرة الي خطرت على باله : بقولك ايه ابعتلي صورة السنيورة مراته .
الراجل طلع الموبايل وفتحه، وبعت الصورة.
الموبايل في إيد آدم اهتز.
الصورة اتحمّلت على الشاشة ببطء.
أول ما شافها…
اتجمد مكانه.
ملامحه اتغيرت فجأة، الصدمة باينة في وشه.
قرب الموبايل من عينه، كأنه مش مصدق.
— ليلى…؟
صوته طلع مبحوح.
ضغط على الصورة، كبّرها، بص في تفاصيل وشها، عينيها… نفس الملامح اللي محفورة في ذاكرته.
صرخ بغضب: — ليلى تبقى مرات يحيى الصياد؟!
رمى الموبايل على المكتب بعنف: — لا… لا مش معقول!
الراجل حاول يتكلم: — آدم بيه…
قاطعه بصوت مليان نار: — كده الموضوع كبر.
قرب من المكتب، فتح درج، طلع صورة قديمة مهترية، بص فيها بعين مليانة وجع وانتقام.
— يحيى أخد كل حاجة…
رفع عينه بنظرة مظلمة:
— حتى ليلى.
شد قميصه، أثر الجرح القديم باين، مسكه بألم: — المرة دي…
— أنا اللي هكسب
