رواية ظنها دميه بين أصابعه الفصل المائة وعشرة
تُرهيبها وتُحيرها نظرات هذا الرجل التي يختلسها كلما وقعت عيناه عليها وتجعلها ترغب في سؤاله ، ما الذي فعلته له حتى تجد منه تلك النظرة الغريبة، فهي لم تجتمع معه إلا ثلاث مرات وفي كل مرة يصب نظراته إليها تزداد تساؤلاتها و يرتجف جسدها.
_ أهلًا، أهلًا "ساري" بيه.
هتف بها "صالح" وهو يمدَّ يده نحو "ساري" الذي صافحه على الفور بحبور.
_ يا مرحبا يا مرحبا كابتن "صالح" ، لقد غيبت عنا الأجتماع الماضي.
ابتسم "صالح" وهو يُصافح الرجل الأخر الواقف جواره.
_ بعتذر كنت في عطلة قصيرة مع المدام وأبني "يزيد".
رده الصريح الذي يوضح فيه سبب تغيبه، جعل "ساري" ينظر نحو "رغد" التي اختفت ابتسامتها ثم اشاحت بوجهها عنهم.
_ العائلة وسعادتهم لابد أن تأتي في مقدمة أولوياتنا.
قالها "ساري" وهو يضغط على كل كلمة يتحدث بها ثم أردف.
_ حمد لله على سلامتكم.
ابتلعت "رغد" لعابها عندما لمحت نظرة أخرى منه، نظرة يخبرها فيها أن لا مكان لها في حياة رجل عاشق ومخلص لزوجته لكن ما لا يعرفه عنها إنها تتشبث بحلم يعكس حماقة عقلها.
اِستدار "صالح" إليها وهتف بنبرة صوت هادئة.
_ "رغد".
وفي نفضة جسد ملحوظة وألتفافة سريعة حدقت به، أبتسم "صالح" وهو يشير إليها أن تدخل المصعد.
تلاقت نظرة "رغد" السريعة بعينين ذلك الذي اختطف نظرة سريعة مماثلة إليها ثم تنحى جانبًا حتى تدخل المصعد أولًا.
_ تفضلي آنسة "رغد".
رمقته بنظرة متوتره ثم دلفت سريعًا إلى المصعد بحركة جعلت "صالح" يرغب بالضحك مُتمنيًا داخله أن تعود "رغد" كما كانت تلك الصغيرة صاحبة تسريحة سنبلة الشعر.
....
حدقت "ليلى" نحو "سيف" بنظرة مرتعدة وهي تراه ينظر إليها. أشاحت عيناها عنه..، فهو يبدو من ملامحه ونظرة عينيه وكأنه في عالم آخر.
ألصقت جسدها بحافة الدرج وتساءلت بصوت مهزوز دون أن تنظر إليه.
_ أنت كويس، محتاج مني حاجة أساعدك فيها.
« أنت من جعلتني أنظر إلى غيرك "سيف"، جعلتني أنظر إلى حب عمك إلى زوجته، لن أخدعك ما دام طريقنا أنتهى هنا ، أنا أحببت عمك وفعلت كل ما بوسعي حتى أسقطه في حبي وأعتقد أن "سمية" هانم والدتك فعلت ذلك من قبل، لا أنا ولا والدتك نحمل البراءة ولا أنت حتى، أنا مُدنس بـ ذنب "شهد" ، ومُذنب في حق "ليلى"، أنت مثلنا في كل شئ..»
حركت "ليلى" رأسها جهته ببطء ومازال الخوف يُسيطر على خلجات وجهها لتتسع عيناها فجأة في ذعر وهي تراه يقبض على يديه بقوة ثم بعدها ضرب على حافة الدرج صارخًا.
_ أنا خاين ووحش ليه تكون زي...
أطبقت "ليلى" جفنيها بقوة تهتف بنبرة صوت مُتحشرجة.
_ أنت مش وحش يا "سيف".
أتى العم "سعيد" مهرولًا بعد أن اجتذبه الصوت وهو يدخل من الباب الخارجي للمطبخ ثم خرجت شهقة قوية منه تحمل صدمته عندما رأى "سيف" بهذا المظهر.
_ يا خبر يا بشمهندس ،إيه حصلك... قلبي كان بيقولي إن فيك حاجة.
اقترب منه العم "سعيد" لكن "سيف" وضع يده أمامه.
_ متخليش حد موجود هنا يا عم "سعيد"، مش عايز أشوف حد.
هز العم "سعيد" رأسه وهو يقف بينه وبين "ليلى" مُتمتمًا.
_ حاضر يا بني، حاضر.
صعد "سيف" الدرج بخطوات بطيئة وصدى صوت "كارولين" وصراخها عندما أطبق على عنقها يخترق مسامعه.
نظرت "ليلى" إلى العم "سعيد" مُتسائلة وهي تضع يدها على قلبها الذي هدرت دقاته من شدة فزعها.
_ هنسمع كلامه ونسيبه لواحده ؟
نظر إليها العم "سعيد" وهو لا يعلم أي قرار عليه أختياره، فهو لا يستوعب حتى هذه اللحظة مظهره الذي لا يدل على حدوث خيرًا.
_ أنت مش شايف شكله يا عم "سعيد"!!
قالتها "ليلى" ثم انتفض جسدها حينما أجفلها هي والعم "سعيد" صوت زمجرته وذلك التحطيم الذي يحدث بالأعلى.
_ أنا مش فاهم حاجة يا بنتي، خلينا نكلم البيه يمكن يفهمنا.
أطرقت رأسها ثم فركت يديها بتوتر وهي تبتلع ريقها.
_ أنتِ كلمتي البيه و فهمتي منه سبب اختفائه عن البيت؟
ذلك الصوت القوي الذي أجفلهم مرة أخرى ،جعل العم "سعيد" يرفع عيناه إلى أعلى.
_ لأ البيه لازم يعرف، أنا طالع أشوف في إيه، هي فين مراته كمان، راجع لواحده من غيرها ليه يكونش خلِصنا منها و أرتاحنا.
قال كلامه ثم ضاقت حدقتاه عندما وجدها تنظر إليه بتردد.
صوت التحطيم تكرر لمرة أخرى ،فأسرعت ليلى بألقاء كل ما لديها.
_ "كارولين" أتقبض عليها في شقة مفروشة وهو يعني في وضع مش تمام.
فتح العم "سعيد" فمه ثم لطم صدره بيده لتكتمل صدمته عندما أردفت "ليلى" بصوت خائف ومُرتعش.
_ و "سيف" بات ليلة في الحبس وكانت حامل لكن...
أسرع العم "سعيد" بالتساؤل.
_ لكن إيه يا "ليلى"، عيني عليك يا بيه وعلى اللي بيحصل ليك، أنا قولت وكأن لعنة صابتنا.
ضرب هذه المرة العم "سعيد" فخذيه وهو يستمع إلى صوت كل ما يُلقى أرضًا.
طأطأت "ليلى" برأسها وقد أنتابها شعور بالحزن وسألت نفسها ، هل تلك اللعنة أصابت حياتهم لأنها أصبحت جزء فيها، فهي منذ أن جاءت إليهم وبَدْء كل شئ يسوء.
_ أنا هطلع أشوفه يمكن أعرف أتكلم معاه وأكله لقمة، ما هو يعني كان مستني إيه من واحدة زيها.
...
أخفض "صالح" عيناه نحو أوراق المناقصة التي على وشك أستكمال التوقيع على بنودها وكاد أن يلتقط القلم ليقوم بوضع اسمه هو الأخر لتوثيق الشراكة الجديدة كـ البقية لكن أنتباهه على أهتزاز هاتفه ببضعة رسائل تأتي وراء بعضها جعلته يترك القلم من يده وسحب الهاتف بلهفة قائلًا بأعتذار.
_ بعتذر منكم لحظة...
خرج من غرفة الأجتماع والقلق يُسيطر عليه ، فهي أخبرته في الصباح عن شعورها بالألم أسفل بطنها.
احتدت قسمات وجه "شاكر" وهز رأسه بأستياء ملحوظ.
تتبعته "رغد" بعينيها ثم حركت رأسها نحو الجد، فلم تجد على وجهه إلا التجهم وقد تأكدت أن المتصل هي "زينب".
قبض "ساري" على القلم بشفتيّ مزمومتين من الضيق وهو يُتابع أفعالها التي تُوقد غضبًا داخله لا يعلم سببه.
...
نظرت "زينب" إلى "يزيد" الذي يلتقط كل ما يعجبه من عُلب خاصة بوصفات سريعة التحضير ثم غمز لها بطرف عينه.
_ جدو "نائل" قالي إن طنط "سما" بتعمل كريم كراميل جميل وده أحلى حاجة بتعملها.
ضحكت "زينب" عندما تذكرت ما قاله جدها إلى "يزيد" بعد أن سأله عن الطعام الذي سوف تطهيه لهم "سما" حتى يأتوا لتناول الغداء معهم.
أرتفع رنين الهاتف في اللحظة التي أنطلقت فيها ضحكتها الخافتة.
_ "زوزو" هانم الرايقة ، مخرجاني من الاجتماع وأنا قلقان وهي بتضحك.
أسرعت "زينب" بكتم صوت ضحكتها ثم نظرت نحو "يزيد" الذي وقف مُحدقًا بها.
_ معلش يا حبيبي، أصل "يزيد" قال حاجة وأحنا بنشتري الطلبات من السوبر ماركت وأنا ضحكت غصب عني...
زمّ "صالح" شفتيه بأمتعاض، فـأردفت قبل أن يتحدث.
_ "صالح"، أنا بقيت كويسه.. زي ما أتفقت معاك هروح عند جدو أنا و "يزيد" ونتغدا هناك وطبعًا يا حبيبي هستناك عشان نقوله الخبر السري سوا بعد الغدا ومتقوليش أنتِ كنتي تعبانه الصبح، لأ أنت عارفني مش هسمع الكلام.
احتقنت ملامح "صالح" و أشاح بوجهه مُتنهدًا.
_ يا زين ما أختار ليا "شاكر" باشا...
عقدت "زينب" حاجبيها ثم أشارت إلى "يزيد" حتى يُحادثه.
_ بابي عايزين نروح عند جدو "نائل" ومتخافش على "زوزو" أنا معاها وهي خلاص خفت وبطنها مبقتش توجعها.
زفر "صالح" أنفاسه ثم أخفض رأسه ، فـ هل يجد حِيْلة أمامهم بالرفض أو القبول.
_ قول أه يا بابي، أنا و "زوزو" هنزعل منك ونخاصمك وأنت بتفضل زعلان.
تلاقت عينايّ "يزيد" مع عينيها، فأسرع بالعض على طرف شفته ثم حرك لها أصبعه ألا تصدر صوتًا.
خرجت زفرة طويلة من شفتيّ "صالح" ثم ابتسم عندما واصل صغيره حديثه البرئ.
_ لو قولت لينا لأ ، "زوزو" هتنام جانبي وأنت لأ.
وضعت "زينب" يدها على شفتيها حتى تكتم صوت أنفلات ضحكتها التي كاد أن يصدح صداها بالمكان.
_ أنت بتهددني يا ولد ، ماشي خليني أكلم "زينب" لأنكم أنتوا الاتنين عايزين إعادة تربية.
_ "زوزو" خدي كلمي بابي عشان عايز يعمل لينا حاجة اسمها إعادة تربية مع أنك كبرتي على الحاجات ديه.
جحظت عينايّ "صالح" وقبل أن يتحدث بشئ وجد والده يضع يده على كتفه قائلًا بمزاح.
_ أنت شكلك نسيت إن في اجتماع مهم، أنت كده هتجلط جدك يا حبيبي.. هات التليفون وأدخل بدل ما نلاقي فوق رأسنا دلوقتي وهنسمع منه أحلى كلام.
لم يعطيه والده فرصه للرد وألتقط الهاتف منه ثم تحرك مُبتعدًا حتى يستكمل المكالمة عنه.
_ أنا بقيت أتعاير بيك على كبر، يرضيكي كده يا "زوزو".
....
وضعت "ليلى" يدها على قلبها عندما أستمعت إلى صرخة العم "سعيد" ثم هرولت إلى الأعلى بأنفاس تخرج غير مُنتظمة وقد تملك الخوف منها.
توقفت بـ ساقين كـ الهلام ،فهي لا تستطيع الأقتراب من الغرفة ومعرفة سبب صرخة العم "سعيد".
_ الدم يا بيه، الدم...
خفق قلبها من الرعب وتصور المشهد ثم أطبقت أجفانها حتى تطرد خوفها جانبًا وتقترب من الغرفة.
تنفست الصعداء حينما رأت العم "سعيد" بخير ، فأفكارها أخذتها إلى أمور أكبر من استيعاب عقلها لها.
_ عم "سعيد"، لازم نربطله أيده بسرعه...
بدء العم "سعيد" يستوعب ما يراه ويعيشه اليوم لتصدر صرخة جديدة منه.
_ أنت عملت في نفسك إيه يا بني...
...
أنهت "زينب" مكالمتها مع "صفوان" الذي أعطاها الأذن بأن تفعل ما يحلو لها وإذا اعترض أبنه تُحادثه لكن عليها أن تهتم بتلك الصغيرة التي ستأتي إلى عائلتهم بعد أشهر.
توهجت ملامح "زينب" بالراحة ثم أطرقت رأسها نحو بطنها تسأل تلك الصغيرة المُستقر وضعها بأحشائها ،هل هي بالفعل فتاة.
_ "زوزو"، أحنا كده أشترينا كل حاجة في السوبر ماركت، نشتري إيه تاني...
نظرت "زينب" إلى الأغراض الكثيرة التي قاموا بشرائها ثم فكرت قليلًا.
_ بيتهيألي يا "زيدو" كفاية كده ، إحنا ضيعنا فلوس كتير من فلوس بابي.
_ خليه يدفع يا "زوزو"، هو معاه كتير.
نظرت "زينب" إليه وهي تكتم صوت ضحكتها بصعوبة ثم هزت رأسها بتأكيد.
_ لو أنت شايف كده خلاص، أنا بمشي ورا قراراتك عشان أنت الراجل.
اتسعت ابتسامة "يزيد" و انتفخت وجنتيه الشهية التي تدعوها للتقبيل ثم حرك رأسه عدة مرات.
انصتت "مروة" إلى حديثهم ثم أطبقت بكف يدها على عبوة صلصة الطماطم التي التقطتها للتو من أحد الرفوف العلوية.
ـ كنتي طفلة مُدللة ولما كبرتي بقيتي برضو زوجة مُدللة ووقعتي على راجل من عائلة كبيرة هيمان فيكي ،آه نفسي أعرف أنتِ واخده الحظ ده من مين؟
سارت "مروة" ورائهم بخطوات حذرة ومدروسة وحينما أتت اللحظة التي عليها إظهار صدمتها لرؤية "زينب" أسقطت أحد الأغراض من يدها.
اِستدار "يزيد" جهتها وفي عينيه نظرة فزع اختفت سريعًا ثم اتجها إليها حتى يُساعدها كما تعلم.
ـ أنتِ كويسة يا نانا؟
عندما نطق "يزيد" بتلك الكلمة ، أحتقن وجه "مروة "..، هل هذا الصغير ينعتها بالجدة.
التفتت "زينب" إلى "يزيد" ثم عقدت حاجبيها وهي تصوب نظراتها عليهم.
ـ أيوة يا حبيبي ،أنا كويسة.
أبتسم "يزيد" ثم مدَّ لها يده بما ألتقطه من الأرض.
ـ شكرًا يا حبيبي ، أنت ولد جميل.
اقتربت "زينب" منهم وهتفت.
ـ مدام "أنجي" ، غريبة أني اشوفك هنا ؟
خرجت شهقة دهشة من شفتيّ "مروة" ثم نظرت إلى "زينب" وعادت تصوب نظراتها نحو "يزيد".
ـ أستاذة "زينب" مش معقول ، تعرفي أنك كنتي على بالي وكنت ناويه أول ما أروح المعهد النهاردة أقولهم إني عايزاكي أنتِ تدرسيلي ليا اللغة ، أصل بصراحة أنا مش فاهمة حاجة من زميلتك بعد ما أنتِ أعتذرتي.
اِفتر ثغر "زينب" عن ابتسامة ،فتساءلت "مروة".
ـ هو القمر ده أبنك.
ردة فعل "زينب" عندما اجتذبت "يزيد" إلى حضنها ثم ردها عليها،أدهشاها.
ـ أيوة أبني.
ابتسمت "مروة" وابتسم يزيد لها.
ـ ما شاء الله ، شكله يشبه لــ باباه.
رفع "يزيد" رأسه نحو "زينب" وعلى شفتيه ابتسامته العذبة.
ـ لأ أنا شبه ماما "سارة" ، صح يا "زوزو".
أومأت "زينب" برأسها إليه ثم داعبت أحد خديه أمام نظرة "مروة" الثاقبة.
ـ أهو لما بيقولوا صدفة خير من ألف ميعاد مكذبوش.
حاولت "زينب" رسم ابتسامتها ، فهي لا ترتاح إليها وقد جاء أمر عطلتها مع "صالح" وأعتذارها عن أستكمال دورة اللغة هذا الشهر من حظها حتى لا تلتقي بهذه المرأة.
ـ تصدقي يا أستاذة "زينب" أنا لما بشوفك بأرتاح.
استمرت "زينب" بتحريك رأسها وهي تستمع حتى صاروا أمام الشخص المسئول عن تقديم فاتورة السلع.
دهشت "زينب" هذه المرة كانت أقرب إلى الذهول وهي تسمع منها رقم البناية السكنية التي تعيش فيها.
ـ مالك يا أستاذة "زينب" بتبصيلي بصدمة كده ليه ، أوعي تقوليلي إنك من سكان العمارة بتاعتنا ، أصل أنا من دردشتي مع البواب في الفترة الأخيرة خصوصًا إني بدأت أتعود على حياتي في مصر، قالي إني من سكان العمارة طيار ومستشارين ...
لم يتركها "يزيد" لأستكمال حديثها وصاح بحماس.
ـ أيوة بابي طيار.
...
التقطت "ليلى" أنفاسها أخيرّا وهي ترى العم "سعيد" يُغادر الحمام مُغلقًا الباب ورائه.
ـ بالعافية خلاني أطهرله جرح أيده ولف الشاش عليه وصمم إنه ياخد دوش بارد.
ثم أردف بأستياء بسبب صلابة رأسه.
ـ هنزل المطبخ أعمله كوباية عصير بسرعة وأنتِ يا بنتي لمي هدوم الملعونة ديه بلاش يخرج يشوفها.
هزت "ليلى" برأسها قائلة:
ـ حاضر يا عم "سعيد" ومتغبش عليا لأحسن خايفة ، أنت شايف مش في وعيه خالص.
استجمع العم "سعيد" شتاته وتنهد وهو يتحرك من الغرفة.
ـ هعمل العصير وأطلع ليكي علطول.
....
دخل "هارون" إلى شركته وهو يشتغل غضبًا من إحراج خطيب أبنته له بعد أن ألتقىٰ به بالنادي الرياضي الذي يُفضل الذهاب إليه هذا اليوم من الأسبوع.
لم يهتم بتحية موظفيه له ولا بنظرتهم إليه بسبب ملابسه الغير رسمية والتي لا يأتي بها إلا الشركة.
غادر المصعد بخطوات يظهر عليها غضبه ثم اتجه نحو غرفة مكتب أبنته.
ـ "بيسان" هانم في مكتب "سمية" هانم يا "هارون" بيه.
نظرته الحادة أرعبت السكرتيرة الواقفة ثم سار بأتجاه غرفة مكتب زوجته بأندفاع ومقت.
ـ أنتِ شايفة كده ، يعني ده أنسب وقت أقرب فيه من "سيف"؟
ابتسمت "سمية" وهي تُحاول أن تُسيطر على ثباتها بعد أن فجرت "كارولين" هذا الصباح أمام "سيف" بهوسها بــ "عزيز"، وسألته لماذا تسعى والدته على تدمير علاقة عمه بزوجته إلا إذا كان هناك شئ يدفعها لهذا والشئ عند أمثالهن لا يكون سوى الحصول على رجل ألقاها من حياته وكأنه يُلقي القاذورات.
ـ حببتي ديه فرصتك ، هو محتاج تظهري له حبك دلوقتي.
ردت "بيسان" بتردد.
ـ لكن "سيف" دلوقتي مجروح وكاره كل الستات.
نهضت "سمية" من وراء طاولة مكتبها وأقتربت منها وجلست على المقعد المُقابل لها.
ـ "بيسان" وجودك مع "سيف" الفترة ديه هيفرق أوي ويرجع ثقته بالستات.
أنفتح الباب فجأة وصدح صوت "هارون".
ـ بتشجعي بنتي تقبل أبنك الخايب يا "سمية" وأنتِ يا هانم بتجري وراه..
انتفضت "بيسان" من المقعد عندما ألقى "هارون" الصور التي التقطتوها لهم سويًا.
ـ خطيبك فسخ الخطوبة لأنه ميشرفهوش يتجوز واحدة خاينه وبتضحك عليه.
أسرعت "سمية" نحوه حتى تستطيع السيطرة على الوضع.
ـ "هارون" ، خلينا نتكلم بصوت واطي إحنا في الشركة.
اِحتدت نظرات "هارون" وهو ينقلها بينهن ثم دفع يد سمية عنه.
ـ أبعدي أبنك عن بنتي يا "سمية" ولو زمان كنت موافق عليه ، دلوقتي مستحيل أقبل بي..مش على أخر الزمن أجوزها لواحد مراته خانته وكان عايز يلعب على مرات عمه ولا تكوني فاكراني نايم على وداني يا هانم.
ولأول مرة تتحول نظرة "سمية" نحو "هارون" إلى الذهول والصدمة.
....
حدقت "ليلى" بأحد أثواب النوم التي تخصها وقد وجدته بين أغراض "كارولين" المُلقى على الأرض وهي تُجمعها ، حاولت أن تتجاوز صدمتها سريعًا قبل أن يخرج من الحمام ثم التقطت بيدين مُرتعشتين بأغراض أخرى تخصها.
_ "كارولين" كانت بتاخد حاجتي ليه ، و أشمعنا قمصان النوم؟
وانفرج فمها على وسعه لتخرج شهقة ذعر منها عندما تذكرت أن كل ما كانت تفقده يأتي بعد الليلة التي تجلس فيها "كارولين" معها بغرفة نومها وتقترح عليها ما يجب أن ترتديه وما يفضله "سيف" من أثواب نوم يُحبها أن ترتديها له في لياليهم العاطفية وبالطبع العم سيكون مثل أبن شقيقه.
ارتجف جسد " ليلى" مع خروج شهقة أخرى من شفتيها ابتلعتها في جوفها سريعًا ،
"كارولين" مؤخرًا من وقت إلى آخر كانت تستدرجها بالكلام إلى أن يتحدثن عن علاقتهن الخاصة مع أزواجهن وهي كانت حمقاء مُغفلة وقد أنفلت لسانها لمرتين وأخبرتها بما يفضله "عزيز" معها....
سارت رعشة قوية في كامل جسدها ونظرت إلى كل قطعة ثياب تنتمي لها لتقبض على أحدى القطع العلوية الداخلية.
شعرت بدوار يعصف برأسها مع جفاف حلقها ثم أسرعت بتجميع كل الملابس ودسّهم في أحد أغطية الفراش.
...
ألقت "لبنى" نظرة ساخطة وهي ترى الضيف الذي لم يرغب بالتصريح عن هويته وأخبر الخادمة أن تُبلغها أن شخص عزيز عليها يُريد مُفاجأتها.
داعبت أبتسامة ساخرة شفتيّ "مراد" ثم أعتدل في جلوسه.
ـ طبعًا لو كنتي عرفتي بوجودي مكنتيش خرجتي ليا يا حماتي..
وتابع حديثه بنفس الأبتسامة السمجة التي تزيد من كرهها له.
ـ حفلة النهاردة مينفعش من غيرك ، عايزه الناس تشمت فينا.
اشتعلت عينايّ "لبنى" حقدًا و اجتذبت ذراعه حتى تطرده.
ـ أنا مش حماتك وقريب هتطلق بنتي منك وهخليك كمان تبوس أيدي.
تجلجلت صوت ضحكاته ثم سحب ذراعه من قبضة يدها.
ـ معنديش مشكلة أبوس أيدك دلوقتي يا "لبنى" هانم ، الأمور ديه من الأتيكيت.
حدجته "لبنى" بنظرة غاضبة وكادت أن تمد يديها وتدفعه على صدره، فأستطرد قائلًا:
ـ على فكرة أنا وبنتك سمن على العسل وقريب هنقولك منتظرين بيبي جديد.
أرتعشت أجفان "لبنى" ويديها لينفرج فم "مراد" عن أبتسامة عريضة.
ـ يعني الترابط بينا هيزيد أوي...
أصبحت نظرة "لبنى" خاوية من أي شعور ، فأستكمل حديثه بمتعة.
ـ يعني مش لازم تزيديه بأقتراحك من جواز أبنك سيادة الرائد لأختي "زينة".
وبنبرة تحمل مبطن وجعلت قلب "لبنى" يخفق من الخوف.
ـ أنتِ المفروض تخافي على أبنك وتجوزي لـ بنت عمه بسرعة...
🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤
أن تضع يديك على شفتيك حتى لا يخرج صوت بكائك ويُشير إليك الأخرين بأنك رجل ضعيف ، فالراجل لا يبكون إلا عندما تُثقل أكتافهم وتهتز أفئدتهم قهرًا وعجزًا ، وهذا كان أحد دروس عمه له حينما كان طفلًا صغيرًا يقضي ليلته بالبكاء وحين يسألوا عن السبب يخفي وجهه في وسادته إلى أن أصر عليه عمه ذات ليلة أن يُخبره عن السبب وعندما أمتنع عنفه بلين وأخبره أنه رجل والرجال ليسوا كالنساء يبكون لأنهم يرغبون بالبكاء.
فاضت دموعه التي أختلطت مع المياة الباردة التي غمرت جسده المُتعب ثم بدء صوت بكائه يخرج...فـ صوت "كارولين" لا يرحمه بل يمزق صدره بحقيقة أبصرها لكنه أنكرها ،حقيقة حب والدته لـ عمه وكذبها عليه عندما أخبرته وهو صغير أنها تزوجت من عمه لأن جده أجبرها على هذا وأنها تحب والده وحزينة على فراقه.
« أنتِ يا ماما كنتي بتتخانقي مع بابا علطول وتقوليله إنه مش راجل.»
قالها وهو حزين على فقدانه لوالده الحنون ثم أخفض رأسه حتى لا ترى ترقرق الدموع في عينيه.
« يا حبيبي بكره تكبر وتفهم أسبابي لكن كل اللي أقدر أقوله ليك إن أبوك الله يرحمه كان حاططنا أحنا أخر همه وقرارات جدك لازم تتنفذ حتى لو على حسابنا ولو قولت له أحنا ولا جدك وعمك "عزيز" ، هيختارهم هما وأحنا لأ.»
« بس بابا كان بيحبني أنا و "نيرة" أوي وبيحبك أنتِ كمان يا ماما وكان ساعات يقولي لو أمك بس ترضى عني وتبتسم في وشي.»
وليلتها لم يفهم نظرة والدتها له لكن بعد سنوات فهم كل شيء وأتضحت الصورة له.
رأى بنظرته الصغيرة للأمور والتي لا تُبصر إلا أشياء محدودة ، أن والدته في الفترة التي تزوجت فيها عمه..هي من تُبادر بالتقرب منه وتذهب إليه غرفته حتى إنه في ذات ليله رآها وهي ترتدي ثوب قصير للغاية ثم أتجهت بعدها إلى غرفة عمه وأنتظرت عودته ولا تعلم أنه سمعها وهي تخبر عمه بحبها له وأنها زوجته وتُريد حقوقها ثم بعدها صدح صراخ عمه عليها.
« ألبسي هدومك يا "سمية" ، أنا قولتلك هتفضلي في نظري مرات أخويا ومش هلمسك.. أخرجي من أوضتي.»
« بكره تشوف يا "عزيز" ، هتلمسني وهنام في حضنك.»
حديث قصير أخترق مسامعه وهو صغير وكلما كبر وفهم العلاقة التي تحدث بين الرجل والمرأة انقلبت معدته وهو يتخيل عمه مع والدته حتى لو جمعهم زواج شرعي إلا أن الصورة لم يتقبلها عقله.
قبض على يده الجريحة مما جعل الدماء تسيل منها وتطبع على الرباط الطبي الملفوفة عليها ثم أطبق شفتيه ، فـ شيطانه الآن يدفعه إلى كره عمه.
ـ حتى مراتي حبيتك يا عمي ، كل محاولاتها إنها تتقرب منك مكنش عشان تكسب ودك ، لا ديه كانت عايزاك ، عايزاك تقوم بالدور اللي أنا بقيت أقرف منه.
...
ـ "ليلى" ، مالك يا بنتي مساهمة كده ليه؟
تساءل العم "سعيد" وهو يلتقط أنفاسه وفي يده كوب العصير.
لم ترفع "ليلى" عينيها إليه بل استمرت في تحديقها نحو ما جمعته من ملابس.
ـ "ليلى" ، أنتِ سمعاني يا بنتي!!
أغلقت عينيها لوهلة حتى تُسيطر على أفكارها وما تبعثر داخلها وأقتحمها من مخاوف.
ـ يا بنتي ، أنا مش مستحيل خضه ، أنا عملت العصير وأنا أيدي الاتنين بيترعشوا ولولا تعب "عايدة" كنت بعت ليها..
ثم أردف قائلًا:
ـ هو لسا في الحمام مخرجش ليكون عمل في نفسه حاجة.
نظرت نحو العم "سعيد" بنظرة مذعورة ثم استندت بيديها على كومة الملابس التي لَمْلَمَتها ونهضت.
ـ أنتِ وشك ماله بقى مخطوف كده؟
ثم استرسل العم "سعيد" بحديثه.
ـ صحيح ، ما هو اللي وقع فوق رأسنا مش سهل برضو.
بنبرة صوت مُرتعشة هتفت "ليلى".
ـ عم "سعيد" خبط على باب الحمام ونادي عليه ، صوت المية من ساعت ما أنت نزلت موقفتش.
أعطاها العم "سعيد" الصينية التي يحملها دون أن ينتبه على رعشة يديها.
ـ "سيف" يا بني ، أفتح ليا الباب ، أنت سمعني يا بني.
وواصل العم "سعيد" طرقه على الباب ثم نظر نحو "ليلى" التي وقفت شاردة.
ـ ده مش بيرد عليا يا بنتي ، تعالي أنتِ كلميه يمكن يسمعك ويرد علينا.
ابتلعت "ليلى" لعابها ثم أتجهت إلى مكان وقوف العم "سعيد" بخطوات ثقيلة.
ـ "ليلى" ، أنتِ هتفضلي بصه على الباب كده.
تقابلت عينين "ليلى" الشاردتين بعينين العم "سعيد" وهتفت بصوت مُتحشرج.
ـ "سيف" ، رد علينا ، أحنا خايفين عليك ، أرجوك رد أو أعمل أي حاجة تخلينا نعرف أنك كويس.
توقف صوت مرش الأستحمام لينظر إليها العم "سعيد" ثم زفر أنفاسه بقليلاٍ من الراحة.
ـ كده هو سمعنا.
اقتربت "ليلى" من باب الحمام وكادت أن تتحدث إليه مرة أخرى لربما يسمعها لكن صوت صراخه عليهم أفزعها وجعلها تتقهقر إلى الوراء.
ـ عم "سعيد" ، أنا مش قولتلك مش عايز حد في الفيلا.
....
ابتسمت "سما" عندما أفصح لها الصغير عن ما أخبره به جدها ، فهي بالفعل لا تجيد الطبخ عكس "زينب" التي أجبرتها المسئولية على إجادته بعد أن صار كل شيء في حياة جدها على عاتقها.
ـ يعني جدو قالك كده ، طب روح قوله إنه محروم من الكريم كراميل.
صاح "يزيد" مناديًا باسم الجد وغادر المطبخ راكضًا.
ـ جدو "نائل" ، جدو "نائل"...
تحولت أبتسامة "سما" إلى ضحكة قصيرة جعلت "زينب" تُشاركها الضحك.
ـ مش هيسيب حد إلا لما يقوله وعقابً لأبوه يديني رحلة طيران مجاني.
ـ يا سلام أحلى تذكرتين طيران وأختاري البلد كمان.
عقدت "سما" حاجبيها دون فهم وتساءلت.
ـ تذكرتين طيران ليه ، تقصدي هتطلعوني رحلتين ..
ثم أردفت "سما" مازحة.
ـ لأ كده كرم منكم يا حرم سياده الطيار.
غمزت لها "زينب" بطرف عينها إليها مبتسمة ثم وضعت يديها على كتفيها.
ـ المهم ننول الرضى يا حضرت المضيفة ونشوف أبتسامتك من تاني.
تنهدت "سما" ثم أطرقت رأسها ،فأسرعت "زينب" في أستكمال كلامها.
ـ أنا عارفة إنك سيبتي الضيافة واتنقلتي لــ الأدارة ، أهم حاجة تكوني مبسوطة من قرارك ولو عايزاني أتكلم مع "صالح" وترجعي تاني...
ضحكت سما وأنطلق الكلام منها بمرح.
ـ أيوة بقى يا "زوزو" يا جامد بقيتي مسيطرة.
التمعت عينين "زينب" ثم أشاحت بوجهها عنها.
ـ أنا و "صالح" مكنش أسعد زوجين في بداية جوازنا وكل الكلام اللي كان منتشر عن سبب جوازه مني كان صح.
اندهشت "سما" من "زينب" التي أتخذت قرارها أن تُخبرها اليوم عن تلك الفترة من حياتها الزوجية والتي مضت.
ـ في كل مرة كنتي بتقوليلي أنك قلقانه عليا ،كنت بكون عايزه أقولك أحضنيني لكن مكنتش عارفة أقول إني موجوعه أو مجروحة.
أرادت "سما" أن تُقاطعها.
ـ صعب علينا نقول إننا كنا مخدوعين يا "سما" ، صعب أوي الموضوع ده على الست لأنه بيشككها في أنوثتها ويفتح قدامها أسئلة كتيرة ملهاش جواب.
أندفعت "سما" إلى حضنها باكية.
ـ أنتِ معرفتيش تقوليلي يومها أحضنيني لكن أنا بقولك أحضنيني يا "زينب" وسامحيني لأني لما بعدت عنك ، خوفت أني أكرهك.
أقترب الجد من المطبخ هذه اللحظة وصاح فيهن.
ـ بتحضنوا في بعض وسيبني أنا والولد المسكين جعانين.
...
احتضن "عزيز" ذلك الصغير الذي يشم فيه رائحة صديقه ، فنظرت "نارفين" إليه وهي تستند على ذراع صديقتها.
ـ لأ تشغل بالك بنا سيد "عزيز" ، عود إلى مصر وأنت مطمئن..
حاولت "نارفين" أن يكون صوتها ثابتًا وألا تخنقها الدموع ،فهي تعلم أنه لديها كارثة تنتظره لكن لم يصرح عنها بالأضافة إلى أعماله التي عليه ترتيبها حتى يستطيع أدارة عمله و عمل "نيهان".
وضع "عزيز" قبلة طويلة على جبين الصغير النائم في سلام ثم تمتم بدعاء أن يحفظه الله وأن يعود إليه والده وينعم برؤيته ويراه وهو يكبر أمام عينيه.
ـ هرتب أموري عشان أقدر أتابع الشغل هنا وفي مصر.
وبحرج أردف "عزيز" دون أن ينظر إليها.
ـ وأسمحيلي أكلمكم يوميًا أطمن على "نهيان" و "عزيز".
هزت "نارفين" رأسها وهي تُقاوم دموعها.
ـ بالطبع سيد "عزيز"...
أبتسم "عزيز" عندما فتح الصغير عينيه ثم أغلقهما، فهمس إليه.
ـ "نيهان" هيرجع لينا وهنتشارك أنا وهو في حبك.
....
أسرعت "زينب" في وضع يدها على فم "سما" حتى لا يصدر صوت صياحها مرة أخرى.
ـ يعني أنا بقولك من غير فضايح ، تقومي تتنططي.
أزاحت "سما" يدها عنها ، فأسرعت "زينب" بوضع يدها مرة أخرى.
ـ "سما" من غير صياح ، "يزيد" ميعرفش أني حامل لأن صالح و أنا متفقين نأجل الخطوة ديه شويه لأسباب وكمان مش هنقول الخبر غير لـ ناس محدودة.
دفعت "سما" يدها عنها ثم أطلقت أنفاسها دفعة واحدة حتى تستطيع ألتقاطها.
ـ هتخنقيني عشان السر العسكري بتاعك وشهرين تلاته كده وتمشي ماشية الحوامل والكل يعرف عادي ...
ثم تابعت "سما" حديثها بأستياء.
ـ هتقولي ليهم أن ده أنتفاخ من القولون.
ألتوت شفتيّ "زينب" بعبوس ، فضحكت "سما".
ـ خلاص هكون مؤدبة وهقدر أني كنت من الأشخاص الموثوق فيهم نحو هذا الحدث العظيم.
امتقعت ملامح "زينب" ، وتابعت "سما" كلامها الذي يحمل مُشاكستها.
ـ نفسي أشوف ردة فعل سيادة اللواء لما يعرف أنك حامل وهتجيبي له "صالح" صغير أو "زوزو" صغيرة.
أبتهجت ملامح "زينب" ، فالأمر صار يُشعرها بسعادة لا تعرف لها وصف.
ـ إيه يا "زوزو" مالك ، دلوقتي بقيتي مكسوفة.
وأستمرت "سما" في تلميحاتها لترمقها زينب بنظرة ساخطة.
ـ خلاص هسكت أهو.
ثم أجفلتها "سما" بأحتضانها مجددًا وتمتمت بأمتنان.
ـ شكرًا يا "زينب" ، أنا محظوظة عشان أنتِ و جدو في حياتي.
ـ "زوزو" ، بابي جيه.
ارتفع صوت "يزيد" عندما وقف على عتبة باب المطبخ ثم اتبع حديثه وهو يعود أدراجه إلى مكان جلوسه مع الجد.
ـ لقيتهم برضو حضنين بعض يا جدو ، شكلهم هيسيبونا جعانين.
ضاقت حدقتيّ "صالح" واِستدار بجسده سريعًا صائحًا.
ـ "سما" متحضنيش مراتي ديه ملكية خاصة.
....
نظر "هشام" بغرابة إلى "لبنى" التي تجهزت بأفخم ثياب لديها بل ووقفت تتأمل هيئتها بالمرآة.
ـ "لبنى" ، أنتِ هتيجي معايا الحفلة.
ألتفت "لبنى" إليه واقتربت منه.
ـ أه هحضر معاك ، مش ديه حفلة معمولة على شرف بنتي ...
وأردفت قائلة:
ـ "مراد" جالي النهارده يترجاني أحضر لأن "أشرقت" زعلت لما عرفت أني رافضة أحضر من غير أسباب وبعد محيلته عليا قولت مزعلهومش ، ما أنا وجودي وسطيهم مهم أكيد.
رمقها "هشام" بنظرة طويلة وثاقبة.
ـ في إيه يا "هشام" ، بتبص كده ليه ولا كأنك مستغرب من قراري.
رد "هشام" سريعًا بعدما انتبه على صمته الذي طال.
ـ أنا مستغربك في كل حاجة يا "لبنى".
وتابع حديثه دون لباقة أعتادتها منه.
ـ ده أنا قولت خلاص أتجننت بعد ما كل الدكاترة قالولي إن تعبك نفسي مش أكتر.
أحتل التجهم قسمات وجه "لبنى".
ـ لأ متخفش متجننتش يا سيادة المستشار ولا أنت كنت عايزني أتجنن عشان تكمل سرمحة ولا فاكرني نايمة على وداني.
ظهر الخوف في عينين "هشام" ،فأبتسمت وهي تمرر عيناها عليه.
ـ عيب على مكانتك وشيبتك يا سيادة المستشار وعمومًا أنا عارفه أنه مجرد وقت وتزهق.
بصعوبة خرج صوت "هشام" وهو يزيل عن جسده سترته ويبتعد عن أنظارها.
ـ أنتِ بتقولي إيه يا "لبنى" وأنا اللي بقول رجعت لعقلها.
قهقهت "لبنى" بصوت عالي.
ـ عادى يا "هشام" الرجاله في الخمسين بتكبر وتخرف وأكيد نزوة وتمر يا حبيبي...
واستكملت حديثها.
ـ خد الشاور بتاعك يا حبيبي بسرعة وأجهز لازم نكون أول الحضور لأني عزمت ناس أصحابنا عشان يجيوا يشوفوا بنتنا متجوزتش أي جوازه.
قطب "هشام" جبينه واِستدار إليها ، فهل من تتحدث أمامه اليوم هي "لبنى" زوجته التي أصابته في الأيام الماضية بالحيرة عن رغبتها الشديدة من أنفصال أبنتهم عن زوجها.
....
اخفت "شهد" أبتسامتها عندما وقعت عينين والدتها عليها ثم تساءلت وكأنها لا تُصدق ما حدث.
ـ لكن هو عرف منين أنها بتخونه؟
تنهدت "عايدة" تنهيدة طويلة ونظرت جهة "ليلى" الشاردة مع أفكارها وكأنها لا تسمعهن.
ـ "شهد" كفاية أسئلة في الموضوع والحمدلله إن ربنا كشفها.
أرادت "شهد" أن تتحدث.
ـ شوفتي أهي "كارولين" اللي أنتِ كنتي معجبة بيها الفترة ديه طلعت إيه، ياريت بقى نظرتك للناس تتغير وتفهمي إن في ناس مينفعش نقرب منهم ولا ننبهر بيهم لأنهم فتنة لينا في الدنيا وأتمنى تحطي حدود من صداقتك مع "لميس"
اِحتدت ملامح "شهد" وتمالكت نفسها حتى لا يصدر عنها ردة فعل لا تتحملها والدتها.
ـ وهي مالها "لميس" بالموضوع ، من الأول أبيه "عزيز" حذره وهو اللي جبها لينا من أمريكا.
انتبهت "ليلى" على حديثهن أخيرًا ، فهي مازالت في صدمتها من أمر ثياب نومها في خزانة "كارولين" ولا تجد لها إجابة واضحة.
ـ أنا قولت وخلاص وكلامي يتسمع يا "شهد".
ألتقطت "شهد" طبق طعامها الفارغ حتى تتجه به إلى المطبخ وتغسله.
ـ أنا شبعت الحمدلله.
نظر العم "سعيد" إليها ثم تساءل بحاجبين معقودين.
ـ مالها مكشرة كده ، أنا مش عارف هتكون دكتورة إزاي.
زفرت "عايدة" أنفاسها بيأس من أفعال أبنتها التي أثبتت لها أن الدلال أفسدها.
ـ سيبك منها يا "سعيد" وقولنا سمع كلامك و رضي ياكل.
ترقبت "ليلى" رد العم "سعيد" بلهفة، فهي تشعر بالشفقة نحوه.
ـ لا يا "عايدة" ، أترجاني أمشي من الفيلا ، البيه لازم يرجع في أسرع وقت.
أطرقت "ليلى" رأسها نحو طبق طعامها الذي لم تمس شيء منه وفي داخلها أتخذت قرارها ، أن تُخبر "عزيز" بما وجدته في حزانة ملابس "كارولين".
...
احتقنت ملامح "صالح" ثم ألقى عليها نظرة شزرة بسبب أستمرارها بالضحك.
ـ عارفة لولا إن لازم نحضر الحفلة السخيفة بتاعت
"عدنان الهتيمي" كنت عرفتك إزاي تقولي لـ جدك إنك موافقة تقعدي عنده شهور الحمل لحد ما تولدي.
وبنبرة صوت غاضبة هتف.
ـ لأ ومصدوم أنك حامل وبيقولي حامل إزاي.
ضحكت "زينب" بقهقهة متقطعة ، فـ ردة فعل جدها بالبداية كانت غريبة إلى أن وجدته يجهش بالبكاء ثم أحتضنها.
ـ أنتِ بتضحكي على إيه.
أخذت "زينب" نفسًا عميقًا حتى تتوقف عن الضحك.
ـ بضحك على كل حاجة حصلت النهاردة ، أصل اليوم كله كان عجيب ومسخرة.
أطبق "صالح" على كفوف يديه ، فهربت من أمامه ضاحكة.
ـ هنتأخر على الحفلة وبكده هنتأخر على جدو و "يزيد" في ميعاد رجوعنا.
وتعالت صوت ضحكاتها، مما أزاد من تجهم ملامحه.
ـ أنسي أننا نرجع من الحفلة على جدك ، أنا هخلي ماما تجيبيه وتيجي على هنا.
وبوجه ممتقع تابع حديثه الحانق.
ـ قال سيبها عندي لحد ما تولد أصل أنا أكتشفت إنك مش جدير بحفيدتي.
....
أبتسم "مراد" بتلك الأبتسامة التي تقود من غضبها وتزيدها كرهًا له.
ـ أتعدلي يا حبيبتي وأفردي وشك بدل ما أنت عارفاني.
قالها هو يضغط على فكها ، فتأوهت من الألم.
ـ أبعد أيدك عني ، هو حتى الضحك بالغصب.
خفف "مراد" من قبضة يده على فكها مُبتسمًا.
ـ أيوة كل حاجة بالغصب ومش هتتعملي معاملة الهوانم غير لما أعرف إنك حامل.
دفعته عنها ورمقته بنظرة اِشمئزاز.
ـ وأنا أستحالة أحقق ليك الأمنية ديه.
انفرج ثغر "مراد" بسخرية وتحرك نحو الفراش حتى يلتقط سترته.
ـ هنشوف يا حببتي ، ما أنت خلاصك مني مش هيكون غير كده و "مراد الهتيمي" طول ما هو قال إنه عايز حاجة هياخدها يعني هياخدها.
أندفعت إليه تضربه بقبضتيّ يديها على ظهره.
ـ يا مريض يا مجرم ، أنا مش عارفة إزاي بابا أتخدع فيكم.
أجفلها "مراد" بألتفافته السريعة وأسقاطها على الفراش ثم محاصرتها بذراعيه بعدما صار يعلوها.
ـ سيادة المستشار مش نزيه أوي ولا أنتِ حتى نزيها ولا نسيتي إنك أخدتي منصبك من حد تاني يستحقه.
حدقت به بنظرة واهنة وحلق جاف، فمن أين علم بهذا الأمر؟
ـ قومي كملي لبسك وخلينا ننزل ، الحفلة النهاردة على شرفنا يا بنت سيادة المستشار.
...
اتسعت أبتسامة "عدنان" عندما أبصر مجيء "لبنى" وقد شعر بالراحة لرؤيتها وتقبلها إلى ما حدث.
ـ أهلًا أهلًا، "لبنى" هانم ، أخيرًا شوفناكي ، ألف سلامة عليكي.
صافحته "لبنى" ببرود أنتبه إليه "عدنان" وأيضًا "هشام".
ـ أهلًا يا "عدنان" بيه ، أومال فين "أشرقت" و "مراد"؟
تساءل "هشام" ، فأبتسم "عدنان" وهو ينظر نحو "لبنى" التي وقفت ترمقه بنظرة شزرة جعلته يرغب بالضحك.
ـ زمانهم نازلين حالًا ، النهاردة هما أصحاب الحفلة..
لم تمر سوى دقائق وظهر "مراد" و "أشرقت" تتأبط ذراعه. نظرة "لبنى" الغاضبة تحولت إلى الحنان والأشتياق لأحتضان أبنتها لكن أجبرت نفسها سريعًا على الأستمرار في قسوتها عليها حتى تدفعها إلى الأنتقام من هذا الرجل.
همست "أشرقت" بصوت خافت وسحبت ذراعها عنه.
ـ ماما..
اندهش "مراد" عندما وجدها تتحول إلى طفلة صغيرة عند رؤيتها لوالدتها.
فتح "هشام" ذراعيه إلى أبنته وتقابلت عينين والدتها مع عينيها.
ـ وحشتيني يا ماما...
المشهد المؤثر وحده "مراد" و والده وقفوا ينظرون إليه بقلق ، فهل عودة "لبنى" للظهور في حياتهم سيُغير شيء.
ـ أنا هنا مش عشانك ، أنا عشان أحمي أخواتك من شر جوزك ، "قصي" و "علي" ملهومش ذنب إن ليهم أخت حطت رأسنا في الأرض.
وحديث والدتها الذي لم يسمعه أحد إلا هي كان قاسيًا للغاية وجعلها تنظر إليها راجية أن ترحمها من هذا العقاب.
...
توقفت "سيلين" عن أرتشاف العصير الذي ترتشف منه ببطء حينما ألتقطت بعينيها نظرة "مراد" نحو الضيوف الوافدين الآن ولم يكونوا سوى عائلة "الزيني".
ـ مرات صالح الزيني بنت عم سيادة المستشارة، هو أنا إزاي قدرت أنسى موضوع زي ده.
وبأبتسامة واسعة أردفت وهي تتابع لحظة ترحيب "عدنان" لهم ونظرة "أشرقت" ووالدتها نحو حفيد "شاكر الزيني" و زوجته.
ـ لأ كده أنا محتاجه أشعلل النار في قلب سيادة المستشارة بس تخلص الحفلة بسلام.
...
اقترب "عدنان" من "مراد" هامسًا.
ـ عينك يا أبن "عدنان" ، مش ناقصين مشاكل...روح أقف جانب مراتك لأحسن تتهور وتفضحنا.
أسبل "مراد" أجفانه مُتنهدًا ، فـ "زينب" المرأة الوحيدة التي تعيد إليه ذكريات دافئة.
ـ ليك عندي هدية قريب، عشان تعرف إن أبوك بيحبك.
قالها "عدنان" وهو يضع يده على كتفه، فأستدار "مراد" إليه ثم اِفتر ثغره بأبتسامة عريضة.
ـ معقول "عدنان" باشا بيفكر يهاديني ، لأ يا باشا ده أنت اللي ليك هدية عندي.
عقد "عدنان" ما بين حاجبيه وقبل أن يتساءل ، أنتبه على مجيء "ألهام" دون "زينة".
ـ هي مجبتش "زينة" معاها ليه ، كنت عايز أعرفها على ابن صديق ليا...
ابتعد "مراد" عنه وهو يصوب نظراته هذه المرة نحو خالته التي هزت إليه رأسها بأنها نفذت طلبه ولم تأتي بـ "زينة" معها.
و الحفلة لم تكن إلا حفلة مظاهر خادعة من وجهة نظر "زينب" التي هتفت إلى "صالح" برجاء ، خاصة بعد معاملة زوجة عمها الجافة ، أما أشرقت لم تهتم لوجودها ولم تأتي حتى لمصافحتها رغم تقابل نظراتهن.
ـ "صالح" خلينا نمشي ، أنا اليوم كان طويل و مرهق وحاسة إني تعبانة.
واللهفة التي رأتها "لبنى" في عينين "صالح" وهو يضع ذراعه حول خصر "زينب" ، جعلت ملامح "لبنى" تشتعل تجهمًا وهي تنظر نحو أبنتها.
ـ أبنك يا "صفوان" ، ما شاء الله بقى راجل مُطيع أوي.
ألقى "شاكر" حديثه الساخر أمام "عدنان" الذي تظاهر بعدم أهتمامه لحديثهم العائلي.
أشاح "صفوان" بوجهه عن والده وشعر بصواب قرار "حورية" ورفضها عن الحضور في أخر لحظة بل وأيضًا "رغد" تعلّلت بشعورها بالتعب وعدلت عن قرار حضورها هي الأخرى.
...
غادر "عزيز" بوابة المطار بوجه مُتعب وجسد واهن ثم أشار إلى أحدى سيارة الأجرة حتى يذهب بها إلى الفيلا.
...
اهتزّت حدقتيّ "سيف" وأسرع بأشاحة وجهه عن والدته التي لم يتمني رؤيتها...
ـ "سيف" حبيبي...
صوتها أشعل فؤاده بالمزيد من الحقد عليها ، أقتربت منه لكن نظرته القاتمة التي صوبها إليها أخافتها وجعلتها تتوقف مكانها...
